تقرير لجنة د. علوب للتحقيق في 19 يوليو: الأصل و المنسوخ و الملخص

Quote: 23- نشاط الممثلين السياسيين للدول الشيوعية بالسودان:- نظراً لما يثور من شبهة في أن يكون الممثلون السياسيون للدول الشيوعية بالسودان، قد كانوا حلقة وصل بين أحزابهم الشيوعية، و بين الحزب الشيوعي السوداني و ### أن يكون لهم علاقة بتلك الحركة، فقد طلبت اللجنة من جهاز الأمن القومي و قسم الأمن العام بوزارة الداخلية بإجراء تحريات عن وجود أي نشاط مماثل. و تشمل تلك التحريات نشاط و تحركات سفارات الدول الشيوعية في الفترة السابقة على الانقلاب و خلال الفترة التي ###، إلا أن تحرياتهم لم تأت بمعلومات حول هذا الموضوع، وقد تبين لنا من المستندات الواردة من وزارة الخارجية بأنه كان قد تم إبعاد كل من مستشار السفارة السوفيتية بالخرطوم و سفير بلغاريا. و قد أوضح محضر [مستند الخارجية دفعة ثانية رقم 13 ملف 6] المقابلة بتاريخ 3/8/1971 التي أخطر فيها السفير السوفيتي بطلب ابعاد المستشار و اعتباره شخصاً غير مرغوب في بقائه بالسودان و أنه كانت له صلات بقادة المؤامرة التي كانت تستهدف الاطاحة بنظام الحكم مما يتنافى مع وضعه الدبلوماسي. و بالتحري من وزراة الخارجية عن تفاصيل الأسباب التي أدت إلى إبعاد المستشار السوفيتي، إتضح لنا أن قرار الابعاد قد أسس على مذكرة أعدها مدير المراسم بوزارة الخارجية حينذاك حول مقابلة أجراها معه ذلك المستشار خلال الانقلاب، و نظراً لأن مدير المراسم قد سافر إلى خارج القطر، حيث يعمل الآن سفيراً للسودان بالكويت فقد اكتفت اللجنة بالاطلاع على المذكرة [مستندات الخارجية دفعة سادسة رقم 2 ملف ###] التي أعدها بخط يده بوزارة الخارجية. و قد جاء فيها ما يلي: "في يوم 21/7/1971 و حوالي الساعة 15/8 صباحاً حضر إلى مكتبي و بدون سابق اتصال المستر اورلوف (( -- )) المستشار بسفارة الاتحاد السوفيتي بصحبة مترجم جديد بالسفارة – ذكر المستر اورلوف بأن سفيره يود مقابلة هاشم العطا على وجه السرعة و بتعليمات من حكومته ثم ذكر أنه طلب هذه المقابلة عن طريق وزارة الخارجية - ص 66 – و إن لم تتمكن الوزارة من تحديد الموعد في ظرف نصف ساعة فإن لديهم طرقهم الأخرى لتحديد الموعد – أبلغت هذا فوراً بالتلفون للسيد محمد ميرغني وكيل وزارة الخارجية بالانابة. ثم قال لي المستر اورلوف أريد أن أتحدث معك على انفراد –يقصد بدون مترجم- و قد خرج إلى البلكونة الملحقة بمكتبي و سألني بالانجليزية هل لديكم أي علم بمن سيكون وزير الخارجية، قلت له لا ليس لدينا علم إذ لم يذاع بعد التشكيل الوزاري. ### أعتقد أنه سيكون ميرغني، ثم أردف قائلاً: بالمناسبة لقد كنت مع عبدالخالق محجوب، و ذكرت له أن مدير المراسم بوزارة الخارجية من خيرة الشبان الموجودين بالوزارة فسأل عبدالخالق عن اتجاهاتك هل هي يسارية. فقلت له –أي للمستر اورلوف- ليس لك أن تقحمني في مثل هذه الأمور و أرجو عدم تكرار ذلك – قال لماذا، هل يضر بك؟ قلت له ليس لك أن تناقشني في هذا الأمر. فتأسف على هذا وو دعني و انصرف. ### بعد حوالي نصف ساعة و سأل عما تم بشأن المقابلة مع هاشم العطا – فاتصلت بالسيد محمد ميرغني فقال بأنه لم يتلق رداً بعد بهذا – فقال أنهم سيجدون طريقتهم لتحديد الموعد". و يمكن حصر المآخذ التي تستخلص من سلوك ذلك المستشار عند تحليلها فيما يلي: أن طلب تحديد ميعاد لسفيره لمقابلة السيد هاشم العطا، وإن كان قد يوجد له ما يبرره حينذاك مثلاً للتعرف على سياسة الحكومة الجديدة من الرجل الأول فيها في ذلك الوقت، و لكن تبدأ المآخذ منذ محاولته فرض فترة زمنية معينة يتم فيها تحديد المقابلة، ثم التصريح بأن لديهم طرقهم الخاصة لتحديدها إذا لم تتمكن الوزارة خلال تلك الفترة من تحديدها. فتحديد مقابلات المسؤولين في السلطة مع ممثلي الدول الأجنبية عن طريق غير وزارة الخارجية، تخط للعرف المألوف، كما أن تصريح السيد المستشار بأنه التقى مع السيد عبدالخالق محجوب، و الذي ليست له صفة رسمية، فيه إقرار ضمني بوجود علاقة إتصال بين المستشار و فئات من السياسيين في داخل القطر، مما يعد تجاوزاً لنطاق مهامه، كما أن تلمس السيد المستشار للاتجاهات السياسية لمدير المراسم، فيه تدخل في الشؤون الداخلية للبلد، كما أن فيه نوع من التأثير المعنوي على مدير المراسم حينما يخطره السيد المستشار بأن زعيم الحزب الشيوعي الذي يسيطر على السلطة، يستفسر من المستشار عن اتجاهاته السياسية. و بالتالي يكون في ذلك وسيلة للضغط عليه لكي يقوم بتحديد الموعد خلال الفترة الزمنية التي فرضها المستشار والإذعان لكافة طلباته مستقبلاً. هذا هو ما يسفر عنه تحليل سلوك السيد المستشار في ظل السلطة المسيطرة على الأوضاع حينذاك، حتى إذا افترضنا أنها سلطة فعلية و التعامل معها أمر معاش في ذلك الوقت. أما الذي يسفر عنه تحليل سلوك السيد المستشار بعد زوال سلطة الانقلاب، و من وجهة نظر موقف النظام الشرعي في البلد الذي قضى على الانقلاب و أخمد التمرد، هو أن السيد المستشار كان على صلة مع زعيم حزب غير مشروع و فار من العدالة و متآمر على النظام، الأمر الذي يقيم قرينة على وجود إتصالات بين ممثلي الاتحاد السوفيتي - ص 67 – السياسيين و الحزب الشيوعي المنحل. ويرتبط بموضوع طلب السيد مستشار السفارة الروسية، تحديد موعد لمقابلة السيد السفير السوفيتي للسيد هاشم العطا، هو ما إذا كانت هذه المقابلة قد تمت بالفعل بين السيد هاشم العطا و السيد السفير، أو بينه و بين مسؤول سوفيتي آخر، في القيادة العامة مساء يوم 20 أو 21 يوليو. فيحدثنا السيد وكيل وزارة الاعلام في شهادته [الشاهد التاسع ص 6] بأن أحد الرواد اتصل به تلفونياً بعد الساعة العاشرة من مساء يوم الثلاثاء أو الأربعاء خلال الانقلاب، و طلب منه ارسال مصورين لتسجيل مقابلة للسيد السفير السوفيتي مع السيد هاشم العطا. و أنه قد أرسل بالفعل اثنين من المصورين، كما ذكر للرائد المتحدث حينذاك بأن تلك المقابلة حدث كبير من المفروض إذاعته لأهمية المقابلة. و أضاف الشاهد بأن الرائد أخطره بأنه سيتصل به عن ذلك فيما بعد. كما أضاف بأن الأخير إتصل به تلفونياً مرة أخرى قائلاً له: "مافي حرف يذاع منها". و أضاف الشاهد أيضاً بأن المصورين قد عادوا إليه و أخبروه بأنهم لم يجروا تصويراً. و كان الشاهد قد إستدرك مؤخراً بأنه تذكر اسم الرائد الذي جرت المحادثة التلفونية معه بشأن ارسال المصورين و بأنه السيد الرائد ابراهيم سيدأحمد. و نتيجة لذلك استدعت اللجنة الأخير [الشاهد 44 ص 6] للشهادة و هو من الذين صدرت ضدهم أحكاماً بالسجن بعد الانقلاب. فجاء في شهادته أنه كان يعمل سكرتيراً لوزير الدفاع حينذاك، السيد هاشم العطا، منذ يوم 20 يوليو، إلا أنه نفى اجراء محادثة تلفونية مع السيد وكيل وزارة الاعلام. كما نفى علمه بحدوث أي مقابلة بين السيد هاشم العطا و السيد السفير السوفيتي، ونظراً لذلك التعارض بين الشاهدين، فقد قامت اللجنة بإجراء مواجهة بينهم، وكانت نتيجتها إصرار كل منهما على ما ذكره من قبل للجنة. فأستدعت اللجنة المصورين الذين ذكر السيد وكيل وزارة الاعلام بأنه كلفهما بمهمة التصوير. و قد أيدا في شهادتيهما ما ذكره السيد الوكيل عن إرسال اثنين من المصورين لتلك المهمة، كما ذكرا بأنه لم يسمح لهما بدخول القيادة العامة. وإن كان هناك إختلاف بينهما في التفاصيل عما قيل لهما في بوابة القيادة العامة، إلا أن شهادتيهما في جملتها تؤيد شهادة السيد الوكيل مما يؤدي إلى ترجيحها على شهادة السيد الرائد السابق و الذي تحيط شهادته ظروف تقلل من وزنها. فهو يقضي عقوبة بالسجن بسبب دوره خلال أيام الانقلاب، زيادة على أنه أظهر تجاوباً مع الانقلاب كما يستنج من قصيدة نشرت له بجريدة القوات المسلحة [جريدة القوات المسلحة العدد رقم 122 الصادر يوم 21/7/71 ملف 29 ص 8] يوم 21/7/1971 حيث أقر بها في مناقشته. كما أن فيما ذكره السيد المستشار السوفيتي لمدير المراسم بوزارة الخارجية ما يؤيد حدوث مقابلة بين السفير السوفيتي أو دبلوماسي سوفيتي آخر مع السيد هاشم العطا، و هي واقعة لا ترى فيها اللجنة بمفردها دليلاً على الاشتراك في المؤامرة، و ان كانت ظروفها تشير إلى التجاوب السريع مع - ص 68 – الانقلاب و التعاطف معه و لم يتم بعد تشكيل حكومته. أما بالنسبة لابعاد السيد السفير البلغاري فقد أوضح محضر [مستندات الخارجية دفعة ثانية رقم 11 ملف 6] المقابلة بتاريخ 2/8/1971 التي أخطر فيها ذلك السفير بمغادرة البلاد، ان المسؤولين يرون أن لديهم من الأسباب ما جعلهم يوقنون أن سفارة بلغاريا، عن طريق موظفيها أو عن طريق التسهيلات الممنوحة لها كانت تقوم بأعمال ضارة بأمن البلاد وسلامتها. و رغماً عن أن وزارة الخارجية لم تفصح عن تفاصيل الوقائع المنسوبة إلى السفارة البلغارية إلا أنه يرجح أنها كانت صدى لما ثار من شائعة عن إختفاء السيد عبدالخالق محجوب في تلك السفارة. و الجدير بالذكر أن السيد هاشم العطا و السيد محجوب ابراهيم الذي كان من أقطاب الانقلاب، قد أفصحا بسلوكهما بعد فشل الانقلاب، أن نيتهما كانت تتجه للوصول إلى السفارة البلغارية، و ذلك حينما قبض عليهما متخفين في مساء يوم 22 يوليو فقد كانا يرتديان جلابيتين فوق زيهما العسكري، و عندما سئلا عن الجهة التي يقصدانها، أفادا بأنهما في طريقهما لمنزلهما - "جنب السفارة البلغارية". و في هذا قرينة أيضاً على أنهما كانا يقصدان التمويه و الالتجاء إلى تلك السفارة، الأمر الذي ما كانا يقدمان عليه لولا وجود سابق صلة بينهما و بين تلك السفارة جعلتهم يطمئنون إلى أنهم سيلاقون قبولاً بها في تلك الظروف التي كانت تجري فيها مطاردة قادة الانقلاب على قدم و ساق بعد فشله. كما أن في ذلك المسلك ما يعطي وزناً للاشاعة عن سبق إختفاء السيد عبدالخالق مجوب بتلك السفارة عند هروبه. و إن كانت اللجنة لا ترى في ذلك دليلاً كافياً لإقناعها بأن السيد عبدالخالق محجوب كان يختبئ فعلاً في تلك السفارة، أو أن تلك السفارة كانت على علم بنية السيد هاشم العطا و رفيقه للإلتجاء إليها أو أنها كانت ستقبل لجؤهما.