مواضيع توثقية متميزة

الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 03:33 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-15-2003, 04:27 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)

    المعارضة في ظل الدولة الاسلامية


    الدكتور شمران العجلي
    الحكومة ضرورة عقلية وشرعية

    اجمع علماء الاسلام على ضرورة وجود حكومة عادلة تلتزم الاسلام عقيدة ونظاماً وتعمل على اقامة احكام الله تعالى وتسوس المجتمع بأحكام الشريعة المقدسة التي نزل بها القرآن وسنها النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ هذه الحكومة حكم بضرورتها الشرع والعقل دفعاً للهرج والفوضى وحفظاً لمصالح الامة الاجتماعية والسياسية وحراسة لامور الدين، يقول السيد البروجردي «أتفق الخاصة والعامة على انّه يلزم في محيط الاسلام وجود سائس وزعيم يدير امور المسلمين بل هو من ضروريات الاسلام»(1)، اذ ان الدين القويم الذي جاء به النبي الكريم من الله تعالى لم تنحصر احكامه في امور عبادية ضيقة وآداب فردية خاصة، بل هو جامع لكل ما يحتاج إليه الانسان، والمتتبع لفقه الاسلام يرى ان الحكومة وتنفيذ القرارات داخلة في نسج الاسلام ونظامه، فالاسلام العظيم بذاته دين ودولة وعبادة وسياسة واقتصاد وامور عامة..، قال صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام: «فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى ادلة»(2)، وحينما نرجع إلى عصر الرسالة نجد ان النبي الحاكم السياسي قد باشر بتأسيس اول دولة اسلامية عادلة ومهّد لها مقدماتها من اخذ البيعة من القبائل والوفود وعقد ميثاق الاخوة بين المهاجرين والانصار، وعاهد بينهم وبين يهود المدينة، وارسل رسله إلى الملوك والأمراء في العالم يدعوهم إلى الاسلام والدخول تحت ظل حكومته. فلا خلاف في وجوب الحكومة وضرورتها الا ما ورد عن الأصم والنجدات من الخوارج انّه عدم الاحتياج إلى الحكومة إذا تناصفت الامة ولم تتظالم، وما ورد في النظرية الشيوعية من عدم الاحتياج إلى الحكومة بعد تحقق الشيوعية، وهو واضح الفساد.

    فالاسلام لا ينحصر في التقنين والتشريع النظري فقط دون الالتفات إلى القوة المنفذة، بل شرّعت احكامه ومقرراته على اساس الحكومة الصالحة العادلة التي تقدر على اجراء القرارات وتنفيذها، قال الله
    ___________________________________
    1- في انتظار الامام، الدكتور عبدالهادي الفضلي، نقلاً عن البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر.

    2- المصدر السابق، ص 71، نقلاً عن جواهر الكلام.
    تعالى:
    (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفعوا من الارض..)(1).
    هذه الآية التي تتضمن قرارات صارمة بحق المفسدين تحتاج إلى قوة منفذة تملك القدرة التنفيذية والتخويل السلطوي، كما جاء في قوله تعالى:
    (السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما..)(2).
    قال الشيخ الفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع: «فوجوب الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والافتاء والحكم بين الناس بالحق، واقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات الدينية من ضروريات الدين، وهو القطب الاعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، ولو تركت لعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفتنة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد، نعوذ بالله من ذلك»(3).

    دور الامة في الحياة السياسية

    الاستخلاف:
    جاء في عدد من الآيات القرآنية اشارات إلى ان الباري عز وجل قد اناب بني آدم في الارض وجعلهم خلفاء، فقال سبحانه:

    (ويجعلكم خلفاء الارض..).(4)

    وقال عز وجل:

    (ليستخلفنهم في الارض..).(5)

    وهذا الاستخلاف لا يقتصر على استثمار الارض والحياة فيها بحكم الهوى واتباع الشهوات، بل جاء في آية اخرى:

    (يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق).(6)

    اذن فالحكم بين الناس متفرع على جعل الخلافة، فالخلافة البشرية التي تتحمل مسؤوليات الخلافة على الارض انما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة عن الله تعالى، ولهذا فهي غير مخولة ان تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله تعالى لان هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف.(7)

    (وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).(
    _____________________________________
    1- المائدة 5 / 33.
    2- المائدة 5/38.
    3- في انتظار الامام، الدكتور عبدالهادي الفضلي، نقلاً عن مفاتيح الشرائع.
    4- النمل 27/62.
    5- النور 24/55.
    6- سورة ص 38/26.
    7- الاسلام يقود الحياة، الامام الشهيد الصدر ص 136.
    8- البقرة 2/213.
    (إنا انزلنا اليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اراك الله)(1).
    فالامة كل الامة مستخلفة من الله تعالى وهي مكلفة برعاية الكون وتدبير امر البشرية والسير بها في الطريق المرسوم للخلافة الالهية في تطبيق تعاليم الشريعة كاملة،
    (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم..).(2)
    (ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..).(3)
    والاحساس بالاستخلاف يؤدي إلى نشوء عملية تفاعل حقيقية بين الفرد وبين النظام وكل حسب مساحة مسؤوليته ووفق نقطة التقائه بالنظام.. مما يدفعه إلى التغيير نحو الافضل والى ضرورة اختيار افراد يتولون عملية تنفيذ الاحكام على كل الجماعة البشرية، اذ لا يمكن للجماعة البشرية ان تمارس بمجموعها تنفيذ الاحكام العامة والمراقبة العامة. نعم الجماعة البشرية ملزمة بتنفيذ الاحكام الخالصة بكل فرد، اذن من اهم واجبات المستخلفين التابعة عن ادراك حقيقي بضرورة التولية هي اقامة السلطة الاسلامية والولاية الاسلامية، فللجماهير المسلمة ان تنشىء السلطات التي تنوب عنها فى ممارسة الاعمال اليومية: «وحق تشكيل السلطة هو حق المستخلفين جميعاً وليس حق الاقلية».

    والسلطة والولاية في الاسلام ليست امتيازاً خاصاً، بل هي تكليف شرعي كفائي، وهي عبادة من العبادات، فحق رئيس الدولة مهما كانت تسميته خليفة أو اماماً في كونه مستخلفاً يساوي حق اي فرد آخر في هذا الاستخلاف من الناحية الشرعية ولا تتم اقامة السلطات وتشكيلها الا إذا تحرك الافراد بصفتهم مستخلفين لاقامتها عليهم. فلا محل لتشكيل السلطة واقامتها بغير رضا جماهير المستخلفين. قال الامام علي (ع): «فان بيعتي.. لا تكون الا عن رضا المسلمين»(4).

    تأهيل الامة للاستخلاف:

    الامة المستخلفة هي الامة التي توفر فيها شروط الاستخلاف من الايمان الكامل بمبادىء الدين والعمل الصالح الذي يتسع ليشمل كل مجالات الحياة،
    (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض..)
    اما الامة التي تنبذ تعاليم دينها وراء ظهرها وتتولى طريقة اخرى وتنشد الهوى والنجاة في غير ما انزل الله تعالى فهي امة غير مؤهلة للاستخلاف
    (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا امثالكم)(6).
    وإذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)(7).
    _____________________________________
    1- النساء 4/105.
    2- المائدة 5/66.
    3- الشورى 42/13.
    4- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/504 عن تاريخ الطبري.
    5- النور 22/55.
    6- سورة محمد «ص» 47/38.
    7- الاسراء 17/16.
    اذن لابد من تأهيل الامة للاستخلاف بتغذيتها بتعاليم دينها وصنع سلوكها وعلاقاتها على هدى دينها حينما يعطي لها الاسلام نقياً ويكشف لها الواقع على حقيقته ويحدد لها الهدف واضحاً ويرسم لها الطريق الموصل إلى الهدف بكل معالمه وعقباته، وتوجه يومياً للسير باتجاه الهدف، ان عملية تأهيل الامة للاستخلاف لا تتم بحركة انقلاب ثوري يطيح برأس السلطة، بل هي معاناة يومية وتغيير مستمر وتأصيل دائب يتناول الحياة بكل مجالاتها والانسان بكل وجوده ابتداء بمحتواه الداخلي إلى اصغر علاقة، وقد تستمر تلك العملية عشرات السنين، بل في بعضها مئات السنين كما كان في خلافة نوح ـ عليه السلام، اذ لبث في قومه الف سنة الا خمسين عاماً، ولم تتأهل الامة للاستخلاف. والامة حينما تكون مؤهلة للاستخلاف تكون قادرة على اختيار الحاكم واختيار الحكومة واختيار النظام. ان اخطر ما يواجه الامة هو حنيما تعطى لها حرية الاختيار وهي لم تتأهل لذلك بعد. اذ لابد للامة ان تفهم وتعي النظام الذي تريد ان يحكمها ثم تختار الحكومة التي تنفذ النظام عليها وتحاسب الحاكم والحكومة على ضوئه، اذ ان سبب الظلم السلطوي ـ كما يقول الشيخ النائيني: «مبني على اساس جهل الامة بوظائف السلطة وحقوقها الشرعية المشتركة، وقوامها: عدم وجود محاسبة السلطان في البين وعدم وضع المسؤولية الكاملة والمراقبة التامة على اهماله وارتكاباته المنافية لمقامه»(1).
    الاختيار:
    اني افضّل مصطلح على مصطلح الانتخاب، لان مفهوم الانتخاب هو عالة في اللغة على مفهوم الاختيار هذا اولاً، ولاختيار مصطلح ورد في القرآن ولم يرد الانتخاب، قال تعالى:
    (وربك يخلق ما يشاء ويختار)(2).
    وقال سبحانه:
    (واختار موسى قومه سبعين رجلاً)(3).
    والاختيار مأخوذ من الخير وهو ضد الشر، وجاء في الحديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» و«خيركم خيركم لأهله».
    كيف ينقل الفرد المسلم من بين المسلمين وينصّب حاكماً؟
    هناك نظريتان في الاختيار:
    النظرية الاولى: ترى ان اختيار الحاكم أو الخليفة أو ولي الامر يتم من قبل الله تعالى، بالتعيين النوعي والشخصي، اذ هو الاعلم بالشخصية المؤهلة لتنفيذ احكامه العامة وتطبيق شريعته، وان الامة ـ بعد وفاة النبي (ص) ـ غير مؤهلة لاختيار الحاكم أو الامام بسبب حداثة عهدها بالجاهلية، وتشترط هذه النظرية ان يكون الشخص المختار معصوماً ـ اذ المقتضي لنصب الامام جواز الخطأ على الامة ـ ليواصل رسم مسيرة
    _____________________________________
    1- تنبيه الامة وتنزيه الملّة، الشيخ النائيني.
    2- القصص 28/68.
    3- الاعراف 7/155.
    الامة على هدى الاسلام بشكل مستقيم، ويمارس الخلفاء المعصومون دور التربية والتأهيل حتى تصل الامة إلى درجة عالية من الاستقامة والفهم تؤهلها لاختيار ولاتها بنفسها وفقاً للتعيين النوعي.
    ولم يغفل الاسلام ـ تحت ظل القيادة المعصومة ـ التأكيد على شخصية الامة واشعارها بخلافتها العامة، فقد اكد على البيعة للرسول محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما في بيعتي العقبة والشجرة..
    (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله..)(1).
    (لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة..).(2)
    فالامة لها دورها في الحياة السياسية حتى مع وجود النبي والمعصوم، بيعة المعصوم في العقبة والشجرة توحي ان الامة وافقت على مشروع سياسي تكون فيه الطرف الرئيس، وبدونها لا يأخذ المشروع السياسي مكانه في التطبيق.
    والنظرية الثانية: ترى ان الامة التي اختارها الله تعالى لتكون شاهدة على الناس، وهي خير امة اخرجت للناس، قادر على اختيار ولاتها
    (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض..).(محمد رسول الله والذين آمنوا معه اشداء على الكفار رحماء بينهم..)(4).
    (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقاً..).(5)
    وهذه النظرية ترى انّه لابد من تأهيل الامة لعملية الاستخلاف واختيار الحكومة بتغذيتها بتعاليم دينها وصنع سلوكها وعلاقاتها على هدي دينها وتوجه يومياً للسير باتجاه الهدف لتفرز خلال حركتها الواعية افراداً ترشحهم مواقفهم البطولية وتضحياتهم الشجاعة وفهمهم العميق والشامل للاسلام لان يكونوا مؤهلين لتولي المصالح العامة وتنفيذ احكام الدين على الامة، قال الامام علي: «ان هذا امركم ليس لاحد فيه حق الا من امرتم»(6).
    ويرى الشهيد الصدر والشيخ المنتظري ان عملية تعيين الامام بالتعيين الشخصي ما هي الا عملية ترشيح للافضل، اي ان السماء تشترك مع الامة في عملية ترشيح الحاكم.. وعلى الامة المرتبطة بالسماء والمعتصمة بالحبل الممدود من السماء ان تختار ما اختارته السماء فتبايعه..(7).
    دور الامة في التولية
    قال الامام علي (ع): «والواجب في حكم الله وحكم الاسلام على المسلمين بعد ما يموت امامهم أو يقتل.. ان لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلا ولا يبدأوا بشيء قبل ان يختاروا
    _____________________________________
    1- الفتح 48/10.
    2- الفتح 48/18.
    3- النور 24/55.
    4- الفتح 48/29.
    5- الانفال 8/74.
    6- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/505 عن الكامل في التاريخ.
    7- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/532، وبحث الولاية، الشهيد الصدر.
    لانفسهم إماماً.. يجمع امرهم ويحكم بينهم ويأخذ المظلوم من الظالم حقه ويحفظ اطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم..»(1). فالامة وفق هذه النظرية هي التي تختار الحكومة الاسلامية. قال الماوردي: «والامامة تنعقد.. باختيار اهل العقد والحل..»(2)، وقال إمام الحرمين الجويني: «اتفق المنتسبون إلى الاسلام على تفرق المذاهب وتباين المطالب على ثبوت الامامة، ثم اطبقوا على ان سبيل اثباتها النص والاختيار..»(3)، وقال ابو يعلى الفراء: «وطريق ثبوت الخلافة الاختيار من اهل الحل والعقد..»(4). وقال الشهيد سيد قطب: «ان الراعي لا يصل إلى مكانه الا عن طريق واحد، رغبة الرعية المطلقة واختيارها الحر.. فاذا لم يرض المسلمون لم تقم له ولاية»(5)، وقال الشيخ تقي الدين النبهاني: «الخلافة عقد مراضاة واختيار لانها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الامر فلابد فيها من رضا من يبايع ليتولاها ورضا المبايعين له»(6). فالامة هي صاحبة الكلمة في وضع الاحكام الشرعية والقوانين الاسلامية موضع التنفيذ اذ بدون رضاها لم تقم للحاكم ولاية، قال الامام علي (ع): «انما الشورى للمهاجرين والانصار فان اجتمعوا على رجل وسموه اماماً كان ذلك لله رضاه..»(7)، وقال الامام الحسن (ع): «ولاّني المسلمون الامر بعده..»(. وجاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «ان تولوها علياً تجدوه هادياً مهدياً»(9)، فنسب التولية إلى الامة، وكأن النص الذي يقول به قسم من المسلمين اتباع النظرية الاولى هو الترشيح من قبل النبي وبيان الفرد الاصلح فقط، اذ ما لم يتحقق اختيار الامة وتسليمها وبيعتها لم تتحقق فعلية الامامة وامكان القبض والبسط والتصرفات الولائية، فليس من الاسلام ما حدث في التاريخ من تولية الحاكم بالقهر على الامة ودون مشورتها «من جاءكم يريد ان يفرق الجماعة ويغصب الامة امرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه»(10)، قال تعالى:
    (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)(11).
    وقال سبحانه:
    (ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه..)(12).
    فالاقامة في الايتين توحي ان الامر للامة في اقامة حدود الله تعالى وتطبيق شريعته وتحقيق فعلية الامامة والحكومة، قال الشيخ المنتظري: «فالولاية تنعقد بشورى اهل الخبرة وانتخابهم»(13) وجاء عن
    ______________________________________
    1- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري 1/508. وكتاب سليم بن قيس الهلالي 182.
    2- الاحكام السلطانية للماوردي 6.
    3- وظيفة الحاكم في الدولة الاسلامية، الدكتور عارف خليل ابو عيد ص 50 نقلاً عن غياث الامم للجويني.
    4- المصدر السابق 41.
    5- الاسلام والسلام العالمي، الشهيد سيد قطب 122.
    6- وظيفة الحاكم 52 نقلاً عن الشخصية الاسلامية للنبهاني.
    7- نهج البلاغة 3/48.
    8- مقاتل الطالبيين، 35.
    9- شرح النهج 11/11 ودراسات في ولاية الفقيه 1/506.
    10- دراسات 1/507 عن عيون أخبار الرضا «ع».
    11- المائدة 5/66.
    12- الشورى 42/13.
    13- دراسات في ولاية الفقيه 1/507.
    لنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما ولّت امة قط امرها رجلاً وفيهم اعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»(1)، فاسناد امر التولية للامة واضح في هذا الحديث.
    وبعيداً عن نظرية الجبر في تنفيذ الاحكام فان الله سبحانه اعطى للانسان حرية الاختيار وحرية اخذ الاحكام.
    (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(2).
    فلم يجبر الامة على التنفيذ قبل الايمان والبعية بأي اسلوب، وقد لبث نوح (عليه السلام) في قومه الف سنة الا خمسين عاماً يدعوهم إلى تنفيذ احكام الله وشريعته.
    (فما آمن معه الا قليل).
    (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
    وقد كان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه على الناس وعلى رؤساء القبائل في كل مناسبة طلباً لمبايعة الناس له وتوليته على امورهم حتى وجد في اهل يثرب استجابة فراح يوجه كل اهتمامه وتخطيطه لزرع الفكرة في تلك الثلة وارسل دعاته لتهيئة القاعدة الشعبية نواة الامة حتى إذا ارسى دعائم القواعد الشعبية اطلق الهجرة فنسج وشائج المجتمع الاسلامي هناك، حتى إذا اطمان إلى رغبة الامة المسلمة في يثرب في توليته الحكم. هاجر (صلى الله عليه وآله وسلم) معرّضاً نفسه للقتل وسالكاً طريق الالام والمحن، فخرجت الامة في يثرب مصحرة ببيعته ومكبرة ومهللة بقدومه، تلك هي نظرية الاسلام العظيم في تولية الحاكم حتى لو كان نبياً، اذ ان قوة تنفيذ الاحكام وسلطة الحكومة في الارض وقوة الدولة الاسلامية في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تعود إلى الامة، فبقدر ما تلتزم الامة بهذه الاحكام وبقدر ما تعطي الامة السمع والطاعة والنصرة للحكومة تكون قوة الحكومة وسلطانها

    (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون)(3).

    وبقدر وعي الامة لمسؤوليتها تجاه الشريعة والنظام ووعيها لموقعها في الكون كأمة مستخلفة تتحرك في عملية تفاعل حقيقية بينها وبين النظام وبينها وبين الكون لاقامة وتمكين دولة الاسلام وحكومته العادلة
    كيف تتم عملية الاختيار
    نحن الآن امام اعقد عملية سياسية في التاريخ الانساني، بدأت من سجود الملائكة لآدم وامتناع ابليس عن ذلك بقوله:
    (ارأيتك هذا الذي كرمت عليّ..)(4).
    وجعلته سيداً مطاعاً في الكون تتحرك معه قوانين الكون وتسجد له الملائكة وتدين له بالطاعة كل قوى الطبيعة لتحركه باتجاه تنفيذ امر الله تعالى في الارض على اهل الارض..، لتأخذ هذه العملية اشكالاً متعددة في التاريخ ترسمها مواقف الناس تجاه الانبياء ورسالاتهم من جانب ومواقف الناس تجاه
    ______________________________________
    1- المصدر السابق.
    2- الكهف 18/29.
    3- الانبياء 21/92.
    4- الاسراء 17/62.
    المستضعفين من جانب آخر.. ذاقت بسببها البشرية الويلات وما زالت بعض نماذجها ماثلة في الواقع السياسي.

    كيف ينقل الفرد السلم المؤهل للحكم من الامة إلى موقع الحكم، كيف يتعامل المسلمون مع هذه العملية؟ هل وضع الاسلام اسساً لذلك؟ هل مارستها الامة المسلمة في تاريخها؟
    ان عملية الاختيار والتولية في الامة المسلمة تعتمد على الارضية الشعبية، الارضية التي تقتضي ان يكون الشعب مسلماً مؤمناً واعياً لدوره في المشاركة بالشؤون العامة ويعتبرها امانة في عنقه يعبر عنها عبر قنوات منتظمة، وكما مر بنا في الحديث ان الله تعالى استخلف هذه الامة وكما يفهم من مفهوم الاستخلاف فانه من مسؤولية الامة وواجبها الشرعي ان تعمل على تشكيل سلطة الولاية في عصر الاختيار وفقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في الشريعة وبدون تحديدات شكلية ليكون بامكان القواعد العامة ملائمة الظروف المستجدة.

    الاختيار والانتخاب يكون حينما تتعدد المصاديق، حينما تتعدد المفردات المهيأة للحكم، فكيف تتحرك الامة لاختيار الحاكم الاكثر ملائمة للشروط المنصوص عليها في الشريعة؟

    الشورى:
    قال الامام الراغب الاصفهاني في المفردات(1):

    التشاور والمشاورة والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، والشورى: الامر الذي يُتشاور فيه.

    وقال ابن منظور في لسان العرب: اشار إليه: اومأ إليه ويكون ذلك بالكف والعين والحاجب، وانشد ثعلب:

    نُسرُّ الهوى الا اشارة حاجب***هناك والا ان تشير الاصابع

    واشار عليه بأمر كذا: امره به(2).

    مفهوم الشورى هذا كان قائماً متداولاً في المجتمع العربي قبل الاسلام وفي عصر نزول القرآن، فكان تشاورهم في بناء الكعبة، وتشاورهم في وضع الحجر الاسود، وتشاورهم في امر الدعوة وكيفية مواجهتها، وتشاورهم في معركة بدر وغير ذلك كثير، ولم يغفل الاسلام هذا المبدأ العظيم في خلق الجماعة المسلمة وشد بنائها ونسج وشائجها فجعلها معلماً من معالم الجماعة المسلمة وجزءاً من حياتها اليومية وخلقاً من اخلاقيتها المتميزة فدرجها في عداد الفرائض والاخلاق المحمودة ورغب فيها وقرنها مع الصلاة، فقال سبحانه:

    (.. وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون * والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم

    ______________________________________

    1- المفردات في غريب القرآن، الامام الراغب الاصفهاني في مادة شور.

    2- لسان العرب لابن منظور مادة شور.
    ينفقون * والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون)(1).
    هذه الآيات مكية نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة. قال سيد قطب: «مما يوحي بان وضع الشورى اعمق في حياة المسلمين من مجرد ان تكون نظاماً سياسياً للدولة فهو طابع اساسي للجماعة كلها يقوم عليه امرها كجماعة ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة بوصفها افرازاً طبيعياً للجماعة. والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الاسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.. ومن ثم كان ابع الشورى في الجماعة مبكراً وكان مدلوله اوسع واعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها. انّه طابع ذاتي للحياة الاسلامية وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية وهي من الزم صفات القيادة»(2).

    وقال الشيخ المنتظري: «وقد بلغت الشورى من الاهمية بحيث امر الله تعالى نبيه العظيم ـ مع عصمته واتصاله بمنبع الوحي ـ ان يشاور اصحابه ويحصل اراءهم. فقال سبحانه:

    (وشاورهم في الامر).

    والامر يعم جميع الشؤون الفردية والاجتماعية في السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع، والمتبادر إلى الذهن والمتيقن هو الحكومة والإمارة بشُعبها»(3).

    فقد ولدت الشورى والتشاور مع ولادة الجماعة المسلمة ونمت وترعرت بنموها حتى اصبحت جزءاً من حياتها ومعلماً من معالم كيانها، فبدأت الشريعة تنسج خيوط هذا المبدأ من اصغر وحدة اجتماعية من العائلة. فقال تعالى:

    (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك * فإن ارادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما..)(4).

    وامتدت خيوط هذا المبدأ إلى كل وحدة اجتماعية وكل امر بين اثنين «من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها»(5)، «افضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير»(6) «مشاورة العاقل الناصح رشد ويُمن وتوفيق من الله»(7). «قيل يا رسول الله ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتباعهم»(، «لا يطمعن القليل التجربة المعجب برأيه في رياسة»(9).

    الاسلام العظيم يهدف إلى خلق امة متراصة، «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً».

    (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)(10).
    _____________________________________
    1- الشورى 42/36 - 38.
    2- في ظلال القرآن، الشهيد سيد قطب 5/3160 - 3165.
    3- دراسات 2/32.
    4- البقرة 2/233.
    5- نهج البلاغة 3/192.
    6- المصدر السابق.
    7- وسائل الشيعة للحرّ العاملي 8/426.
    8- المصدر السابق 8/424.
    9- بحار الانوار 72/98.
    10- الصف 61/4.
    ان عملية الشد هذه تعتمد على تبادل الآراء وتلاقحها واتضاح الامر من اجل اتباع الافضل في الامور،
    (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه)(1).
    وعملية خلق الامة المرصوصة البناء تحتاج إلى نبذ المنكر والسيء والرأي الخطأ والخطة غير الناجحة واختيار الشخصية العادلة المخلصة لتتولى بعض الامور اوكل الامور، جاء في مسند احمد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة الا امّروا عليهم احدهم»(2)فكيف يكون تأمير ذلك الامير في اولئك الثلاثة؟ الا يكون بالتشاور فيما بينهم حول الافضل منهم وفقاً لمواصفات الافضل في الشريعة.
    وفي صلاة الجماعة التي اكد على استحبابها الشرع المقدس حتى بين اثنين، هذه الشعيرة جاء فيها لا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال وخلف الفاسق، ولابد من احراز العدالة وان لا يكون من جرى عليه الحد الشرعي، هذه المواصفات السلبية لا يمكن تبيانها الا بالتشاور وابداء الرأي، فالشورى والتشاور يسري في نسج المجتمع المسلم قبل قيام الدولة، وما الحاكم والحكومة الا امر بدأت الامة بممارسته في المسجد ـ صلاة الجماعة، وفي العائلة، وفي السفر وفي الحياة المدنية والحياة العسكرية، جاء في الحديث: «ما رأيت احداً قط كان اكثر مشورة لاصحابه من رسول الله»(3)، انّه تنفيذ لامره تعالى:

    (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر..)(4).

    انها عملية تربية الامة على الشورى في الامر وتبادل الآراء واختيار الاصلح في الاشياء، الشريعة تعتمد السنة المطهرة في مصادرها، والسنة هي قول النبي وفعله وتقريره، وقد راح النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) يرسم معالم هذا المبدأ الذي لا يجاريه مبدأ في اشراك الامة كل الامة في تقرير مصيرها بنفسها وخلق روح الاعتزاز والثقة بالنفس وبالنظام وتقليب الامور وتصفح الآراء. وقد امتلأ عصر الرسالة بالامثلة والمصاديق التي تعرض استشارة الرسول (ص)، لاصحابه في كل امر حتى في امر اهله وزوجه..

    ونسوق لك فيما يأتي بعض الامثلة:

    في معركة بدر: قالوا: ومضى رسول الله (ص) حتى إذا كان دوين بدر آتاه الخبر بمسير قريش، فاخبرهم رسول الله (ص) بمسيرهم واستشار رسول الله (ص) الناس، فقام ابو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول الله، انها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها ابداً، ولتقاتلنك..، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: «يا رسول الله امض لامر الله فنحن معك..، ثم قال رسول الله: اشيروا علي ايها الناس..»(5)، فكان رسول الله (ص) يكرر قوله

    ______________________________________

    1- الزمر 39/18.

    2- مسند أحمد بن حنبل 2/177.

    3- سنن البيهقي 9/218 كتاب الجزية.

    4- آل عمران 3/159.

    5- المغازي 1/48.
    اشيروا علي ايها الناس، طمعاً في استجلاء رأي اكثر المسلمين وتبليغ هذا المبدأ إلى اعماق المجتمع المسلم.
    في معركة الخندق: عندما اشتد الامر على المسلمين في المدينة المنورة، سعى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عقد معاهدة مع قادة غطفان واهل نجد، يتخلون بموجبها عن حلفهم مع قريش ويفكون حصارهم للمدينة لقاء حصولهم على ثلث ثمار المدينة، «أرأيت ان جعلت لكم ثلث ثمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الاعراب؟ قالا: تعطينا نصف ثمر المدينة، فأبى رسول الله (ص) ان يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك.. ودعا رسول الله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما في ذلك ـ وقد احضر رسول الله الصحيفة والدواة ـ فاستشارهما وهو متكىء عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، واخبرهما بما قد اراد من الصلح، فقالا: ان كان امراً من السماء فامض له، وان كان امراً لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى فسمعاً وطاعة، وان كان انما هو الرأي فما لهم عندنا الا السيف واخذ سعد بن معاذ الكتاب. فقال رسول الله (ص): اني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت: أرضيهم ولا اقاتلهم. فقالا: يا رسول الله ان كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا مناقط ان يأخذوا ثمرة الا بشرى أو قرى، فحين اتانا الله تعالى بك واكرمنا بك وهدانا بك نعطي الدنية، لانعطيهم ابداً الا السيف. فقال رسول الله: شُق الكتاب، وقال لقادة غطفان: انصرفوا فليس لكم عندنا إلاّ السيف..»(1).

    وانعكست سيرة الرسول المقدسة على كل افراد الامة وعلى سيرة الخلفاء الراشدين من بعده، قال الامام علي (ع) في نهج البلاغة: «فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له أو العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فاني لست بفوق ان اخطيء ولا آمن ذلك من فعلي الا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني»(2). فطبعت الشورى الامة بطابعها فما هي الا امة الشورى امة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

    (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)(3).

    امة ابرز معالمها اقامة الصلاة والتشاور في الامور

    (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم)(4).

    والشورى مبدأ عام وقاعدة عامة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة عامة تمارسه الامة في واقعها الاجتماعي وفي تعاملها اليومى ـ وكما مر بنا من اصغر وحدة اجتماعية إلى اكبر من ذلك، اما كيف نضع الشورى موضع التطبيق العملي، كيف توجه الشورى توجيهاً سياسياً، كيف نجعل مبدأ الشورى يفرز حكومة، يفرز الحاكم يدير الدولة ويرسم سياستها؟ فهذا امر سنفرد له بحثاً خاصاً نحاول فيه تقنين عملية الشورى، الا اننا سنعرض هنا موجزاً لتصورنا عن ذلك.

    من الامور المؤهلة لاستخلاف الامة ان تعي هذه الامة مواصفات الشخصية الاسلامية النموذج، الشخصية القدوة
    ______________________________________

    1- المغازي والسير 1/477.
    2- نهج البلاغة 3/200.
    3- آل عمران 3/110.
    4- الشورى 42/38.
    (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده..)(1).
    (صراط الذين انعمت عليهم..)(2).
    (افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)(3).
    والامة الواعية تراقب الشخوص المتحركة في المجتمع وتقيم ذلك على ضوء المقاييس التي حددها الاسلام للشخصية الملتزمة، فتتفاعل عوامل ومواصفات في ترشيح افراد من المجتمع ترى فيهم الامة الصلاح لتولي امرها، هذه المراقبة الدقيقة التي تتولاها الامة ناتجة عن التربية التي يمارسها القادة المبدأيون في الامة، يقول معاوية لاهل العراق: «لقد لمظكم عليّ الجرأة على السلطان وبطيء ما تفطمون»(4). هذا الترشيح الواعي الناتج عن تتبع دقيق ومعاناة يومية، حيث ان تلك الشخوص كان تتحرك يومياً داخل الامة بعدالة وتقوى واهتمام، بمواقف رسالية بتضحية بانفاق، لم تجرب الامة عليهم كذباً أو نفاقاً أو حراماً أو ترفعاً أو ظلماً.. لذا وضعتهم الامة على قمة هرمها في كل وحدة اجتماعية من وحدات الامة المتمثلة في مسجد أو المركز الاسلامي أو القرية أو الناحية أو المدينة أو القضاء أو المحافظة أو النقابات والمؤسسات التعليمية والادارية والخدمات العامة. ان هذه الوحدات الاجتماعية والمؤسساتية تحتاج إلى تنظيم وربط وتوجيه اداري فلابد من لجان مراقبة وتقييم وترشيح ولابد من لجنة عليا تنظر فيما اختارته الامة ورشحته اللجان من اهل الحل والعقد لكل بلد وناحية، قال الماوردي: «لا تنعقد الامامة الا بجمهور اهل العقد والحل من كل بلد ليكون الرضا به عاماً والتسليم لامامته اجماعاً»(5).

    اذن فقاعدة الشورى هي الوسيلة العملية لحركة الامة الواعية وهي التي تخلق النضوج السياسي والاداري والعقائدي عند الامة، وبدون ذلك تنحرف الامة عن الشريعة. قال الماوردي: «يجتمع اهل العقد والحل ويتصفحون احوال اهل الامامة الموجودة فيهم شروطها فيقدموا منهم اكثرهم فضلاً واكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته»(6) هذا النص ينبيء عن دراسة شاملة لاحوال المرشحين من قبل الامة، وتدبر قوله «من يسرع الناس إلى طاعته»، وكيف يسرع الناس إلى طاعة من لا يعرفون «لا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال»(7) ومن لم يجدوه معهم في حياتهم اليومية ومعاناتهم الحياتية؟ ان الامة المسلمة لا تكتفي بان يعرض المرشح مشروعه السياسي، انها تريد ان تجده معها في حياتها «ما ولت امة قط امرها رجلاً وفيهم اعلم منه الا لم يزل امرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا»(. وفي حديث آخر: «أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة انفس علم ان في العشرة خيراً منه فقد غش الله وغش رسوله وغش جماعة المسلمين»(9)، لاحظ تربية الامة على الدقة في الاختيار والمسؤولية الشرعية في ذلك..
    _____________________________________
    1- الانعام 6/90.
    2- الفاتحة 1/6.
    3- السجدة 32/18.
    4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
    5- الاحكام السلطانية.
    6- المصدر السابق.
    7- منهاج الصالحين للامام الخوئي «قدس سره».
    8- دراسات 1/5017.
    9- المصدر السابق.

    البيعة

    بعد ان تقوم الامة باختيار الحاكم مباشرة أو بطريق اهل الحل والعقد تأتي مرحلة التكليف والقيام بالمسؤولية من قبل الحاكم والامة، قال العلماء: «فإذا تعين لهم من بين الجماعة من ادّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه فان وافق عرضوا ذلك على الامة لأخذ البيعة»(1)، وقال احد العلماء المعاصرين: «اختيار الامة للحاكم وتفويض الامر إليه وقبول الوالي الامر هو معاقدة بين الامة وبين الوالي»(2) على تنفيذ احكام الشريعة المقدسة. والحكومة المختارة تحتاج إلى ما يخولها سلطة مطاعة، تحتاج إلى قوة تستمدها من الامة تنفذ بها اهدافها وتبرر عملها على منع افراد المجتمع من كثير من انماط السلوك المخالفة للنظام الاسلامي واجبارهم على اتخاذ مسير سلوكي معين لم يكن لهم ان يسيروا عليه لولا وجود قوة قاهرة.
    فالامة هي التي تمنح الحكومة تلك القوة وتلك السلطة وبدونها فلا اثراً فعلياً للحكومة حتى لو نص عليها: «فان ولّوك في عافية واجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم»(3).
    الطاعة
    بعد ان بايعت الامة من اجمعت عليه بالرضا وجب على الامة طاعته
    (انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا..)(4).

    قال الماوردي في الاحكام: «وإذا قام الامام بما ذكرناه من حقوق الامة فقد ادى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم ووجب له حقان: الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله»(5). وقال تعالى:

    (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)(6).
    قال الامام الشوكاني: «الائمة في اولي الامر الذين ذكروا في هذه الآية انهم الائمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية»(7).

    (عدل بواسطة HOPELESS on 07-15-2003, 04:28 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم الليندي07-15-03, 00:32 AM
  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم حسن الجزولي07-15-03, 03:01 AM
    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:46 AM
      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:51 AM
        Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:55 AM
          Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:56 AM
            Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:59 AM
              Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:03 AM
                Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:10 AM
                  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:12 AM
                    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:27 AM
                      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:33 AM
                        Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:34 AM
                          Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:37 AM
                            Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:41 AM
                              Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:42 AM
                                Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:43 AM
                                  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:44 AM
                                    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:46 AM
  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم obay_uk07-15-03, 05:54 AM
    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم الليندي07-15-03, 08:57 AM
      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم رقم صفر07-15-03, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de