|
|
 هذا هو الفن
|
لا يعني هذا المقال أني عدت للكتابة "توتليا" كما تقول ابنة عمتي... إنها مقالات مخزنة لدي وأريد أن أنشرها
لأقيس كتاباتي..pre deliveryو post delivery لا أظن أن هناك اختلاف جذري سيطرأ...لكن
who knows
لقد نشرت السوداني لي مقالا..وكنت أريد أن أبدأ به..لكن أين وضعت ذلك المقال؟ لا أدري
ca!c'est l'art
ســــــــا ســـيـــــه لار
Ca! C’est L’art
لا !! ليس كنظم عقد من الخرز، تتحقق فيه أن كل خرزة متناسقة في اللون والحجم مع التي تليها و التي تسبقها...هو أفدح من ذلك، هو اشبه بذلك البهلواني على دراجة، يزن على عصاتين هرم من أطباق الخزف، عليها أن تتناسق في الهواء، أن تثبت..إن اختلت قدم البهلواني أو دواسة دراجته أو عصاه أو طبق واحد في الهرم..ضاع كل شيء..أعني بذلك...كل شيء!
كتب احدهم يوما عن ماهية الإبداع، انه ذلك العمل الذي تتذوقه وفق معايير اعتدت عليها وتتعرف بها على ماهية العمل الإبداعي، وهو في ذات الوقت "بدعة"، أي أنه يقوم بكسر توقعاتك، إما بإضافة عنصر جديد تماما إلى ما تحدد به ماهية العمل الإبداعي، او يجعلك تتقبل ما لا يمكنك أن تتقبله في ما تزن به الفن. ليس في التعريف تناقض، هو كأن تتذوق طبقا جديدا، كطبق الدجاج بصلصة الشيكولاتة (طبق مكسيكي)، فحليمات التذوق في لساني معتادة على تذوق الدجاج، والشيكولاتة ولكن بشكل منفصل، جمعهما سوية يشكل صدمة لحليمات التذوق لكنه وسع من مخزون ما تستسيغه من مذاق مختلف وجديد. فهو المألوف واللامألوف في الوقت ذاته.
قصدت بهذا الحديث ما قد يمر برأس المبدع عندما يجلس أمام ورقة بيضاء أو صخرة صماء أو الة خرساء، يريد أن يصنع منها عملا ابداعيا. كيف يصنع "بدعة" وفق شرطي الإبداع: الألفة والغربة في ان واحد. وفي حقيقة الأمر فأن هذا التحدي هو ما جعل الفن يسير قدما في خط لا ينتهي.
أحيانا يتصور المبدع نفسه في ادوار عديدة: أنه صاحب رسالة إلى البشرية أو أنه مفسر لطلاسم الكون، أنه نبي، أنه صاحب السر، أنه ثوري وصاحب رسالة تغيير، أو أنه فرد يصرخ بما يجيش به عقله أو روحه. أيا كان الدور الذي يتصور فيه المبدع ذاته، فلا يمكنه أن يعبر عنه سوى بإستحضار ذلك التحدي في رأسه (شرطا الإبداع: الألفة والغربة).
لذا عرّفت القصيدة أكثر من مرة، عرّف الفن ومعايير الجمال بأكثر من شكل ، عرّفت العلاقة بين الفن والحياة بأكثر من صورة، وذلك التحدي المتمثل في شرطي الإبداع كان في قلب كل تعريف. كيف تقدم الفريد الجديد دون أن يكون ذلك الجديد ناشزا؟ والنشاز بالمناسبة ليس القبيح بل هو ما لم تعتد عليه الأذن- العين- اللسان. أترى ما عنيته بأن تعريف العمل الإبداعي يحمل عنصرين متناقضين؟ لكنه تناقض في الظاهر كما سيقول الصوفية، فالعالم مبني على الثنائيات المتناقضة في الظاهر ولكنها مثاني متجانسة في الحقيقية.
دون هذا التحدي الذي يحمل شرطين متنافرين، فأي معزوفة او منحوتة أو مكتوب هو مجرد تقليد. انه التحدي الذي لا يفرق فقط بين مبدع واخر، بل بين عمل واخر لنفس الشخص. فالشاعر تكمن أزمته عندما ينتهي من قصيدة، لأنه يبدأ في القلق على ما سيأتي بعدها، فالذي "سـ" يقدمه هو ما يعرفه كشاعر ، كفنان.
يكفينا هذه التقدمة للحديث عن سيرك الشمس "سيرك دو سولي"، كنا – نحن المستهلكون الذين درجت تسميتنا بمصطلح الجمهور- قد بدأنا بالتثاؤب مما وصل إليه الفن، وقد قاربت حليمات التذوق لدينا أن تفقد حاستها بما بدأت تتعوده من القصيدة والتشكيل و فن الجرافيك، والفن الديجيتال و الحقيقة التخيلة و الرواية...الخ مما يدرج نفسه تحت الفن الحديث.
حتى خرج إلينا من رصيف في شارع كندي- كويبيكي، مجموعة من فناني الشارع street performers، اثنان منهم تحديدا: غاي لاليبيرتيه و دانيال جوتيير ، وصعقوا ألسنتنا ببدعة الشمس التي أعادتها للحياة.
تابعت من فترة السلسلة الوثائقية المعدة عن سيرك الشمس، على الMBC ، فالمتعة التي تنغمس يها أثناء مشاهدتك لعرض السيرك لا يضاهي تلك المتعة التي تجدها عند متابعة الإعداد لعرض السيرك. فأنت تشاهد الإبداع يتجلى unfolding!! لكن اولا...بحق السماء ما هو سيرك الشمس..هل هو فن؟
السيرك بشكله التقليدي، هو عبارة عن عمل يحمل "عناصر" درامية و تعتمد نظام السكتشات، أي تنفصل كل فقرة عن أخرى، أحيانا قد تنضوي كل الفقرات تحت فكرة عامة ، أو ثيمة واحدة، مثلا: السيرك الإفريقي، فيعتمد في أزياؤه وعروضه على فكرة مستوحاة من افريقيا. لكن الفقرات تظل عروض منفصلة، الغرض منها عرض مهارات بعينها تدفع الجمهور للدهشة والتعجب.
ثوابت السيرك هي عروض الألعاب السحرية ،الترابيز، العروض البهلوانية، عروض الحيوانات،و في قلب كل ذلك المهرج الذي يعتمد البانتومايم في عرضه.
أما بالنسبة للـ street performers أو فنانوا الشوارع والأرصفة، فهم يقدمون عروضا أحادية، بالبانتومايم أو بعض الخدع و العروض السحرية، أو بعض المهارات الفردية (بهلوانية أو فنية: غناء، رسم، نحت...الخ) في غالب الأمر هم يقدمون عروضا بنتومايمية درامية كالذين تجدهم في فرنسا، يتلوون بأجسادهم ليعيدوا تمثيل لحظة الولادة، أو قدوم الربيع..الخ مما يسمى بعروض الفن الحديث.
لاليبريرتيه زاوج بين هذين الفنين لا ليخلق هجينا بينهم بل ليبدع فنا جديدا أسماه سيرك الشمس.
سيرك الشمس هو عرض درامي كالمسرح، فهو يحمل ثيمة واحدة يعبرعنها عبر فقرات متصلة لكن ليس بالضرورة في شكل تصاعدي كما في المسرح (بمعني الفقرة أ تؤدي إلى ب تؤدي إلى ج ) أعني كل الفقرات تخدم القصة الدرامية المقدمة.
العرض الذي شاهدته المعنون بإسم "فاريكاي" يحكي عن سقوط إيكاروس، ايكاروس هو ابن النحات والفنان ديدولوس الذي صنع متاهة للملك مينولوس، وعند اختلافه معه ، حبسه في برج عالي لا مخرج منه، فيصنع ديدولوس له ولإبنه أجنحة من الريش، ويحلقان خارج البرج، إلا أن ايكاروس خالف وصية أبيه بعدم الإقتراب من الشمس، فساح الشمع الذي كان يربط ريش الأجنحة، وسقط إيكاروس إلى حتفه. في عرض سيرك الشمس، يسقط ايكاروس إلى الأرض ليجد نفسه وسط أسرة السيرك. يقول مخرج العمل أن العمل هو tribute تقدمة تحية أو تكريم أو تقدير لفنانو السيرك، الذين يجابهون ظروفا قاسية ليقدموا عروضهم المتجولة، وليبرز صفات الترابط والإخاء والوفاء التي تجمع عمال السيرك سوية في ترابط أسري فني فريد. يقول لاليبيرتيه أن العرض يتحدث عن طموح الإنسان رغبته في تخطي الحواجز (كما فعل إيكاروس) الأهم من ذلك هو تقدمة تحية للروح البدوية- الجوالة لفناني السيرك ، وقد كانوا في القدم غالبا من قبائل الغجر المتجولة. وكل أولئك الذي تقودهم رحلة بحثهم في الحياة إلى "فاريكاي" والتي تعني "كل مكان" بلغة الغجر.)حسب ما ورد في ملصق الإعلان عن العرض)
لأن سيرك الشمس هو عرض درامي، فكان لا بد من توفير عناصر الدراما التي لا تجدها في السيرك، كالموسيقى التصويرية، كالديكور، كالأزياء والماكياج، كالإضاءة. وبالإضافة لكل ذلك لا بد من المحافظة في كل الأوقات على الأثر الدرامي الأسمى للسيرك (ليكون في تعريفه سيركا) الا وهو الإدهاش..ادهاش الجمهور.
يكمن الإبداع في ذلك التحدي المتمثل في نوع عمل مخرج العرض، الذي كما وصفته في أول فقرة بأنه مهرج يحاول أن يزن أكثر من طبق على عصا، و أن يحافظ على توازنه هو أيضا. فقام المخرج بوضع سيناريو القصة كخطة أولية ثم يقوم بالاتي، يتصل بالموسيقي المناسب ليؤلف original score أي مقطوعة موسيقية أصلية للقصة الدرامية، وعلى المخرج أن يعمل مع الموسيقي على أن تتناسق الموسيقى مع القصة أولا ومع حركات العرض البهلوانية والدرامية ثانيا (!!) مع العلم أن سيرك الشمس لا يقدم موسيقى مسجلة مع العرض إطلاقا، فهو يشترط أن تكون الموسيقى معزوفة مباشرة وحية أمام الجمهور. بعض العروض تحتوي على أغنيات ذات طابع أوبرالي ممزوج بموسيقى الروك، المدهش في هذه الأغاني أنها بلغة جديدة ابتكرها سيرك الشمس وسماها (سيركيش) ، وهذه اللغة ليست مجرد أصوات عشوائية، فغالب الأمر أنها تركن إلى أصول تراكيب الألفاظ السليمة (ماذا أعني بذلك؟) إذا قرأتم أليس في بلاد العجائب (ذلك العمل البديع الذي لا بد أن أكتب يوما عنه وعن مبدعه لويس كارول) فإن بها قصيدة تركن إلى تراكيب اللفظ السليمة من حروف علة وحروف ثابتة دون أن تعني كلمة واحدة منها أي شيء على الإطلاق، تقول القصيدة:
It was brillig and the slithy toves
Did gyre and gimble in the wabe
All mimsy were the slithy toves
And the mome has outgrabe
نأتي بعد ذلك إلى الأزياء، يستعين المخرج بمصممة يابانية، عليها أن تبرز الشخصيات (غالبا ما تصل إلى أكثر من خمسين شخصية) و سيرك الشمس يعتمد في كل عروضه على خلق شخصيات هي عبارة عن مخلوقات غرائبية، ولا تنسى المصممة على ان تلائم الأزياء حركة البهلوانيين ومقدمي العروض فتمنحهم الحرية اللازمة للحركة والقفز.
ينطبق الأمر ذاته على مصمم الماكياج الذي يحرص على ابراز ملامح كل شخصية على حدة.
نأتي بعد ذلك للعروض، الثوابت في عرض سيرك الشمس أنه لا يستخدم الحيوانات إطلاقا، ولا يستعين بمهرجين من حيث فكرة التهريج، هو يفضل فناني البانتومايم (احد الشخصيات الرئيسية في عرض فاريكاي هو "شخصية" مهرج) و عروض الترابيز أو المراجيح. ثم يضيف بعد ذلك كل ما هو جديد مما ظهر في عروض السيرك في العالم ومن عروض الشارع، فعلى سبيل المثال فإنه في هذا العرض تحديدا استعان بفنان استعمل اعاقته (يستعين بالمشي على عكازتين) ليخلق فنا بهلوانيا رائعا، فاستعان بهذا الفنان وأدخل عرضه ضمن ثيمة قصة إيكاروس الذي يسقط من السماء بسبب طموحه فاقدا جناحيه، ليجد شخصية تشبهه تستبدل جناحية بعكازتين ليخلق بهما ابداعا أشبه بالطيران.
ليس هذا فقط، فسيرك الشمس يزاوج بين عدة مدارس سيركية، أبرزها السيرك الروماني، الروسي والسيرك الصيني الذي يعتمد عروض الأكروبات. ويخلق بعد ذلك أسلوبه الخاص منها كلها.
بطبيعة الحال هناك مصمم العروض البهلوانية الذي يحرض على تقديم الجديد الذي سيمنح الجمهور أثر الدهشة المطلوب. لكن على مصمم العروض البهلوانية أن يعمل مع مصمم رقص Choreographer ، فسيرك الشمس ليس مجرد شقلبات على الهواء. فهو عرض درامي راقص، وبطبيعة الحال يعم الإثنان مع المؤلف الموسيقي ومع كاتب نص العرض. ومصمم الرقص من أهم عناصر العرض ، فلأن العرض الدرامي صامت، فأن الممثلون(والذين هم أيضا فنانو السيرك) يسردون القصة عبر تعابيرهم الجسدية ، ومجموع الرقصات هو سيناريو القصة كلها.
أحد ثوابت سيرك الشمس الأخرى أنه لا يستعمل شبكات الأمان للبهلوانيين على الإطلاق. فيستخدم بدلا عنها الأسلاك المثبته بالسقف، فالبهلواني الذي يقوم بشقلباته على الهواء لا يسقط على الأرض بل يكمل عرضه معلقا على الهواء، مما يتطلب احضار عنصر اخر إلى عرض سيرك شمس، ألا وهو مصمم الرقصات الهوائية(!!) وهو الذي يجعل حركات البهلوانيين في الهواء مدهشة ومعبرة وذات مغزى وليس مجرد شقلبات عشوائية.
كما يستعين السيرك في كل عرض بمصصم ميكانيكي، مهمته أن يبتكر ارجوحات والات بهلوانية جديدة لدفع عنصر الإدهاش ولا يمله الناس بالتكرار (عليه أن يبتكر الالات وان يدرب البهلوانيين عليها وأن يصممها مضافة إليها شروط السلامة والأمن للبهلوانيين)
هل انتهينا؟ ليس بعد. هناك مصمم الإضاءة للعرض، وأخيانا يصحبه مصمم المؤثر الضوئي الديجيتال (شيء له علاقة بالتصميم على الكمبيوتر) وعلى مصمم الإضاءة أن يعمل مع مؤلف الموسيقى ومصمم الرقصات، والسيناريست ليخلق اللأثر الدرامي اللازم للعرض، والذي لا يقتصر فقط على قوة الإضاءة وخفوتها، بل تتابعها مع الموسيقى ، ألوانها، وأيضا المؤثرات الصورية.
ثم هناك مصمم الديكور الذي يعمل مع السيناريست، ومصممة الأزياء، والمصمم الميكانيكي، ومؤلف الرقصات ليبتكر مشاهد العرض ومصمم الإضاءة.
ثم هناك المخرج السينمائي الذي يتابع عرض السيرك منذ الإعداد له، لأنه ليس مجرد مصور لقطات من العرض الحي، بل عليه أن يبدع فيلما دراميا موسيقيا سيركيا، لذا هو يتابع العرض منذ فترة اعداده، ويعمل مع السيناريست والمؤلف الموسيقي وفني الإضاءة مصممة الأزياء و الماكيير ليتأكد أن كل هذه العناصر ملائمة لعدسة كاميرته ولرؤيته الإخراجية المختلفة عن الرؤية الإخراجية للعروض الحية في السيرك.(!!)
مخرج سيرك الشمس يعمل مع 10 مخرجين ملحقين subdirectors سوية ليخرجوا بالرؤية الملائمة لرؤية مخرج السيرك ، غير عمله مع فنانو السيرك ومقدمو العروض الذي قد يصل عددهم إلى خمسين فنان أو أكثر ، في كثير من الأحيان عليه أن يستعين بخمس مترجمين للتواصل معهم.
إنه الفن في أعلى تجلياته. يتخطى اللغات، الألوان والحدود التي تحاول أن تقيد كل نوع فنيا بمعزل عن الفنون الأخرى.
بالطبع لم أذكر عمل مخرج السيرك مع طاقم الإدارة و مصمموا الدعاية والإعلان والعروض، وفوق كل ذلك العمل تحت شروط الإنتاج من ميزانية وصرف (!!!)
ليس عجيبا أن مخرج السيرك يجهش بالبكاء عند انتهاء كل عرض، ويسمي كل عرض بانه عرض حب، فالعمل تحت هذه الظروف تتطلب انسجاما وتناغما وسلاما، وتفاني لا يولده سوى الحب.
الأجمل في سيرك الشمس هو حرصه الدائم على الإبتكار، فحتى عامل الدهشة التى تكون في كل عرض من عروضه، يحرص السيرك ألا تصبح عامل رتابة تحسب على السيرك.
فالسيرك سيقدم عروضا تعتمد فنون التزلج و البهلوانيات الجليدية)، وعروضا مائية، بالإضافة إلى أنه سيقدم عرضا سيركي خاص احياءا لذكرى فنان الروك المشهور : الفيس بريسلي، سيكون العرض تحية للفنان، ولموسيقى الروك وما تمثله من معاني التمرد والحرية والخروج عن السائد.
ألم أقل لكم أن : سا! سيه لار... هذا هو الفن!!
!!
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست