ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 10:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل عبد العاطى(Abdel Aati)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-30-2004, 01:11 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية (Re: Abdel Aati)

    مصادر مشروعية الحركة السياسية السودانية :

    اننا نزعم فى بحثنا هذا ؛ ان الازمة فى مشروعية النظام السياسى السودانى ؛ ترجع بدرجة كبيرة الى ضعف هذه المشروعية فى مكونات الحركة السياسية السودانية ؛ وقبل كل شى فى احزابها السياسية . ان المجال لا يتسع هنا للنقاش التفصيلى حول قضايا المشروعية ومديونية المعنى فى كل حزب على حدة ؛ الامر الذى نامل بالعودة اليه بتفصيل اكبر فى المستقبل . لذا فاننا نكتفى هنا بالتقسيم الواسع الذى ابتدعناه لاجنحة الحركة السياسية السودانية ؛ فى تياراتها الرئيسية : الطائفية ؛اليسارية ؛ الاصولية ؛ الحركات الاقليمية (او حركات القوميات المهمشة ) ؛ والقوى الجديدة .اننا فى الفقرات التالية سنستعرض المصدر - المبدأ الاساسى للمشروعية فى هذه التيارات ؛ ثم انعكاس هذا المبدا فى الحياة الداخلية التنظيمية لاحزاب ذلك التيار ؛ آملين بذلك ان نلقى بعض الضوء على ازمة المشروعية وسط هذه المكونات فى عموميتها .


    أ: الاحزاب الطائفية
    تعتمد الاحزاب الطائفية فى السودان ؛ والتى من اهمها الان حزبى الامة والحزب الاتحادى الديمقراطى ؛ على دمج عاملين للمشروعية ؛ وهى المشروعية الدينية ؛ ومشروعية الوراثة ( المشروعية المبنية على الانحدار من اصل كريم ) . ان المشروعية الدينية هنا لا تقوم على اجتهادات القائد الحالى للطائفة – الحزب ؛ وانما على الانجازات السابقة لمؤسس الطائفة ؛ المنقولة وراثيا واوتوماتيكيا ؛ الى اسرته المنحدرة من صلبه . وبهذا فان المشروعية الدينية قد تحولت الى مشروعية طائفية ؛ هى وراثة الابن والحفيد للسلطة بناء على مشروعية الاصل الدينى لهم ؛ اى انحدارهم من صلب مؤسس الطريقة الدينية التى تنتمى اليها الطائفة . ان وراثة السلطة داخل الطائفة ؛ قد تحولت الى وراثة السلطة داخل الحزب ؛ المعبر السياسى عن مصالح قادة الطائفة . ان مبدا الوراثة ؛ المرفوض اسلاميا ؛ كشكل من اشكال مشروعية السلطة فى الاسلام ؛ والمرفوض ديمقراطيا ؛ حسب نظريات المشروعية الدستورية ؛ قد اصبح هنا مرجعا واصلا للمشروعية؛ ليس فقط الدينية (اقرأ الطائفية ) ؛ وانما السياسية ؛ فى الحزب والدولة [vi].

    اننا هنا لا نلغى حق منتسبى الطائفة فى الانتساب اليها ؛ ولا نطالب بالغاء الطائفة كشكل من اشكال التنظيم الاجتماعى ؛ او كتجل لمبدأ مشروعية المعنى ؛ الا اننا نرفض نقل السلطة الدينية – الطائفية الى الفضاء السياسى ؛ باعتبار انهما يخلطان ما بين مجالين لنشاط الانسان ؛ المجال الروحى الدينى ؛ والذى قد لا يحتمل المنهج الديمقراطى ؛ والمجال السياسى ؛ الذى يتعلق بمواطنين آخريين ؛ خارج اطار الطائفة او حتى الدين السائد ؛ بل وحتى يتعلق بمصالح وحقوق اعضاء الطائفة المدنية؛ والذين فى الفضاء الاقتصادى –السياسى ؛ قد تكون لهم مطامح متناقضة مع مصالح قادة الطائفة .

    ان الحزب الطائفى ؛ اذ يرتضى آليات النظام الديمقراطى ؛ بمشروعيته الدستورية ؛ فهو يناقض نفسه . حيث تفترض الدستورية تساوى كل المواطنين ؛ غض النظر عن دينهم وطائفتهم ؛ بينما تميز البنية الطائفية بين المواطنين ؛ بناءا على انتمائهم الطائفى ؛ كما تعطى لقادة الطائفة سلطات غير محدودة ؛ وبذلك يصبحوا خارج امكانية تغييرهم (داخل الحزب الطائفى ؛ ومرات ضمن اطار النظام السياسى ) ضمن عملية تداول السلطة ؛ والتى تشكل لب النظام الدستورى .

    ان الحزب الطائفى ؛ يفتقر الى المشروعية الدستورية؛ كونه يستغل النفوذ الطائفى لتحقيق مصالح سياسية – اجتماعية لقادته ؛ ويجبر منتسب الطائفة على الطاعة فى خارج مجال ولائه ؛ اى فى الفضاء السياسى ؛ و تحويله بذلك الى رقيق سياسى )انظر فى ذلك مقولة السيد عبد الرحمن المهدى : ليس كل حزب امة انصارى ؛ ولكن كل انصارى حزب امة ) . كما تنعكس هذه البنية على الجماهير من خارج الطائفة ؛ كونهم محكومون بالاغلبية الميكانيكية لحزب الطائفة الاكبر ؛ ومتاثرين بقرارات القائد الطائفى– الحزبى ؛ والذى يخضع قبل كل شى الى مشروعيته والتزاماته الاولى ؛ الطائفية .

    ان بنية الطائفة ؛ كونها لا تخضع لمبدا الدستورية والديمقراطية ؛ ينبغى ان تفصل تماما عن بنية الحزب ؛ كونه يخضع تماما للمشروعية الدستورية ( هذا اذا ارتضاها ) ؛ اما تحويل الطائفة الى حزب ؛ وتحويل القائد الطائفى الى قائد حزبى ؛ فهو يضرب فى الصميم مشروعية الحزب الطائفى ؛ حين يزعم خضوعة لمبدأ المشروعية الدستورية .

    ب: الاحزاب اليسارية (العقائدية ):
    ان الاحزاب اليسارية ؛ سواء منها الشيوعية او القومية ؛ قد اعتمدت على مبدا مشروعية الثورة ؛ وان كانت قد طعمته بملامح من مشروعية الصفوة فى السودان . ان الحزب الشيوعى السودانى ؛ والذى تبنى الماركسية اللينينية ؛ قد تبنى ضمنا مفهوم الطليعة كمصدر للمشروعية؛ باعتباره ممثلا للطبقة العاملة ؛ التى تمثل مصالحها ؛ مصالح الاغلبية الساحقة من افراد المجتمع ( الكادحين ) ان المشروعية الثورية قد نمت فى رفض واضح لاسس المشروعية الدينية –الطائفية ؛ كما فى رفض مماثل لمبادى المشروعية الدستورية التى عبرت عنها التجربة الليبرالية ؛ تجلى ذلك فى دعوة الديمقراطية الجديدة فى الستينات ودعوة تمثيل القوى الحديثة فى الثمانينات ؛ والتى تبناهما الحزب الشيوعي كمحاولة لتجاوز(تطوير ) ما اعتقده قصورا فى النظام الذى يعتمد على المشروعية الدستورية وحدها.

    ان الحزب بالمقابل قد تبنى فى داخله مصدرا عقائديا للمشروعية (الالتزام بالماركسية ) ؛ وهرميا (المركزية الديمقراطية ) . ان نظرية الطليعة (ديكتاتورية البروليتاريا فى السلطة السياسية و المجتمع )[vii] ؛ فى ارتباطها مع مبادى المركزية فى الحزب ؛ قد قضت على اى مصادر اخرى للمشروعية فى مؤسسات الحزب ؛ فتعطلت الديمقراطية وابدت القيادة وهيمن الايديولوجى ؛ فاختصرت كل الطبقة فى حزب ؛ واختصر الحزب فى لجنته المركزية ؛ بينما اختصرت اللجنة المركزية فى سكرتاريتها ؛ وهذه فى سكرتيرها العام . ان دمج المشروعية الثورية والصفوية فى مجتمع متخلف قد ادى الى بناء سلفية ماركسية جديدة ؛ يصبح فيها قائد الحزب بمثابة حاكم مطلق ؛ وتمثل جديد للقائد الطائفى ؛ مدعوم هذه المرة بسلطة الايديولوجية والسبق الزمنى فى الولوج للحزب (مفهوم القادة المؤسسين او التاريخيين ).

    اما الاحزاب القومية ؛ فقد تبنت مفاهيما مماثلة للحركة الماركسية ( الصفوية والثورية ) كمصادر للمشروعية ؛ وان كانت قد اضافت اليها مصادر عقائدية اخرى (التعبير عن مصالح وتطلعات الامة ) ؛ والذى تبدى فى شعار امة عربية واحدة ؛ ذات رسالة خالدة . ان الحزب بهذا المنهج يحقق ارادة التاريخ ؛ والتى فى خلودها تستعصى على المراقبة او التقييم العلمى . ان هذا النهج قد ادى الى تبنى مفهوم حزب الطليعة والحزب الانقلابى على مستوى التجربة العامة (البعث ؛ الناصرية ) ؛ والى المغامرات العسكرية من جهة وتبنى دعوات الديمقراطية الثورية فى السودان (دعم مايو من قبل الناصريين ؛ التورط فى انقلابات عسكرية من قبل البعثيين ؛ الموقف السلبى تجاه الديمقراطية البرلمانية من الطرفين ) . ان مفاهيم للشمشروعية مثل هذه ؛ قد ادت الى سيادة مفهوم القائد الملهم كمصدر اول للمشروعية (الناصرية والصدامية ) ؛ والى الاعتماد على الطائفة والعشيرة فى النهاية ؛ وتوارث القيادة داخل التنظيم والمجتمع (حافظ وبشار الاسد ؛ صدام وعدى ؛ بدر الدين وتيسير مدثر ) الخ .

    ان الحركتين الماركسية والقومية اذ طورتا من مواقفهما فى السودان من الناحية العملية ؛ بتقبلهما لمبادى المشروعية الدستورية وبانخراطهما – بدرجات – فى النظام الديمقراطى ؛ وفى النضال من اجل الديمقراطية البرلمانية ( المسماة من قبلهما بالبرجوازية ) ؛ قد عجزا عن تجاوز اصولهما النظرية فيما يتعلق باصل المشروعية (مصالح الطبقة اوالامة التى تعبر عنهما طليعتها ) ؛ بل عجزا عن تفسير التناقض فى رفضهم النظرى للديمقراطية البرلمانية وانخراطهما فيها ( المثال الاكثر تطرفا تقدمه تجربة الناصريين ؛ ومن بعدهما اللجان الثورية ؛ والتى رفضت اى مصدر للمشروعية عدا مشروعية الجماهير المبهمة (فى ليبيا ؛ ارض تجربة اللجان انحصرت شرعية الجماهير فى ارادة فرد ) ؛ والتى مع ذلك انخرطت فى النظام الديمقراطى و"لعبته" البرلمانية فى السودان .

    د: الحركات الاصولية :
    اما الحركات الاصولية او الاسلاموية ؛ والتى تعد من اقواها الحركة التى تطورت لتصبح فيما بعد الجبهة القومية الاسلامية ؛ فقد سعت الى توليف مصادر للمشروعية انتقائية ؛ اعتمدت على التقلبات السياسية والسطو على تراث الحركات المنافسة ؛ الامر الذى يدلل على ضعف اصالتها الفكرية ؛ وعلى تجاهلها فى الاساس للثيمة موضوع البحث (مبدا المشروعية) ؛ او هامشيتها ؛ سواء فى خطابها الفكرى –السياسى ؛ او فى ممارستها العملية .

    ان المصدر الاول للمشروعية لهذه الحركات يكمن فى شكل من اشكال المشروعية الدينية – السياسية ؛او الثيوقراطية؛ اى سعيها لتطبيق شرع الله (ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون ) ؛ وفق مفهوم الحاكمية ؛ الذى طوره منظرى هذه الحركات (المودودى ؛ قطب ) . ان هذا المفهوم ؛ الضارب بجذوره فى تجربة الخوارج [viii]؛ ينزع اى مشروعية ترجع باصلها الى البشر او المجتمع ؛ ويحيل مشروعية السياسة الى مصدر غامض ؛ هو الحاكمية ؛ التى تتمثل فى صورة دولة ثيوقراطية – اوتوقراطية ؛ بحاكم مطلق الصلاحيات منعدمه عليه الرقابة (ان الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقران ) ؛ ولذلك فان كل انظمة الحكم والاحزاب الاصولية قد قامت على ديكتاتورية مطلقة ؛ تحت سلطة قائد مطلق الصلاحيات (الخمينى ؛ ضياء الحق ؛ الملا عمر (زعيم طالبان) ؛ ) وقد يفسر هذا فشل مسخ البشير –الترابى ؛ فى قيادة تنظيم وسلطة حركة اصولية "حاكمية " من خلال راسين .

    اما فى السودان فقد عمدت هذه الحركة الى تدعيم مفهومها للمشروعية بعناصر اضافية ؛ فرضتها عليها الظروف السياسية والمنافسة من اطراف دينية تقليدية (الطائفية والصوفية ) ؛ او حديثة علمانية(اليسار ) . فعمدت الى التعايش مع النظام الدستورى والاستفادة منه ؛ بدعوى انها تهدف لتحقيق مصالح الاغلبية المسلمة ؛ وبان دين وشريعة الاغلبية هى التى يجب ان تسود ؛ دون ان تعلن بوضوح ان الطريق لتحقيق ارادة هذه الاغلبية يتم عن طريق النظام الديمقراطى حصرا. ان محاولة استغلال المشروعية الدستورية (مبدا الاغلبية المسلمة ) قد تبدى فى محاولة جبر النفوذ الطائفى لصالحهم ؛ والادعاء بان الاحزاب الرئيسية فى البلاد اسلامية (الجبهة ؛ الامة والاتحادى ) ؛ ولذلك ينبغى تطبيق الشريعة . ان هذا التبرير الفج تبدى حتى بعد استيلائهم منفردين على السلطة بعد 1989 ؛ متجاهلين ان القيادات الطائفية ؛ رغم اعتمادها على المشروعية ذات الاصل الدينى فى حدود الطائفة (والحزب) ؛ الا انها تبنت المبدا الديمقراطى والمشروعية فى الدستورية فى فضاء النظام السياسى العام .ان الحديث عن شريعة الاغلبية يفضحه كذلك دعم هذه الحركات لفكرة تطبيق الشريعة ودعمها للحركات الاسلامية فى البلدان ذات الاغلبية غير المسلمة (الهند ؛ الفلبين ؛البوسنة والهرسك اضافة الى الدول الافريقية جنوب الصحراء ) .

    بالمقابل فان الحركة الاصولية قد سرقت مصدرا اضافيا للمشروعية من تراث الحركات اليسارية المناهضة لها ؛ فتبنت خليطا من مفهومى الثورية والصفوية ؛ الثورية حين حاولت ان تظهر نفسها كحركة جديدة وثورية ضد النظام الطائفى والحزبى التقليدى ؛ وصفوية حين ادعت انها حركة المثقين والشباب ( نجاحها فى اخر انتخابات للخريجين ) ؛ ان المبدأ الاول قد استغل لتبرير دعم مختلف الانقلابات الاصولية او شبه الاصولية ؛ وفى أخرها انقلاب يونيو 1989 ؛ اما الصفوية فقد استغلت اساسا فى حربها ضد القوى الطائفية ( من اجل الحلول مكانها وسط الجماهير المتدينة ) ؛ وضد الحركات اليسارية (للحلول مكانها وسط القوى المتعلمة والحديثة ) . وقد اعلن الترابى وقيادات الحركة الاصولية اكثر من مرة اعجابهم بتجربة التنظيم الحديدى للحزب الشيوعى السودانى ؛(و الذى طرحها نظريا وطبقوها هم عمليا ) ؛ واعجابهم بتجربة البعث (فى العراق ) و التى استطاعت الوصول الى السلطة والمحافظة عليها بواسطة حزب صغير غير جماهيرى ؛ منافس من قبل قوى دينية وعشائرية تقليدية من جهة وحركة ماركسية منظمة وقوية من الجهة الاخرى .

    اننا نزعم انه مع سيادة مبدا المشروعية الدينية تحت مفهوم الحاكمية ؛ الا ان الحركة الاصولية قد ناورت ؛ وفقا للظروف ؛ فى البحث عن مشروعية لنفسها ( وسلطتها ) من مصادر مختلفة . ان اسلوب المناورة هذا ؛ قد افرز فى فترة تحالفا اصوليا –طائفيا حاول ان يصل الى السطة بالعنف (الجبهة الوطنية وحركة محمد نور سعد 1977)؛ ثم افرز التحالف الاصولى العسكرى تحت قيادة ديكتاتورية (مع جعفر نميرى 1977-1985) ؛وتبدى فى محاولة الوصول للسلطة ديمقراطيا وانجاز البرنامج السياسى الاصولى تحت ستار المشروعية الدستورية (حكومة الوفاق بين الجبهة والامة والاتحادى ؛ تحت قيادة الصادق المهدى ومن بعد حكومة الجبهة- الامة بعد خروج الاتحادى الديمقراطي )؛ الا انه اعلن عن وجهه الحقيقى فى الدولة الاصولية الحزبية الانقلابية (نظام يونيو 1989) .

    ان تناقض مصادر المشروعية العامة فى خطاب الحركة الاصولية فى الفضاء السياسى العام ؛ قد انعكس فى تناقض مماثل على صعيد مصدرها داخل التنظيم . فالحركة التى ابتدات بقيادة ذات مشروعية دينية محدثة (مفهوم المرشد ) ؛ قد غازلت مشروعية النخبة المتعلمة ( مفهوم الدكتور ) ؛ ثم مشروعية الثورة ( مفهوم القائد المجاهد) ؛ الا انها عادت لتنتكس الى مفهوم مشروعية الطائفة (مفهوم الشيخ ؛ والذى تطرف فى محاولة الترابى الفاشلة ارجاع نسبه الى الرسول الكريم ) . كما ان احد المفاهيم التى برزت هو مفهوم القائد المؤسس الابدى ( المستقى من اليساريين ) . بيد ان كل هذه المصادر (لمشروعية القائد والقيادة ) قد كانت مظهرية فقط ؛ للاستعمال فى الحدود الدنيا للتنظيم وفى الدعاية السياسية فى خارجه . اننا نزعم ان المفهوم الحقيقى قد كان كامنا فيما اسماه الترابى فى اتصال الحركة باسباب الملوك والبنوك [ix]( اى المال والسلطة الحاكمة ) ؛ حيث غدت القدرات المالية الطفيلية وبطش السلطة وامكانياتها هى مصادر المشروعية الحقيقية داخل الحركة وداخل دولتها .وان الصراع الدائر الان داخل هذه الحركة يوضح تهاوى كل مصادر الشرعية فيها ما عدا "اسباب البنوك والملوك".

    ان الجماهير لم تكن غبية اذن حين تجاوزت كل الخطاب الدينى – الثوروى –التقليدى -النخبوى للحركة الاصولية ؛ واسمتهم بتجار الدين . وتجار الدين ليست لهم مشروعية او هدف ؛ كما كتب قبل قرون فيلسوف الاسلام الكندى عن امثالهم "... ذبا عن كراسيهم المزورة التى نصبوها (لانفسهم) من غير استحقاق ؛ بل للترؤس والتجارة بالدين ؛ وهم عدماء الدين . لان من تجر بشئ باعه ؛ ومن باع شيئا لم يكن له . فمن تجر بالدين لم يكن له دين “[x] .


    د: الحركات الاقليمية :
    تشكل الحركات الاقليمية ؛ او حركات القوميات المناطق المهمشة ؛ تيارا بدأ يصعد الى المجال السياسى منذ ثورة اكتوبر ؛ وان كان لهذا التيار امتداد سابق فى تجربة الاحزاب والحركات السياسية الجنوبية والتى قامت عشية الاستقلال . الا ان نهوض هذه الحركات فى اقاليم السودان الاخرى (الشرق ؛ دارفور ؛ جبال النوبة ؛ جنوب النيل الازرق ؛ نوبة الشمال ؛ قد ارتبط بتزعزع الايديولوجية الطائفية المسيطرة فى هذه المناطق ؛ وبروز ولاءات وتطلعات جديدة بعد ثورة اكتوبر 1964 .

    ان الحركات الاقليمية قد مزجت فى قيامها نزعة تحديثية مقاومة للولاءات القديمة (الطائفية ) ؛ ونزعة اجتماعية قائمة فى تحسين ظروف اقاليمها وتنميتها ؛ ونزعة ثقافية ساعية الى التمثيل عن التفرد الثقافى -الاثنى لمناطقها ؛ و اخرى سياسيةهادفة للبحث عن قيادة جديدة تخرج من ابناء الاقليم والقومية المحددة .ان هذه الحركات قد ارتضت في اغلبها المشروعية الدستورية لنشاطها ؛ كما ان ارتباط نشاتها بقوى التغيير وكونها ضمنيا نشات فى منافسة مع الطائفية السياسية قد اضاف لها نزعة ثورية ما . ان هذا ما يفسر انخراط هذه الحركات فى الستينات والثمانينات فى العملية الانتخابية وتحقيقها فيها لنجاحات واضحة (مؤتمر البجة ؛ اتحاد عام جبال النوبة ؛ الحزب القومى السودانى ؛ مختلف الاحزاب الجنوبية ) ؛ وكذلك يفسر ضعف نشاط هذه الاحزاب او اندثارها فى فترة الديكتاتورية المايوية ؛ والتى تبنت الكثير من طرح هذه الحركات ؛ واستوعبت بعض من كوادرها فى جهازها السياسى والتنفيذى .

    الا ان نشوء الحركة الشعبية لتحرير السودان (1983) ؛ ببرنامج ثورى واضح ؛ ووفق مصادر مشروعية وتكتيكات ثورية ؛ قد القى بظلاله على توجه هذه الحركات ؛ وخصوصا بعد العام 1989 ؛ ووصول الجبهة الاسلامية الى السلطة قسرا ؛ حيث بدا تحول ثورى واضح فى صفوف الحركات الاقليمية والقومية ؛ وتبنت معظمها مبدا الكفاح المسلح الثورى (مؤتمر البجا ؛ التحالف الفيدرالى ؛ الاسود الحرة ؛ الحزب القومى السودانى )؛ كما تبنت فى معظمها مفهوم السودان الجديد ؛ ذو النزعة الثورية الواضحة .

    ان تبنى المشروعية الدستورية فى اطرح اغلب هذه الحركات ؛وممارستها لها داخل النظام الديمقراطى ؛ مع تطعيمها بنزعة ثورية حديثة فى مواجهة اللاشرعية الجبهوية ؛ يضعها فى موضع جيد فى الخارطة السياسية السودانية ؛مقارنة مع غيرها من التيارات . الا ان اعتمادها مرات على العامل القبلى او الجهوى ؛ فى تكوين الولاء ؛ او الوصول للسلطة ينعكس سلبا على مشروعيتها ؛ وخصوصا فى ادارة خلافاتها الداخلية وسبل حل هذه الخلافات (لاحظ تجربة مؤتمر البجة ) كما ان اعتماد بعضها على قائد مؤثر تاريخى ؛ يخلق منها بنية تقليدية جديدة تعطل عمل المؤسستتين الثورية والديمقراطية (عباس غبوش وسط حركات جبال النوبة على سبيل المثال )

    ه:الحركات الجديدة :
    وهى حركات لا تنحصر فى التقسيم التقليدى للتيارات السابقة ؛ وقد بدأ ظهورها منذ الخمسينات والستينات ؛ وان كانت وقتها لا تزال مهمشة وسط التيارات الطائفية والاسلاموية واليسارية . ان فترة الديمقراطية الثالثة قد شهدت انتعاشا واضحا فى نشاط هذه الحركات ؛ ودشن وصول النظام الحالى الى السلطة ؛ والاسئلة التى اثارها عن مسئولية القوى السياسية عن انهيار النظام الديمقلراطى ؛ عملية اعادة تنظيم صفوفها وبروزها كقوى يحسب لها حساب؛ فى المعادلة السياسية السودانية .

    ان معظم هذه القوى تتبنى مفهومى اليمقراطية السياسية وحقوق المواطنة كاسس للدولة السودانية ؛ وهى بهذا تنتمى اساسا الى مدرسة المشروعية الدستورية ؛ الا ان معظمها يتميز كذلك بنفس ثورى واضح ؛ والمتمثل فى طروحاتها لاعادة توزيع الثروة والسلطة فى السودان . وممارستها للعمل السياسى وفق تكتيكات ثورية (الانتفاضة ؛ العمل المسلح ) وهى بذلك تضيف عاملا ثوريا الى مصادر مشروعيتها .

    ان بروز معظم هذه الحركات فى اثناء النضال ضد اليكتاتورية (الحركة الشعبية لتحرير السودان ؛ قوات التحالف ؛ حق وجاد ) ؛ وعدم مشاركتها فى اى تجربة ديمقراطية ؛ يجعل الكثيرون يتشككون فى مشروعيتها الديمقراطية ؛ وخصوصا فيما يتعلق بتلك القوى المساهمة فى الكفاح المسلح ؛ وذات الخلفية العسكرية لقيادتها (الحركة الشعبية ؛ قوات التحالف ) . الا ان مجمل الطرح النظرى والسياسى والبرامجى المعلن لهذه الحركات ؛ يجعل من المشروعيةالدستورية وآلياتها مصدرها المعلن الاول . ان الاهداف الثورية لهذه الحركات ؛ ورغبتها فى بناء سودان جديد ؛ مربوط تحقيقها حصرا ( فى ادبيات هذه الحركات ) بالعمل فى اطار نظام ديمقراطى ؛ ووفقا للمبادى الدستورية .

    الا ان الحال يتغير قليلا ؛ عندما نتمعن فى البنية الداخلية لهذه الحركات ؛ ومدى سيادة المنهج الدستورى والديمقراطى فى داخلها ؛ فنرصد من جديد تعطيل بعض مؤسساتها الدستورية المعلنة (المؤتمرات الدورية كمصدر المشروعية الاول داخل التنظيم ) ؛ وتابيد القيادة فى شكل مشابه للحركات الطائفية والعقائدية ؛ وعدم القدرة على حل خلافاتها فى اطار المؤسسة ؛ والميل الى الابتعاد او الابعاد حالما تظهر اى خلافات سياسية او تنظيمية بين عضويتها . ان كل هذا يمكن ارجاعه الى بؤس التراث الديمقراطى والمؤسسى فى التاريخ السياسى السودانى ؛ وفى مجمل البيئةالاجتماعية للسودان ؛ الا انه يلقى بظلال كثيفة ؛ على مصداقية حركات ؛ ربطت تميزها بالتزامها بالمشروعية الدستورية والياتها الديمقراطية ؛ كوسيلة لادارة السلطة فى الدولة ؛ وكمصدر اول لحركة ونشاط التنظيم .
                  

العنوان الكاتب Date
ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 00:24 AM
  Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 00:48 AM
    Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 01:11 AM
      Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 01:18 AM
        Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 01:33 AM
          Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 01:45 AM
            Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 02:00 AM
              Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 02:01 AM
                Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Sidgi Kaballo04-30-04, 03:47 AM
                  Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati04-30-04, 04:06 AM
                Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Sinnary04-30-04, 07:18 AM
                  Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Sinnary04-30-04, 06:17 PM
                    Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Muna Abdelhafeez05-01-04, 08:01 AM
                      Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Sinnary05-01-04, 09:27 PM
                        Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati05-02-04, 07:23 PM
                          Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية Abdel Aati05-02-04, 09:00 PM
  Rep Osman M Salih05-06-04, 12:12 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de