|
Re: محمد سعيد القدال (Re: Mohamed Omer)
|
الإنقاذ بعد 18 عاما...وقفة وخواطر تاريخية
محمد سعيد القدال
(2)
تناولنا في الحلقة السابقة بعض تصريحات قادة الجبهة الإسلامية عندما تحالفوا مع نظام مايو. والتحالفات أمر مشروع في العمل السياسي. ولكن تبرير ذلك التحالف دينياً يثير الدهشة إن لم يثر ما هو أسوأ من ذلك. فالمصالحة مع نظام مايو لا علاقة لها بالقرآن. إن إقحام الدين في السياسة من أخطر الكوارث التي يمر بها العالم الإسلامي، ومن أكبر المحن التي شهدها السودان. وكان حزب الجبهة قد تدرب على هذا منذ حل الحزب الشيوعي عام 1965، ويبدو أته استمرأ الأمر. وكانت تلك هي بضاعته التي تاجر فيها في سوق السياسة.
الأمر الثاني أنهم ذهبوا في تبرير قبول المصالحة مع نظام مايو أنها أتاحت لهم فرصة العمل العلني وشبه العلني لتقوية تنظيمهم، مهما كانت طبيعة النظام الذي يعملون في ظله. فاحتلوا مناصب مهمة في الدولة. فأصبح حسن التربي عضواً في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، ثم مشرفاً سياسياً على دارفور، ثم نائباً عاماً، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية. وتعين أحمد عبد الرحمن وزيراً للشئون الداخلية، وعين يس عمر الإمام وسعاد الفاتح عضوين في مجلس الشعب. وفي عام 1980 أصبح يس عمر الإمام رئيساً لمجلس إدارة جريدة الأيام الحكومية. وبلغ شهر العسل ذاك قمته بانفتاح الأبواب على البنوك الإسلامية، التي عمل فيها جماعة الجبهة بهمة وراكموا ثراءً عريضاً. إن الفيلية هي زاد حزب الجبهة الأساسي في تطورها السياسي.
ثم أخذ قادة الجبهة يتبارون في الإشادة بنميري. فكتب يس عمر الإمام عن كتاب: النهج الإسلامي لماذا؟: الذي صدر باسم نميري يقول: (إن الكتاب انفعال كثيف بتجربة أمة في مرحلة دقيقة من تاريخها، ورؤية في قلب الأحداث لرائد كان له النصيب الأول في صنعها... ويكتسب مؤلف الأخ الرئيس أهميته كسفر تاريخي غير مسبوق في فكره ومحتواه (التشديد من عندي). وكتب موسى يعقوب يقول: إن نميري مسلم يسهم في بلورة الصحوة الإسلامية بفكره، وإنه بدأ الهجرة من منطقة المسلم العادي إلى منطقة المسلم العامل الملتزم (جريدة المسلمون، يونيو، 1982). ووصف الترابي نميري بأنه مجدد هذه المئة، أي أنه الإمام الذي يأتي على رأس القرن الهجري ويجدد الإسلام.
وعندما أعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983، التي سميت الشريعة ودفع الأستاذ محمود محمد طه حياته ثمنا لمعارضته لها، قال الترابي إن تلك القوانين جاءت بركة ضخمة، وأن الرئيس قاد الاتجاه السليم في المجال الاقتصادي والنمط السلوكي الرشيد في القيادة وفي مجال التشريعات بوجه حاسم لم يسبقه إليه أي حاكم من قبل. وتنصل عن حزبه وقال إن الذين ينسبونه إلى الإخوان المسلمين أرجو ألا يكونوا يقصدون طائفة منكفئة على نفسها تنتهز الفرصة للاستيلاء على السلطة!!. (التشديد والتعجب من عندي).
ووصل تلاحم جماعة الجبهة قمته عند مبايعة نميري إماما للمسلمين في قرية أبوقرون. فكتب يس عمر الإمام يقول: انهمرت الدموع في إبي قرون وهي تستعيد ذكرى السيرة العطرة ومواقف الصحابة في بيعة الرضوان... وتحرك رئيس الجمهورية وسط الناس يحيط به الحراس... البيعة عهد سياسي يقوم على ركائز الدين.. وأمر البيعة لا يستوي إيمان المرء إلا به.
وجعلهم عمى السلطة يسكتون على هجوم نميري المتواصل عليهم بعد أن أطل الصراع على السلطة برأسه. بدأ الهجوم تلميحاً، ثم أصبح أكثر وضوحاً. فقال في اجتماع القيادة المركزية للاتحاد الاشتراكي: (قسوت على بعض المرجفين والعملاء الذين باعوا أنفسهم وباعونا لغير هذا الوطن ولغير ديننا الحنيف، إنه النفاق... وإنني والشعب معي نعرف خداعهم في المظهر ونعرف زيفهم في الحياة وكذبهم في المعاملات... ونعرف من أين يأتون بالأموال وكيف أن مشاريع الثورة التي قصدنا بها تركيز الاقتصاد صارت مشاريع في أيديهم).
وفي فجر 11 مارس 1984 انقض نميري على حلفائه واعتقل قادة الصف الأول والثاني الذين عثروا عليهم. واندهش بعضهم لهذا الانقلاب المفاجئ، حتى أن أحدهم طلب من رجل الأمن الذي اعتقله أن يسمح له بالاتصال بالرئيس، فقال له إن الرئيس نفسه هو الذي أمر بالاعتقال. وأذاع نميري بيانا هاجم فيه حزب الجبهة قائلا: إنهم يتسترون بالإسلام لتقويض منجزات الشعب، وارتضوا المصالحة لتحقيق مآربهم السياسية، وشاركوا في تطبيق الشريعة الإسلامية بغرض التغول على مكتسبات الشعب والقفز للسلطة باسم الدين. وقال إنهم جماعة شيطانية، وهم أبعد الناس عن الإسلام، ويعملون من أجل تحقيق أهدافهم الرخيصة من خلال الدعوة بتجديد الإسلام، واتخذوا التطرف والتعصب والزج بالدين لكسب جولات سياسية. وأنهم بذروا الفتنة في الجنوب والشرق والغرب، واحتكروا السلع الاستراتيجية كالذرة والفول، وحولوا المصارف الإسلامية إلى قلاع مقفولة لهم وتلاعبوا بالنقد الأجنبي، وأدخلوا السلاح إلى السودان عن طريق دولة ترعى الإسلام.
الأمر الثالث الذي يثير الدهشة، أن قادة الجبهة الإسلامية بعد أن رفعوا نميري ونظامه إلى عنان السماء، انقلبوا 180 درجة وانهالوا عليه بعد سقوطه عام 1985. فأصدروا عدداً من الكتب، منها كتاب د. الترابي بعنوان: الحركة الإسلامية في السودان، التطور، المكسب، المنهج. الخرطوم 1990. وكتاب د. حسن مكي: الحركة الإسلامية في السودان: تاريخها وخطابها السياسي. الخرطوم 1990. وكتاب محمد وقيع الله: الإخوان وسنوات مايو. الخرطوم 1988(سوف نستعرض هذا الكتاب بالتفصيل في مقال منفرد). ونشروا العديد من المقالات في الصحف التي كان يسيطر عليها النظام وأوكل إليهم إدارة بعضها. فكتب الترابي يقول إن المصالحة مع نظام مايو أثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الإسلامية ولثارات الحركة من تلقائه ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء. (ص195). ويحشر الإسلام هنا أيضا للمزايدة السياسية. ولا ندري إن كانت تلك الخصال قد تم اكتشافها بعد سقوط نظام مايو، أم أنهم وقفوا عليها أثناء مشاركتهم له في الحكم وسكتوا عليها؟ ماذا نقول في هذا التناقض الفاضح؟
مازلنا خلف السؤال الأول وهو: كيف استطاع حزب لا يملك التأهيل التاريخي أن يستولي على السلطة؟ فرأينا في الصفحات السابقة كيف تطاول الحزب عام 1964 من حزب صغير إلى حزب يشارك في سلطة مايو ويرفعها إلى أعلى ثم يصطرع معها، ويحني ظهره للعاصفة.
يتضح من هذه المقتطفات أن حزب الجبهة يريد السلطة بأي ثمن. فلم يكترثوا لأي معايير. وإذا كانت عائلة الهبسبيرج قد تزوجت طريقها إلى العرش كما يقال (married their way to the thrown)، فإن حزب الجبهة شق طريقه إلى السلطة بالنفاق الأعمى والتجارة بالدين. وكان نميري من أكبر تجار الدين، فلم تسلك بضاعته طويلاً معه.
وسقط نميري، وخرج حزب الجبهة إلى فترة الانتفاضة. فكيف سار تاريخهم في ظلها؟
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:00 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:12 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Muna Khugali | 01-06-08, 07:19 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 07:48 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-06-08, 11:37 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Osman Musa | 01-06-08, 11:49 PM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:00 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:09 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:13 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Ahmed Abushouk | 01-07-08, 00:26 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:20 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:28 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:41 AM |
Re: محمد سعيد القدال | عبدالمجيد صالح | 01-07-08, 00:37 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Abomihyar | 01-07-08, 00:44 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:55 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 00:59 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:03 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:12 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:02 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:05 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:19 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 02:22 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Mohamed Omer | 01-07-08, 01:38 AM |
Re: محمد سعيد القدال | اسامة جعفر | 01-07-08, 04:57 AM |
Re: محمد سعيد القدال | إسماعيل وراق | 01-07-08, 05:42 AM |
Re: محمد سعيد القدال | Al-Sadig Yahya Abdall | 01-07-08, 05:55 AM |
Re: محمد سعيد القدال | خالد العبيد | 01-07-08, 10:41 AM |
|
|
|