المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه
اتصلت بي زوجتي في التاسعة من صباح اليوم بتوقيت شرق الولايات المتحدة لتنبئني بالمقتل المأساوي للأخ المغدور محمد طه محمد طه. كنت وقتها في بداية المحاضرة الأولى لطلبة الصف الأول بالجامعة التي أعمل بها. في العادة لا أرد على الهاتف أثناء المحاضرات. ولكن شئ ما جعلني أرد على هذه المكالمة، خاصة بعد أن تبين لي بأن المتصل هو زوجتي، وهي تعرف بأنني في بداية محاضرة، بحكم معرفتها ببرنامجي اليومي في الجامعة. بعد أن سمعت الخبر حبست دموعاً حبساً لأواصل المحاضرة. ولأن طلبتي لاحظوا تغير حالي، أخبرتهم بما حدث. ومنذ تلك اللحظة، حتى هذه، يغلب على الحزن على الفقيد وعلى ما آل إليه حال السودان. قابلت الأخ محمد طه محمد أحمد لأول مرة في ركن من أركان الجمهوريين بجامعة الخرطوم. كنت وقتها – في العام 1980– طالباُ مستجداً في الجامعة. وبحكم أنني جمهوري، فقد تهيات لي فرص عديدة للتفاعل مع الأخ محمد طه، عليه رحمة الله الواسعة. فقد كان كثير الحضور لأركان النقاش، وكثير الحرص على المشاركة فيها، مستأسداً بنصيب كبير من الوقت فيها. وكانت مشاركاته تضفي حيوية خاصة على الأركان، بحكم أنه كان من أشد المعارضين للفكر الجمهوري. وكان، رحمه الله، من أنشط المتحاورين مع الجمهوريين من تنظيم الاتجاه الإسلامي (إن لم يكن أنشطهم على الإطلاق). وقد كان، بحكم تحريره لجريدة "آخر لخطة،" لسان حال الاتجاه الإسلامي في جامعة الخرطوم، في صدارة المتحدثين عن جماعات الهوس الديني، وبخاصة جماعة الدكتور حسن الترابي. ذلك لأن جامعة الخرطوم في ذلك الوقت كانت أهم منفذ للنشاط السياسي العلني في السودان قاطبة، إذ كان النشاط الحزبي خارجها محظوراً. وكانت حرم جامعة الخرطوم هو الفضاء الوحيد الذي يسمح فيه بالنشاط الحزبي المتدثر بمسميات غير حزبية. في هذا السياق، كانت الجبهة الديمقراطية هي لسان حال الحزب الشيوعي في جامعة الخرطوم، وكان الاتجاه الإسلامي هو لسان حال الإسلامويين، والإخوان الجمهوريين لسان حال الحزب الجمهوري، وهكذا. كان محمد طه من أنشط الكوادر الطلابية، لا على مستوى الإسلامويين فحسب، بل على مستوى الجامعة. وعرف عنه أسلوبه الصدامي ودفاعه عن وجهة نظر تنظيمه بصمامة لا تعرف اللين. وقتها لم يكن يقبل بوجهة نظر الجمهوريين بأن الإسلام فيه مستويين من التشريع. وكثيراُ ما كان يدمغنا بالكفر، على الرغم من تنامي علاقتة الودودة معنا، ويخاصة مع الأخوين أحمد دالي وعمر القراي (وهما رائدان من الرواد الأوائل الذين نشروا ثقافة الحوار بترسيخهم لأركان النقاش في جامعة الخرطوم). بهذا المعنى، فإن محمد طه محمد أحمد، عليه الرحمة، كان من المؤسسين لأركان النقاش، إذ كان يمثل وجهة النظر الأخري بجدية وعزم وقوة، تصل إلى حد العنف اللفظي والجسدي بالآخر. ولكن سعة الأخوين دالي والقراي ما لبثت أن جعلته من أحب الناس إليهم، على الرغم من معارضته الشديدة لما يحملونه من أركان. وكثيراً ما كنت أرى أن محمد طه، الغريم الفكري في ركن النقاش،ُ يتمشى مع دالي أو القراي ممازحاً من مكان الركن إلى البوابة الرئيسية، أو منها إلى الركن قبيل بدايته. نعم، حزنت حزناً مبكياً على أخينا محمد طه لأنني بالفعل كنت أحبه. كنت أحبه لأنه هيأ لي ولإخوتي فرصة نادرة في التفاعل مع قطاع واسع من أبناء شعبنا ممن يحملون طيبته وصدقه ورغبته في التغيير. اتفقنا أو اخلتفنا معهم، فهم من طينتنا ونحن من طينتهم. نعم، هم منا ونحن منهم. وبقتل محمد طه اليوم قتلنا كلنا. كان دالي كثيراً ما يضرب المثل بقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" في أركانه تلك التي يؤمها محمد طه وعدد غفير من طلبة الجامعة. ولمن لا يعرف مغزى ذلك المثل فإن القصة باختصار تقول بأنه حين هجم وحش مفترس على ثوريين، أحدهما أبيض والآخر أسود، أصر الأبيض على ألا يفترقا ليشكلا قوة مشتركة تحميهمها معاً. وحين علم الوحش بقوتهما معاً، أراد أن يفرقهما، فانفرد بالثور الأسود وقال له بأنه لا يريد أن يأكله هو، بل يريد أن يأكل الثور الأبيض، أما هو فسيظل آمنا بعد ذلك. اقتنع الثور الأسود وطفق يقتات من عشب الأرض غير آبه لسلامة الثور الأبيض. فأكل الوحش الثور الأبيض بعد أن أن انفرد به وصرعه. وحين جاع الوحش آتى ناحية الثور الأسود ليصرعة، فقال الثور "أكلت يوم أكل الثور الأبيض." ربما كان محمد طه قد أدرك معنى هذه العبارة بعد سنوات طوال، فصدح بالحق وقال بأن الأستاذ محمود محمد طه صمد أمام معارضيه في الرأي ولم يلن في بيع مبادئه كما لان تنظم الإسلامويين غير مرة أمام الرأي العام المحلي والدولي. وكان في ذلك يشير للامبدئية قادة حزبه، ومبدئية الأستاذ محمود في صموده أمام جلاديه. وعبر في لقاء تلفزيوني، بوضوح بأنه معجب بموقف الأستاذ محمود وأنه يستعر من موقف قادته!! على الرغم من محبتنا الشديدة للأخ محمد طه محمد أحمد إلا أننا لن ننسى بأنه كان شامتاً علينا يوم مقتل الاستاذ محمود محمد طه، أيما شماتة. ربما كان محمد طه من أشد الناس دعوة لقتل الأستاذ محمود داخل تنظيم الاتجاه الإسلامي، بدليل ماكنت تنضح به "آخر لحظة،" من عداء سافر للأستاذ وللجمهويين. مع ذلك، فقد كان حزني اليوم مضاعفاً لأن محمد طه أصبح ضحية لغدر نفس العقلية الظلامية، المتآمرة، الباطشة بالرأي الآخر، التي رعاها وساندها وفتحت لها منافد الرأي والتعبير عبر قلمه النشط، يوم كان طالباً ويوم أصبح من ملاك منافذ الرأي العام. ليت محمد طه علم بأن دالي لم يكن يستخدم ذلك المثال اعتباطاً، إذن لوفر حياته المتقدة بالطاقة والحيوية والتوق للتغيير الثوري في السودان لضخ دماء فكر سلمي، تحاوري، جديد، في شرايين وطننا الجريح، بدلاً من الترويج للهوس الديني، الذي راح ضحية له في نهاية المطاف، وما للمطاف نهاية!! اليوم يسجل الهوس الديني أحط درجة يمكن أن يصل إليها أي مشروع ديني مزعوم. وإن لم تنهض جماهير شعبنا لمقاومة الهوس، فسوف نذبح كلنا ذبح الشياه. وهل يؤتمن من يقتل رفيق دربه؟ وهل يؤتمن من يقيل شيخه ويجلس على كرسيه؟ وهل يؤتمن خائن يخون الأمانة باسم "الله" الأمين، المؤمن، المؤتمن؟ وهل يؤتمر متآمر على شؤون الناس؟ هذه دعوة لكل شباب الاتجاه الإسلامي للانحياز للشعب ضد تيار الهوس الديني ونهب أموال الشعب باسم الله، والله بريئ من سارقي قوت الجوعي! هذه دعوة للانحياز للشعب، الجائع، المقهور، المظلوم! هذه دعوة للانتفاض على القيادات التي ساقتكم إلى الموت لتنعم هي بنعيم الدنيا، ثم لا تستحي فترفع أسعار السلع، وقد تضخمت جيوب من ساقوكم إلى الموت. اليوم ستحيون حياة جديدة إذا ما انحزتم للشارع وصمدتم ضد من سرقوا دينكم ومالكم، ويتمو إخوانكم، وقهروا نساءكم، وضربوهم حتى في المساجد. اليوم يوم انحياز كل من فيه بقية دين لأهل الدين، أهلنا السودانيين البسطاء، الذين نتعلم منهم كل يوم جديد فناً من فنون التسامح الأصيل. هذه دعوة للجيش والشرطة وقوات الأمن والسجون للانحياز للشعب. فإن لم تنحازوا فسيأت يذبح فيه كل واحد منا الآخر. يومها لن تبقى لنا حياة ولن يبقى لنا وطن. الخيار الآن هو خيارنا. أما الحياة والوطن وإما الموت، وقد انحاز الشعب للحياة والوطن. ولن تلبث غضبة الشعب أن تشعل ثورة تتضرم، وقد بدأ شررها يتطاير!! خذوا حذركم، وانحازوا للشعب، وإلا هلكتم مثلما هلك أخونا المغدور محمد طه محمد طه. اللهم أرحم الله الأخ الحبيب محمد طه محمد أحمد، وأسكنه فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء. اللهم إنه مات مغدوراً في ظل نظام قاتل،ساحق، مأفون بالهوس والسلطة والمال الحرام حتى النخاع. اللهم تقبل محمد طه عندك شهيداً، شاهداً على الهوس، وعلى الظلم، وعلى الكذب والخيانة والتقتيل باسم دينك الحنيف. اللهم إنك تعلم بأن نظام الحكم في السودان اليوم هو الذي قتل محمد طه. قتلته كوادر أمن النظام المتهوس، أم لم تقتله، فقد قتله الجو المسموم - جو الهوس الديني - الذي غذاه النظام بدماء المضليين السذج الذين سيقوا إلى الموت سوقاً كالأنعام (ثم طرحوا في العراء يوم تحققت مكاسب الثروة والسلطة لمن ضللوهم). اللهم إن محمد طه محمد أحمد قتله العقل الجمعي المتهوس الذي أسهم هو في ترسيخه، فأغفر له وأرحمه يا رحيم. مات محمد طه، سيداتي، سادتي، يوم أكل الثور الأبيض!!! فلننهض حتى لا تذبح ثورتنا الوليدة. ولننحاز للشعب السوداني الحر، الذي لم تردعه سكين الغدر، يوم ذبح الثور الأبيض!!! (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 09-07-2006, 06:38 PM)

العنوان	الكاتب	Date
المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-06-06, 10:44 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	خالد العبيد	09-06-06, 11:53 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-09-06, 12:41 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	abubakr	09-07-06, 00:09 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-09-06, 12:43 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	ahmed haneen	09-07-06, 00:31 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-09-06, 12:47 PM
رد	mohmmed said ahmed	09-07-06, 00:51 AM
Re: رد	Haydar Badawi Sadig	09-10-06, 11:42 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Salwa Seyam	09-07-06, 01:08 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-10-06, 11:47 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Yasir Elsharif	09-07-06, 01:29 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	أبوالزفت	09-07-06, 01:49 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	عثمان عبدالقادر	09-07-06, 04:48 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-13-06, 03:45 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	الرفاعي عبدالعاطي حجر	09-07-06, 02:52 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	عبدالغني كرم الله بشير	09-07-06, 03:14 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	عبد الحي علي موسى	09-07-06, 05:12 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-14-06, 01:58 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	hala guta	09-07-06, 10:48 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-07-06, 10:04 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Yasir Elsharif	09-08-06, 05:18 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Abu Eltayeb	09-08-06, 06:18 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-11-06, 06:38 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Mohammed Mustafa El-Tahir	09-09-06, 00:28 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	البحيراوي	09-09-06, 02:46 AM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-09-06, 12:40 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Mustafa Mahmoud	09-09-06, 12:52 PM
Re: المغدور محمد طه قتل يوم قتل الأستاذ محمود محمد طه	Haydar Badawi Sadig	09-12-06, 12:53 PM

[رد على الموضوع]

صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]