الشـيخ زايـد .. رحـيل أمـة *

Quote: هناك اجماع عربي اسلامي عالمي على أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان باني نهضة دولة الإمارات العربية المتحدة شخصية متفردة في التاريخ العربي الحديث بحسبانه أحد الزعماء القلائل الذين صنعوا حضارة وبنوا دولة يشار إليها بالبنان في زمن قياسي وبإجماع فريد متماسك النسيج. لقد اتيح لي ان ازور دولة الإمارات العربية المتحدة في معية وفد كبير برئاسة الرئيس السوداني جعفر نميري العام 1972 وتزامنت تلك الزيارة مع مرور الذكرى الأولى لميلاد دولة الاتحاد وشهدنا وقتها ميلاد أول صحيفة في تلك الدولة الوليدة، وكان من حسن حظنا ان الشيخ زايد اصطحبنا في كل المواقع التي زرناها في مختلف الإمارات، وكان يحدثنا بما يشبه الاحلام في كل ما اصبح بعدئذ تحولاً كبيراً ومثيراً لصحراء جرداء إلى جنان خضراء وارفة الظلال والثمرات، وهو بذلك استحق عن جدارة أن يوصف بالرائد الأول بفطرته السليمة في مجال رعاية البيئة وخلق المناخ الصالح للحياة حتى غدت دولة الإمارات من أحدث الدول بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى في التنمية الاقتصادية والبشرية والعمرانية. ومثلما تزامنت تلك الزيارة مع ذكرى مرور عام على ميلاد دولة الاتحاد الذي بقي شامخا ويزداد رسوخاً عاماً بعد عام في عالمنا العربي، كانت تلك الزيارة ايضاً هي الأولى للرئيس جعفر نميري لتكون مدخله على دول الخليج والمملكة العربية السعودية بعد قطيعة لازمت قيام نظامه منذ مبتدئه في منتصف العام ،1969 إذ كان نظاماً يسارياً شديد التطرف والانحياز، ولما أفاق كانت وجهته الأولى للخليج هي دولة الإمارات التي لم تحسن استقباله فحسب وانما قدمت من المساعدات ما اثلج صدور كل اهل السودان، وبهذه المناسبة كان في ذلك الزمان عدد غير قليل من ابناء السودان يعملون بجد واخلاص في تخطيط وبناء تلك الدولة الوليدة التي كانت الشغل الشاغل للشيخ زايد عليه رحمة الله ورضوانه، وكان هو طوال ايام الزيارة يذكرهم بالإعجاب ويسرف في الثناء عليهم وعلى قدراتهم وامانتهم مما حدا بالرئيس نميري ليؤكد له ان كل الخبرات البشرية السودانية تحت تصرفه للاستزادة منها بما رغب لبناء دولته الحديثة، وكان له ما أراد. ولا ريب ان السودانيين الأوائل الذين عملوا في دولة الإمارات واولئك الذين جاءوا من بعدهم وما زالوا يعملون يحفظون في ذاكرتهم وفي وجدانهم اعمق مشاعر الحب والتقدير لسموه ولشعبه ولدولته الفتية، ولا يقل عنهم كل اهل السودان حبا وتقديراً لما أسهم به من عون للسودان سيظل شاهداً وباقياً على مر الأزمان. ولا يعتبر السودان وحده الذي يلهج بالشكر والثناء والتقدير لحكيم العرب زايد الخير انما كل الشعوب العربية تذكره وتشكره لما قدم لها وللأمة العربية والاسلامية من أياد بيضاء وحكم وضاءة خدمة للعروبة والاسلام، فقد كانت قيادته لا يصدر عنها إلا كل ما يجمع الارادة والكلمة ويوحد الصفوف لمصلحة الشعوب وخدمة الاسلام والسلام خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي كان أقوى مناصريها بالدعم المادي المباشر للفلسطينيين الذي لم ينقطع ابداً وفي التضامن العربي الذي أهلته له مكانته البعيدة دوماً عن الخصومات أو المزايدات وبالسخاء الذي لا يعرف الحدود، مما اكسبه ليس احترام القادة العرب والمسلمين فحسب وانما احترام وتقدير كل قادة العالم. حقاً، وصدقاً ان قيادته المتفردة جعلت من دولة الإمارات المتحدة دولة متميزة ليس بين الدول العربية فحسب وانما بين كل دول العالم لكونه جعل نسيجها الاجتماعي متماسكاً ومترابطاً وسعيداً راضياً بكل ما غرسه في نفوس المواطنين من حب واخاء وما وفر لهم من فرص في السكن والملبس والمأكل والتعليم والصحة مما جعل البلاد مستقرة ومطمئنة وليس فيها ما يدعو للشكوى أو التذمر أو الانتقاد وبالتالي تكاد تكون دولة الإمارات هي الوحيدة التي لا توجد بها مجموعات معارضة أو متذمرة أو شاكية وانما كلهم مجمعون على حب القائد باني صرحها العظيم ومن حبهم له اجمعوا على حبهم لبعضهم بعضا. فهو الزعيم الذي حاز احترام شعبه وحبه لكونه عرف كيف يوظف الثروة التي حبا الله بها البلاد في خدمة الشعب بعدالة وكيف حول التجمعات القبلية المتناثرة الى نسيج موحد في دولة عملاقة لا يشعر فيها الانسان ان هناك مسافة بين الحاكم والمحكوم أو عزلة وانما بساطته وتفاعله مع المواطنين شكلا نهجاً فريداً من رابطة التعامل بين القائد والشعب. واكثر من ذلك كانت دولة الإمارات ملاذاً لكل عربي استجار بها دون ان يكون ترحيبها به مصدراً لأزمة مع الدولة التي قدم منها لأنها كانت دائماً قبلة للجميع من دون من أو أذى أو تدخل في شؤون الدول الأخرى. إن قائداً فذاً بكل تلك الصفات التي يتمتع بها الشيخ زايد وفي عصر ندر فيه أمثاله، يستحق ان يخلد بمستوى يليق بمكانته عبر التاريخ ولهذا فالمرتجى ان يكون تخليده على مستوى العالمين العربي والاسلامي وليس على مستوى دولة الإمارات وحدها، ومن هنا نلتمس ان تشكل لجنة تضم نخبة من العالمين العربي والاسلامي لنتدارس ما هي افضل السبل لتخليد هذا الزعيم العظيم تخليداً يعلي على الدوام من قدر القيم التي غرسها والأعمال الجليلة التي صنعها حتى تسترشد الاجيال القادمة بعظمة هذا الانسان وتستمد من منجزاته ما يحفز على الابداع في العطاء وفي الوفاء. إن الراحل المقيم العظيم ليس ملكاً لشعب دولة الإمارات وحده وانما هو ملك لسائر الشعوب العربية والاسلامية ولهذا فإن تخليده لابد أن يرتقي إلى هذا المستوى ولكن لا بأس ان تحتضن المبادرات لهذا التخليد الدولة التي بناها والرجال الذين خلفهم من بعده ويرجى منهم السير في طريقه وامجاده. محمد الحسن أحمد صحيفة الخليج الاماراتية : الاحد 7/11/2004م

(عدل بواسطة خضر عطا المنان on 11-07-2004, 10:30 AM)