ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 09:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-03-2008, 05:43 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: طلعت الطيب)

    الفصل الثالث
    على تخوم الهوية الشمالية
    دارفور والحقائق الغائبة عن اتفاقية أبوجا للسلام


    مقدمة
    في الخامس من مايو 2006، وبرعاية الاتحاد الأفريقي، وقعت الحكومة السودانية وفصيل من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركوي مناوي، في العاصمة النيجيرية أبوجا، اتفاقية سلام دارفور. وقد رفض فصيل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وكذلك رفضت حركة العدل والمساواة توقيع تلك الاتفاقية، بحجة أنها لم تستجب للحد الأدنى من مطالب مواطني دارفور. وقد طالب عبد الواحد بتعزيز آليات تطبيق الترتيبات الأمنية وذلك بزيادة المشاركة المباشرة لحركة تحرير السودان، كما عبر أيضا عن عدم رضاه عن ما تضمنته الاتفاقية فيما يتعلق بصندوق تعويضات الضحايا وكذلك التمثيل السياسي. أما حركة العدل المساواة، من الجهة الأخرى، فقد استنكفت ما ورد في بروتوكولات تقسيم السلطة والثروة، وأكدت أن الاتفاقية لم تنصدى بصورة كافية للأسباب الجذرية للنزاع والتي تتلخص، حسب رؤيتهم، في عدم التكافؤ الهيكلي بين المركز والمناطق المهمشة.
    لقد استقبلت اتفاقية أبوجا بترحيب حذر ومحتشم من قبل الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد، وكذلك من المنظمات غير الحكومية المحلية والإقليمية والعالمية، ولكن اقساما واسعة من مواطني دارفور رفضتها على الفور. وقد وصفتها الأحزاب السياسية بأنها اتفاقية معيبة، ولكنها، مع ذلك، رأت فيها بصيصا من الأمل أن توقف الحرب، وأن تدفع بمجيئ قوات من الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور. وكذلك وصفت "مجموعة الأزمات الدولية" الوثيقة بالهشاشة، موضحة احتواءها اخطاء فادحة. وقد أجمع المشاركون في منتدى مدرسة كنيدى لدراسات الحكم بجامعة هارفارد على وصف عملية السلام تلك بأنها "مشوهة، محدودة ومثقلة بالأخطاء". أما ممثل الأمم المتحدة، جان برونك، فقد اعترف بأن "اتفاقية سلام دارفور تواجه مقاومة على الأرض، خاصة من قبل النازحين". كما ذكر أيضا أن العنف في دارفور قد تصاعد في أعقاب توقيع الإتفاقية، وأقر بنقائص الاتفاقية، قائلا أنها لا تحظى بقبول مواطني دارفور، واقترح إدخال إضافات عليها. ولكن حكومة السودان اعترضت على مقترحاته تلك، مؤكدة أنه لا يمكن تعديل الاتفاقية، ما لم تتغير الحقائق على الأرض، في إشارة واضحة إلى ديدن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في ألا يستمع إلا لصوت القوة.
    تقدم لنا اتفاقية أبوجا نموذجا فريدأ لكيف يمكن لاتفاقية سلام أن تشعل مزيدا من النزاعات، وأن تقود إلى تصعيد العنف والموت والنزوح. لقد أججت الاتفاقية الانقسامات وسط الحركة الوحيدة التي وقعتها، حركة تحرير السودان-جناح مني مناوي، وبالإضافة إلى ذلك، فقد قادت إلى اصفافات سياسية جديدة. فحتى تصبح قوة مؤثرة يؤبه لها من قبل نظام الخرطوم، قامت الحركات التي رفضت اتفاقية ابوجا بتأسيس وتدشين تحالف جديد باسم "جبهة الخلاص الوطني". وقد تشكلت جبهة الخلاص الوطني من القيادات العسكرية لحركة تحرير السودان التي انشقت على مناوي (وأطلقت على نفسها "حركة تحرير السودان-مجموعة ال19") وحركة العدل والمساواة، والتحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني بقيادة السياسي المخضرم أحمد إبراهيم دريج، والذي ظل يحتفظ لنفسه بمسافة عن الحركات المتمردة إلى أن تم توقيع إتفاقية أبوجا. ورغم أن حركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد لم تنتم بعد إلى جبهة الخلاص الوطني، إلا أن هناك تقارير تشير إلى أن محادثات جادة تدور الآن بينه وبين جبهة الخلاص الوطني لتحقيق ذلك، مع وجود مؤشرات إلى أن عبد الواحد قد يصبح عضوا في ذلك التحالف. لقد تبنت جبهة الخلاص الوطني الهجوم الذي تم على مدينة حمرة الشيخ، في شمال كردفان، مفتتحة بذلك جبهة جديدة للقتال، ومنتقلة بالحرب إلى خارج حدود دارفور. لقد ذكر أعضاء جبهة الخلاص الوطني في بيانهم التأسيسي أن الجبهة "ترغب في توصيل رسالة لحكومة السودان، بأنها قوة لا يمكن تجاهلها، وأنها تطالب بسلام شامل"، مؤكدين أن اتفاقية أبوجا لا تلبي طموحات مواطني دارفور، وأنه قد تم فرضها عليهم، وأنها لم تفعل سوى تدعيم موقف الحكومة.
    ومن الجهة الأخرى، خرج إلى الوجود تحالف بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان فصيل مني مناوي، وطفق مباشرة في شن هجمات على الفصائل الأخرى. وقد أدت تلك الهجمات إلى "نزوح حوالي 8000 مدني في الأيام القليلة الماضية"، وفقا لمنسق الأمم المتحدة للطواريء، جان إيجلند. وقد ذكر أيجلند أيضا أن "هناك تقارير تشير إلى أن القوات الحكومية تدعم الهجمات ضد الفصيل المنشق وضد عاملي الإغاثة، على نطاق دارفور كلها، بصورة يومية تقريبا"، كما اتهم حكومة السودان بانتهاك المبادئ الدولية ب "استخدام طائرات مروحية مطلية باللون الأبيض، وهو نفس اللون الذي تستخدمه قوات مهمة الاتحاد الأفريقي في السودان وكذلك الأمم المتحدة"، مما "يشكل تهديدا مباشرا لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، والذين عادة ما يستخدمون المروحيات ذات اللون الأبيض، رغم كونهم محايدون في النزاع، وينبغي عدم التعرض لهم". وقد أشار إيجلند ايضا إلى الجرائم التي ارتكبها تحالف حكومة السودان وحركة تحرير السودان فصيل مني مناوي بقوله "إنه لمن المؤلم أن ترى جماعات حركة تحرير السودان تنفذ الآن بأيديها نفس الأفعال التي كانت، عن حق، تتهم الجنجويد بارتكابها تجاه المواطنين العزل المحاصرين في المعارك." تلك التطورات قادت جان برونك إلى الإعلان بأن "هناك احتمالا كبيرا بأن تنهار اتفاقية سلام دارفور". إن الأسئلة التي تطرح نفسها هي: لماذا سارت الأمور على هذا النحو؟ أين يكمن الخطأ؟ هل يكمن في اتفاقية أبوجا؟ أم في اولئك الذين رفضوها؟ وفي النهاية، ماهي مآلاتها النهائية؟ للإجابة على هذه الأسئلة يتوجب علينا أولا أن نراجع الظروف التي ولدت فيها اتفاقية أبوجا، وأن نراجع مضمونها ونصوصها حتى نكتشف ما أغفلته وما غاب عنها، قبل أن نستنطق مؤشراتها المستقبلية.

    الظروف
    أقل ما يمكن أن يقال عن الظروف التي أحاطت بالمحادثات أنها كانت ضاربة في الفوضى، مما أدى إلى تعامل قاصر ومرتبك مع المشكلة. لقد كان لكل من طرفي النزاع، الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، وكذلك كان لكل من الوسطاء، الإتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، والحكومة الأمريكية، مشاكله وضغوطه الداخلية. ويرى بعض أساتذة العلوم السياسية أنه لا الحركات المتمردة ولا الحكومة السودانية كانت مستعدة للتوصل لأتفاق في ذلك الوقت حيث إن الأوضاع كانت هلامية ومشوبة بالغموض. لم يكن الاهتمام الدولي بما يجري في دارفور ناتجا عن إنجازات المتمردين على الأرض، وإنما عن الكارثة الإنسانية التي خلقتها حملة الحكومة السودانية لقمع التمرد. ولم تكن الحكومة السودانية ترى في المتمردين غير أنهم مجرد هواة عديمي الخبرة، يجهلون كيف يعمل المجتمع الدولي، ويحاولون في سذاجة ترجمة الإهتمام الإنساني الدولي لمكاسب سياسية.
    كما حارب المتمردون بلا بندقية موحدة، فقد دخلوا المفاوضات دون بلورة موقف تفاوضي موحد. لقد مثلت حركة تحرير السودان عند نشأتها وعدا صادقا وأملا عظيما لمواطني دارفور. فبتأسيسها على نمط حركة التمرد في الجنوب، الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وبتبنيها لنفس خطابها السياسي و"أيديولوجية السودان الجديد"، وبطموحها لبناء حركة تستوعب كافة المجموعات الإثنية في دارفور بما في ذلك القبائل العربية، تمكنت حركة تحرير السودان من أن تجتذب إلى صفوفها القيادية عددا من المثقفين والسياسيين الناضجين، ومثلت بذلك تهديدا حقيقيا لنظام الخرطوم. ولكن، سواء كان ذلك بتدبير من الحكومة السودانية أو غير ذلك، فقد وجه انقسام حركة تحرير السودان إلى فصيلين ضربة قاصمة إلى قضية المتمردين. لقد أضعف الانقسام نفوذ المثقفين وأبعد السياسيين النشطاء، وأدى إلى صعود مني مناوي بتجربته السياسية المحدودة. وكذلك كان من تداعيات الانقسام، أن فقدت حركة تحرير السودان مفاوضها الماهر، الدكتور شريف حرير، والذي كان يقود فريقها المفاوض في الجولات الأولى. لقد رجَّح ذلك، بالطبع، الميزان لصالح الحكومة السودانية، إذ لم يك فريق مناوي ندا لفريق الحكومة في التجربة الدبلوماسية أو في مهارات التفاوض.
    الدكتور شريف حرير هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرجن، وصاحب مؤلفات عديدة من ضمنها ورقته المشهورة "العنصرية في قناع إسلامي"، والتي قام فيها بتعرية الجذور العنصرية المؤسسية للتهميش في دارفور، والمغروسة بعمق في الهويات المفترضة للشماليين. وبالرغم من أن شريف كان هو من ترأس فرق حركة تحرير السودان المفاوضة في جولات متعددة سابقة، فقد بدا واضحا تضعضع مركزه عقب الانقسام، إذ سجل غيابا تاما عن فرق الحركة المفاوضة إثر ذلك. وبحكم وضعه كشخصية معروفة وتحظى بالقبول لدى المجتمع الدولي، فقد كان كل من عبد الواحد ومني مناوي ينظران إلى الدكتور حرير باعتباره يمثل خطرا على قيادتهما. إن لدى الدكتور شريف الكثير مما بوسعه تقديمه لقضية دارفور، ولكن علينا الانتظار لنرى ما إذا كان بوسعه إعادة تكوين نفسه كلاعب أساسي.
    لقد أضعف الانقسام أيضا عبد الواحد محمد نور. وعبد الواحد محام شاب، تخرج في جامعة الخرطوم في عام 1995، وبعد ذلك مباشرة انتقل لممارسة القانون في دارفور. وقد كان عبد الواحد ذا نشاط سياسي عارم، كما تعرض للاعتقال مرات عديدة لنضاله في سبيل قضية مواطني دارفور. وعقب إطلاق سراحه في المرة الأخيرة، اختفى لبعض الوقت، ثم عاد إلى السطح هذه المرة كقائد لحركة تحرير السودان. ولكن ورغم ذكائه ونشاطه السياسي، فإن خبرته الدولية تظل محدودة.
    أما حركة العدل والمساواة، فيقودها خليل إبراهيم، وهو طبيب شغل عدة مناصب قيادية في الحكومة الإسلامية خلال فترة سيطرة الترابي، حيث قام، بصحبة رفيقه الدارفوري الآخر، الدكتور علي الحاج، بحشد الآلاف من مواطني دارفور للجهاد في الجنوب. وقد ظلت سحب كثيفة من الشك والريبة تحوم حول حركة العدل والمساواة منذ نشأتها، نسبة إلى ما يقال عن علاقتها بفصيل الترابي، حزب المؤتمر الشعبي، وعن ميولها الإسلامية، والشكوك في انها تستخدم دارفور كميدان لتصفية حساباتها مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وتعتبر حركة العدل والمساواة صغيرة بقياس القوة العسكرية، ولكنها تضم عددا من السياسيين أصحاب الخبرة.
    لقد كانت استراتيجية الحكومة السودانية لمحاربة التمرد بسيطة جدا وتتمثل في أن تدير حربا رخيصة بالوكالة عنها، وعلى تقسيم وتفتيت الحركات المتمردة وجرجرتها إلى المفاوضات شراء للوقت حتي يتمكن الجنجويد من خلق واقع جديد على الأرض، وشن هجوم دبلوماسي وقائي لتفادي أية محاولة للتدخل الدولي أوالخضوع للمحاكمة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية.
    وبالرغم من العبارات القوية التي كان يطلقها سكرتيرها العام، كوفي أنان، فقد كانت الأمم المتحدة تفتقد أية استراتيجية للتعامل مع أزمة دارفور. لقد كانت تحركاتها مقيدة بالدول الأعضاء، خاصة الدول المتقدمة، والتي كانت تدفعها لفعل شئ ما ولكنها لا توفر لها الوسائل التي تمكنها من القيام بذلك. وبالتالي فقد كان من المريح تماما للأمم المتحدة أن تحول الأزمة لعناية المولود الجديد المسمى بالاتحاد الأفريقي.
    وبالنسبة للاتحاد الأفريقي، فقد كانت الأزمة فرصة طيبة له لوضع شعاره "حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية" موضع التنفيذ. لقد استخدمت الحكومة السودانية ذلك الشعار كفزاعة تصد بها طيور المجتمع الدولي عن حقول الأزمة في دارفور. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فقد كان ذلك الشعار، كما وصفه جيرارد برونير، "الطريقة السياسية المثلى للقول بأن الأمر لا يهمنا". أما حرص الرئيس السابق للاتحاد الأفريقي، الرئيس النيجيري أولوسون أوبوسانجو، والذي كان يستضيف المباحثات في ابوجا، على التوصل لاتفاق في أبوجا، فقد كان من أجل طموحاته السياسية الشخصية، حيث كان بحاجة لنجاح ما في دارفور يدعم به سعيه لتعديل الدستور الاتحادي النيجيري ليسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة. وقد فعل ذلك تماما، فما أن تم توقيع اتفاقية أبوجا، حتى تقدم باقتراح للبرلمان النيجيري لتعديل الدستور، متعللا بأن الله لن يغفر له إن ترك تلك المهمة العظيمة دون أن يكملها. ولكن اقتراحه لم يحالفه النجاح.
    كانت الحكومة الأمريكية واقعة تحت ضغوط ضخمة من عدد من هيئات تشكيل الرأي العام، والتي كانت من الاتساع بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها، خاصة وأن الإدارة الأمريكية كانت قد أعلنت دارفور سلفا كمنطقة إبادة. من جانب آخر، كان من الواضح أن نظام الخرطوم يحظى بمتعاطفين داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية. ويذكر برونير أن " الواقعيين في مجتمع المخابرات ظلوا متمسكين على الدوام بأن نظام الخرطوم كان على قدر من الأهمية لايسمح بمعاملته بخشونة". تلك الضغوط المتناقضة، كما يقول برونير "قادت البيت الأبيض للمساومة والتنازلات على كل الجبهات". بالإضافة إلى ذلك، فقد قامت روسيا والصين بإضعاف موقف الإدارة الأمريكية داخل مجلس الأمن، بإصرارهما على ضرورة أن يتلقى المجلس موافقة الحكومة السودانية المسبقة قبل أن تلعب الأمم المتحدة دورا قياديا في النزاع. وكانت الحكومة السودانية قد قدمت تلميحات للإدارة الأمريكية وللمجتمع الدولي قادتهما للفهم بأنه إذا ما تم التوصل لاتفاق فإنها لن تمانع في وجود قوات دولية لحفظ السلام في دارفور. ولكن وما إن تم توقيع اتفاقية ابوجا، حتى أعلنت الحكومة السودانية أنها لن تسمح بقوات أممية مطلقا، ووصف الرئيس السوداني قوات الأمم المتحدة بأنها قوات احتلال، وأقسم أن يقاومها عسكريا، كما صرح في خطاب منقول مباشرة على التلفزيون الحكومي "أكرر هنا، مرة أخرى، أنني أفضل أن أكون قائدا للمقاومة في دارفور، على ان أكون رئيسا لبلد محتل." وكذلك فقد حاولت حكومة السودان إرعاب المجتمع الدولي بالتلويح بكرت تنظيم القاعدة، مهددة بأن مقاتلي القاعدة الانتحاريين سيأتون لدارفور ويحولونها إلى عراق آخر. ولم يكن من قبيل الصدف أن أسامة بن لادن أصدر مباشرة عقب ذلك التحذير نداءه "للمجاهدين ومؤيديهم، خاصة في السودان وشبه الجزيرة العربية، للاستعداد لحرب طويلة ضد الصليبيين الغزاة في غرب السودان." إن تصريحات بن لادن تشير إلى قدر عالٍ من التنسيق بينه والحكومة السودانية، رغم سحب الدخان التي يحاول أن يتستر بها على ذلك مثل تصريحاته بأن هدفه "ليس الدفاع عن نظام الخرطوم، ولكن الدفاع عن الإسلام، وأرضه وأمته."

    الطبخة السريعة
    لكل تلك الأسباب، أصبح أي اتفاق مطبوخ على عجل، ومهما كان مضمونه، هو الحل الأمثل لخدمة أغراض الجميع، وخاصة الإدارة الأمريكية، والتي كان بمقدور مثل ذلك الاتفاق أن يرفع عن كاهلها الضغوط الداخلية، وأن يريحها من معوقات روسيا والصين دوليا.
    ومن الجدير بالذكر هنا أن مجموعة الأزمات الدولية، وبناء على متابعتها اللصيقة للأحداث، كانت قد حذرت في أكتوبر 2005، من أن الأسرة الدولية قد تتصرف مدفوعة بالإحباط. ففي تقريرها المعنون "توحيد متمردي دارفور-شرط ضروري للسلام"، قالت المجموعة "بالرغم من إحباطها، كما هو الحال الآن، فإن الأسرة الدولية سترتكب خطأ فادحا إذا فضلت التوصل إلى مظهر من مظاهر الاستقرار بدلا عن العمل للوصول إلى حل شامل، حيث إن ذلك سيترك الأسباب الجذرية للصراع كما هي، رغم مئات الآلاف من الأرواح التي أهدرت، والملايين من النازحين الذين هجروا." وقد تحققت تلك النبوءة تماما حيث، وكما توقعنا، انطلق الوسطاء مدفوعين باحباطاتهم، ووضعوا كل ما يملكون من ضغوط، وبأثقال غير متساوية، على طرفي الصراع. فما إن أعلنت الحكومة السودانية في 30 أبريل قبولها بوثيقة الاتحاد الأفريقي، حتى بدأت الطائرات التي تقل كبار الدبلوماسيين تتقاطر على أبوجا، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية روبرت زوليك، وزيرة التنمية البريطانية هيلاري بن، ومفوض الإتحاد الأفريقي ألفا عمر كوناري، "وقد وضع الوسطاء قادة الحركات المتمردة، خاصة مني مناوي، تحت الضغط للتوقيع." لقد تعرضت الحركات المتمردة للقدر الأكبر من الضغوط، وبما أنها كانت أصلا مشرذمة، ضعيفة، عديمة الخبرة، محدودة القدرات التفاوضية، فقد كانت هي الطرف الأكثر قابلية للانحناء والخضوع.
    وكان وفد يمثل الحركات المتمردة التي رفضت التوقيع على اتفاقية أبوجا قد قام بزيارة الولايات المتحدة في يونيو 2006، لتوضيح موقفهم للجالية السودانية هناك. وقد حكوا قصصا عن التهديدات الفظة التي وجهها الوسطاء، وعن لي الأذرع الذي مارسوه، خاصة من قبل الإدارة الأمريكية والرئيس النيجيري. وذكروا أن قادتهم قد تعرضوا لتهديدات مباشرة بالعقوبات إذا لم يوقعوا الاتفاقية. وقد خضع مناوي للضغوط ووقع، ليصدر تصريحا في اليوم التالي مباشرة يذكر فيه أنه قد وقع تحت الضغط. ولكن توقيعه زلزل فصيله، فتوالت الانقسامات في حركته، وكان أكبرها هو ذلك الذي قاده 19 من قادته الميدانيين والذين شكلوا ما سمي بحركة تحرير السودان مجموعة ال19.

    المضمون
    تتضمن اتفاقية سلام دارفور ثلاثة بروتوكولات عن تقسيم السلطة، وتقسيم الثروة، والترتيبات الأمنية، وقد تضمنت نصوصها وموادها مبادئ عامة عن حقوق الانسان، المواطنة، حكم القانون، حقوق المرأة، والخدمة المدنية غير الحزبية، غير أن ذلك كله بالنسبة لحكومة السودان لا يعني أكثر من خدمة شفهية ومجرد ألفاظ، حيث ان أيديولوجية النظام وقوانينه وممارساته السياسية لا تتفق مع تلك المبادئ.
    أما النصوص الأخرى، فقد جاءت إما في صيغ معممة وغامضة وقابلة لتفسيرات شتى، أو نص فيها على تحويل البت في القضايا المعنية، والمهمة، لجولات جديدة من التفاوض في المستقبل. وعلى سبيل المثال، فإن المادة 161 تعطي الولايات التي ينتج فيها النفط أو المعادن الحق في التفاوض من جديد لتحديد نصيبها من عائدات تلك الموارد وأن تحصل على النصيب الذي يتم الاتفاق عليه في تلك المفاوضات، وهو ما يكشف إصرار الحكومة على عدم الالتزام بنسبة محددة لاقتسام الثروة في دارفور مثلما فعلت بالنسبة للجنوب في اتفاقية السلام الشامل. وأمر آخر هو أن كل ولاية من الولايات ستفاوض الحكومة بمفردها على اقتسام النفط أو المعادن المكتشفة فيها، وليس للإقليم كوحدة واحدة الحق في التفاوض، وهذا أمر أضعف الموقف التفاوضي للإقليم ككل، وحرم الولايات التي لا تكتشف فيها ثروات معدنية من التمتع بعائدات هذه الثروات الدارفورية. وهذه المادة في النهاية تعكس رغبة الحكومة في التفرقة بين أهل دارفور حتى على المستوى الاقتصادي وذلك بحرمان بعض أهل درافور من التمتع بمجموع ثروة الإقليم.
    وكذلك فإن الاتفاقية تجعل من التفاوض حول توزيع الموارد حوارا من طرف واحد، حيث إن المفاوضات المستقبلية ستتم بين الحكومة المركزية، من جانب، والولايات والتي ينتمي حكامها لنفس الحزب الحاكم، من الجانب الآخر.
    وقد جاءت الاتفاقية خالية من أية إجراءات ملزمة تضمن التنفيذ. ووفقا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية فإن "من أكبر عيوب اتفاقية سلام دارفور هو خلوها من إجراءات وضمانات تطبيق نزع سلاح ميليشيات الجنجويد والعودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين لقراهم" ويذكر التقرير أيضا أنه "فيما يتعلق بوقف إطلاق النار الشامل والترتيبات الأمنية، فإن الاتفاقية تتوقع أن تقوم الأطراف بنزع سلاحها بنفسها، بينما تلك مهمة يعهد بها في العادة إلى قوات حفظ السلام، وبدلا من أن تعهد لها بذلك، فإن الاتفاقية تترك دورا محدودا لقوات الاتحاد الأفريقي يتمثل في التحقق من ومراقبة عمليات إعادة الإنتشار والتجميع ونزع السلاح."
    ولعل أحد أهم عيوب الاتفاقية، هو إغفالها لأحد الأطراف الرئيسية في الصراع، وهو القبائل العربية، حيث إن القبائل العربية والتي تم تجنيد الجنجويد من أوساطها، لم تكن طرفا في الاتفاقية. إن القبائل العربية تمثل طرفا رئيسياً في الصراع، الأمر الذي تشهد عليه جرائم الجنجويد، ولا يمكن تفسير غيابهم عن طاولة المفاوضات إلا بأن الحكومة كانت تمثل مصالحهم وتفاوض بالنيابة عنهم، أو أنها، أي الحكومة، أصبحت مستعدة لاستبعادهم حيث إنهم قد استنفذوا أغراضهم بالنسبة لها.

    العدالة والمحاسبة
    ومن النقائص العديدة في اتفاقية أبوجا هناك، أيضا، فشلها في النص على أي نوع من أنواع المحاسبة. وربما كانت الحركات المتمردة قد افترضت أن المحكمة الجنائية الدولية ستقوم بذلك الدور، ولكن إغفال ذلك الأمر في الاتفاقية نتج عنه أن الحكومة استطاعت توفير الحماية لعملائها المحليين الذين لم تضمهم قائمة ال 51 المطلوبين حاليا لدى المحكمة الجنائية الدولية. وفي غياب المحاسبة والعقاب، فقد كان من المتوقع أن تكون هناك تعويضات وإعادة اعتبار للضحايا، غير أن ذلك أيضا لم يتحقق، كما سنستعرضه لاحقا.
    إن غياب المحاسبة من اتفاقية أبوجا يجب أن يدفع إلى تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية، ولكن الموقف المزدوج للولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية كهيئة، يضعف من موقف هذه الهيئة بينما يعزز من موقف الحكومة السودانية. وفي اعتقادنا أنه لو تمكنت المحكمة من محاكمة متهم واحد، فإن ذلك سيغير من الأوضاع في السودان بشكل كبير، حيث إن كسر قاعدة الإفلات من المحاسبة، سيصب إيجابيا في صالح تغيير ديمقراطي أوسع في السودان.



    التعويضات
    بالرغم من أن المادة 194 تشير إلى حق الأشخاص النازحين في التعويض عن ممتلكاتهم، فإن المواد 210 و213 تنصان على تأسيس صندوق للتعويضات بمبلغ 30 مليون دولار، وهو مبلغ بخس جدا إذا وضعنا في الاعتبار أن التقديرات المتواضعة لقيمة 4 إلى 5 مليون رأس من الماشية نهبت أو أبيدت تزيد عن بليون دولار.

    المصالحة
    ينص الفصل الرابع من اتفاقية سلام دارفور على الحوار والتشاور الدارفوري-الدارفوري ويعرفه بكونه "مؤتمراً يجتمع فيه ممثلو كافة الأطراف الدارفورية لمناقشة تحديات إعادة السلام لمنطقتهم، والتغلب على الانقسامات بين مجتمعاتهم، وحل المشاكل الراهنة لبناء مستقبل مشترك." لقد صممت تلك الآلية لاستيعاب أطراف هامة في النزاع لم تشارك في المفاوضات مثل القبائل العربية والأطراف الأخرى مثل منظمات المجتمع المدني والمرأة والشباب. هو إذن عبارة عن محاولة ترميم لاتفاقية أبوجا تهدف لإلحاق مجموعات غُيِّبت عن المفاوضات، وأبرم الأمر بدونها، ولن تعدّل الاتفاقية وفق نتائج حوارها هذا، ولذلك تبدو المسألة كلها وكأنها عملية تذاكي على أهل دارفور، لإيهامهم بالمشاركة، أو استهبالهم سياسياً. فهو مثل وضع العربة أمام الحصان، إذ كان من المفترض أن ينشأ مؤتمر الحوار الدارفوري-الدارفوري قبل المفاوضات، في شكل حوارات تنظمها الحركات الدارفورية المعارضة فيما بينها، وبينها وبين بقية أهل دارفور، يكون هدفه هو بلورة رؤية دارفورية واحدة، والإتفاق على مصير دارفوري واحد، وتشكيل وفد تفاوضي واحد في مواجهة الحكومة، يمثل الجميع "عربا" و "زرقة". أما الآن فإن اقتراح قيام ذلك المؤتمر إنما يمثل محاولةً لاستعادة اللبن المسكوب، وهو في الظروف الحالية ليس غير ممكن وحسب، بل يبدو بلا معنى.


    جذور المشكلة
    إن جذر المشكلة هو العلاقة المختلة بين المركز والهامش. فالتهميش الذي ألحقه المركز بالمنطقة بأسرها، لم يحدث صدفة، ولا هو قدر إلهي ليس منه منصرف، وإنما انبنى على الهوية: هوية المهمَّش، وهوية المهمِّش. أما داخل دارفور فإن جذور الصراع تكمن في التنافس حول الموارد والأرض بين الرعاة البدو والمزارعين المستقرين في دارفور، والطمع في أرض "الزرقة" من قبل بعض القبائل العربية داخل دارفور، وما وراء الحدود.

    الأرض
    وقد يكون من الجوانب الإيجابية في اتفاقية سلام دارفور هو تصديها لقضية الأرض، فقد نصت على تكوين "مفوضية الأراضي" لحل مشاكل الأراضي. ويمثل أعضاء مفوضية الأراضي مصالح مختلف استخدامات الأرض، وقد تمت الإشارة هنا للقبائل العربية بصورة غير مباشرة ولم تذكر بوضوح. وتنص الاتفاقية على وجوب رفع أي تضارب بين مفوضية أراضي دارفور ومفوضية الأراضي القومية إلى المحكمة الدستورية، وهو ما يعني رفع التضارب إلى الحكومة، حيث إن استقلال الهيئة القضائية ما زال أمرا مشكوكا فيه.
    إن التحديات التي تواجه تلك المفوضية عظيمة جدا. فأولا ينبغي عليها أن تواجه الأجندة التوسعية للقبائل العربية لحيازة الأرض في دارفور. وثانياً عليها أن تواجه المشاكل البيئية. من الواضح أن استمرار الأوضاع الحالية يصب في مصلحة القبائل العربية، والتي لها مصلحة واضحة في بقاء النازحين في مواقعهم الحالية. لقد كان "التجمع العربي" والذي ظهر إلى الوجود في سنة 1986، واضحا جدا في خططه للسيطرة على الأراضي والناس في دارفور. في تلك السنة، 1986، وأثناء حكومة الصادق المهدي قام "ثلاثة وعشرون من القادة الدارفوريين من أصول عربية، وخليط من المثقفين، وشخصيات قبلية وموظفون كبار" بكتابة مذكرة لرئيس الوزراء. وفي تلك المذكرة قاموا بتقديم أرقام تضخم حجم العرب في دارفور من ناحية رقعة الأراضي التي يشغلونها، مساهمتهم في الاقتصاد الوطني والرفاه الثقافي. وعلى سبيل المثال فقد ادعت الوثيقة أن العرب يمثلون 70% من سكان دارفور، وينتشرون على حوالي 55% من جملة مساحة دارفور، ويساهمون ب15% من الدخل القومي، ويشكلون 40% من الصفوة المتعلمة في دارفور. وفي ضوء تلك الأرقام، فقد طالبت المذكرة بأن يشغل العرب 50% من كل الوظائف في الحكومة "اعترافا بوزنهم السكاني، ومساهمتهم في إنتاج الثروة والمعرفة في المنطقة، ودورهم التاريخي كحملة حضارة." لقد نسبت المذكرة بناء الحضارة في المنطقة إلى العرق العربي... "في مجالات الحكم، والدين واللغة". وقد ختموا مذكرتهم تلك بتهديد مبطن "إننا نخشى أنه لو استمر هذا التجاهل لمشاركة العنصر العربي، فإن الأمور ستفلت من بين أيدي الحكماء وتنتقل إلى أيدي الجهلاء مما سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه". وبينما يعتبر التجمع العربي عنصره العربي حاملا للحضارة والمعرفة، فإنه لا يرى في عنصر الزرقة إلا أناسا ذوي قيمة إنسانية أدنى، من أصول غير عربية، برابرة، وأشباه وثنيين، يجدر استعبادهم.
    لقد حذر قادة قبائل الزرقة الحكومة من تحركات وأفعال التجمع العربي، غير أن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح. ويذكر عطا البطحاني ما يصفه بأنه "حدث مثير للقلق" مر دون أن يلفت الانتباه محليا أو دوليا، وهو حدث يفضح المستوى العالي لتورط مسؤولين كبار في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مخططات التجمع العربي الاستراتيجية. فقد قام عدد من الزعماء القبليين (من الواضح أنهم من قبائل الزرقة) باتهام أشخاص، لم يسموهم، من حزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب دارفور بالتآمر ضد أهلهم. قام أولئك الأعضاء في المؤتمر الوطني بالطواف في المنطقة "كلجنة تنسيق سياسي للتبشير بأيديولوجية التجمع العربي". وقد "أرفق المشتكون ست وثائق، وصفت بأنها وثائق داخلية، تفضح المشروع الإجرامي للتجمع وتوضح أن كارثة دارفور التي بدأت بالنهب المسلح والحروب القبلية وانتهت بجرائم الجنجويد قد نتجت، في حقيقة الأمر، من الجهد المتواصل لتنظيم عرف بإسم التجمع العربي". وكما كان متوقعا، فقد تجاهلت الحكومة الإسلامية التحذير والمطالبة بالتحقيق. إن "تلكؤ الخرطوم في الرد على مطلب إجراء التحقيق يفضح استثمارها وتلاعبها بالأوضاع المحلية. ولحد كبير، فإن الحكام في الخرطوم قد أجادوا تكنيكا خاصا لشرذمة وإخضاع وتعويق وابتياع النخبة الإقليمية." لقد أدى توقيع اتفاقية السلام الشامل، بين الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة السودانية، وما صحبه من توقعات بأن يؤدي إلى تغيير جذري في هيكلية القوى في البلاد بأسرها، وأن ذلك التغيير قد يكون على حساب المجموعة العربية الإسلامية المسيطرة، إلى زلزلة كيان التجمع العربي. ولذلك فقد تحركوا "لاستثمار تحالفهم مع المتشددين في الحكومة الإسلامية في الخرطوم، وأن يحسموا مرة واحدة وإلى الأبد صراعا طويلا حول الأرض مع قبائل الزرقة في دارفور". ويكرر عطا البطحاني نفس الفكرة في ورقة أخرى قائلا " وفي حين أن إسلاميي الحزب الحاكم في الخرطوم يستخدمون الميليشيات العربية لدحر الحركات المتمردة في دارفور، ولتعويق عملية السلام مع حركة وجيش تحرير السودان، وحشد الدعم العربي والإسلامي في كل أصقاع الأرض، فقد وجدت القبائل العربية في تلك الأحداث والظروف فرصة سانحة ونادرة لتحسم مرة وإلى الأبد قضية الأرض بطرد غير العرب، بالمعنى الحرفي للكلمة، من أرضهم التاريخية والاستيطان مكانهم". لقد قام الجنجويد الآن بتفريغ الأرض من سكانها الزرقة، كما قاموا أيضا بخلق واقع جديد بالاستيطان في بعض تلك القرى، وفي محيط معظمها، فيما يبدو أنه الخطوة الأولى في تنفيذ مخطط التجمع العربي لانتزاع الأرض. الخطوة التالية بالنسبة لهم هي تحويل الوضع الراهن إلى ترتيبات دائمة. وهذا هو التحدي الأول الخطير الذي يتوجب على مفوضية الأراضي أن تواجهه.
    أما التحدي الجاد الآخر فهو العلاقة بين السكان وبيئتهم. وهنا يتوجب على مفوضية الأراضي أن تجد الوسائل الكفيلة بأن تتسع الأراضي المنهكة بيئيا أصلا لاحتياجات الطرفين، الرعاة والمزارعين. وما لم يتم اتخاذ إجراءات بيئية على المدى الطويل لمحاربة عملية التصحر، وما لم تخضع القبائل العربية لعملية تغيير ثقافي فيما يتعلق بأسلوب حياتها بحيث تحتفظ بأعداد أقل من الحيوانات، فإن الأوضاع لن تتحسن وستبقى المشكلة.

    الهوية
    لربما كانت النقيصة الكبرى لاتفاقية أبوجا هو إغفالها التام للجذر الأعمق لأزمة دارفور. لقد تم تجاهل قضية الهوية والعنصرية المؤسسية في الاتفاقية تماماً. لذلك خلت من المطالبة بتقرير المصير الثقافي لدارفور. وهذا ربما يشير إلى أن الوفود الدارفورية المفاوضة لم تكن تحس أن ثمة مشكلة ثقافية بينها وبين الطبقة الشمالية الحاكمة، أو أن هناك قدراً من الاستلاب الثقافي الواقع على دارفور، أو أن هناك مسخاً ثقافياً لأهل دارفور يجري عى قدم وساق، تباشره مناهج التعليم على الأطفال اليافعين حسبما أشرنا إليه سابقاً. وتقرير المصير الثقافي يقتضي أن يكتب أهل دارفور مناهجهم التربوية بأيديهم، حتى يجد أطفالهم أنفسَهم، وبيئتهم، وثقافتهم، وتاريخهم، ولغتهم معكوسة في المنهج بصورة لائقة تبعث على الاحترام، وتكسبهم الثقة في الذات. وكلما صعد المنهج إلى أعلى كلما انفتح على ثقافات وتواريخ الآخرين من شعوب السودان. أما في المرحلة الثانوية والجامعية فيجب أن يُصَمَّم المنهج بحيث يؤدي للتحاور بين هذه الثقافات والتواريخ، والنظر إليها نظرة نقدية متحررة من التعصب.
    استمرار الأوضاع الحالية يضمن استمرارية تَحَكُّم الطبقة الحاكمة، وإنفاذ مخططها في دارفور. فالنظام الحالي كما يؤكد عطا البطحاني "ليس إسلاميا فقط، وإنما ذو مركزية عروبية". وأنه "قد أضاف بعدا أيديولوجيا وعنصريا للنزاع، بحيث أصبحت الأطراف تعرف نفسها كعرب وزرقة". ولقد أجمع المشاركون في منتدى مدرسة كنيدي للحكم بجامعة هارفارد أن "أي حل يجب أن يضع في اعتباره قضايا الهوية في السودان والجرائم الني ترتكب باسم الهوية". ذلك حقاً هو الجذر الأعمق للنزاع في البلاد بأسرها. إن نظاماً فدرالياً حقيقياً وصادقاً تؤول له السلطات كافة فيما يتعلق بالاقتصاد والتعليم والإعلام هو الحل لهذه المعضلة. إن للناس الحق في أن يحكموا أنفسهم، ويدبروا شؤونهم، وأن ينشروا ويعملوا على إعلاء شأن ثقافاتهم وأنظمتهم. إن السودان من الاتساع والتنوع بحيث يستحيل حكمه مركزياً. لقد أدت عوامل عديدة، من أوضحها الاستعلاء العرقي لمركز السلطة، وتجاهل السلطة المركزية للهوامش، والبنية التحتية الفقيرة وأنظمة الاتصالات الضعيفة، أدت كلها إلى انقطاع الصلة بأطراف البلاد ومن ثم إلى تفتتها وتشظيها.

    التعليم كعملية اغتراب
    لقد تم استخدام الدولة، وهي التعبير المؤسسي للهوية الشمالية، للتعجيل بعملية التعريب في دارفور وذلك عبر آليتي التنمية والتعليم بصورة رئيسية. لقد تم تهميش دارفور في التنمية والخدمات، كغيرها من المناطق الأخرى في السودان. وكما يوضح "الكتاب الأسود" فإن من بين مليون ونصف طفل في دارفور تمكن فقط 4211 طفل من الجلوس للامتحان النهائي للمرحلة الأولية، وهو عدد كما يذكر محررو الكتاب "أقل من عدد تاركي المدارس الأولية في محلية واحدة في ولاية الشمالية، ولكن المقارنة تتجاوز المنطق لأن عدد سكان محلية واحدة في دارفور يساوي عدد سكان الولاية الشمالية بأكملها."
    ولكن إلمشكلة لا تقتصر على ضآلة عدد المدارس في دارفور، وإنما تمتد لتشمل مضمون التعليم الذي يقدم لأطفال دارفور، ذلك إن كانوا من القلة المحظوظة التي وجدت طريقها للمدرسة. تقوم الطبقة الحاكمة الشمالية برسم السياسة التعليمية وبتصميم مضمون المناهج وفقاً لرؤيتها، ولذلك فقد اقتصر الهدف التعليمي، بصورة جوهرية، على ترسيخ جوانب الهوية الشمالية كاللغة العربية وأسلوب الحياة في الشمال وتاريخ العرب في السودان وتاريخ وجغرافيا العالمين العربي والإسلامي. لقد ظلت المناهج فقيرة فقراً مدقعاً فيما يتعلق بتاريخ منطقة النوبة القديم قبل الإسلام، بل وإن شواهد هذا التاريخ التي تلفت انتباه المارة بجانب المتحف القومي في الخرطوم، كانت تثير حفيظة أولئك العروبيين والإسلاميين المتطرفين والذين يبدأ تاريخ السودان لديهم بدخول العرب لبلاد السودان "أرض السود". لقد بذلوا كل ما في وسعهم لإخفاء ذلك التاريخ كما فعل ذلك المتطرف، عبد الله محمد أحمد، وزير الثقافة والإعلام الأسبق حينما قرر إزالة جميع رموز فترة ما قبل الإسلام من المتحف القومي واستبدال أثريات تعكس التاريخ والثقافة الإسلاميين بها. لقد تم ترسيخ هذه الرؤية للتاريخ بشكل واضح بين القطاعات غير العربية في السودان، مثل دارفور.
    يتجاهل المنهج بصورة تامة تقريبا كل تاريخ وثقافات وديانات ولغات وأساليب حياة الشعوب السودانية الأخرى في الجنوب والغرب والشرق. وتتصاعد هذه الفظاظة تجاه الآخر وتبلغ درجة الإهانة حين يمجد المنهج تجار الرقيق الشماليين مثل الزبير باشا رحمة والذي يقدم في صفوف التاريخ كبطل وطني. لقد صمم المنهج لإنتاج صنفين من الخريجين، ففي ضفاف الشمال النيلي ينتج المنهج شخصية مزهوة بكونها عربية وبالتالي فهي تتفوق عرقياً وثقافياً على "الآخرين" الذين يشاركونها الوطن، خاصة أولئك الذين تصنفهم كأفارقة سود. هنا ينتج هذا المنهج شخصية واعية بكونها تتربع على قمة الهرمية العرقية وأن بمقدورها ترتيب بقية الأعراق أسفلها على ذلك الأساس. أما في المناطق "الأخرى" مثل دارفور وجبال النوبة، فإن المنهج يجبر التلاميذ على قبول دونيتهم للشماليين في كل شيء اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً وحتى في لكناتهم، وينتج شخصيات مغتربة عن نفسها وعن ثقافتها وعن شعبها، تهفو لأن تكون شمالية. ويحدثنا عبد الله التوم عن تجربته الشخصية مع هذا المنهج قائلاً:
    "كطفل نشأ في دارفور، فقد تم تلقيني أن أرنو ببصري إلى ما بعد سواحل البحر الأحمر باحثاً عن تاريخي كجزء من شبه الجزيرة العربية وإمبراطوريتها الإسلامية المجيدة. عندما كنت صبياً في مدرسة الفاشر الثانوية، كانت فصول المدرسة الأربعة مسماة بأسماء الخلفاء الراشدين (أبو بكر، عمر، عثمان وعلي). وحينما يختفي التاريخ العربي الإسلامي فإنما ليفسح المجال لرموز من شمال السودان ونادراً ما يتضمن ذلك شيئاً من المناطق المهمشة في البلاد. كانت الداخليات في المدرستين الوسطى والثانوية اللتين التحقت بهما تحمل أسماء شخصيات تاريخية سودانية مثل تهراقا، النجومي، أبو لكيلك ودينار، وهذا الأخير هو الدارفوري الوحيد الذي يتم تكريمه من آن لآخر في هذا التاريخ المصطنع."
    لا تكتفي تلك المناهج بكون الأطفال في المناطق الناطقة بغير العربية لا يجدون أنفسهم فيها، وإنما هي، في واقع الأمر، تدفعهم للشعور بالعار والنقص في أنفسهم، وفي لغاتهم، وفي ممارساتهم الثقافية. ويتحدث الدكتور شريف حرير، وهو أكاديمي من دارفور وأحد قادة حركة تحرير السودان، أيضاً عن تجربته كطفل مع النظام التعليمي قائلاً أن المنهج "حينما يعكس الحياة السودانية المحلية، فهي عادة ما تكون حياة بعيدة عن متناول الفور أو حقائق دارفور المحلية". إنه يكتفي بالثقافة الشمالية النيلية فقط باعتبارها نموذجاًً ثقافياً راقياً مقارنة بالعادات المحلية الدارفورية التي تتوارى حياله خجلاً وتبدو "بدائية ومتخلفة بصورة محرجة" لقد كان منع التلاميذ من التحدث بلغاتهم المحلية في المدارس يمارس كسياسة عامة، وكان التلاميذ الذين يضبطون وهم يستخدمون لغاتهم المحلية، أو ما يسمونها ب "الرطانة"، عرضة للعقاب. وكانت تلك السياسة تهدف إلى تشجيع التلاميذ على التخلي عن لغاتهم الأصلية كقمامة عديمة الفائدة. ويقول عبد الله التوم أنه قد نتج عن تلك السياسة أن:
    "السودانيين الذين ما زالت لديهم "رطانة" أصبحوا يتحرجون من إظهار ذلك. وأن استخدامها في وجود الآخرين أصبح يعد سلوكاً بدائياًً وأنه من الأفضل للمرء الإدعاء بأنه لا يرطن أصلاً. وأنها سبة كافية للمرء أنه كانت لديه رطانة ذات يوم، أما كونه مازال محتفظاً برطانته تلك فذلك أمر لا يغتفر ويؤدي، ضمن عواقب أخرى، إلى الإقصاء الفوري من النادي العربي الإسلامي وفقدان الحق في الانتماء."
    لقد صمم المنهج لينتج، بمعاونة الثقافة السائدة والإعلام، نوعين من البشر، مهيمنين ومهيمن عليهم. وكما يذكر الدكتور حرير، فإنه بنهاية المرحلة الثانوية يكون تلاميذ دارفور قد أوشكوا على الاغتراب التام من ثقافاتهم المحلية، وما إن يحطوا الرحال في الخرطوم للالتحاق بالتعليم الجامعي حتى تكتمل غربتهم وتنتصب دونيتهم شاهدة عليهم. ومن تلك اللحظة فصاعداً سينظر هؤلاء إلى أنفسهم بعيون العالم الشمالي "وسيقيّمون أراوحهم بمعايير تبخسها بينما يراقبهم العالم باستمتاع مشوب بالشفقة والاحتقار" إذا ما جاز لنا استخدام كلمات دوبوا. إن كلمات دوبوا تنطبق أيضاً على عملية التحاق الشماليين بالعالم العربي، والتي هي أيضاً مثال للذات المنْبَتّة.
    إن المفارقة المحزنة هي أن الطبقة المتعلمة من أبناء دارفور قد أعادت إنتاج قصة الشماليين مع العالم العربي ولكن على مستوى محلي، باتخاذها الطبقة الحاكمة في الشمال تعبيراً يجسد طموحاتهم ومركزاً لهويتهم. لذلك فإن قلة بسيطة من هؤلاء المتعلمين تعود إلى مجتمعاتها في نهاية تعليمهما الجامعي، بينما تقطع الغالبية العظمى صلتها بجذورها وتلهث خلف "الاندماج في الثقافة النيلية السائدة"، حتى أن أحدهم وهو الدكتور تجاني حسن الأمين، وهو أستاذ جامعي من غرب السودان تقلد مناصب عدة في النظام الحالي، روى عنه القول "منذ أن التحقت بالحضارة، لم أعد إلى الغرب". وهو يعني ب "الحضارة" الخرطوم، وب "الغرب" غرب السودان. على هذا النحو استمرت الطبقة الحاكمة الشمالية في السيطرة، بل واستطاعت استخدام أشخاص متعلمين من هذه المناطق ذاتها لتعزيز سياساتها العنصرية، وما علي الحاج وخليل إبراهيم، والذين تبوءوا مناصب عليا في هذا النظام قبل اختلافهما معه، وكلاهما من دارفور ومن قبائل الزرقة، إلا شواهد حية على ذلك، إذ أنهما حشدا مواطنيهما وأهلهما للحرب في الجنوب تحت شعار الجهاد، كما أن الأخير، والذي يتزعم حركة متمردة في دارفور الآن، كان قد شارك بنفسه مقاتلا في ذلك الجهاد.

    الخلاصة
    هذه محاولة للتنقيب عن الجذور الأكثر عمقاً للحرب في السودان ولإثبات أن سلاما دائما لن يتسنى التوصل إليه دون معالجة تلك الجذور. إنني على قناعة بأن أسباب الحرب الأهلية في السودان تنبع من مكمن الهوية العرقية، وأن الجذور الأعمق للحرب ليست سياسية، أو اقتصادية، أو تنموية فحسب وإنما هي أيضاً سايكولوجية.
    لقد تحدث الكثيرون، ومن بينهم متمردو دارفور أنفسهم، عن سياسات التهميش كأحد جذور الحرب، وذلك صحيح بطبيعة الحال ولكنه ليس كافياً. لأن السؤال الذي يتبع ذلك هو ما السبب في سياسات التهميش نفسها. إن التهميش لا يحدث مصادفة ولا عشوائيا، بل هو سياسة واعية مخططة مبنية على رؤية الطبقة الحاكمة الشمالية لنفسها وتقديرها للقيمة الإنسانية للناس المهمَّشين. لقد بدا التهميش أولا على مستوى التصورات، قبل أن تتم ترجمته إلى أفعال وسياسات تجاهل واستغلال للمناطق المهمشة ومواطنيها.
    صحيح تماماً أن جميع مناطق السودان، ربما باستثناء الخرطوم وبعض مناطق الجزيرة، هي على درجة ما من درجات التهميش في التنمية باختلافات نسبية بينها، ولكن ليس صحيحاً القول بأن أسباب التهميش هي نفس الأسباب في كل المناطق. وكمثال فإن منطقة الشمالية، مسقط رأس الطبقة الحاكمة، مهمَّشة، ولكنها ليست مهمَّشة لنفس أسباب تهميش مناطق الجنوب والغرب والشرق. إنها مهمشة لأن معظم سكانها نزحوا إلى وسط السودان والخرطوم والجزيرة واتخذوها وطناً بديلاً، وكونوا الطبقة التجارية في البلاد كلها ومن ثم احتل أبناؤها مقاعد السلطة في الخرطوم. بمعني آخر، في حين أن منطقة الشمالية مهمَّشة فيما يتعلق بفقدان البنية الأساسية والصناعة، فإن أهل المنطقة ذاتها ليسوا مهمَّشين، تبعاً للمثل الشهير "الفي إيدو القلم ما بكتب نفسو شقي". لقد ظل الذين بقوا في "البلد"، أي قرى الشمالية، ومعظمهم من كبار السن، يدعمون بالتحويلات النقدية من أبنائهم وبناتهم في وسط السودان قبل زمان أطول بكثير من بداية هجرة السودانيين لدول الخليج. وخلاصة القول أن هناك عاملاً عرقياً يعزز من أسباب التهميش في جنوب وغرب وشرق السودان، وهذا العامل غير موجود في الأسباب التي قادت إلى التهميش في شمال السودان. وعلى ذلك فإن جذور الحرب يمكن أن توصف بأنها عنصرية، والعنصرية حالة سايكولوجية. هذه الحالة العنصرية تظهر واضحة للعيان في كلمات "حكمة" تلك السيدة الدارفورية التي قالت لهيلاري أندرسون أنها سمعت مهاجميها يقولون "السود عبيد، السود أغبياء، إقبضوا عليهم أحياء، قيدوهم، وخذوهم بعيدا معكم".
    إنني أيضاً على قناعة بأن القسوة التي أبدتها الطبقة الحاكمة الشمالية في قمع المكون الأسود للبلد، ليست إلا انعكاساً لرغبة الشماليين الجارفة في قتل المكون الأسود في ذواتهم. وكما ذكرنا في أعمال أخرى، فإن هناك أسطورة وهناك حقيقة في الشمال. الأسطورة هي أن الشماليين عرب، أما الحقيقة فهي أنهم مستعربون. الأسطورة هي ان الشماليين تحدَّروا من أب عربي وأم نوبية. الحقيقة هي أنهم في غالبهم الأعم نوبة خضعوا لعملية استعراب وأسلمة. فالشماليون إذن يبنون حياتهم كلها على الأسطورة، وهذا مكمن أزمة هويتهم. وبناء على الأسطورة، فإن الشماليين يتماهون مع أبيهم العربي المفترض، ويقمعون أمهم النوبية الحقيقية. وقد استدعى قمع الأم النوبية استبعاد التاريخ والحضارة النوبيين، مثلما استدعى إدارة ظهرنا لأفريقيا المعاصرة. إن سلاماً دائماً في السودان لن يتسنى مطلقا تحقيقه دون مواجهة تلك الأساطير واستبدال الحقائق بها، ودون استعادة الأب النوبي المُقْصَى عن وجداننا، والذي مارسنا علية حجراً صحياً، وألقينا به في غياهب جب عميق، في أقصى أعماق اللا وعْي، وهذا لعمري عقوق ليس بعده عقوق.. كما أنه لا يمكن تحقيقه دون احترام الأم النوبية وإعادة الاعتبار لإرثها وحضارتها وتاريخها. فما لم يتعرف الشماليون على ذواتهم الحقيقية، وما لم يقبلوها، و يعيشوا في سلام معها، فإنهم لن يتمكنوا من العيش في سلام مع الآخرين. إنني على قناعة بأن الحرب التي تشنها الطبقة الحاكمة الشمالية على المكون الأسود للبلاد، ما هي في حقيقة الأمر إلا تعبير خارجي عن الحرب التي يشننها الشماليون على المكون الأسود داخل ذواتهم. إن المقاومة التي تصدى لها المواطنون المهمَّشون ضد مركز القوة يجب اعتبارها رمزا وحافزاً على المقاومة داخل الذات الشمالية نفسها. إن الكثيرين من المثقفين الشماليين يرون في الحرب الأهلية بين المواطنين المهمَّشين والمركز، صيحة إنذار وناقوس خطر يُقرع للذات الجمعية الشمالية. هذه الحروب تجد أساسها في الهوية، ويجب التعبير عنها هكذا. إن فشل اتفاقية سلام دارفور في التقاط هذا الجذر للنزاع في دارفور يترك، ببساطة، أصل الداء دون دواء ويكتفي بعلاج الأعراض فقط لا غير. لذلك فإن اتفاقية أبوجا ستظل هشة، وستزداد الحرب استعارا. ستحاول الحكومة هزيمة معارضي أبوجا عسكرياً، بينما سيسعى هؤلاء لإثبات قوتهم العسكرية على الأرض، وخلق الواقع الجديد الذي اشترطت الحكومة وجوده قبل أن تقبل إعادة النظر في الاتفاقية. ومالم يتوحّد أهل دارفور، وما لم يوجدوا مصيراً مشتركاً، ورؤية دارفورية واحدة، وما لم تتوحّد بندقيتهم إزاء العدو المشترك الذي يهمِّشُهم جميعاً ويضرب بعضهم بالبعض الآخر، ومالم يتوحّد وفدهم المفاوض، فإن العالم سوف لن يحترمهم، أو يأخذهم مأخذ الجد. وما لم تتخّذ الأحزاب السياسية المعارضة موقفاً واضحاً لنصرة أهل دارفور، وما لم تُبَدِّل الأسرة الدولية من منهج تعاملها المتهاون والمتردِّد مع حكومة المؤتمر الوطني، ومالم تُبْدِ بعض الحزم، فإن الحروب ستستمر وستزداد استعارا، مبشرة مواطني دارفور بمزيد من سنوات العذاب.
                  

العنوان الكاتب Date
ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor12-28-07, 03:14 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor12-28-07, 03:32 PM
    Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف doma12-28-07, 03:58 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Elawad12-28-07, 04:26 PM
    Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف doma12-28-07, 04:37 PM
      Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor12-28-07, 05:28 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Elmoiz Abunura12-28-07, 06:04 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Mahjob Abdalla12-28-07, 06:44 PM
    Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Tragie Mustafa12-28-07, 06:50 PM
      Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Tragie Mustafa12-28-07, 06:52 PM
        Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor12-28-07, 07:23 PM
          Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف ابراهيم على ابراهيم المحامى12-28-07, 09:49 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف abdelwahab hijazi12-29-07, 03:17 AM
    Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor12-29-07, 04:22 PM
      Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف ابراهيم على ابراهيم المحامى12-30-07, 04:01 AM
        Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف ابراهيم على ابراهيم المحامى12-30-07, 07:40 PM
          Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف abdalla elshaikh12-30-07, 10:23 PM
            Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف doma12-31-07, 03:43 AM
              Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف abdalla elshaikh12-31-07, 04:38 AM
                Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف طلعت الطيب12-31-07, 08:07 PM
  Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف Elmoiz Abunura01-01-08, 00:29 AM
    Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف ابراهيم على ابراهيم المحامى01-01-08, 04:17 AM
      Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف ابراهيم على ابراهيم المحامى01-02-08, 04:46 AM
        Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف سيف النصر محي الدين محمد أحمد01-02-08, 03:54 PM
          Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف سيف النصر محي الدين محمد أحمد01-02-08, 04:23 PM
          Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor01-02-08, 04:38 PM
            Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor01-02-08, 04:49 PM
              Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف khalid kamtoor01-02-08, 04:55 PM
  تعقيب الأستاذ الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-02-08, 05:10 PM
    Re: تعقيب الأستاذ الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-02-08, 05:31 PM
      Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-02-08, 05:41 PM
        Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين طلعت الطيب01-02-08, 06:07 PM
          Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-02-08, 07:21 PM
          Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين سيف النصر محي الدين محمد أحمد01-02-08, 08:44 PM
            Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين طلعت الطيب01-03-08, 03:20 AM
              Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين طلعت الطيب01-03-08, 04:23 AM
                Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين طلعت الطيب01-03-08, 05:43 AM
                  Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-03-08, 11:51 AM
                    Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين Elmoiz Abunura01-04-08, 02:50 AM
                      Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين khalid kamtoor01-04-08, 02:30 PM
                        Re: فرانز فانون khalid kamtoor01-05-08, 05:27 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de