نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
الموت التراجيدي للأشجار (Re: ملكة سبأ)
|
عيسى الحلو
الموت البطولي في الادب القديم.. ينعقد لواؤه لنوع فريد من الرجال.. رجال يمتلئون بالحماسة لتحويل الأفكار الى إرادات متحققة من خلال الأفعال..وقتذاك فهم يموتون على الساحات العامة.. لا على فراش المرض.. فالاشجار (حسب الشاعر) تموت واقفة.
والصحفي الشهيد.. محمد طه محمد احمد هو نوع من هؤلاء الناس هو بطل روائي تراجيدي. وذلك بالضبط هو الايحاء القوي الذي اعطاني إياه الحوار الذي أجراه معه ضياء الدين بلال والطاهر حسن التوم وجمال حسن علي والذي يحمل عنوان (محمد طه محمد احمد مابين الجبل والنهر.) وهو حوار اعادت نشره «الرأي العام» نقلاً عن مجلة الخرطوم الجديدة بتاريخ الخميس 7 سبتمبر الجاري.
* وتراجيدية الموقف هنا تأتي بسبب التركيب البطولي للشخصية التي وضعت أمام المصير منذ البداية.. وهذا ما تؤكده الاقوال التي جاءت في الحوار في بداياتها ونهاياتها.
* كلنا.. نحن البشر.. نعرف ان المسألة تبدأ بيوم مولدنا..وينطلق المركب فوق موج الحياة .. ولا يبقى أمامنا.. سوى القبر.. طال الامر ام قصر !!..
* ولكن محمد طه ..كان منذ البدايات يعرف هذا الوضع الوجودي .. فالطفولة بين الجبل والنهر.. القسوة والانبساط. ويقول محمد طه مخاطباً الطاهر حسن التوم «في الحوار»: (الحدة في أي انسان.. الحياة ليست جلسة صفاء طويلة.. بلغت 45 عاماً.. أي ان العمر سرقني)..
.. اذا قرأنا هذه العبارة نجد ان بطلنا وهب حياته منذ البداية للأفكار.. الانتماء السياسي والعقائدي .. ولكن تراجيدية المصير كانت تضعه في موقف يبدو في ظاهره معاكساً لموقفه المصيري الأصلي. فهو لا يضع نفسه في موضع التابع.. بل هو المبدع لهذا الموقف.. لذا هو الذي يحدد المسار للحزب.. فهو عضو في الحزب.. ولكنه ليس محرراً في صحيفته.. بل هو رئيس تحرير صحيفة خاصة به.. عبر كل هذه المواقف الابداعية هو الذي يقود ولا ينقاد.
* ولكن التناقض التراجيدي الحاد والصارخ هناك.. هو ان بطلنا بهذه الطريقة كان قد وضع نفسه أمام مصير محدد.. مصير اكبر من ان يملك هو تحديد مساره. وهنا بالضبط تراجيدية موقف محمد طه.. وهذا ما يتأكد بإجابة محمد طه سؤال ضياء الدين بلال.. (من الذي استقطبك) للحركة الاسلامية؟..ليس هناك شخص محدد.. في هذا المناخ وبحكم ثقافتي وقراءاتي وجدت نفسي أقرب للإسلاميين.
* وكما لو كان ضياء الدين قد استشف مسار المصير.. سأل مباشرة عن فردانية محمد طه (صاحب البطولة التراجيدية)، ثم أخذ ضياء يشرح مرتكزات هذه الفردانية فأضاف ضياء: (البعض أطلق عليك صفة أباذر الغفاري.. طوال سردك لم ينضح أثر الاصدقاء والأقران عليك .. كنت عضواً بالاتجاه الاسلامي في الثانويات والجامعة بصلاحيات وسلطات مستقلة تماماً.. صحيفتك في الجامعة التي تنطق باسمك فقط.. وكذلك الوفاق الآن؟).
* هذه الفقرة لاتحتاج لاضاءة ما. وهي توضح ان ضياءً كان قد امسك بالخيط التراجيدي الاساسي الذي تتحرك عبره الشخصية التراجيدية في حركتها الوجودية المصيرية الكبرى كما أوضحنا في العبارة السابقة أعلاه- ولهذا أيضاً كان محمد طه في تعلقه بالأدب بحب من أخباسه الرواية والقصة والسبب الواضح هنا ان هذا لما في هذا الضرب الادبي من حركة درامية ومن تفاعل قوي وحي بين الشخوص والحياة حولهم.
* وبسبب كل هذا الذي تم سرده عبر هذا الحوارالوثيقة.. فإن الاختيارالحقيقي لمحمد طه في الدراسة الجامعية كان دراسة الادب، الا أن الاب كان قد اختار بالإنابة عنه القانون وهذه لعلها المرة الوحيدة التي يترك فيها محمد طه لأحد أن يختار بدلاً عنه.
ولكنه فيما بعد عدل هذا المسار، إذ إختار الادب الصحفي وأختار لصحيفته (الوفاق) تحريراً صحفياً ادبياً يخلط ما بين المعلومة والعبارة الادبية والموضوع الأدبي.
* لقد وضع بطلنا حياته كلها أمام انفعال اساسي هو الزهد.. والبعد عن الملذات ..وعن الوجاهة الاجتماعية .. انه انفعال المتصوف حينما يلتقي أعلى ألم بأعلى سرور.. أنه الانفعال الذي يختاره الشهيد دائماً.
* واليك هذا المقطع الذي يمثل الاجابة على سؤال ضياء: (اذا قلنا ان محمد طه يعيش في الخرطوم على معكوس مصطفى سعيد في ود حامد .. مصطفى سعيد بعد عودته من بريطانيا وفي منزله بود حامد كانت له غرفة على النمط الانجليزي يقضي فيها أغلب وقته.. فالبطل هنا استدعى الحياة الاوروبية الى قريته ..أنت في الخرطوم تستدعي الحياة الريفية.. ابراج الحمام وسعاية الأغنام لمجتمعك الحضري الجديد؟)
* ويقول طه: «لم أشعر انني انتقلت لمجتمع حضري عندما جئت الى الخرطوم لم أفكر بها هل كانت مدينة ام قرية فقد دخلنا في معمعة السياسة.. مصطفى سعيد لم يربط نفسه بقضية فكرية او سياسية ولكن كان يربط حياته بالمتعه واللذة.. الرسالة ربطتنا باللذة السياسية).
* الاختلاف النوعي بين البطلين هنا.. هو ان محمد طه أختار الزهد ليخدم رسالة سياسية وفكرية اختارها منذ البدء. فالأدب عند محمد طه ليس غاية في ذاته ولكنه وسيلة لتقديم مواقف سياسية في الاساس. ولكن الادب عند مصطفى سعيد يخدم التأمل الحسي.. يخدم التصور والانفعال والامتاع..اذاً فان الاختلاف الجوهري بين الاثنين محمد طه ومصطفى سعيد.. بوصفهما بطلان تراجيدان .. هو ان محمد طه بطل صوفي زاهد وان مصطفى سعيد هو بطل تراجيدي حسي مشاريعه آنية.
* وهذا ما جعل البطل الصوفي يدفع ثمناً غالياً للحياة التي لم يذق ملذاتها.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نار الغيرة من فهمك .. مع جرأة مداد قلمك | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:23 AM |
صباح الجنة والفردوس نجم الوفاق وإبن القُرير | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:28 AM |
محمد طه... هذا الغريب | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:30 AM |
لا أحب الخصومات .. لكن إذا فرضت على أدافع عن نفسي | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:44 AM |
محمد طه محمد أحمد.. شهيد عقيدته | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:48 AM |
آخر صورة اجتماعية للفقيد | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:53 AM |
الموت التراجيدي للأشجار | ملكة سبأ | 09-14-06, 06:57 AM |
محمد طه يمرق من بيت العدو | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:02 AM |
طه ما ابتلاك ربك الا ليتحد وطنك | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:13 AM |
في الليل المظلم والقدر المحتوم | ملكة سبأ | 09-14-06, 07:21 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | فتحي البحيري | 09-14-06, 07:49 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | ملكة سبأ | 09-16-06, 02:33 AM |
Re: في الليل المظلم والقدر المحتوم | شهاب الفاتح عثمان | 09-16-06, 04:19 AM |
|
|
|