الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
(من هو السيد ومن هو الخادم ؟) بعض إنطباعاتى عن الخرطوم
|
لفت انتباهي جلبة وضوضاء في أحد الشوارع الرئيسة . لاحظت إن شرطة المرور تحاول أن تخلي الشارع من المارة لوزير قادم ، تحيطه سيارات فارهة ومواتر وعدد من المرافقين . سألت أحد المارة من يكون هذا ؟ لم يشأ أن يذكر اسماً أو يشر إلي حقيبة وزارية بعينها .سألت نفسي ألا يستطيع هذا الوزير أن يقود سيارته بنفسه ! ويوفر علي الوطن هذا المال المهدر، وعلي المواطنين وقتهم وعلي نفسه ومن معه الحرج ، كم سيارة ترافقه ؟ كم رجل شرطة في حراسته ؟كم من الوقت ضاع علي المواطنين الذين حشروا حشرا ريثما يمر سعادته ؟ هذا لا يحدث في العالم المتحضر . أذكر كنت في رفقة صديق في قطار الأنفاق في مدينة تورنتو الكندية عندما نبهني هذا الصديق إلي وجود وزير النقل في ذات العربة التي كنا فيها ، تصور الوزير يستقل قطار الأنفاق! تذكرون قبل سنوات خلت كتب أحد المواطنين رسالة لمحرر ( من يوم إلى يوم ) في صحيفة الرأي العام ، عندما كانت حرية الصحافة أصلاً وليست هامشاً ! يقول للمحرر : إنه شاهد السيد وزير الزراعة حماد توفيق يوصل ابنه إلي مدرسة الخرطوم غرب الابتدائية بسيارة الحكومة . تصوروا ! كتب السيد حماد توفبق في اليوم التالي رداً يعتذر في أدب ، موضحاً إنها المرة الأولي التي يستخدم فيها سيارة الحكومة لغرض شخصي وكان تحت وطأة ظرف طارئ. تأمل كيف كان المال العام مقدسا ! وكيف كان المواطن يملك حق المساءلة !حدثني الصديق الدكتور عبد الله أمين التوم الذي يعمل إستشارياً للمناظير في مستشفي زايد العسكري قائلاً : كانت أمي تتوسل إلي أبي الذي كان وزيراً حينذاك _ يقصد أمين التوم _ أن أوصلها إلي " بيت البكا " بسيارة الحكومة كان يرفض رفضاً باتاً وقد حرم علي كافة أفراد الأسرة إستخدام سيارة الحكومة طيلة الفترة التي كان فيها وزيراً . ليس ذالك فحسب ، ألم يشاهد أحدكم الأستاذ المحجوب الذي كان يقود سيارته بنفسه بدون ضوضاء أو إستعراض ، وأيضاً مبارك زروق يفعل الشيء نفسه . ألم يكن السيد يحي الفضلي يسكن في بيت تملكه الأوقا ف في حي شعبي في الخرطوم غرب ! وحسن عوض الذي كان وزيراً للداخلية ولا يملك بيتاً حتي وفاته ومحمد نور الدين الذي كان وزيراً و شيع إلي مثواه الأخير من الشعبية في الخرطوم بحري . الزعيم الأزهري عندما شيد له تجار الحزب بيته الحالي والذي يبدو متواضعاً إذا قورن ببيت مسؤول صغير الان ، قامت الدنيا ولم تقعد ! عن ماذا تدلل هذه الأمثلة المضيئة ؟ عن قدسية المال العام ، أم عن طهارة اليد ، أم عن شرف المسؤولية ، أم عن النزاهة ، أم عن كلها معاً ؟ أم عن التطبيق الفعلي لمبدأ " الشعب هو السيد والوزير هو الخادم " .كل هؤلاء ذهبوا وتركوا من بعدهم سجلاً ناصعاً وشفافاً يشرف وطنهم وأبنائهم من بعدهم . لماذا لا يكون الشعب هو السيد وقد كان كذالك عبر التاريخ ، في كل أنحاء الدنيا ما عدا في عالمنا الثالث ! إذا كان الشعب هو الذي يدفع مرتب السيد الوزير و تكاليف كل هذا الكم الهائل من سياراته الفارهة وسيارة السيدة حرمه و موبايلات أفراد الأسرة من الجنسين ويدفع إيجار منزله ذو الطوابق المتعددة وتذاكر سفره لقضاء الإجازة الصيفية في المكان الذي تختاره السيدة حرم الوزيروتكاليف علاجه في أرقي المستشفيات في العالم ! كيف يكون الشعب خادما و الوزير سيداً ! يجب تصحيح هذه العلاقة المغلوطة ، باعتبا ر أن كل موظفي الخدمة العامة وعلي رأسهم السيد الوزير علي أي مستوي يكون وفي أي موقع كان ، هم خدام الشعب صاحب السيادة وليس العكس . لماذا كل مخصصات السيد الوزير تدفع فوراً و بدون إبطاء أو تأخير! بينما مستحقات الشعب من صحة البيئة والعلاج والتعليم وشبكة المجاري وتوفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء والأمن وقائمة طويلة لا يسع المجال لذكرها مؤجلة منذ سنوات ؟ هل يجوز أن يفسح الشعب وهو السيد ، الطريق للوزير وهو الخادم ، كي يمر بينما هو ينتظر الساعات الطوال ؟ ممارسات كثيرة تستفزك وأنت تقارب بينها وبين ما تشاهده في البلاد الراقية ، التي تكون فيها السيادة فعلاً للشعب . أذكر أن وزير الإسكان في حكومة ميتران الأولي اتهم في ذمته حيث أشيع بأنه تصرف في قطعة ارض حكومية لحسابه الخاص ، و الرجل كان مشهوداً له بالنزاهة والإستقامة ، ذهب فوراً إلي نهر السين وتسلق أحد جسوره وسقط ليموت منتحراً . نحن لا نطلب من كل الذين تعدوا علي المال العام وأثروا ثراءً حراماً ، وشيدوا به قصوراً تتحدث بها المدينة ، أن يتسلقوا كبري النيل الأزرق ويلقوا بأنفسهم من هناك ، لأن في ذالك قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق ، فضلاً عن أن الكبري علي قدمه لن يتحمل هذا العدد الهائل ! . ولكن الذي نطلبه أن لا تمتد الأيادي الطويلة إلي المال العام ، خاصة إذا كان هو مال السيد، والأيادي الطويلة هي أيادي الخادم ! فلنتذكر جيداً التاريخ لا يرحم ، و عيون شبكة الإنترنت لا تعرف الحواجز ولا الحجب ! وقد سبق أن طفح كيلها بما تتحدث به المدينه من فاسدين ومفسدين لغيرهم .
|
|
|
|
|
|
|
|
|