|
Re: محمد سعيد القدال (Re: Mohamed Omer)
|
خواطر تاريخية حول أزمة الديمقراطية
محمد سعيد القدال
1
لعله من نافلة القول أن نسأل إن كانت الديمقراطية في أزمة أم لا، فقد أصبح الأمر جليا لكل ذي بصر وبصيرة. فالانقلابات العسكرية، وبقاء الحكام في مواقعهم لفترات تبعث على الملل والسأم، والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، والتدمير المتلاحق لمؤسسات المجتمع المدني، وتيار الهوس الديني الجارف، والأحزاب السلطوية الخاوية، والفساد المستشري، وتصريحات الحكام التي هي عبارة عن مونولوج مع الذات أكثر منها حديثا سياسيا راشدا، وأجهزة القمع التي تتصدى لكل صوت حتى ولو كان صرخة طفل. والاعتماد على شرعية السلطة بدلا من سلطة الشرعية، وتزييف الانتخابات، وتزييف الوعي بأموال الطفيلية.. كلها تصيح بالصوت العالي معلنة عن أزمة الديمقراطية. إنه واقع بائس هذا الذي يعيش فيه السودان وبلاد العالم الثالث. وبلغ التشاؤم مداه لدى البعض فسأل إن كانت هناك ديمقراطية أصلا حتى تكون هنالك أزمة؟ بل أخذ البعض يسأل في ريبة إن كانت الديمقراطية هي نظام للحكم يصلح لبلادنا. ووصل هذا البؤس مداه الهزلي في إعلان نظام الجبهة الإسلامية في السودان عن وجود ديمقراطية تتمثل في حرية الصحافة والسماح للأحزاب بممارسة نشاطها. ولكن إذا كانت حرية الصحافة والسماح للأحزاب بممارسة نشاطها هي الأمر الأفضل، فلماذا قهرتموه في البداية، ثم عدتم إليه؟ ولماذا تقدمونه مثل الدواء ملعقة في الصباح وملعقة في المساء؟ ولماذا تظل أجهزة القمع رقيبا على الحرية السياسية وكأنها هي التي تمتلك القدرة على التمييز بين ما يصلح وما لا يصلح لهذا البلد، وليس لها من قدرة على التمييز سوى سلاح البطش. إن المنهج التجريبي والتبريري أصبح ممجوجا بعد أن خاض العالم لجته في بحار من دماء وعنت. نتناول في هذه الورقة الجذور التاريخية التي أدت إلى أزمة الديمقراطية في السودان، أما حاضرها ومستقبلها فنترك أمره حتى نستبين ماضيه، لأن الحديث عن الحاضر بلا تاريخ تهريج، والحديث عن المستقبل بلا تاريخ نوع من التنجيم. البداية من التاريخ، لأن الإنسان حيوان ذو تاريخ. تركز هذه الورقة أساسا على تلك الجذور ولا تتناول تطور التجربة عبر مراحلها المختلفة. على أن تناول ذلك الحاضر والمستقبل يصبح أكثر يسرا إذا وقفنا على جذوره التاريخية، ليس في تجربة السودان وحده، أو تجربة العالم الثالث، بل نعود أولا إلى الجذور التي نبعت مهنا الديمقراطية الليبرالية في أوروبا، ثم نتابع جذور الأزمة في السودان. الديمقراطية الليبرالية هي من نتاج الثورة البرجوازية في أوروبا. وكان للثورة البرجوازية تجلياتها في المجال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وفي فصل الدين عن الدولة وسيادة العلمانية التي رفع ألويتها عصر الاستنارة. والديمقراطية الليبرالية هي الإنجاز السياسي للثورة البرجوازية. إن القاعدة الاجتماعية الثابتة هي التي هيأت للديمقراطية اللبرالية السير في يسر دون عوائق. وبدون هذه القاعدة تصبح ممارسة الديمقراطية صعبة وتعترضها عقبات. هذا لا يعني أن الديمقراطية الليبرالية نظام كامل لا تشوبه نقائص. إنها قطعا ليست كذلك، ولكنها أفضل ما توصلت إليه التجربة السياسية البشرية حتى الآن. والطريق مفتوح للمضي قدما وابتداع أنظمة أفضل. ونشأت الديمقراطية الليبرالية في صدام دموي مع الحكم المطلق والحق الإلهي والتسلط وهزمتها واحتلت مكانها في التاريخ على أنقاضها وفتحت المجال للتداول السلمي للسلطة. إن الديمقراطية تقوم أساسا على هذا التداول السلمي للسلطة، إذ بدونه يصبح الحكم نوعا آخر من التسلط. وهناك مثال لعل له دلالته. فعندما فاز الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ثلاث مرات متتالية (1933 ـ 1945)، انزعج الأمريكيون لأنهم خشوا أن يكون هذا نذير حكم مطلق مغلف بالديمقراطية. فتم تعديل الدستور الأمريكي لتصبح فترة الرئاسة فترتين فقط. فالقاعدة الاجتماعية الثابتة والتداول السلمي للسلطة هما ركيزتا الديمقراطية الليبرالية. وتكتمل الديمقراطية الليبرالية بقيام مؤسسات المجتمع المدني، فهي ركيزتها الثالثة. فالديمقراطية ليست فقط انتخابات وبرلمانا، وإنما أيضا مؤسسات مجتمع مدني تكمل هذا البنيان في ما يمكن أن نسميه constellation complex. من تلك المؤسسات الأحزاب السياسية التي تسعى لاستلام السلطة سلميا في إطار القاعدة الاجتماعية الثابتة. والأحزاب تجمّع طوعي لمجموعة من الناس تؤمن بأهداف مشتركة ولها برنامج معلن تسعى لإقناع الناس به سلميا، لتصعد إلى السلطة سلميا. فالأحزاب في ظل النظام الديمقراطي تؤمن بهذا النظام وتعمل على توسيع نفوذها مستغلة مناخ الحريات الذي يوفره، وليست منظمات تستغل ذلك المناخ الحر، وتتحين الفرص لتنقض عليه. حدث هذا في إيطاليا على عهد الحزب الفاشي، وفي ألمانيا على عهد الحزب النازي، وعلى أيامنا هذه عند بعض الأحزاب التي تلتحف بدثار ديني وتخفي في أحشائها تربصا ختولا وهو نذير شر مستطير. ومن ركائز الديمقراطية الأحزاب. إن الحزبين الكبيرين في السودان (الأمة والاتحادي الديمقراطي)، يعتمدان على الطائفية والقبلية، وهما مؤسستان صادمت الفكر المستنير في أوروبا شبيهاتهما صداما لا هوادة فيه، حتى استقام أمر الديمقراطية. ولكنّ المؤسستين لهما دورهما في المجتمع السوداني، ولم تتهيأ الظروف بعد للقضاء عليهما. ويقفان حجر عثر في سبيل الممارسة الديمقراطية. وهذا تناقض أساسي ينهش في كبد التجربة الديمقراطية. فقد شهد السودان مع بداية الديمقراطية تجارب لا علاقة لها بالديمقراطية، وهي ما عرف بالتصويت بالإشارة حيث يختار الزعم مرشحا في دائرة لم يرها طوال حياته العملية، وما على الناخبين إلا التصويت له. فمن العسير ممارسة الديمقراطية مع هيمنة الطائفية والقبلية، ولكن ما يزال المجتمع بحاجة لتينك المؤسستين ولا يمكن إلغاؤهما بجرة قلم وبإجراء إداري. كما أن قيام الأحزاب في مجتمع ما يزال الصراع فيه مفتوحا، يفجر بينها صراعا قد يكون أحيانا دمويا. فالأحزاب في النظام الديمقراطي الليبرالي مؤسسات لتداول السلطة سلميا دون أن يؤدي ذلك التداول إلى تغيير التركيب الاجتماعي أو إلى هزه. فالقاعدة الاجتماعية الصلبة تضمن عدم وقوع اهتزاز اجتماعي. كما شهدت بعض بلدان العالم الثالث قيام أحزاب في ظل السلطة الحاكمة. فهذه أحزاب سلطوية. وهذا النوع من الأحزاب أسوأ أنواع الأحزاب، لأنها تضم العناصر الانتهازية الفاسدة، التي تريد فقط استغلال السلطة. ولعل أسطع أمثلة ما حدث في السودان على عهد دكتاتورية نميري وتكوين الاتحاد الاشتراكي، فكان بؤرة فساد. وفي عهد الجبهة الإسلامية تكون حزب المؤتمر الوطني، وأصبح أيضا بؤرة فساد أصبحت رائحته تزكم الأنوف ويتحدث عنه الناس في مجالسهم بلا وجل. فما هو المخرج؟ لا أحد يملك حق إلغاء الأحزاب أو منع قيامها. فالأحزاب لم تقم برضا أحد، وهي لا تطلب إذنا لتنشأ. ولكن قيامها على مؤسسات تقليدية وتكاثرها، وأحيانا بشكل سرطاني، كما في بعض بلدان الشرق الأوسط، يجعل التجربة الديمقراطية عرضة للاهتزاز، بل وربما للفشل. والحل لا يأتي منفردا بالنسبة للأحزاب فقط. لا بد من تناول كل التجربة الديمقراطية
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:00 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:12 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Muna Khugali | 01-06-08, 07:19 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:48 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 11:37 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Osman Musa | 01-06-08, 11:49 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:00 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:09 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:13 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Ahmed Abushouk | 01-07-08, 00:26 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:20 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:28 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:41 AM |
Re: محمد سعيد القدال | عبدالمجيد صالح | 01-07-08, 00:37 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Abomihyar | 01-07-08, 00:44 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:55 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:59 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:03 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:12 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:02 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:05 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:19 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:22 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:38 AM |
Re: محمد سعيد القدال | اسامة جعفر | 01-07-08, 04:57 AM |
Re: محمد سعيد القدال | إسماعيل وراق | 01-07-08, 05:42 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Al-Sadig Yahya Abdall | 01-07-08, 05:55 AM |
Re: محمد سعيد القدال | خالد العبيد | 01-07-08, 10:41 AM |
|
|
|