|
من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول
|
كان سيد عبد العزيز أنصاريا شديد الآعتداد بأنصاريته يرى في الهرم الكبير سيد القوم عبد الرحمن المهدي... الزعيم والأب... والصديق الشفيع... في وقت الشدة والهادي الذي يتلألأ في السماء عيانا وبيانا.. . في سيرة السيد عبد الرحمن المهدي دروس فتحت للأجيال آفاقا جديدة تعلموا منها كيف تموت الأشجار واقفة لتنمو من جديد.. بعد الإستشهاد (الخرافي) على جلود الحيوانات في (أبي ركبة).. وجد الطفل عبد الرحمن إبن الإمام المهدي نفسه يتيما طريدا مكسور الخاطر لم يبق له بعد مقتل إخوته وسقوط الراية إلا صدى كلمات أمه (مقبولة) تشد من أزره لتحمل مسؤولية تنوء بحملها الجبا ل فقد صار أنصار الدين قبيلة تهيم في الشتات ولا بد من إعادة بناء كيانها المشروخ. ولم يمض وقت (طويل) حتى بدأ لم الشمل في حقول القطن فى النيل الأبيض والجزيرة أبا وعاد (الراتب) من جديد يشنف الآذان صباحا ومساءا وصار ذاك الطفل.. هذا الإمام الشامخ الذي لعب دورا كبيرا في السياسة السودانية حتى تحقق إعلان الإستقلال من داخل البرلمان وارتفع علم السودان بألوانه الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر يرفرف في السماء. في سيرة الإمام جانب لم يشغل اهتمام المؤرخين كثيرا ولم يشاءوا الخوض فيه واعتبروه من خصوصياته وتجاهلوه عامدين... وهو علاقته بالشعراء والمغنين الذي كان يضمهم مجلسه الخاص. وعلى رأسهم الحاج محمد أحمد سرور وسيد عبد العزيزوأبوصلاح وكوكبه من المبدعين كانوا يجدون عند سيد القوم الطمأنينة ويحسون قربه بالأمان... يتلذذون بطعم العز والموائد الفاخرة والنفح الجذيل وينعمون في حضرة الإمام بمكانة إجتماعية فقدوها خلف أسوار القصر حيث كان يطلق عليهم لقب (الصياع)... أطلقه عليهم العامة لأن الغناء والشعر لم يكن مقبولا ويعتبر إنفلاتا إجتماعيا. كان الإمام يسعد بلقائهم ويقضي بينهم وقتا جميلا.. يسعد فيه بطلاوة الشعر ويزيح عن كاهله هموم العمل المضني ويرتاح من حذلقة الساسة ويريح بالا مشغولا بالوطن وارث والده الفكري.. كان قدر الإمام أن يكون زعيما وقائدا.. في إحدى العصارى الكردفانية، في منتصف الستينات... جلست إلى الشاعر سيد عبد العزيز يملي علي شعره من أوراق متناثرة وكراسات مهترئة لجمعها في دفتر فلوسكاب وجاء الدور على أغنية (قائد الأسطول).. سألني (عمي سيد) أن أصف من خيالي من كتبت له هذه القصيدة، فتناولت دفة الحديث (بشلاقة) وقلت: هي امرأة شامخة..طويلة العنق.. يناطح صدرها القميص.. ويسبقها في الخطو.. (تقدل) في مشيتها وتتمخطر كما الضباط والقادة و... و... وأسهبت في القول فابتسم سيد قائلاهي أغنية عرفان للإمام عبد الرحمن المهدي).. اندهشت للحقيقة وتأكدت لي محبة عمي سيد للإمام.. وكان قد رحل قبل أكثر من عقد ونصف. ويروي سيد القصة : (في آخر الثلاثينات وبعد أن فرغنا من إجراء إصلاحات في عربة الحاكم العام في ورشة النقل الميكانيكي بالخرطوم بحري، كان علي أن أجرب السيارة وأتأكد من صلاحيتها (أطلع بيها تيسته).. توجهت إلى غرب المدينة وفي حي الشلالية با لتحديد ..... اعترض طريقي فجأة طفل صغير ولم أتمكن من تفاديه فأصيب الولد ونقل إلى المستشفى حيث توفي متأثرا بجراحه وتم التحفظ على تحت حراسة الشرطة في إنتظار التحقيق والمحاكمة.. بعد مجلس عامر في صالون الإمام أبدع فيه الشاعر صالح عبد السيد وأجزل في مدح المصطفى (ص) روى حاج سرور للسيد عبد الرحمن حكاية الحادث وسأله الشفاعة لي وكان للإمام شفاعة وكلمة عند الإنجليز فأطلق سراحي بسبب تدخله ونعمت بالحرية من جديد وكتبت قائد الأسطول وأعني به الإمام إبن الإمام). يا قائد الأسطول... تخضع لك الفرسان.. يا ذا الفخار والطول.. أرحم بني الإنسان وكانت شفاعته لي رحمة.. مين لي سماك يطول.. ما بطول لك اللمسان معناك شرحو يطول والله يا إنسان. وإنسانيته هي التي أعادت لي حريتي.. كم من أسير مغلول ما لاقى مرة حنان..الخ. وهل عرفتم مرارة الأسر الذي تبعته الحرية ونذرت نفسي.. لي خدمة السكان.. وأعني بهم سكان الدائرة.. وختمت القصيدة بقولي: إنت الخطاك أصول..يعلم بها الديان.. مثلت فينا فصول ما بدركه النسيان عرفانا بجميله علي... وأطرق الشاعر الرقيق برهة وسرح بذهنه بعيدا. يرى الأستاذ هاشم حبيب الله أن سيد عبد الله قد سبق الشاعر إدريس جماع في الصورة العبقرية التي جاء بها في قصيدته (أنت السماء): أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا وقد سبقه سيد في قائد الأسطول با لبيت المشهور: يا ألفي سماك مفصول تتشاف عيان وبيان ما عرفنا ليك وصول ولا دنيت أحيان إنت الخطاك أصول يعلم بها الديان مثلت فينا فصول ما بدركه النسيان أثير كثير من اللغط حول هذه القصيدة وساهمت جريدة (الخرطوم) التي كانت تصدر في القاهرة في ذلك إذ قرأت فيها أكثر من مرة رواية مغلوطة حول هذه القصيدة آخرها قصة (الست الإنجليزية) التي كانت تتدرب على قيادة السيارة في ميدان العرضة بأم درمان. كانت لقاءات الجمعة فى الابيض فى منتصف الستينات تأريخ شفاهي لأغنية الحقيبة من أفواه الذين صنعوا ذلك ا التاريخ وكانوا يروون الظروف التي ساهمت في إنطلاق هذا الغناء الشفيف البديع ويذكرون تفاصيلها ولا يتحرجون من ذكر صباباتهم ولا يؤذون أحدا بما يقولون، وقد أثارت فيهم لقاءات الجمعة الشجون مما جعلهم ينبشون في الذاكرة ليقولوا كل ما يستحق الذكر بل وكتبوا قصائد جديدة يستعيدون فيها ذكرى تلك الأيام الخوالي. نواصل..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | أحمد طه | 08-31-05, 04:17 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | Yasir Elsharif | 08-31-05, 04:59 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | عادل فضل المولى | 08-31-05, 08:44 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | Yasir Elsharif | 08-31-05, 11:57 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | Yasir Elsharif | 08-31-05, 12:02 PM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | محمد عبدالرحمن | 08-31-05, 12:48 PM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | أحمد طه | 09-04-05, 11:05 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | Abdulla Ageed | 09-04-05, 01:17 PM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | أحمد طه | 09-05-05, 02:52 AM |
Re: من أوراق الجمعة ..(5) قائد الاسطول | mazin mustafa | 09-05-05, 03:02 AM |
|
|
|