الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق (Re: Abdel Aati)
|
ويمكن هدم هاتين المركزيتين بهدم النواة المغلقة المتضمنة فى كل منهما سواء أكانت هذه النواة المغلقة عرقية أوإثنية أو كانت ثقافية. فهنالك اتفاق عام بأنه لا يوجد فى العالم عرقاً نقيّاً. ود.فرانسيس نفسه يورد فى كتابه المنشور فى عام 1973م والذى ترجمه الاستاذ محمد على جادين فى عام 1999م بعنوان " مشكلة الهوية فى السودان"أن هنالك صعوبة فى تحديد انتماء وهوية الشمال أو الجنوب على أساس عرقى(5). فإذا كان أمر اختلاط الشمال معروفاً فإن د. فرانسيس يورد فى الهامش إشارات إلى تمازج القبائل النيلية بعناصر حامية قوقازية ويورد ملاحظة بروفسيرايفانز برتشارد وشكه فى أن هنالك قبيلة أو مجموعة فى السودان يمكن أن تدعى أنها زنجية. لأن شخصيتها غير الزنجية وحياتها الرعوية ولدرجةٍ ما تركيب لغاتها ترجع إلى مزيج وتأثير حامى(6). إن تحليل د.فرانسيس فى كتابه صراع الرؤى يفترض أن الإثنية حقيقة موضوعية ، بينما هى مجرد واقع يخص الوعى، وهو يريد أن يكون الإنتماء الى الإثنية موروثاً ويرجع إلى أصول قديمة بينما هو يتغير مع الزمان والمكان. وهنالك وفرة من المؤلفات الانثربولوجية او التاريخية تثبت أن المجتمعات السابقة على الاستعمار كانت كلها تقريباً متعددة الاثنيات وتضم تشكيلة كبيرة من المجموعات الثقافية، وأن أشكال التعبئة الاجتماعية أو الدينية كانت تشمل إثنيات متعددة، وأن أفريقيا الغابرة لم تكن بالتاكيد شبكة من الاثنيات.(7) هذا اذا كانت هذه النواة عرقية أو إثنية أما إذا كانت هذه النواة المغلقة ثقافية كما تدعى أحياناً المركزية العربية الاسلامية وتصر على اعتبار ثقافتها ككيان ثابت ومغلق على نفسه بتمثيلاته وعقائده ورموزه . فإن هذا شطط واضح فأى ثقافة يجرى خلقها فى التأثير والتفاعل المتبادل وتستمر فى التغير والتبدل والتطور وفقاً لهذه العملية. والأمثلة أكثر من أن تحصى فالتاريخ الانسانى كله شاهد على هذه العملية . فقد تأثرت عقائد الثقافة العربية الاسلامية بمؤثرات الفلسفة اليونانية حتى فى أصول فقهها الذى تأثر بالمنطق الأرسطوطالى. إن الحياة الانسانية لاتعرف الهويات التى تنطوى على أنوية مغلقة فما من هوية إلاّ وقامت على تعددية ثقافية، فكل الثقافات هجينة كمايرى ادوارد سعيد ومفكرون نقديون آخرون . فمبدأ الهوية، عند هؤلاء، مبدأ سكونى يشكل لباب الفكر الثقافى خلال العهود الاستعمارية، فالأوربيون هم الذين شكلوا شيئاً جوهرياً هو ال"نحن" مقابل ال "هم" وكل واحد منهما مستقر تماماً. هذا الانقسام يمكن أن نعود به إلى التفكير اليونانى عن البرابرة ولكنه أصبح علامة مميزة للثقافة الامبريالية ولتلك الثقافات التى كانت تسعى إلى مقاومتها. ويخلص ادوارد سعيد إلى أن جميع الثقافات منشبكة إحداها بالأخريات وليست بينها ثقافة منفردة ونقية محضة، بل كلها مهجنة، مولدة، متخالطة،متمايزة الى درجة فائقة ، وغير واحدية(.
لقد لعب الاستعمار الدور الاساسى فى تصليب الهويات والثقافات. ففى افريقيا الموغلة فى القدم كانت التقاليد عبارة عن عمليات تطورية مستمرة متواصلة ومفتوحة، وجاء الاستعمار وجمدها- بحجة المحافظةعليها– فى تقاليد وفلكلور بتأثيره الأيديولوجى ونصوصه القانونية وبمحاولته لتثبيت أماكن الأهالى أو توجيه هجراتهم. هذه هى خبرتنا مع التجربة الاستعمارية فى بلادنا، ولذلك نزعم أن الهويتين المتنافستين هما نتاج السياسات الاستعمارية شأنهما فى ذلك شأن سائر الهويات التى ارتبطت بالثقافةالامبريالية وبمقاومتها أيضاً كما قلنا من قبل. وهنالك حيثيات أخرى تدعم هذا الاستنتاج من واقع خبرتنا ايضاً بالتجربة الاستعمارية فالطائفتان الاساسيتان اللتان تعبران عن هوية شمال السودان، فى المرحلة الثانية من تطورها كما يرى د.فرانسيس دينق، وهما طائفتى الانصار والختمية، هما نتاج السياسات الاستعمارية التى اكدت شرعية امتلاك الارض وحولتها الى وثائق قانونية، وأقامت مؤسسات سياسية جديدة، ووزعت المصادر الاقتصادية، وحددت الاوضاع الاجتماعية ،وأنشأت قيماً اخلاقية واقتصادية وسياسية جديدة أكسبت الدولة الكولونيالية صفة الدولة الحقيقية. وسياساتها فى الجنوب هى التى أدت إلى تكوين هويته بتجميده فى تقاليد وفلكلور وبتأثيرها الايديولوجى ونصوصها القانونية التى سيطرت على حركة السكان، كما رأينا قبل قليل. ونستطيع أن نستخلص من ذلك أن ظاهرة الانتماء لهوية إثنية ظاهرة حديثة تماماً، مرتبطة بالدولة "المستوردة" وليست راسباً أو إنبعاثاً جديداً للثقافة التقليدية.(9)
إن التصور الذى يرفض مبدأ الهوية السكونى ويرى الثقافات كهجنة وتعددية، يهدم أيضا إحدى أهم الأفكار التى تقوم عليها رؤية د.فرانسيس وهى الفكرة التى ترى أن الطابع الجوهرى للهوية فى الشمال هو الإستيعاب، بينما الطابع الجوهرى للهوية فى الجنوب هو المقاومة. إن هذه الفكرة تبدو فى ظاهرها وكأنها مجرد تعبير عن وقائع تاريخية، بينما الإقتراب النقدى منها يفضحها لأنها تقوم على تصور مغلق للهوية لا ينفتح على التعدد فيصير بذلك الإستيعاب خللا وظاهرة غير سوية كان لابد أن تنتهى إلى حالة باثولوجية (مرضية) يعانى فيها الشمالى من التشوش والاهتزاز فى نظرته إلى ذاته. بينما يعبر فيها الجنوبى عن وضع صحى ومعافى. فمن الطبيعى أن ترفض الهوية المغلقة الانفتاح على الآخر بمقاومته ورفضه وهو ما نجح فيه الجنوب فصار الأقرب إلى واقع الحال وإلى الحقائق الواقعية، بينما فشل الأفريقى الشمالى ولذلك تم إستيعابه وأصبح موقفه غير منسجما مع إدعائه العروبة. هذا التصور لا يمت بصلة بمناهج التفكير النقدى التى ترى فى العالم الهجنة والتعددية وأن إنسان هذا العالم يقيم هويته على التبادل والتهجين والاستعداد للتأقلم.
هذه الفكرة الهامة فى رؤية د. فرانسيس تعبر عن رد فعل لإستعلاء المركزية العربية الإسلامية فى الشمال بإستعلاء أفريقى مضاد. وما يؤكد هذا الاستنتاج حجة ثانوية يوردها فى أكثر من موضع فى الكتاب وتعتمد على فكرة الاستيعاب والمقاومة. وهى حجة تسقط العبودية عن سكان الجنوب، وهو محق فى ذلك، ولكن لتلصقها بالشماليين، وهو غير محق فى ذلك. يقرر د. فرانسيس فى هذه الحجة أن سكان الجنوب الذين بقوا فيه ترسخ لديهم الاحساس بالهوية والكبرياء عبر مقاومتهم الظافرة ليظلوا أحرارا من العبودية والهيمنة، بينما معظم الشماليين ينحدرون من إختلاط بالعبيد من الجنوب. إن وصف معظم الشماليين بأنهم ينحدرون من أصول عبودية لا تسنده حقائق التاريخ وإنما يسنده فقط منطق الثأر. فكلنا يعلم أن التزاوج والاختلاط بين النوبة فى شمال السودان والعرب المهاجرين لم يكن قائما على الرق والعبودية. وهذا الاختلاط هو الأساس لمعظم القبائل فى وادى النيل فى شمال السودان. ولا يمكن أن يتصف معظم الشماليين بأصول عبودية إلا إذا كان الاستيعاب الذى يصف به د. فرانسيس هويتهم يعنى استعبادهم واسترقاقهم. وهو ما لا يمكن أن يصح ولكنه منطق المركزية والمركزية المضادة يجعلهما تتبادلان الإقصاء والإزدراء والإحتقار.
ولأن رؤية د. فرانسيس يسودها منطق المركزية والمركزية المضادة فإنها لا ترى مخرجا للأزمة إلا بفحص صحة وشرعية إدعاء العروبة وسوف يوضح ذلك الفحص عدم وجود أساس للإنقسام العرقى المفترض، الذى تقوم عليه مشاعر التحامل والتمييز. ورغم أن د. فرانسيس يورد إحتمال آخر وهو التسليم الجدلى بأن السودانيين الشماليين عرقيا عرب ولكن ما يهم هو أنه يجب عليهم الكف عن التصرفات العنصرية تجاه المتعثرين غير العرب، إلاّ أن هذا الاحتمال الآخر يرد فقط كإحتمال منطقى وقياسى – على حد تعبير د. فرانسيس – أى أنه لا يرد كخيار عملى وذلك بسبب دعوته للسودانيين الشماليين بألاّ يتصرفوا بطريقة تعكس مشاعرهم العرقية الطبقية المتأصلة. ولذلك فإن البديل هو الخيار الذى يفضله د. فرانسيس وهو الإقرار بأن هذه المشاعر لا تقوم على حقائق. أما إذا أصر الشماليون على نظرتهم الذاتية بأنهم عرب فإن الإنصاف والعدل يمليان بأنه يجب عليهم ألاّ يفرضوا إرادتهم على الجنوب وإن عليهم قبول إنفصال البلاد.(ص399-400) إن حجة د.فرانسيس تمضى على النحو التالى: إن على الشماليين إذا أرادوا أن يحفظوا للبلاد وحدتها أن يتخلوا عن مكون هويتهم العربى على أساس من الحقائق العرقية التى تنكر عليهم هذا المكون. أما إذا رفضوا ذلك وتمسكوا بذلك المكون من هويتهم فإن الأمر سينتهى إلى الإنفصال لأنهم لن يستطيعوا أن يعملوا على الضد من مشاعرهم العرقية الطبقية المتأصلة. إن إقصاء المكون العربى من هوية الشماليين هو شرط وحدة البلاد. وأعتقد أنه تحت شروط هذا الاقصاء المتبادل بين المركزيتين المتضادتين فإن المخرج الوحيد لأزمة البلاد هو الانفصال.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:15 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:16 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:17 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:18 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:19 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 10:24 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | hala guta | 04-16-03, 10:28 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-16-03, 11:09 PM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | omdurmani | 04-17-03, 02:43 AM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | hala guta | 04-17-03, 06:08 AM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | garjah | 04-17-03, 06:37 AM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | Abdel Aati | 04-19-03, 04:00 AM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | يحي ابن عوف | 07-07-03, 05:00 AM |
Re: التفكير نقديا في صراع الهويات - هشام عمر النور يحاور فرانسيس دينق | خضر حسين | 07-07-03, 11:40 PM |
|
|
|