فسـاد × فسـاد .. بوست توثيقي لفساد الحكومة (الراشدة)

Quote: خياران والثالث انهيار الدولة السودان .. عقد اجتماعى جديد أو وصاية دولية !! تقرير : المحرر السياسى بدأ المجتمع الدولى يعلى لهجته المتململة من رهق مساعداته الموجهة للعون الانسانى فى السودان ، واخذ يعبر بوضوح عن تذمره من الطريقة التى تدير بها الحكومة مواردها ، وعدم مراعاتها للاولويات فى الصرف ، تاركة شعبها ليتم اطعامه من قبل المجتمع الدولى ، فى حين توظف المتاح من موارد ليس لايجاد حلول جذرية للمشاكل التى تواجهها البلاد وانما لخلق مزيد من المشاكل التى يقع عبؤها على الاسرة الدولية ، وكانت اولى الاشارات فى هذا الاتجاه صدرت من القائم بالاعمال الامريكى السابق بالسودان ، جيرارد قالوشى فى الحوار الذى اجرته معه (الصحافة) العام الماضى وذلك فى معرض اجابته عن سؤال ، عن عدم قدرة الحكومة على مواجهة مشكلة دارفور فرد قائلا : (الحكومة السودانية اشترت طائرات «ميج 29» وكانت قيمة صفقتها 3 مليارات دولار ، وبالتالى نعتقد ان هذه حكومة قادرة على توفير الدعم لشعبها ) !! وتلاه فى نفس العام مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى السودان يان برونك حينما طالب الحكومة السودانية من خلال مؤتمر صحافى عقده بمقر بعثة المنظمة الدولية بالخرطوم (بأن توظف عائدات البترول لصالح الفقراء فى انحاء البلاد كافة) ، ويعتبر حديث برونك هذا رفضا ضمنيا من الامم المتحدة للطريقة التى تدير بها الحكومة السودانية ما يتوفر لها من موارد مالية ، وكان مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية يان اغلاند قد افصح عن ذلك صراحة فى المؤتمر الصحافى الذى عقده بالخرطوم فى ختام زيارته للبلاد نهاية الشهر الماضى بمخاطبته للحكومة السودانية لاطعام شعبها (بضرورة التحرك لسد الفجوة الغذائية المتوقعة خلال الاشهر المقبلة لأنها تمتلك الغذاء ، وتشهد الدولة تطورا اقتصاديا واستثماريا جيدا يمكنه من مقابلة الأزمة المتوقعة)، لكن للأسف انكرت الحكومة عبر الناطق الرسمى باسم وزارة الخارجية قدرتها على القيام بواجبها حيال اطعام شعبها (وانها ما كانت لتبخل على مواطنيها لو تمكنت من سد النقص الذى خلفه تخفيض «الامم المتحدة» لحصص الغذاء بعد تقاعس «المانحين» عن الوفاء بالتزاماتهم ، وان مقدرة الحكومة على ذلك تجعلها فى مصاف الدول المتقدمة) !!. ويرى المجتمع الدولى ان موارد الحكومة مهدرة نتيجة الفساد المستشرى بارقام ضخمة داخل جهاز الدولة ، طبقا لاخر تقرير لمنظمة الشفافية العالمية ، والذى وضع السودان ضمن الخمسة الكبار الاكثر فسادا بين دول العالم ، بينما يعكس تقرير اعدته الامم المتحدة والبنك الدولى عن اهداف الالفية ومؤشرات التنمية فى السودان ، حقائق وارقام مفزعة عن اولويات واتجاهات الصرف وتوزيع الموارد، فمثلا نجد ان جملة المصروف فى الميزانية على قطاع الصحة يتراوح فقط ما بين % 0,7 الى 0,9 % من اجمالى الدخل القومى ، اى ما بين 5,4 % الى 8,5 % من اجمالى الميزانية العامة للسنوات الخمس الماضية ، ويعنى ذلك ان نصيب الفرد فى الانفاق الصحى خلال العام يبلغ دولارين ونصف الدولار فقط ، ويضيف التقرير ان مصدر الصرف الرئيسى تركز فقط على مرتبات العاملين ، بينما تعتبر الميزانية الموجهة للعقاقير الطبية شحيحة للغاية ، ويشدد التقرير على ان صرف الدولة السودانية على الصحة مقارنة بصرف الدول النامية الاخرى يعد قليلا للغاية . وكنت وزميلى عارف الصاوى قد حاورنا نهاية العام الماضى بمدينة جوبا ، الممثل الاقليمى للبنك الدولى ، اسحق ديوانى الذى ابدى لنا انتقاداتهم الصريحة للطريقة التى كانت تدير بها الدولة الموارد ، وقال «ان السودان بلد غنى ولا يحتاج الى دعم ان احسن ادارة موارده» ، واضاف انهم وجدوا ان اكثر من نصف ميزانية الدولة يذهب الى الصرف الامنى والعسكرى نتيجة الحرب التى كانت دائرة ، ويشدد ديوانى على ضرورة تغيير السياسات المتبعة سابقا فى البلاد حيث لم تكن هناك قوانين ونظم لادارة الموارد المالية ، ولذا فان الاموال كانت تصرف بشكل غير منضبط . واشترط المانحون والبنك الدولى طبقا لديوانى ، على الفريق المشترك لبعثة احتياجات السلام ، ان يخصص اكثر من ستين بالمائة من جملة موارد الدولة لصالح الفقراء خلال الثلاث السنوات الاولى من عمر الفترة الانتقالية ، وتم تضمين ذلك فى الوثيقة التى اعتمدت فى مؤتمر المانحين باوسلو العام الماضى . ويدخل حسن ادارة الموارد ضمن ما يعرف بالحكم الراشد وحكم القانون ، وقد كان الالتزام بمعاييرالحكم الراشد احد الشروط الخمسة التى يضعها الاتحاد الاوربى للحكومة السودانية لتطبيع علاقاته معها واستئناف دعمه الفنى والمادى للحكومة . ويقول تقرير اعدته ياسمين شريف من برنامج الامم المتحدة الانمائى ، ان السودان اصطبغ بطابع عسكرى نتيجة عقود من الحرب ، وتعانى مؤسساته من عجز فى القدرات والافتقار الى التدريب الملائم واستمرار النزاعات المسلحة منخفضة الحدة فى بعض اجزاء البلاد وانعدام ثقة الجمهور فى وجود نظام قضائى محايد ، بينما تشكل القوات العسكرية والامنية الاداتين الاساسيتين للقانون والنظام وهو مايكون غالبا على حساب حقوق الانسان الاساسية ، ويضيف التقرير ان السلطة الممنوحة للاطراف العسكرية والامنية الفاعلة تمثل اكبر تهديد للعدل والسلام والتنمية المستدامة ، الى جانب حكم البلاد بمركزية مفرطة ، وحدوث تفاوتات هائلة فى التنمية بين العاصمة والاقاليم . وكانت اخر الاشارت المتململة من ما تعده سوء ادارة الدولة للموارد ما عبر عنه بحزم القائم بالاعمال الامريكى ، كاميرون هيوم فى الحوار الذى اجراه معه رئيس التحرير ونشر فى (الصحافة) قبل ايام ، والذى عبر فيه عن امتعاض حكومته التى قال انها تقدم معظم المساعدات لمقابلة المأساة الانسانية التى افرزها صراع الحكومة مع الحركات المسلحة فى دارفور ، وربط هيوم مباشرة بين دور المجتمع الدولى فى اغاثة ثلاثة ملايين نازح فى المعسكرات ، وبين ما اعتبره حقا له (اى المجتمع الدولى) فى ارسال قواته الدولية الى دارفور، واضاف : (طالما تقبلون المعونة الغذائية الامريكية وهى دعم دولى اذا من العقل للمجموعة الدولية ان تهيئ نفسها لتقديمها بطريقة افضل) ، وانتقد هيوم الحكومة بشكل لاذع (المشكلة ان تكون لديك القوة تستخدمها لدرجة القتل ضد مواطنيك والا يكون لديك جوال ذرة تقدمه لهم) !! . وعندما سئل عن شكوى الحكومة من عدم ايفاء المانحين بالتزاماتهم ، نفى ذلك ، وقاد هجمة مرتدة على الحكومة (تذكر ان الامر ليس كما يشاع عنه فى السودان ، فاقتصاد السودان تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية ، فوفقا لتقارير البنك الدولى ان نسبة النمو بلغت 14,5 % ، وهى نسبة نمو اسرع من معظم بلدان العالم ، ولذا فكرة ان الحكومة لن تفعل شيئا بدون اموال الاخرين هى فكرة خاطئة ، والتحدى اليوم الذى يواجه عملية التنمية هو ليس توفير الاموال ، وانما فى كيفية ادارة هذه الاموال) !!. وقال لى مستشار مؤسسة فردريش ايبرت الالمانية ، الدكتور عبدالرحيم بلال ( ان اشارات العالم فى هذا الاتجاه واضحة لان دافعى الضرائب فى المجتمعات الغربية يرون مساعداتهم للبلدان الفقيرة يتم تبديدها دون فائدة نتيجة فساد الحكومات والصراعات المسلحة والفوضى وعدم المؤسسية ، ولذا فان الحكم الراشد يتم قياسه بفاعلية وكفاءة ادارة الموارد و تحديد اولويات الصرف ، ونتيجة لذلك فان عملية الامن فى البلدان النامية صارت مهمة للعالم وهو ماجعل الرأي العام فى الدول الكبرى مرناَ تجاه ارسال قوات الى الدول التى تشهد صراعات لان عدم الاستقرار فيها ينعكس على مجتمعات الدول الكبرى فى شكل هجرات غير شرعية وتجارة جنس وارهاب وتجارة مخدرات وانتشار للاسلحة الصغيرة ، مضيفا ان ذلك جعل البعد الامنى يدخل بشكل اساسى وقوى فى مجالات التعاون الدولى . وكان تقرير اعدته مؤسسة كارنيغى للسلام الدولى وصندوق السلام الدولى ، عن مؤشر الدول الفاشلة ، ونشرته مجلة (فورن بوليسى) الاميركية فى اغسطس من العام الماضى ، قد وضع السودان ثالثا بين الدول الآيلة للانهيار واعتمد فى ذلك على 12 مؤشرا سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا ، ومن بينها مستوى تقديم الخدمات للمواطنين ، والوجود العسكرى الاجنبى ، وعدم احتكار الدولة لحق العنف المشروع ، وانتشار السلاح بين المواطنين ، وانتشار الاوبئة والامراض الفتاكة ، ونسبة التسرب من التعليم ونوعيته ، معدلات الوفيات ووتائر النزوح الداخلى واللجوء الخارجى ، وهى مؤشرات ينطبق معظمها على السودان . ويشدد برنامج الامم المتحدة الانمائى على اهمية اعادة تعريف مؤشرات التقدم فى السودان لان الهدف الاساسى برأيه من الحكم الراشد وحكم القانون هو استعادة عقد اجتماعى جديد قادر على الاستمرار بين المواطنين والدولة يحمى السياق الكامل لحقوق الانسان سواء كانت مدنية او سياسية او اقتصادية او اجتماعية او ثقافية .