|
طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين
|
طريق العارف ومسؤؤلية المثقف نظرية المعرفة عند الجمهوريين :*
لا تاتى المعرفة عند الجمهوريين عن طريقها المدرسى ؛ فليست هى معرفة كتب ودراسة وفقهاء ؛ وانما هى معرفة قلب وشعور وحدس ؛ معرفة مجاهدة واستغراق ؛ وشاهدهم فى ذلك الآية ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) . ان المعرفة اذن هى حصيلة ممارسة وجودية ؛ ممارسة طويلة من التقوى والتعبد والسلوك فى دروب التقليد ؛ التقليد الطويل والحرفى والدقيق لسنة الرسول ؛ من قيام الليل والصوم والتحرر التقليدى من قيود الجسد والشهوات ؛ واتقان التقليد وتجويده حتى تكون المعرفة . حتى تكون الاصالة .
ان المعرفة هنا هى معرفة مباشرة ما بين الله والسالك ؛ وهى بذلك تقتضى ممارسة طويلة ووعيا بهذه الممارسة وتجويدا لها ؛ وهى تجربة حدسية قلبية اكثر منها اكاديمية عقلية ؛ يكتب الاستاذ محمود " النبوة هي أن يكون الرجل منبأ عن الله، ومنبئاً عن الله.. أي متلقياً المعارف عن الله بواسطة الوحي، وملقيا المعارف عن الله إلى الناس، على وفق ما تلقى، وبحسب ما يطيق الناس " كما يكتب : "وأما الحكمة في ختم النبوة فهي أن يتلقى الناس من الله من غير واسطة الملك، جبريل - أن يتلقوا عن الله كفاحا - ذلك أمر يبدو غريبا، للوهلة الأولى، ولكنه الحق الذي تعطيه بدائه العقول، ذلك بأن القرآن هو كلام الله، ونحن كلما نقرؤه إنما يكلمنا الله كفاحا، ولكنا لا نعقل عنه.. السبب؟ أننا عنه مشغولون.." ويحدث فى نفس الموقع من مقدمة كتابه الرسالة الثانية من الاسلام " من رسول الرسالة الثانية؟؟ هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام.. ".
ان المعرفة عند الجمهوريين ليس هدفها اللة ؛ بل هو وسيلتها ؛ ولذلك كانت فكرتهم " بالتخلق باخلاق الله " . واقصى المعرفة ليست هى معرفة الله ؛ وانما هى محبة الله ؛ وفيها تصبح العلاقة مع اللة خالية من الخوف والخضوع ؛ وترتسم فى شكل الحرية والمحبة ؛ وفى هذه المرحلة يسترجع العبد حريته امام الله ؛ فلا يكون عبدا خاضعا مسيرا ؛ بقدر ما يكون انسانا عارفا مسيرا ؛ يملك نفس صفات الله ؛ ولكنه لا يخرج الى مصاف الالوهية ؛ وقى ذلك يكتب محمود " ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله."
ان هذه الفقرة المركزية فى نظرية المعرفة عند محمود ؛ قد استغلها غلاظ القوب ومتحجرى العقول من جلاديه ؛ فى محاكمته الشهيرة ؛ الا انهم جهلوا او تجاهلوا ان هذ التشابه بين الرب والانسان هو محدود عند محمود ؛ لان ربوبية الانسان محدودة بحداثته ؛ وربوبية الرب دائمة وقائمة ابدا؛ وهذه اللحظة من المقاربة هى لحظة عابرة ؛ ينبغى الوصول المستمر اليها ؛ حيث يكتب محمود فى الفقرات التالية :" وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه، (( كل يوم هو في شأن)) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال (( تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) وقد قال تعالى (( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)). "
كما يمضى الاستاذ قى فقرة لاحقة فيقرر " ههنا منطقة فرديات، والشرائع فيها شرائع فردية، والداعية فيها إلى الله، الله نفسه.. يقوم فيها العبد في مواجهة الرب، وقد سقطت من بينهما الوسائط، ورفعت الحجب - حجب الظلمات وحجب الأنوار- العبادة فيها عبودية، والعمل فيها ملاحظة السابقة، وضبط اللاحقة عليها، حتى يستقيم الوزن بالقسط، إذ محاولة العبد هنا أن يكون لربه كما هو له، وهذا معنى أمر الرب سبحانه حين قال (( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)) فإذا كان حضور العبد مع الرب كحضور الرب مع العبد، تماما، فقد أقيم الوزن بالقسط.. وهيهات!!
ان هيهات هنا جوهرية ؛ فالمعرفة بناءا عليها هى مقاربة للرب اذن ؛ وتماهى معه ؛ اذا ما استخدمنا تعابير النقد الادبى ؛ دون الاندماج الكامل به ؛ وفى كل ذلك يظل الانسان انسانا ؛ والرب ربا . ولكنه انسان مختلف ؛ وهو ما يدعوه محمود مع مجمل الصوفية بالانسان الكامل ؛ والذى تناولنا مفهومه فى غير هذا المكان .
ان العارف عند محمود هو العارف بقلبه قبل عقله ؛ حيث يذهب الى ان العقل حديث ؛ والقلب قديم ؛ وهو المندمج مع الكون كله ؛ بتحقيق الوحدة فى نفسه ؛ وهو اذن " يعرف ربه عن نفسه" ؛وهو " فى عمله بحسب علمه " وهذه مفاهيم ومقولات لاقطاب الصوفية ؛ استوعبها الجمهوريون فى منظومتهم الفكرية ؛ وهى في الحقيقة مقاربه لصورة العارف المتخلق باخلاق الله عند الغزالى (راجع : المقاصد الاسمى فى معرفة اسماء الله الحسنى ) ؛ وهى مقاربة لفكرة الانسان الكامل عند عبد القادر الجيلانى وابن عربى ؛ وتنزل الالهى فى الانسانى فى الفلسفة التاوية !
ان فى هذا ما يفسر لنا ؛ السهولة والفائقة التى يتعامل بها محمود في تفسير النص القرانى ؛ او الحديث النبوى؛ والتى لا تستند مرات لا على التفسير التقليدى المربوط بواقعة النزول ؛ ولا التاويل المرتبط بامكانيات اللغة ؛ ولا غيرها من ضوابط التفسير التقليدية . وهى تفاسير فى غرابتها مرات وحداثتها ؛ لا يبررها الا ايمان قاطع بهذا الشكل من المعرفة الحدسية ؛ والتى لا تحتاج الى مرجعية اخرى لكيما تبرر قراءتها ؛ ومرجعيتها الوحيدة انها تاتى من رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..
ان معرفة هذا شانها ؛ تستعصى على التحليل العلمى ؛ وعلى اثبات صحتها او خطئها ؛ ويكون الحل الوحيد هو الايمان بها ؛ او الكفر بها ؛ ولا مجال وسط ؛ لانها لا تعطى مجالا واسعا للعقل ؛ وان استغلت بعض منجزاته ؛ كما سنجد فى العديد من مصادرات محمود التى يستغل فيها منجزات العلم الحديث لاثبات افكاره . وهذه المعرفة من جهة اخرى عصية على التمحيص ؛ لان هدفها ليس محددا ؛ بل هو مطلق ؛ اى معرفة الحق ؛ والذى هو متغير كل يوم ؛ لا متكرر ولا ثابت ؛ وهم فى ذلك يستندون على الاية " كل يوم هو فى شأن" ؛ الامر الذى يجعل هدفها عصيا على التعريف والتحديد ؛ ونتائجها عصية على ادوات العقل العادية ؛ المائلة للتحديد والتشبيه والتشخيص واستخلاص النتائج وتلخيصها . لا تحديد هنا؛ لانه لا تحديد فى الهدف ؛ ولا تكرار فى الظاهرة قيد البحث يسمح باستخلاص النتائج ؛ لانه لا تكرار فى الوجود ؛ ولا فى ذات الرب؛ وانما وحدة وتماسك واندماج ؛ فى مظاهر من التبدل والتغيير ؛ وهذا النسق يذكرنا ايضا بابن عربى ومنظومته الفكرية –المسلكية .
المعرفة اذن عند الجمهوريين ؛ مسلكية حدسية ؛ تقوم على اساس التربية الفردية ؛ والمجاهدة ومغالبة النفس والتقوى ؛ وعلى تجويد الشريعة الجماعية حتى تهب لنا الشريعة الفردية ؛ حتى نصل الحقيقة ؛ وندرك الحق ؛ حتى ندرك مرحلة الاصالة والانسانية الكاملة .
واذا كنا قد اكدنا وجود نظرية للمعرفة كهذه فى كثير من الفلسفات الشرقية والغربية ( ابن عربى وبوذا وتشوانغ تسي شرقا ؛ ونيتشه وكيركغارد وبرجسون غربا ) ؛ الا انها نظرية للمعرفة والحياة فردية ؛ ايمانية لا علمية ؛ وحدسية لا مخبرية ؛ وبذلك فانها تصعب على ان تكون نظرية معرفة لتنظيم وجماعة ومجتمع ؛ حيث التجارب الفردية مختلفة ؛ والقناعات الجماعية ينبغى ان تستند على معلومات قابلة ااتمحيص والنقد ؛ وهذا ما قد يفسر لنا انعدام الاسهام الفكرى للجمهوريين خارج تنظير محمود ؛ والذى ينظروا اليه كحقيقة مطلقة ؛ باعتباره الوحيد الذى وصل مرتبة الاصالة ؛ مرتبة الانسان الكامل ؛ والذى اعطى الفهم واذن له بالكلام . ان طريقة للمعرفة كهذه ؛ كانت لا بد ان تؤدى فى المجال العملى ؛ اى على صعيد اللممارسة السياسية والاجتماعية ؛ او على صعيد قراءة الفكر الدينى نفسه ؛ الى قراءة فردية حدسية ؛ حالمة وطوباوية ؛ الامر الذى ادى الى العديد من الممارسات السلبية ؛ والنتائج الخاطئة فى الممارسة ؛ مما سنتعرض له فى الفقرات اللاحقة .
-------- *من دراسة قيد الاعداد عن حركة الاخوان الجمهوريين
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-23-04, 02:40 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-23-04, 10:54 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-23-04, 11:08 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Amin Elsayed | 01-23-04, 11:26 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 00:27 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 00:41 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Agab Alfaya | 01-24-04, 03:45 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 11:49 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | abuguta | 01-24-04, 01:29 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 08:56 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yasir Elsharif | 01-24-04, 01:41 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | مهيرة | 01-24-04, 03:55 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yaho_Zato | 01-24-04, 07:27 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 09:44 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 10:42 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 00:31 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 00:59 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 01:18 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 09:07 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-24-04, 08:59 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Omer Abdalla | 01-24-04, 06:01 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yaho_Zato | 01-24-04, 09:09 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 01:25 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Omer Abdalla | 01-24-04, 09:44 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yaho_Zato | 01-24-04, 10:22 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yaho_Zato | 01-25-04, 04:46 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 12:09 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 04:15 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-25-04, 02:20 PM |
مداخلة الاستاذ سيف الدولة احمد خليل | Abdel Aati | 01-25-04, 12:22 PM |
Re: مداخلة الاستاذ سيف الدولة احمد خليل | Yaho_Zato | 01-25-04, 08:38 PM |
Re: مداخلة الاستاذ سيف الدولة احمد خليل | Haydar Badawi Sadig | 01-25-04, 08:57 PM |
Re: مداخلة الاستاذ سيف الدولة احمد خليل | Haydar Badawi Sadig | 01-25-04, 09:29 PM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Bashasha | 01-26-04, 03:02 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Yaho_Zato | 01-26-04, 05:36 AM |
Re: طريق العارف ومسؤولية المثقف: نظرية المعرفة عند الجمهوريين | Abdel Aati | 01-26-04, 11:47 PM |
|
|
|