رحل ( جون قرنق ) في الحديقة الخلفية من الذاكرة .. هل جاء يوم الحساب ؟
كتبنا من قبل :
* * * 09/07/2005 م ـ يوم لا شبيه له في تاريخ أُمة
تقاطرت سحنات الفُقراء مُستبشرة ، تسير في الطرقات حافية أو شبه عارية . تعلوها الفرحة و تُداعبها الأحلام . قائد كاريزمي أحبته ، و لم تعرف عنه كثير شيء غير رؤية فلسفية عميقة بلُغة إفهام العامة . لم يشهد الوطن منذ تاريخه الطويل أن وقف عدة ملايين للقاء قائد ، أياً كان قدره فالقادمون بشر من لحمٍ ودم . أهو الحجم العائلي لعصير الاستقبال أم هو مُنعطف أمة تجسد لها حُلماً بأن الخير قادم، والعدالة قادمة لاستواء الجميع على خيط المُواطنة لا غير. رباط يعصُب الأمة قبل أن يتفجر الوطن حِمماً.
من يا تُرى يعيد التعليم والاستشفاء لمجانيته ، ورغيف الخُبز لمن يدعمه ، والمحروقات بما يُناسب الدخل ؟
لقد بصمت أرض السودان قدم غليظة :
ـ إن الأرض سلعةٌ مُشتهاة كما قال الراحل جعفر محمد علي بخيت عندما أنشأ مزاداً علنياً لبيع الأرض ، في بلد ما أوسعه !
ـ العلم للمُقتدر !
ـ الماء بثمن العِطر !
ـ وجبة واحدة من الفتات تكفي !
ـ الشفاء أو الزواج لمن استطاع السبيل. !
من يمحو تلك الوصمة الغليظة عن بصيرة العامة غير حُلم تجسد في رجل . واحد وعشرون عاماً شاهراً سيفاً ومعه من ارتضى، أو فارق ثم عاد ثم فارق ثم عاد مرة أخرى . الحرب امتداد للسياسة ثم بعد النصر، سيكمل الحُلم النصوص ويُتمم معانيها ! أيُكمل الحُلم حقاً ما لم تكتبه النصوص ؟ من يختبر الدلفين غير الماء !
تقول أسطورة قديمة لدى الدينكا :
ـ موحد القبائل والجموع سيموت بعد أن يُوحدها .
ذكرت هي تلك الأسطورة ، فضحك ( جوزيف قرنق ) قائلاً :
ـ راجِل كبير وإندُو سلا أ !
قالت :
ـ أنا لا أمزح. لدي إحساس بأنك راحل . الأسطورة تأخذ مني ما تأخذ ، وأعلم بأنك ربما تسخر ، فهل نقضي معاً أجمل أيامنا قبل الفراق .
ضحك ( جوزيف ) من الخُرافة ومن الأساطير . فمصير الإنسان لديه يصنعه هو . نشأ فقيراً ثم ترقى ، وأحب الفقراء . صعدت صورته مُتضخمة ، مُتعملقة . أكثر حُلماً ممن أحبوه ثم فُجعوا في موته . * * * نقطُف ما كتبنا عن رحيله : وكتبنا من قبل :
* * *
كيف يا تُرى تَشتَعل قناديل البطولة ؟ وكيف يسبِقنا أبطالنا إلى الموت ؟ .
يقولون على دروب المراعي والأحراش تمشي الآمال العظيمة راجِلة .. حَافية الأقدام . رعدٌ و بروقٌ ومطرٌ و وحلٌ .. وطين الوطنِ الأسود يصطفي الأعْواد ، وتَتخلَّق الأجسادُ أقواها مَكْسَرا ، وتَتَنقى القلوبُ مما بها . ثياب النفسِ البيضاء التي تُحب الفقراء قالت :
ـ إنه البطل . ركِب فراشةً ذات يومٍ ، صعد بها الأشجار السَامِقة . تَـثاقل الجسدُ الكثيف ، ورَحلت الرُوح إلى نجمٍ بعيدٍ يتوهج دوماً عند مَقدمِ أطفال الفقراء ينظرون :
ـ ذاك ( جون ) ، وتلك روحـه تقول لكم : ذَهبتُ أنا وتركتُ لكم سوداناً نأمل جميعاً أن يكون جديدا . نتكئ على صدره ونبكي أيامنا الماضية وأحزاننا الماضيات ، ومن ثم نستشرف عالماً جديداً . ننهض من اليُتم ونبدأ من جديد .
في رحيله قالتْ ( الكُوماندر ) ربييكا :
ـ ذهب القائد و الحُلم باقٍ .
دوماً يرحل العُظماء والأبطالُ من أرضِنا وتضاريسها إلى الأحلامِ و نضارهـا . إن هبطتَ ضيفاً على أُسرته يوماً ، بيديها تطحن ( الكوماندر ) الحبوب وتطبُخ طعام الضيوف . تقول لكم عند المَقيل :
ـ إلى النهر أنتم و ( جون ) لتستحِموا ، وتتذوقوا ماء سليل الفراديس ، ذاك مغطس الملوك . لن يقف فقيرٌ واحدٌ ليقولَ :
ـ ها هو سَـيِّد أحلامنا يسكُن قصرا ، أو أن الحَرس المُدجَّج مَنعني أن ألقى الحبيب ! .
لن يستريح سيد الأحراشِ إلا في نُجيمةٍ متلألئة . لأطفالكم الكثير الذي ينتظر . عندما ينظرون النُجيمةِ في سمائها البعيدة ، ويَبنون الأعشاش من الطينِ بأيديهم ، سيسمعون صوت فقيد الوَطنِ من الحُجُبِ يقول :
ـ سيمتد العُمرُ في مُستَقبل أيامِكم من الطفولة إلى النُضجِ ، وقد تدربت أيديَكُم كيف تُبنى الأوطان . لا تسأل بُنيَّ ماذا قدم لي وطني ، بل قُل ماذا يا تُرى أُقدم أنا لموطني :
وردة دمٍ حمراء .. ، أم ساعداً يهبُط بالأحــلام إلى الواقع ؟. ...
عبد الله الشقليني 09/07/2006 م .
............................
ونكتب الآن :
* * * هل جاء يوم الحساب ؟
أين نحن من أحلامنا ؟
أين حُلمُ الفقراء الذي لا يرتضي قصراً ليسكنه ؟
يقولون دوماً لا يصلُح الحُلمُ لبناء أعشاش الواقع إلا بالقدر الذي يكون في بطن الحُلم شوك الواقع ، ونيرانه قبل حلاوته . قرأت مقال لرفيق بيني وبينه زمان لم يتيسر أن ألتقيه . يُمازحُكَ بمحبة ، عميق الرؤيا ولطيف الحاشية . صلب حين يتخذ موقفاً . قرأت مقالاً للدكتور ( الواثق كمير ) هُنا في المنتدى العام وكنتُ في دوامة لا تترُك لي فُسحة للرد . تمنيتُ من كل قلبي أن أقرأ شيئاً عن رؤية الحركة الشعبية للاقتصاد والتنمية ، أي طريق اختارت يا تُرى ؟ أي تنمية تُناسب العصر وتُناسب أهلنا ؟
أ هي بسطة يد الفقراء ليكون مخزونهم ضيعة لذئاب العالم الأول أم هي رؤية تعرف كيف تصنع من أحلام الفقراء واقعاً مُمكناً واقتصاداً يمكن أن يقف مع الفقراء ؟ .
تقول الأساطير القديمة : إن موت العِظام الذين جعلوا من الحُلم طريقاً لكسب محبة العامة قبل قيام الدولة والسُلطة ، في حاجة لموت القائد مُبكراً قبل أن يُفجَع الفقراء أن أحلامهم الكبيرة كانت برفقة سيد أحلامهم : دُفِنتْ معه في قبره!. في يوم وقف هو أمام ملايين من أهلنا الفقراء : وافق التاريخ التاسع من يوليو . هل من جلسة تصفو فيها النفوس لتسأل ماذا يمكن أن يتحقق من الحلُم ؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة