رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً ....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 04:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل عبد العاطى(Abdel Aati)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2009, 04:15 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... (Re: Abdlaziz Eisa)

    Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
    الذكرى الخمسين للإمام عبد الرحمن
    ملامح عبقرية الإمام عبد الرحمن
    بقلم: صديق الصادق المهدي

    26/3/2009م
    تقديم:
    جاء في لسان العرب أن عبقر موضع بالبادية كثير الجن، فكلما رأوا شيئا فائقا غريبا أو شيئا عظيما نسبوه إليه (عبقري). فالعبقري الشديد الذي ليس فوقه شيء.ويعتقد دين كيث سايمنتون أن مصطلح العبقرية ينضوي تحت لوائه مصطلحان آخران: الإبداع والقيادة (1).
    الإمام عبد الرحمن (1885 – 1959م) الذي نحتفل بالذكرى الخمسينية لوفاته الآن، قام في ظروف تشبه تلك التي قام فيها والده الإمام المهدي عليه السلام، والتي قال فيها الشيخ حسين الزهراء: (وقد دعا إلى الله في حال لا يطمع غيره أن يطيعه فيها بنوه وإخوانه فإذا الدهر بما فيه أنصاره وأعوانه) .
    قال السيد/ محمد أحمد محجوب: لقد وهب الله الإمام عبد الرحمن ميزات شخصية نادرة فكان جوده لا حدود له وكانت مروءته ونجدته وشهامته مثار دهشة مواطنيه وإعجابهم وصار بحق أبا للسودانيين وحازت ولاءهم مواقفه القيادية في إنشاء وتدعيم الحركات والأعمال التي كونت السودان الجديد. وقد رعى الإمام الحركة الاستقلالية وقادها حزب الأمة فتخطت كل العقبات وأحرزت النصر (2).
    أولا: ظروف النشأة والتحديات:
    ولد السيد/ عبد الرحمن بأم درمان بعد وفاة الإمام المهدي باثنين وعشرين يوما، والتحق بخلوة أبناء الإمام المهدي وحفظ القرآن وهو في الحادية عشرة من عمره. نشأ في أم درمان في بيئة تعرض فيها للمشقة فقد كانت المدنية تعيش تربية جهادية صارمة رسخت في الأذهان أن باطن الأرض أفضل من ظاهرها، لذلك تدافع الأنصار للجهاد والاستشهاد زرافات ووحدانا. وهو في الثالثة عشرة غزت قوات الفتح الثنائي دولة المهدية بقوات كبيرة عالية التسليح واستفادت من معلومات استخبارية كشفت لمخططيهم مكامن الضعف والقوة في جيش المهدية، فحققوا نصرا بقوة السلاح، واظهر الأنصار شجاعة فائقة في التصدي والصمود أمام الموت بنيران العدو. افترش خليفة الصديق وصحبه الكرام فراهم ولأقو الموت بوجوههم الوضاءة وصدورهم النقية مستشهدين معززين مكرمين. كانت تلك ملحمة البطولة والثبات والنضال في كرري وأم دبيكرات، الملحمة التي كتب فيها الأبطال والفرسان والشهداء بدمائهم عمرا مستقبليا لدعوة الإمام المهدي بعد أن هدت قوة النيران أركان الدولة. بعد عام والسيد عبد الرحمن يعيش مع باقي أسرة المهدي والخليفة شريف في الشكابة، هاجمتهم قوات العدو وقتلت الخليفة شريف والفاضل والبشرى المهدي. وأصيب السيد عبد الرحمن إصابة خطيرة برصاصة في صدره وترك لينزف. وجد السيد عبد الرحمن نفسه منذ صباه مسئولا من أسرة كبيرة، وكان عليه تدبير قوتها ومعاشها في ظروف بالغة الصعوبة. وكانت روح المهدية حية في النفوس تغذيها ذكرى الانتصارات وجسامة التضحيات والظلم الذي توقعه حكومة القوات الغازية على الأنصار وأسرة الإمام المهدي وخلفائه. في الفترة الأولى من عمر الاستعمار، كانت تقوم سنويا هبة مهدوية ضده، ولكنها كانت محدودة الأثر باستثناء ثورة ود حبوبة في 1908م وثورة نيالا في 1921م (3). الحكومة الاستعمارية كانت تتخوف من إعادة بعث المهدية لذلك كانت تضخم أثر تلك الهبات المحدودة، وتتحرك ضدها بقوة وعنف كبيرين وتتأكد من سحقها في مهدها.
    الإدارة الاستعمارية لم تكتفي بقمع الهبات، ولكنها فرضت إجراءات مشددة للتضييق على الأنصار، فأقامت شبكة متينة للمخابرات لمراقبة الناس وتتبع آثار الولاء للمهدية وغرس اتجاهات معادية لها. وقامت الحكومة بحملات قوية للقضاء على تعاليم الأنصار ومنعت تلاوة الراتب وحيازة وقراءة منشورات الإمام المهدي ومنعت التسمي بالأنصار. الحكومة أرادت أن تفرض على السيد عبد الرحمن أن يتسمى بعبد الرحمن محمد أحمد وكانت تراقب اتصالاته بالناس وتمنعه من التنقل. وكانت الحكومة تعاقب مخالفيها بقسوة شديدة (2).
    لاقى السيد عبد الرحمن معاناة شديدة في ظل الحكم الاستعماري: فالأنصار ينتظرون منه أن يزهد في الدنيا وان يشهر سيف الجهاد أسوة بوالده وقيادات وأمراء الأنصار. والمواطنون السودانيون من غير الأنصار كانوا في الغالب يتعاملون معه بعداء شديد ويحملونه ما لحق بهم أثناء المهدية. والحكام الجدد كانوا يتخوفون أن يفعل ما ينتظره فكانوا له بالمرصاد، خصوصا وأنه لم يقبل التوظيف في الدولة كما فعل غيره (4). الحكم الثنائي وظف عدد من أمراء المهدية الذين تركوا الأنصارية في وظائف حكومية (3) ليضمن ولائهم ولكيلا يعملوا ضد الحكم الاستعماري.
    قبل الغزو الثنائي وفي فترة دولة المهدية رأى السيد عبد الرحمن رؤيا فيها ان الترك دخلوا جامع المهدي من الناحية الغربية وان صفوف الأنصار منكسرة نحو الناحية الشرقية، ورأى الراية الزرقاء تسقط من جابر فقال له (( يا جابر ارفع الراية)) . كان السيد عبد الرحمن مؤمنا أيمانا عميقا بدعوة والده، وكان إيمانه هذا الدافع الأساسي لكل إنجازاته في الحياة. اقترحت عليه الحكومة البريطانية مرة ان ينشىء طريقة مستقلة يسميها الطريقة الرحمانية ووعدته بالدعم والتشجيع، مما يعني التخلي عن تعاليم المهدية، فرد السيد عبد الرحمن: ((لئن أعيش مزارعا في أي بقعة من بقاع السودان ومعي اسم المهدي وهديه خير لي من املك الحور والقصور)) (5).
    كيف تمسك الإمام عبد الرحمن بهدي والده، وتعامل مع التحديات الجسام التي واجهته ليحقق مبتغاه؟ إنها جملة أشياء تصف ملامح عبقرية الإمام عبد الرحمن.

    ثانيا: الإمام عبد الرحمن وبعض ملامح العبقرية في حياته:
    قال مسئول بريطاني مشيرا إلى قدرات السيد عبد الرحمن الفائقة والى دهائه والى سياسته الهادئة في الوصول لما يريد في أصعب الظروف، قال: أعطيه اصبعا وسيربط يدك (3).
    إن ملامح عبقرية الإمام تتمثل في:
    1. التخلي عن النهج الثوري العسكري واستبداله بنهج سلمي سياسي دبلوماسي يوصل لذات الهدف:
    السيد عبد الرحمن أكثر أهل السودان اكتواء بنار الحكم الثنائي الاستعماري، راقب عن كثب الهبات والثورات العسكرية التي قامت باسم المهدية، ورأى المصير الذي ينتظرها، فتوصل بحنكته وكياسته وعبقريته إلى انتهاج طريق السياسة والدبلوماسية السلمي لتحقيق استقلال البلاد من دولتي الحكم الثنائي .قال السيد محمد احمد المحجوب: أدرك السيد عبد الرحمن منذ البداية ان قوة الأنصار العسكرية قد قوضت وان دولة الحكم الثنائي تملك من أساليب العصر الحديث ما يجعل مواجهتها أمرا عسيرا، فاتخذ أسلوبا قياديا جديدا تحاشي به اللقاء العسكري وشيد به وضعا أدى إلى بعث الأنصار والى تحرير السودان (2). ويتفق معه السيد يوسف فضل الذي يعلق على نهج السيد عبد الرحمن الجديد، بأن السيد عبد الرحمن فضل الموقف الأكثر اتزانا وهو الموقف الأكثر عملية وعقلانية وموضوعية (4).
    الموقف الجديد لم يستوعبه الأنصار في بادئ الأمر، فخاطبه أحدهم:
    القفطان املصو لباسو فيك ما بخيل
    بتخيل فيك الدروع وركوب عواتي الخيل
    فأجلسه الإمام وقال له: أنا صاحب الزمن ولو كان المهدي موجودا لأقرني على ما أفعل واتبعه. سأله الشيخ بابكر بدري: يا سيدي أنت ورثت همة المهدي، لا شك في ذلك، لكنك صرفتها للدنيا بينما وجهها هو للدين. فرد السيد عبد الرحمن: أنما ورثته من همة المهدي عبأته في ماعون جديد (4). قال د. حسن: وبالوسائل المدنية خرجت المهدية الجديدة في القرن العشرين كقوة اجتماعية سياسية ضخمة، وقائدها الأبرز في البلاد، ورسالته حملها أتباعه، أظهرهم حفيده خريج أكسفورد الصادق المهدي (3).
    فال الشاعر: يصف الفلاح الذي أصابه هذا التحول:
    جهاد المهدي سيف سلاه بلمع ضاوي
    حكمه في الرقاب للشرع بتلاوي
    وات جهادك بالحكمة والهداية تداوي
    اختلفت السيوف إلا الضرب متساوي
    2. كيان الأنصار: أن ما فعله السيد عبد الرحمن في الأنصار ومع الأنصار من تحول وإنجاز يعد من أوضح ملامح عبقريته الفائقة. يقول السيد الصادق المهدي في "عبد الرحمن الصادق: إمام الدين" أن السيد عبد الرحمن دخل من باب مشروعية الحركة الذي فتحه الإمام المهدي بقوله (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال).
    كان تعامل السيد عبد الرحمن مع القاعدة الأنصارية هو المدخل لمكانته الدينية والنمط الذي اتبعه في التعامل مع كل المتناقضات المحيطة به. اتخذ موقفا واضحا من أسلوب الثورة المسلحة ونأى بنفسه تماما. واندفع يقيم كيانا مثاليا في الجزيرة أبا ويكثف العناية بالقرآن والراتب ويوجه الحماسة الفدائية الكامنة في تربية الأنصار إلى مقاصد اقتصادية واجتماعية ويشرح أن مفهوم الجهاد في الإسلام أوسع من القتال ويمكن أن يكون باللسان والمال كما يكون بالسيف. وعلى الصعيد الجماعي فقد أقام الإمام للأنصار تنظيما محكما يضم الوكلاء والمناديب وشيوخ الأنصار وشبابهم، وهيئة الملازمية. لقد جعل الإمام كيان الأنصار التكوين الديني الشعبي السوداني الأول. فهذه خاصية احتفظ بها كيان الأنصار رغم أن الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على السودان. ركزت كل ما تستطيع من وسائل وإمكانات لتقويض كيان الأنصار، بلا جدوى (4).
    إن علاقة الإمام بالأنصار علاقة تكاملية، أفادت طرفيها فوائد عظيمة. ففي البداية وفي ظروف العسرة وقف الأنصار مع الإمام وقفة صلبة وأحاطوه بالعناية والحماية، ووثقوا في صدقه وإخلاصه واستجابوا لتوجيهاته الجديدة وحققوا تحت قيادته الرشيدة انجازات ضخمة في كثير من المجالات. فالسيد عبد الرحمن يقول عن أيام الحصار الاستعماري المحكم: كان الأنصار يهادوننا في الخفاء ويسعون بشتى السبل إلى تقديم المعونة لنا ورفع شأننا (2). ولو لم يكن تفاني الأنصار وعملهم الدؤوب لما أمكن للسيد عبد الرحمن تنظيف أراضي أبا فاتحة الخير ولما أمكن وتعميرها وتسجيلها.
    وفي فترة منعت الحكومة زراعة أراضي " قفا" التي كانت تمد أهل أبا بالذرة، فرد الأنصار بإرسال قوافل محملة بالذرة فوصلت كميات تكفي كل سكان الجزيرة أبا لعدة أعوام ولم توقفهم إلا مناشدة السيد عبد الرحمن بعدم إرسال المزيد (5). يقول السيد/ عادل شرفي في "دائرة المهدي " المؤسسة الاقتصادية للأنصار": عندما تم تنظيم الدائرة هدف السيد عبد الرحمن إمام الأنصار إلى أن تكون الدائرة مؤسسة اقتصادية لاستغلال عائدها في خدمة الأهداف الدينية والاجتماعية للأنصار والعمل على تخفيف تكاليف المعيشة والارتفاع بالمستوى الاقتصادي لأبناء الطائفة وتحقيق رفاهيتهم وذلك بتقديم كثير من الخدمات الصحية والتعليمية لهم ولأبنائهم (4).
    بدأ الأنصار بالروح الفدائية والنشوة بالموت في ساحات الجهاد على حد قول عكير:
    لكها يا كريم وأقلب نداها سخانة
    بقها نار جبل طيّر شرار دخانة
    صبح سيفها أحمر وتضحك الجبخانة
    حكماها الصقور وشارع الزلط شفخانة
    ثم إلى التضحية في تنفيذ أمر الإمام في قول عكير:
    جبل وادي الحجاز الليهو ما في وزين
    ورحمن البجوهو من الودار فازين
    لي أمرك دوام صاحيين قلبنا رزين
    تملي محنطين ومكفنين جاهزين
    فإلى التمسك بالعهد الجديد في وصف عكير:
    عهدنا معاك كنداب حربة ما بتفلخ
    وصرة عين جبل ملوية ما بتتشلخ
    أكان أيدينا فيك من المسك تتملخ
    السماء يتكي وجلد النمل يتسلخ
    3. التمييز بين دولتي الحكم الثنائي وسياسته المتخذة تجاههما:
    - الموقف المصري تجاه السودان كان يتسم بما يلي (6).
    • قال عدلي رئيس وزراء مصر عام 1921م: إن السودان أرض مصرية ولا نزاع في أن لمصر حق السيادة عليه. ثم قال: ( كان السودان لمصر فتركته زمنا ولكنها لم تفارقها لحظة فكرة استرجاعه حتى تهيأت الظروف لإعادة فتحه، فاشتركت إنجلترا مع مصر في جزء من التجريدة التي أرسلت إليه والأموال التي أنفقت عليه، ولكنها لم تدع يوما حقاً في السودان بسبب ذلك الاشتراك، فإنما فتح السودان باسم مصر ولمصلحة مصر،ومازالت مصر تسد عجز ميزانيته حتى عهد قريب).
    • وقال سعد زغلول عام 1924م: ان السودان، كما قال المستشار المالي في تقريرسنة1914، الزم لمصر من الإسكندرية.
    • وقال سعد زغلول عام 1924: تتمسك مصر بالسودان لأنه لا يمكن لمصر أن تعيش بدون السودان أصلا. وقال:كنا قد اجبرنا بالقوة والقهر على أن تتنازل عن قسم منه،فانسحبنا منه كرها بالرغم منا. ولكننا استعدناه بعد ذلك بالنفيس من أموالنا،والعزيز من دماء أبنائنا... وبعد أن استعدناه صرفنا عليه أموالا طائلة،ولا نزال نصرف عليه،ولا تزال قوة منا مؤلفة من عدد عديد من أبنائنا ترابط فيه لحفظه وحمايته.
    • طالب عدلي في عام 1921م بأن تكون لمصر يد في إدارة السودان. وبأن يكون لها الحق في أن تأخذ من النيل كل ما تحتاجه من المياه لري أرضها المزروعة حاليا أو القابلة للاستصلاح والزراعة في المستقبل.
    • لم يتقلد المصريون في حكومة السودان سوى المناصب الإدارية الدنيا كوظيفة المأمور ونائب المأمور. ففي يناير 1924م كان يعمل في سلك المآمير ونواب المآمير 84 مصرياً. ولكن بعد أحداث نوفمبر 1924م أبعد كل هؤلاء من العمل في السودان. وأبعد معهم بعض المصريين العاملين في السلكين الكتابي والفني ممن عرفوا بنشاطهم السياسي. واستمر في الخدمة في هذين السلكين حوالي 1400 مصري.
    إما بريطانيا فكانت تستعمر مصر نفسها، ولذلك كانت لها الكلمة العليا. وفي الاستعمار الثنائي على السودان، كان الفصل والقرار في شأن السودان بيد بريطانيا، يتضح ذلك من الآتي (6):-
    • أخطرت الحكومة البريطانية الحكومة المصرية أنه نظرا للمساعدات المالية والعسكرية التي قدمتها الحكومة البريطانية للحكومة المصرية في حملة استرجاع السودان،فقد قررت الحكومة البريطانية رفع العلم البريطاني بجانب العلم المصري وأن يكون لصوتها الغلبة في جميع المسائل المتعلقة بالسودان.
    • عهدت المادة الثالثة من اتفاقية 19/1/1899م بالسلطة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد يلقب بالحاكم العام. انتقد النقراشي أمام مجلس الأمن كون الحاكم العام دائما بريطاني، ورد عليه ممثل بريطانيا في مجلس الأمن (حقا أن الحاكم العام كان دائما من الرعايا البريطانيين. ولا أظن أنه كان يجول بخاطر أحد الطرفين الموقعين على اتفاقية الحكم الثنائي أن توصى حكومة المملكة المتحدة بتعيين شخص آخر)
    • كما أن مجلس الحاكم العام الذي أنشئ في 1910م ويتكون من ستة إلى ثمانية أعضاء كلهم بريطانيين .
    • بريطانيا في خلافها مع مصر في شأن السودان، كانت ترد على الادعاء المصري بالسيادة على السودان بخلق ذاتية سودانية، فمثلا:-
    - في عام 1924م قرر الحاكم البريطاني السير إستاك إبعاد الوحدات المصرية البحتة من السودان، ثم إعادة تشكيل الوحدات السودانية المتبقية من الجيش المصري على نظام جيش سوداني إقليمي.
    - في المفاوضات البريطانية المصرية بشأن السودان في القاهرة في 15/4/1946،ومع ظهور بوادر الانقسام في السودان،رأت حكومة السودان ان أفضل السبل لمواجهة الضغوط المصرية على وفد السودان وعلى المفاوض البريطاني هي الإسراع بسودنة الخدمة المدنية وأجهزة الحكومة. وقد أعلن الحاكم العام عن الخطوات التي ستتخذ في هذا الصدد في الخطاب الذي ألقاه في 17/4/1946، عند افتتاح الدورة الخامسة للمجلس الاستشاري.
    سياسات السيد عبد الرحمن تجاه دولة الحكم الثنائي:
    إن السياسة التي انتهجها السيد عبد الرحمن بالتعامل مع بريطانيا الدولة الأقوى في الحكم الثنائي والدولة صاحبة التقاليد الديمقراطية التي كانت تستعمر للحصول على المواد الخام فلا تحتاج لمحو كينونة الدولة التي تستعمرها. إن البطش الذي مارسته القوات البريطانية في الفترة الأولى كان سببه توطيد سلطة الاحتلال والانتقام من المهدية والأنصار الذين لقنوا بريطانيا وجيشها درسا قاسيا. وبريطانيا كما رأينا، في خلافها مع مصر بشأن السودان كانت تسعى لخلق ذاتية سودانية.
    أما مصر فلم تكن صاحبة الأمر والقرار، وكانت تعلم أن أمد بريطانيا في السودان محدود، فكانت تريد أن ترث السودان من بريطانيا لرعاية المصالح المصرية المستمرة فيه(وأهمها مياه النيل)، ولتدوم لها السيادة عليه.ان مطالب ومصالح مصر في السودان،مما سبق ذكره، مستمرة وضد حرية وسيادة ومصلحة السودانيين.
    إذن فسياسة السيد عبد الرحمن تجاه دولتي الحكم الثنائي كانت سياسة الحصيف الحكيم العالم ببواطن الأمور الجاد في التوصل لتحرير بلاده من دولتي الحكم الثنائي. طوى الإمام عبد الرحمن صفحة المواجهات العسكرية، ورمز لذلك بإهداء السيف لملك بريطانيا، وفتح صفحة العمل السياسي والدبلوماسي السلمي. يقول السيد عبد الرحمن: تعاونت مع الإنجليز على أساس واضح ارتضيته سياسة لي منذ البداية وهو التطور واستخلاص حقوق الشعب السوداني عن طريق السياسة لا الثورة(4).
    ان سياسة السيد عبد الرحمن والاستقلاليين تجاه دولي الحكم الثنائي توضحها اجابة السيد عبد الرحمن على سؤال د. على بدري بعد توقيع اتفاقية 1936م: هل الأفضل أن نكون مع بريطانيا أم مصر؟ فقال الإمام: لماذا نكون مع هذا أو ذاك، ينبغي أن نكون مع أنفسنا. السيادة لنا أهل السودان دونهما. طرح السيد حسين شريف وجهة نظر الاستقلاليين تجاه دولتي الحكم الثنائي في مقال نشر بجريدة الحضارة، جاء فيه عن البريطانيين: لا يسع احد ينكر أنهم أكفأ من أدار دفة وساس أمة واقدر من يخضع الهوى لسلطان الحق ما تسعه الطاقة البشرية ويتسع لدولة فاتحة وأمة استعمارية. وجاء فيه عن المصريين: ولو كانت الدلائل والوقائع والتجارب تساعدنا على الوثوق بأن جيرانا يستطيعون الاحتفاظ بوديعتنا الوطنية المقدسة لما فضلنا غيرهم ولما اخترنا سواهم. أما والأمر كذلك فمن الخرق والحمق أن نغرر بأنفسنا ونغامر بكياننا ونقذف بمستقبلنا في هوة لا قرار لها ولا يعلم إلا الله ما في جوفها من المصائب والويلات (6).
    السياسة البريطانية تجاه السيد عبد الرحمن:
    لم تكن السياسة البريطانية تجاه السيد عبد الرحمن وكيان الأنصار والاستقلاليين ثابتة، بل كانت متأرجحة حسب الموقف المصري من السودان، وحسب مبادرات وتحركات السيد عبد الرحمن، وحسب أسلوب الحاكم العام البريطاني، فقد انقسمت السياسة البريطانية لمدرستين: المدرسة الغالبة وتتهم كل نوايا السيد عبد الرحمن وتعتبر كل تحركاته مناورات، وأنه إذا وجد أي فرصة سيقلب الأمور عليهم رأساً على عقب. ومدرسة الأقلية وكانوا يرون أن اتجاه الإمام عبد الرحمن للتخلي عن العنف والسعي لتحقيق أهدافه بوسائل مدنية يكفي للتعامل معه والتعاون في المجالات التي تتلاقى فيها مصالح الطرفين.
    أصحاب هذه المدرسة فقدوا مناصبهم لاتهامهم بالتعاطف نحو الإمام عبد الرحمن.
    إن تأرجح السياسة البريطانية تجاه السيد عبد الرحمن توضحه الوقائع الآتية:
    • كان السيد عبد الرحمن يطلب أن تسمح له الحكومة بالسكن في أم درمان وبالزراعة في أرض الجزيرة أبا. ولكن الحكومة رفضت الطلبين. ولكن بعد ثورة عبد القادر ود حبوبة في الجزيرة عام 1908م، استجابت الحكومة للطلبين، الاستجابة لم تكن لخدمة أغراض السيد عبد الرحمن ولكنها قصدت منها الآتي: فالسكن في أم درمان قصدت منه الحكومة أن يكون السيد عبد الرحمن تحت رقابتها المباشرة ولذلك كان السكن في أم درمان في العباسية قرب الطبطية. فثورة ود حبوبة أظهرت أن الروح الجهادية للمهدية ما زالت حية، فخشيت أن يتجمع الأنصار حول السيد عبد الرحمن وهو في الجزيرة فأراحها سكن أم درمان قرب الطبطية. أما الزراعة في أرض الجزيرة أبا فقد قصدت منها الحكومة إلهاء السيد عبد الرحمن بالعمل الاستثماري، يتضح ذلك في الشرط الذي وضعته الحكومة لتسجل أبا باسمه: أن يزيل أشجارها وغاباتها، ويعمرها حتى لا يتملكها ويجمع فيها الأنصار بدون الالتفات للعمل الزراعي، ولكنه بمعاونة من معه من الأنصار تمكنوا من تعميرها قبل الزمن المضروب. الحكومة فرضت قيود كثيرة للحد من هجرة الأنصار إلى أبا، ولكن أعدادهم كانت في ازدياد مستمر، والسيد عبد الرحمن قاوم إجراءات الحد هذه بإنشاء كنتونات أخرى غير الجزيرة أبا يتجمع فيها الأنصار.
    • في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918م احتاجت الحكومة لعون السيد عبد الرحمن في شيئين: تأييد بريطانيا وحلفائها ضد تركيا (الدولة الإسلامية، ونذكر بأن ثورة الإمام المهدي قامت ضد حكم الترك الاستعماري في السودان)، والشيء الآخر انقطع إمداد الفحم الحجري من أوربا فاحتاجت الحكومة للأخشاب كوقود فتعاقدت مع السيد عبد الرحمن لإمدادها بالأخشاب من غابات الجزيرة أبا.
    استغل السيد عبد الرحمن هذا المناخ ليأخذ من الحكومة أقصى ما يمكن من فك التضييق ومنح التسهيلات، فأهدى سيف والده في زيارة التهنئة لملك بريطانيا عام 1919م. أثمر ذلك السماح للأنصار بالصلوات الجامعة والسماح بطباعة الراتب، كما توسعت أعمال السيد عبد الرحمن الاستثمارية الزراعية توسعاً كبيراً (2). يقول الدكتور المرحوم أبو سليم: إن محاولة الإنجليز لتوجيه السيد عبد الرحمن إلى الاستثمار لإبعاده عن العمل في السياسة قد أتت بنتيجة عكسية وهي أن المال قد مكنه من مزيد من النفوذ ومهد له بذل المال في سبيل أهدافه السياسية (4).
    حكومة السودان التي تقودها بريطانيا لم تكن لتطمئن للسيد عبد الرحمن مهما فعل لتطمينها لأنها كانت ترى فيه خصما على مصالحها الآتية:
    - اهتم السيد عبد الرحمن بالتواصل مع الخريجين منذ مطلع العشرينات وأصبح ذا نفوذ كبير في أوساطهم. الحكومة كانت منزعجة جداً بهذا التواصل وتخشى من أن يتمكن السيد عبد الرحمن من عقد تحالف بين المتعلمين والأنصار (4).
    لذلك كانت الحكومة ممتعضة من التحرك الذي يقوده السيد حسين شريف وسط المتعلمين، فهددوا السيد عبد الرحمن ذات مرة: إن حسينا سيقودك إلى المشنقة (7). والحكومة كانت تريد أن تتحالف هي مع المتعلمين للحد من نفوذ السيد عبد الرحمن ولمقاومة المد المصري في السودان (4).
    - أيضا سعت الحكومة لاستخدام الولاء القبلي ضد المهدية، فالدكتور أبو سليم يقول: كان الانجليز يعتبرون أن حركة المهدية تحطم الولاء القبلي وتقلل من قيمة زعماء العشائر وذلك في وقت صار فيه هم الحكومة وشاغلها بناء النظام العشائري لتكون جماهير الأقاليم في صف الحكومة إذا احتلفت الطائفية والمتعلمون مع المصريين، ولذلك حوربت المهدية ووضعت القيود على نشاط السيد غيرة على الإدارة الأهلية (4).
    نختم الكلام عن سياسة السيد عبد الرحمن ودولتي الحكم الثنائي بما أجاب به السيد نفسه الأستاذ/ محمد حسنين هيكل عندما استنكر أن يتعامل السيد عبد الرحمن مع الإنجليز ويترك المصريين، فرد عليه السيد عبد الرحمن بأن شبه الغزو الثنائي بحنطور يمثل فيه البريطاني السيد داخل الحنطور ويمثل المصري سايس الحصان، فاستفسر السيد الأستاذ: لتخليص بلادنا نتكلم مع السيد داخل الحنطور، أم نتكلم مع سايس الحصان؟! ونختم بما قاله د. حسن أحمد إبراهيم عن سياسة السيد عبد الرحمن أنه: استخدم الإنجليز ضد المصريين وعبأ الشعب السوداني ضدهما الاثنين (3).
    4. الإنتاج والإعمار والبناء الاقتصادي:
    السيد عبد الرحمن تعامل مع استثماراته ومشاريعه الإنتاجية بهمة عالية جداً لأنها كانت دوما تخدم أغراضا سامية جدا ولم تكن في يوم من أجل الاكتناز والاستحواذ. من بداية أمره كان مهموما بكفالة أسرة والده الكبيرة فقد وجد نفسه مسئولا منها ومن شئونها منذ سن صباه الباكرة. ثم أصبح مهموما بإعادة بناء كيان الأنصار الذي شتته القوات الغازية.
    السيد عبد الرحمن لم يفكر في أبا كمشروع استثماري زراعي ولكنه قصد تجميع الأنصار، ولو كان تفكيره استثماريا بحتا لفكر في أرض أكثر جاهزية من أرض أبا المغطاة بالحشائش والأشجار والغابات. الزراعة في أبا كانت لإطعام جماعات الأنصار التي التفت حوله في أبا. وجاء عطاء الرزاق عندما ارتفع الطلب على الأخشاب في فترة الحرب العالمية الأولى، فتعاقدت لتوريدها من أبا. درّ هذا التعاقد أموالا طائلة وظفها السيد عبد الرحمن في التوسع في المشاريع المروية بالطلمبات لإنتاج القطن، والتوسع في إنشاء كنتونات أخرى لتكرار تجربة أبا لتجميع الأنصار عندما منعت الحكومة الهجرة إلى أبا.
    يقول محمد آدم الجلابي وكامل منصور أن السيد عبد الرحمن كان مبتكرا ومبدعا. فهو أول من أدخل زراعة القطن وأول من أدخل الري الصناعي بوابورات البخار ووابورات مضخات الديزل من مشاريع القطاع الخاص. وأول من أدخل التكنولوجيا والمكينة في الزراعة من أوائل العشرينات، فقد استجلب وابورات بخار لحراثة الأرض بدل استخدام الثيران في المشاريع الخاصة. وهو أول من أدخل الزراعة المختلطة الحديثة التي يتكامل فيها النبات مع الحيوان. السيد عبد الرحمن أول سوداني فكر ونفذ مشروعات التصنيع الزراعي فأنشأ أول معصرة وأول محلج بالنيل الأبيض.
    يقدر السيدان المذكوران استثمارات السيد عبد الرحمن في مشاريع، إنتاج القطن للفترة (1929-1949م) بمئتي مليون جنبه (4).
    يقول السيد الصادق المهدي في ورقته المذكورة: لقد حقق الإمام عبد الرحمن تنمية اقتصادية وتحديثا وتنمية ريفية بصورة نادرة من الشرق العربي وأفريقيا. ويروى ما رواه له السيد محمد صالح الشنقيطي: لم أشهد من حياتي شخصا يحترم القرش في مستوى الإنفاق مثل الإمام عبد الرحمن. وروى أيضا السيد محمد الخليفة شريف أنه قال للإمام: ما أعجب أفعالك يا سيدي تحرص على جمع المال بدقة النمل ثم تطؤه برجل الفيل. فقال لي: الأول حسابه اقتصادي وينبغي أن يكون، والثاني حسابه اجتماعي ولولا الأول ما كان الثاني، ولولا الثاني ما حققنا مقاصدنا. نحن يا محمد نجاهد بالمال. عاون الإمام في الانجاز الاقتصادي قاعدة من المهاجرين والعمال تعاملت مع واجبها الاقتصادي بوصفه واجبا مقدسا، وقادها في هذا الصدد كوكبة من رجال الأعمال الذين بذلوا تضحيات وعملوا بكفاءة نادرة،وكانوا يؤدون ذلك العمل وهم يخدمون تحت قيادة شخص آمنوا برسالته في الحياة. هم السادة عبد الله الفاضل- يعقوب الحلو- الطيب الحلو- محمد الخليفة شريف - الصديق - عبد الرحمن - الهادي عبد الرحمن وآخرون.
    5. تحديث المجتمع السوداني: الإمام عبد الرحمن يعتبر بحق مؤسس السودان الحديث. لقد تم ذلك عبر العديد من الأعمال، نذكر منها:
    • تأسيس حزب كآلية للعمل السياسي: يقول السيد الصادق المهدي أن الإمام عبد الرحمن تجاوب مع مقترح تقدم به السيد أحمد عثمان القاضي وعدد من الخريجين لإنشاء حزب سياسي يدعو لاستقلال السودان (4). الحزب السياسي من مكونات الدولة الحديثة ويقوم بدور هام في تحديث المجتمع التقليدي.
    • التواصل مع الكيانات الحديثة في المجتمع من خريجين ونقابين ونساء. ودعم التعليم بشكل مؤسسي إذ كون لجنة مال التعليم، وكانت تقدم العطاء بدون النظر للولاء. وعمل على تعليم الأنصار العلوم الدينية والدنيوية والحرفية. ودعم المرأة وتعليمها وتولى رعاية جمعية ترقية المرأة السودانية ثم جمعية نهضة المرأة، وجمعيات النهضة النسوية في السودان، كما أيد دور المرأة في الحياة (4).
    • الصحافة: قال السيد حسين شريف: "شعب بلا جريدة قلب بلا لسان" يقول السيد محجوب محمد صالح: "ظلت الصحف في الخرطوم حتى نهاية العقد الثاني من هذا القرن أجنبية الملكية إلى أن أصدر السيد عبد الرحمن جريدة النيل وهي أول صحيفة يومية في تاريخ السودان. ثم أصدر السيد عبد الرحمن جريدة الأمة لتتحدث باسم حزب الأمة. ويلاحظ السيد محجوب أن السيد عبد الرحمن كان من طليعة السودانيين الذين أدركوا أهمية الصحافة بوصفها منبرا للرأي كما أدرك أهميتها بالنسبة له لترويج أفكاره وتوسيع إطار نفوذه وخدمة أهدافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية (4).
    6. النهج القومي والتسامح:
    إن أكبر تجسيد للنهج القومي للإمام مقولته الخالدة، شعار هذا البرنامج "لا شيع وطوائف ولا أحزاب ديننا الإسلام ووطننا السودان" وكما يفسرها السيد الصادق المهدي: لا طوائف عندما تقتضي مصلحة الإسلام التوحد واتفاق الرأي، ولا أحزاب عندما ينادي الوطن، أي أن مصلحة الإسلام والسودان مقدمة على مصلحة كل طائفة وحزب. إن السيد عبد الرحمن في حياته التزم تماما بالنهج القومي فتواصل مع كل الجماعات السياسية والتيارات الفكرية في بلاده وخارجها بخصوص كل القضايا المطروحة.
    فعندما عاد من بريطانيا ومصر وتوصل لاتفاقية مع المصريين كان يرى أنها تحترم هدف الاستقلال، خاطب الجموع التي استقبلته بقوله: ورجائي لجميع أبنائي السودانيين أن ينبذوا ما بينهم من خلافات وخصومات شخصية كانت أو حزبية لأن كل شيء يهون في سبيل تحرير الوطن (2). ويورد الدكتور موسى عبد الله حامد في كتابه استقلال السودان رواية من صديق عن موقف قومي تسامحي كبير للإمام عبد الرحمن بعد إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية 1953م (ومعلوم أن حزب الأمة يطعن في النتيجة لعدم عدالة توزيع الدوائر الانتخابية وللتدخل المصري السافر ودعمه الظاهر للحزب الوطني الاتحادي الذي فاز بأغلبية الأصوات)؛ كان الأنصار وجماهير الأمة في حالة غضب وهياج شديدين، فأطل عليهم الإمام عبد الرحمن وقال: "إن الذي وعدتكم به هو العمل من أجل استقلال السودان، أليس كذلك؟ قالوا نعم هل وعدتكم بأن يحكم حزب الأمة السودان؟ قالوا: لا قال: هل وعدتكم بأن يحكم عبد الرحمن المهدي السودان؟ قالوا: لا، قال: هل وعدتكم بأن يحكم بيت المهدي السودان؟ قالوا: لا قال: لقد وعدتكم بأن يحكم السودان المستقل سودانيون، أليس كذلك؟ قالوا: نعم قال: فإن الحزب الوطني الاتحادي الذي فاز في الانتخابات البرلمانية حزب سوداني، ورئيسه إسماعيل الأزهري أحد أبنائنا السودانيين، أذهبوا إليه وهنئوه بالفوز، فإني عازم على الذهاب منذ الغداء إن شاء الله لتهنئته بالفوز. وإني لعظيم الثقة في أن كلمة السودانيين - حكومة ومعارضة- سوف تجتمع على خيار الاستقلال التام للبلاد قريبا بإذن الله. (7).
    فهذا يعكس درجة عالية من التوجه القومي وتقديم الصالح العام على الخاص، ودرجة عالية كذلك من التسامح. أما تسامحه في المعاملة فيتناقل الناس روايات كثيرة تنصب في كيف أن الإمام عبد الرحمن كان متسامحا لأبعد درجة، وكان يتحمل الإساءة ويتعامل بكل بشاشة مع من أساء إليه ويصفح ويعفو ويتنازل ويترفع حتى تربع على قلوب جميع الناس.
    7. عزيمة قوية ورجال وقفوا مع الإمام:
    إن الظروف الشاقة الصعبة التي طوقت السيد عبد الرحمن في نشأته، والآمال الكبيرة التي حملتها جنبات تلك النفس الواحدة، وتحملت صنوف الأذى وكبريات البلايا في سبيل تحقيقها، والعمل عكس كل الظروف وتحقيق آماله الكبيرة في خاتمة المطاف، لهي أكبر دليل على قوة عزيمة هذا الرجل العظيم الشامخ. إن إعادة بناء كيان الأنصار وسيرة الاستقلال الطاهرة يوما بيوم في حياة الإمام تعكس قوة عزيمة تهد الجبال ويلين لها الحديد. وفي حياة الإمام كثير من الوقائع التي تعكس قوة عزيمته، أذكر منها ردم الجاسر عام 1935م لدخول البعثة الاقتصادية المصرية للجزيرة أبا التي كان من المفترض أن تقلهم باخرة فتعذر وصول الباخرة فأرسل الإمام عربات لتحضرهم من كوستي وذهب بعد صلاة الفجر ومعه الأنصار وردموا الجاسر لتتمكن البعثة من زيارة أبا وتمت العملية في خمسة عشر ساعة (5). احترت في الداعي لردم الجاسر لدخول بعثة رجال أعمال مصريين يرأسهم وزير الزراعة المصري. واعتقد أن الإمام قصد أن تذهب روايات قوة الأنصار وإمكاناتهم وتصميمهم عبر هذه البعثة إلى مصر فيتلقفها الساسة والمجتمع هناك فيراجعوا نظرتهم للسودان ومسعاهم في تجاوز موقف دعاة الاستقلال.
    وقفت مع الإمام جماعة الأنصار، ووقف معه رجال مثل عبد الله نقد الله، أمين التوم، حسن داوؤد، حسن محجوب، محمد عبد الكريم، عبد الله جاد الله، آدم حامد، السيد حامد، محجوب فضل المولى، الحاج عبد الرحمن نقد الله، عثمان صالح، الفكري السيوري، إبراهيم عبد الكريم، محمد إبراهيم، على يونس وغيرهم.

    ثالثا: إن من أبرز ملامح العبقرية، توظيف الملامح السابق ذكرها وغيرها الذي لم يذكر، ومزجها مع بعض بصورة تعتبر نفسها أسمى آيات العبقرية، ليحقق الإمام استقلال البلاد (حلم حياته) من الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، ومن الدولة المصرية التي تشبثت به بحق الفتح.
    لقد قام السيد عبد الرحمن وحزب الأمة والجبهة الاستقلالية بعمل نضالي متوالي، لم تفتر لهم عزيمة حتى تحقق الاستقلال، نذكر منها المحطات التالية:
    • مقاومة اتفاقية 1936م بين بريطانيا ومصر التي لم تنص على استقلال البلاد، إنما نصت على نص مبهم وهو رفاهية الشعب السوداني.
    • تأسيس مؤتمر الخريجين ودعمه،وتقديم مذكرة الخريجين لحكومة السودان عام 1942م والتي نادت بحق تقرير المصير للسودانيين.
    • تأسيس حزب الأمة في 31/ 3/1945م، أول حزب سياسي في البلاد،وكان شعاره السودان للسودانيين.
    • مقاومة بروتوكول صدقي- بيفن عام 1946م بين مصر وبريطانيا والذي أقر بالسيادة المصرية على السودان. وتمت المقاومة بزيارات للقاهرة ولندن وعمل مكثف من السودان،قام به السيد عبد الرحمن.
    • وفد الجبهة الاستقلالية إلى مجلس الأمن يوليو- سبتمبر 1947م وخاطب الجمعية العامة وأجرى مفاوضات مع وفود الدول لدحض مطالب النقراشي بسيادة مصر على السودان. وافق مجلس الأمن في قراره النهائي على حق تقرير المصير للسودانيين، واعتبر الاستقلاليون ذلك القرار نصرا لهم.
    • قبول التطور الدستوري: المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1946م، والجمعية التشريعية عام 1948م.
    • قبول نتيجة انتخابات 1953م البرلمانية التي فاز بأغلبية مقاعدها الحزب الوطني الاتحادي (بالرغم من الاحتجاج الرسمي الذي تقدم به حزب الأمة طاعنا في النتيجة). قبلها الحزب واستمر يعمل بالوسائل السياسية رغم فقد الأغلبية في انتخابات البرلمان الذي سيقرر مصير البلاد.
    • سير موكب جماهيري سلمي في مارس 1954م لاستقبال الرئيس المصري محمد نجيب الزائر لمناسبة افتتاح البرلمان السوداني. الموكب كان غرضه عكس تأييد الشارع لوجهة النظر الاستقلالية، ولكن للأسف تم تغيير خط سير الرئيس الزائر ومنع الموكب السلمي من وصول القصر وضرب الموكب السلمي فحدثت أحداث مؤسفة أسقطت ضحايا من الجانبين "الأنصار والبوليس". إن حوادث مارس كان نقطة تحول في مصير السودان إذ أدركت الحكومة المصرية وحكومة الوطني الاتحادي أن الاستقلاليين لهم جماهير كبيرة شديدة الحماس ولا يمكن تجاهل مطالبها.
    • التطورات في الحزب الوطني الاتحادي الحاكم:
    أصدر رئيس الحكومة السيد إسماعيل الأزهري تصريحا اتهم فيه ثلاثة من وزرائه بالتقاعس عن العمل واتهمهم بالتعاون مع حزب الأمة لإسقاط الحكومة في البرلمان، فردوا على اتهامه ببيان اتهموه فيه بمناورات مع المسئولين في مصر واتهموه بالاتصال بزعيم حزب الأمة،فأقالهم. ثم أصدر الوزراء المقالون بيانا اتهموا فيه رئيس الوزراء بالتآمر مع حكام مصر على وضع سياسي لا يرضاه السودانيون بالتقاضي عن مؤامرات كان يقوم بها الملحق العسكري في سفارة مصر بالخرطوم،واتهموه بالتهاون في مشكلة مياه النيل.ونادى الوزراء الثلاثة باستقلال السودان.
    حزب الأمة كان يقود المعارضة وكان يراقب هذه الأحداث ويعمل على تشجيع الروح الاستقلالية في داخل حزب الحكومة.
    وفي ديسمبر 1954 أعلن السيد رئيس الوزراء رأيا شخصيا يؤيد فيه استقلال السودان. انفصل الوزراء الثلاثة وكونوا حزب الاستقلال الجمهوري، وانقسم باقي الحزب إلى تيارين.
    خشي الحزب الحاكم من ضياع أغلبيته البرلمانية،فاتخذ إجراءات لحفظ ولاء نواب الحزب. وبهذا فقد الحزب الحاكم كثيرا مما تبقي له من سند شعبي وتعرض لهجوم من المعارضة.
    في 8/4/1955 وبعد مداولات أعلن الحزب الحاكم عن قيام جمهورية سودانية مستقلة ذات سيادة.
    الإمام عبد الرحمن وقيادات حزب الأمة لم يكونوا بعيدين عما يدور داخل الحزب الوطني الاتحادي وانفتح التفاوض والنقاشات الثنائية بين كل الجماعات.
    • في 16/8/1955م عقد البرلمان السوداني جلسة هامة ليناقش اقتراحا من الحكومة بطلب إجلاء جيوش دولتي الحكم الثنائي عن السودان.
    أجيز الاقتراح بإجماع الأصوات فقد كان متفقا عليه بين الحكومة والمعارضة.
    • في 3/12/1955م أصدر السيدان على الميرغني وعبد الرحمن المهدي بيانا أعلنا فيه عزمهما على الوقوف متكاتفين فيما يعود على الأمة السودانية الكريمة بالخير والسعادة والحرية والسيادة الكاملة.
    • وفي 19/12/1955م أجاز مجلس النواب بالإجماع القرار التالي: " نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان نعلن باسم شعب السودان أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معالي الحاكم العام أن يطلب من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الإعلان فورا".
    • وفي يوم الاستقلال 1/1/1956م رفع السيد إسماعيل الأزهري والسيد محمد أحمد المحجوب علم السودان عاليا، فبكى الإمام بدمع غزير وبكى كل من في الحفل فنهض الإمام وقال: "أهنئك أيها الشعب بالاستقلال فهذا هو يومك العظيم".
    وتعليقا على هذه المسيرة الظافرة القاصدة التي توجت بإجماع السودانيين على استقلال البلاد، أقول:ان دور الإمام عبد الرحمن والجبهة الاستقلالية في تحقيق الاستقلال كان هو القوة الدافعة التي حققت الإجماع وأقنعت به الأطراف الأجنبية والوطنية.ولكن هناك جهات كثيرة تشكك في هذا الدور،بل من المتعارف عليه تسمية الحركة الاتحادية بالحركة الوطنية،فكأن الجبهة الاستقلالية غير وطنية! وللحقيقة فنحن نريد أن نثبت الفضل لأهله ولا نخون أحد، ونعتبر جناحي العمل السياسي في السودان آنذاك (الاستقلالي والاتحادي)وطنيان، كانا يران الخير فيما دعيا له،وأن دعوة الاستقلال هي الأرجح والأصح وهي التي حدث عليها الإجماع،وان الاتحاديين تراجعوا عن موقفهم ولحقوا بالإجماع،ولولا موقفهم هذا ما تحقق الاستقلال وهم يمثلون أغلبية في برلمان ذاك الوقت.

    رابعا: الختام: والدرس المستفاد:
    1. الإمام عبد الرحمن عصامي، بدأ مما دون الصفر، ليصبح على حد قوله د. حسن أحمد إبراهيم "أبرز شخصية سودانية في القرن العشرين". وقيادته وإمامته مكتسبة، لم تأتيه على طبق من ذهب، بل كافح لها منذ صباه وعركته التجارب واعتصرته المحن وجابهته الأهوال، فصمد أمامها كلها كالجبل الشامخ، وملأ رصيده بالانجازات وزين صدره بالنياشين حتى أتته القيادة والإمامة تسعى إليه، لأنه يزينها ولا تزينه، ولأنه متربع على عقول الناس وأفئدتهم، فما أغناه عن الألقاب والمناصب.
    2. ونحن اليوم في الذكرى الخمسين لرحيل هذا الرجل العظيم الذي قل أن يجود بمثله الزمان، نستبشر بأننا مطمئنون لمستقبل هذا الكيان، لأن أرضه الطاهرة فيها:
    • بذرة خير من الإمام المهدي عليه السلام مجدد شباب الإسلام وطارد المستعمر الأول.
    • بذرة خير من خليفة المهدي أبو عثمان الذي رفع راية الدولة، وقابل الموت في شجاعة هي التي حفظت الدعوة حية في النفوس.
    • بذرة خير من عبقري زمانه الإمام عبد الرحمن الذي جدد الدين وأعاد بناء كيان الأنصار ووضع لبنات دولة السودان الحديثة وطرد المستعمر الثنائي.
    • بذرة خير من الإمام الصديق الذي كان الساعد الأيمن لوالده، وقاد الجبهة الوطنية ضد الحكم العسكري الأول (وصورته مع عبود المعروضة تحكي كل القصة).
    • بذرة خير من الإمام الشهيد الهادي الذي وقف مع والده واستشهد برصاص الغدر المايوي في هجرته لرفع راية الدين والوطني، رافعا شعاره "فلنمت وليحيا الدين والوطن".
    3. ونحن في الذكرى الخمسين علينا أن نتسلح بالأسلحة الفتاكة وأن نستعصم بالدروع الواقية التي تركها لنا الإمام عبد الرحمن، فبها الخلاص. علينا أن نعي التحديات والقضايا الدينية والوطنية التي تواجه امتنا وبلادنا اليوم وان نبحث عن دور فاعل نلبي به نداء الدين والوطن. وعلينا أسرة الإمام الراحل الصغيرة أن نستوصي بالأنصار خيرا، فهؤلاء الرجال والنساء هم السر وراء كل الانتصارات والانجازات المحققة، وهم حملوا الإمام فوق أعناقهم وهو وضعهم في حدقات عينيه الطاهرتين.
    اللهم تقبل الإمام في أعلى علين وأرحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وأطرح البركة في كيانه وأسرته وأجمع شملهم ووحد كلمتهم وأنصرهم على من عاداهم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) .

    المراجع:
    1. العبقرية والإبداع والقيادة – سلسلة عالم المعرفة
    دين كيث سايمنتون – أغسطس 1993
    2. مذكرات الإمام عبد الرحمن المهدي 1996م
    3. Sayyid Abd Al-Rahman Al- Mahdi
    Hassan Ahmed Ibrahim
    4. الإمام عبد الرحمن المهدي – مداولات الندوة العلمية للاحتفال المئوي.
    5. الإمام عبد الرحمن المهدي- رجل القرن العشرين في السودان.
    قاسم عثمان نور 2006م
    6. الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان.
    د. فيصل عبد الرحمن على طه 1998م
    7. استقلال السودانيين الواقعية والرومانسية
    د. موسى عبد الله حامد 2008م
                  

العنوان الكاتب Date
رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... Abdel Aati06-10-09, 11:33 AM
  الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (1).... Abdel Aati06-10-09, 11:39 AM
    Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (2).... Abdel Aati06-10-09, 11:41 AM
      Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (2).... Abdel Aati06-10-09, 11:44 AM
        Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (4).... Abdel Aati06-10-09, 11:47 AM
          Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... Abdel Aati06-10-09, 11:49 AM
            Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... Abdel Aati06-10-09, 12:03 PM
              Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... Abdel Aati06-10-09, 01:26 PM
                Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... Abdel Aati06-10-09, 02:23 PM
                  Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 03:32 PM
                    Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:00 PM
                  Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... Abdlaziz Eisa06-10-09, 04:02 PM
                    Re: الجزيرة أبا مجدداً وأبداً (5).... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:15 PM
  Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:26 PM
  Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:28 PM
  Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:30 PM
  Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... عمر عبد الله فضل المولى06-10-09, 04:36 PM
    Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... خالد عويس06-10-09, 11:04 PM
      Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... محمد عادل06-10-09, 11:29 PM
        Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... ثروت سوار الدهب06-11-09, 05:06 AM
          Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... ثروت سوار الدهب06-12-09, 01:03 AM
      Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... Abdel Aati06-12-09, 02:11 PM
        Re: رداً على الكهنوت وفي رصد تاريخ السحت (1) - الجزيرة أبا مجدداً وأبداً .... ثروت سوار الدهب06-17-09, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de