|
الحزب الشيوعي السوداني بين الآمال والالام
|
الحزب الشيوعي السوداني بين الآمال والالام
الحديث عن الحزب الشيوعي السودانى حديث ذو شجون ؛ لان الحزب الشيوعي حزب بقدر ما حرك من الامال ؛ بقدر ما افرز من الالام ؛ وبقدر ما كانت له انجازاته ؛ فقد كانت له كبواته ؛ ونحن اليوم ؛ ونحن نبحث عن سودان جديد ؛ فما احوجنا الى قراءة ناقدة وموضوعية وصريحة لمسيرة هذا الحزب العتيد
فالحزب الذى نشا من مواقع البديل للقوى التقليدية والرجعيةفى المجتمع ؛ بتعبيره عن فئات ناهضة فى المجتمع السودانى ؛ وباستناده على فكر وتنظيم حديث ؛ ما لبث ان دخل فى ازمات عميقة ومستحكمة ؛ بل وتكاد تكون مستعصية ؛ فى اعلب محاور فكره وبنيته واساليب عمله وتكوين وعمل قيادته فالفكر الماركسى ؛ والذى كان يفترض ان يكون منهجا للبحث ؛ تحول الى شرط انتساب للحزب ؛ والى منظومة افكار جامدة ؛ والى بضغ شعارات لم تجر سودنتها ؛ او لم يتم معالجة علاقتها بالواقع ؛ وفى ظل سيادة الستالينية والجمود على الفكر الماركسى ( اللينينى ) ؛ عالميا ومحليا ؛ فان الاطار الفكرى الذى اتى به الحزب ؛ قد تحول من ايجابية الى سلبية ؛ ومن مصدر اشعاع وتجديد ؛ تحول الى كابح ؛ او قل عصابة سوداء ؛ تمنع رؤية الجديد
اما بنية الحزب التنظيمية المركزية ؛ والتى هدفت الى بناء حزب حديدى من طراز جديد ؛ على النمط اللينينى ؛ فقد افلحت فى ضمان بقاء الحزب رغم الضربات والانتكاسات ؛ الا انها قد عاقت نمو الحزب ؛ وعطلت انفتاحه نحو الجماهير ؛ فاتسعت الهوة ما بين نفوذ الجزب الادبى والسياسى ؛ وقدرته على التاثير فى الاحداث وصنعها من جهة ؛ وبين حجمه العددى البسيط وتاييده الجماهيرى الضيق من الجهةالاخرى ؛ فكان واحدا من الاحزاب الوطنية المؤثرة ؛ ولكن حصيلته من دعم الجماهير فى العملية الانتخابية قد كادت تكمون صفرا ؛ حيث ان اكبر انجاز له قبل اكتوبر قد كان ادخال نائب واحد الى البرلمان ؛ وبعد اكتوبر انتصار صفوى وسط الحريجين ؛ ثم نائبان فقط فى انتخابات العام 1968 ؛ وبعد الانتفاضة فاز الحزب ب3 نواب ؛ كانوا يمثلوا اقل من واحد بالمائة من اعضاء البرلمان ؛ وتفوقت عليهم احزاب جهوية واقليمية صغيرة ؛ ليس لها من التاثير ما للحزب الشيوعي على المستوى الوطنى العام
كما ان الحزب ؛ والذى كان ابان نشاته ؛ من اكثر الاحزب السودانية شعبية وبعدا عن الصفوية فى تكوين قيادته ؛ حيث وصلت الى اعلى قممها عناصر من العمال ( الشفيع - قاسم - سلام - الجزولى - الحاج عبد الرحمن : الخ ) والمزارعين ( الامين محمد الامين ) ؛ والنساء ( خالدة زاهر ؛ فاطمة احمد ابراهيم ؛ سعاد ابراهيم احمد ؛ محاسن عبد العال ؛ الخ ) والجنوبيين ( جوزيف قرنق ) ؛ والمثقفين من اصول كادخة ؛ قد تحول عبر السنين ؛ ونتيجة للمركزية ؛ وسيادة اساليب العمل السرى ؛ وعقلية حزب الكادر ؛ الى ان يصبح حزب القيادات الابدية ؛ فالقائد اما ان يقتل ؛ او يفصل ؛ او يموت !! ووجدنا فى الحزب قيادات هى اعضاء قى لجنته المركزية منذ اكثر من نصف قرن ( التجانى ونقد ) ؛ او ثلث قرن ( فاطمة وسعاد ويوسف حسين ) ؛ هذا اذا تجاوزنا عن شرعية هذه القيادات فى ظل غياب المؤسسات الديمقراطية والمؤتمرات فى الحزب ؛ الامر الذى افقد هذه القيادات حيويتها ؛ وديمقراطيتها ؛ وشرعيتها
ادى هذا فيما ادى ؛ الى شح الكادر الجماهيرة الشعبى فى الحزب ؛ وانحساره تدريجيا ؛ لصالح الكادر السرى وكادر العمل الفنى والتنظيمى ؛ فبعد ان كان الحزب يملك قيادات تهز المنابر ويعرفها السودان ؛ من وزن عبد الخالق ؛ وقاسم امين ؛ وشيخ الامين ؛ والوسيلة ؛ وحسن الطاهر زروق ؛ واحمد سليمان ؛ والشفيع ؛ وسلام؛ والحاج عبد الرحمن ؛ فقد نمت فيه قيادات جديدة معزولة عن الجماهير ؛ وغير معروفة خارج اطار حزبها ؛ فعدا عن اسماء محمد ابراهيم نقد وفاطمة احمد ابراهيم ؛ فان معظم قيادات الحزب الحالية غير معروفة شعبيا ؛ ولا تشكل اسماء فاروق زكريا ؛ والشفيع خضر ؛ ويوسف حسين دالة على الحزب الشيوعي ؛ الا فى اذان الشيوعيين ؛ او محترفى السياسة السودانية
اما اشكال العمل المنقولة من التجربة الشيوعية العالمية والمصرية ؛ والتى ادخلها الحزب عند نشاته ؛ والتى كانت ثورة فى مجال التنظيم الحديث فى الاربعينات ؛ واتت بنتائج ايجابية فى الخمسينات والستينات ؛ فانها قد تحولت حجر عثرة فى طريق تطور الحزب فى السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ؛ فما بالك ونحن نخطو سنوات فى القرن الحادى والعشرين ؛ قرن العولمة وثورة الاتصالات والتكنلوجيا وفنون الادارة؛ ولا عجب اذن ان تسبقه وتتجاوزه تيارات الاسلام الاصولى فى كسبها التنظيمى ؛ وان يعبر التجانى الطيب عن اندهاشه من " التطور" التنظيمى الذى وصل اليه حزب الامة ؛ فما عاد حزب الامة حزبا لشبه الاميين ؛ فى نفس الوةقت الذى تكلست فيه تجربة الحزب الشيوعى التنظيمية فى حدود الستينات
اما فى مجال العمل الفكرى ؛ فان الحزب الذى كان من انشط الاحزاب فكريا ؛ واكثرها غنى بالمبدعين والمثقفين ؛ والذى اطلق مبادرات وصحف ودور نشر ؛ مثل جمعية الفكر الحر ؛ ومجلة الطليعة ؛ والفجر الجديد ؛ ودار الفكر الاشتراكى ؛ وندوة الاربعاء ؛ وتجمع ابادماك ؛ قد مضى عليه حين من الدهر ؛ وهو يعيش على انتاجه الفكرى السابق ؛ ويعجز عن اصدار وثائق بفيمة : الماركسية وقضايا الثورة السودانية " ؛ او حول البرنامج " ؛ واو اصدار متعدد كاصدارات دار الفكر الاشتراكى ؛ ويحتفى اعضاؤه بالفتات الذى يخرح من افواه قادته فى المقابلات الصحفية او ما يخطه بنانهم فى المقالات المبتسرة مرة كل عدة سنوات
اننا نختصر ونقول ؛ ان ازمةالحركة السياسية السودانية ؛ كما تبدت فى حالة الحزب الشيوعي السودانى ؛ قد انعكست فى عجزه عن التحول الى حزب جماهيرى ؛ وجذب تاييد القطاعات العريضة من الشعب الى صفوفه ؛ والتى توصله الى السلطة عن طريق البرلمان ؛ وتحميه بالعمل الشعبى والتضامنى فى الديكتاتورية ؛ كما عجز عن تحقيق ولو اجزاء يسيرة من برنامجه السياسى والاجتماعى ؛ وسار من الانقتاح الى الانغلاق ؛ ومن مواقع الثورية الى مواقع المحافظة والجمود ؛ فى اغلب سنوات كدحه ؛ والتى فاقت نصف القرن ؛ من الوجود على الساحة السياسية السودانية
عادل
|
|
|
|
|
|
|
|
|