|
Re: كلما اقتربت الشيوعية من الواقع.. ابتعدت عن الماركســية! (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
الأخ عدلان ... مرة أخرى تحياتي
تأخير لم أختره ... فمعذرة .
وكما وعدتك بالتعليق على المحاور التى طرحتها فى التأسيس لفض الإرتباط بالماركسية ...
أولا : فهذا أوضح موقف تتخذه حيال هذه القضية , وهو موقف مفهوم وإيجابي , وربما كنت كذلك من قبل لكني لم أفهمك كما الآن , أو ربما هو ثمرة الحوار ووقعه على حيوزك الفكرية , وربما هو نداء الضمير وهو يطرق أبواب المنطق ويطوي سدول العقل , وربما آن أوانك على نداء الوطن الجريح , وأضعف الإيمان رفع الغلواء والأحمال الفكرية الغير ضرورية , وربما هي مؤثرات العيش فى مجتمع ديمقراطي متطور , والوقوف العملي على واقع حاله من جهة , ( وشناف ) الماركسية له من الأخرى , إذ أرى هنا مفارقة لا يصمد أمامها الجحود ولا النكران وإن تجبرا , على كل ومهما كان من الأمر , فإن الإنطباع الذي إجتاحني حول شخصك , بأنك مجتهد ومهموم وقابل للحوار والتفاهم , فهذه خصائص إنسانية حميدة , قبل أن تكون مزايا سياسية فاضلة .
ثانيا : تراني آهلا بمضمون دعوتك حول مجافاة الماركسية للواقع , وهي كذلك , ولما تعودت ( تلخيصها ) فيما تقتضيه دواعي العرض ومصلحة النقاش , فالماركسية ممعنة فى أحاديتها بينما الواقع متنوع ومتعدد , وليس ضمن معروضات هذا الواقع ما يستحق النفي التعسفي كما تتأهب لذلك الماركسية , والواقع يستدعي الديمقراطية , بينما الماركسية تستدعي الأحادية , والواقع يستوجب التوفر لسائر المجتمع , بينما الماركسية تتوفر للطبقة العاملة فقط ( لا غير ) , والواقع يستوعب الدين ويتآلف على أثره فى المجتمع , بينما الماركسية تصادر الدين كبضاعة إقطاعية بوار , والواقع يتجدد والماركسية محلك سر , والواقع يجسد خصائص المجتمع الثقافية والتاريخية , بينما الماركسية تدغم كل شئ فى العامل الإقتصادي , والواقع يتأهل يوميا عبر العلم والتكنلوجيا , بينما الماركسية تتخلف عن اللحظة الراهنة قرنا ونيف . وإن كانت هذه مناولات عامة , فإن مجافاة الماركسية للواقع السوداني أوضح ملحوظية وأقرب للرفض من التمنع , ودون حوجة للتفاصيل فإن تجربة حزبك فى عمومياتها تؤكد على سلامة فرضيتك , بل أراك تتفوق عليه بفضيلة الإعتراف .
ثالثا : عندما قلت لك بأنني أنظر لهذا البوست كعلامة فارقة فى حياتك السياسية والفكرية , وعرضت عليك من ثم الإستقالة فكريا عن الماركسية وموضوعيا عن حزبك الشيوعي , فقد كنت أبحث لك عن القطع ( التام ) والشمولية , وبإعتبار أن ذلك هو الشرط المعنوي والمقدمة النفسية لظهور عدلان الجديد , بإعتبار أن ذلك يغنيك عن التناقضات المحتملة , على شاكلة فض الإرتباط بالماركسية بينما التواصل مع حزب ماركسي , والدفاع عن فكرة بموجب الإلتزام السياسي والتنظيمي , ونقدها بموجب القناعة الشخصية , كما أن وجودك داخل حزبك وبنوايا مسبقة للتغيير والإصلاح , ليس إتجاها مستحبا داخل حزب ما تعود على تعدد الإراء والمرجعيات , بل ربما يجلب إليك هذا الموقف شكوكا وأحكاما تضعك فى خانة الخونة وليس المصلحين . قصدت أن أريحك من كل هذه المعاناة المحتملة , لكن يظهر أنك تحب الشقاوة , والله معاك .
رابعا : ما حملني على الإعتقاد فى صحة ما زعمته أعلاه , وغير إستحالة تغيير الإهاب , هو موقف حزبكم التاريخي من إنهيار الشيوعية , وقد تصرم على هذا الحدث عقد ونصف من الزمان , ولما لم ينبس ببنت شفة , ولا تحدثني بالله عن المناقشة العامة , فهي أصدق دليل على تماهي حزبكم فى جوهره القديم , فإن أطلق هذه الفكرة لإشاعة أحاسيس بالإمتثال للديمقراطية , فهذه قولة حق أريد بها باطل , فغير تقاطع الماركسية مع الديمقراطية , فالأخيرة ( فى كنف تنظيم ديمقراطي ) تخضع لمحددات قانونية وإجراءآت نظمية , تشمل فيما تشمل تحديد الهيئة الحزبية المعنية بالأمر , وموضوع النقاش ومداه الزمني , والنصاب القانوني , ويوم الإقتراع وساعته , بل ودقيقته , وأي تجاوز لأي من هذه المعطيات ينتقص العملية الديمقراطية وربما يبطل قانويتها , فالديمقراطية مسئولية ومش لعب , فتعال معي أخي عدلان لنوقع أمر المناقشة العامة فى ميزان ديمقراطي , فعلى صعيد الموضوع , فقد جاء مبهما ويتعلق بكل شئ حول المسألة الشيوعية , علما بأن قيادة الحزب لا تنقصها الخبرة ولا المعرفة فى تحديد مسارات مساعدة لبلورة الموضوع , كأن تطرح الأمر فى شكل خيارات وتقول : بعدما حدث للشيوعية ... هل نتمسك بها أم نطرحها ... أم ماذا ؟ مع ملاحظة أن مثل هذا التقديم يحتمل النقاش حول المسألة الشيوعية برمتها , لكنه يحصر النهايات فى قنوات بعينها , مما يسهل فى نهاية المطاف الوصول الديمقراطي للقرار المناسب .
أما فيما يتعلق بالهيئة الحزبية المناط بها حسم الموضوع , فلم تتم الإشارة لها فى متن الرسالة التي إستهلت بها قيادة الحزب المناقشة العامة , لكن وبقدرة قادر فقد وضح فى ثنيات الحوار أنه المؤتمر الخامس , وهذا المؤتمر ليس معلوما ولا جدول زمني له , والأقسى من هذا أن عضوية الحزب وهيئاته الرأسية والأفقية لا توافي تأهيلا تنظيميا يجعلها تقرر فى هذا الشأن , ما عدا قيادة الحزب والتي غالبا ما تكون السكرتارية , والتي غالبا ما ينوب عنها السكرتير , وهكذا أخال أن حلقات إتخاذ قرار مصيري تضيق أ وتنفرط حتى تؤول لفرد , كتعبير ناجز عن الحالة الشيوعية فى عمومياتها و كما توفرت للتاريخ .
أما الجدول الزمني للنقاش والإنتخاب , فهذا تفاؤل يقترن بالسذاجة أكثر من الموضوعية , فما الذي إستقام من الأمر حتى يقيد زمن حسمه , مع ملاحظة أن الفرضية الديمقراطية فى الإعتناء بعامل الزمن , تتأتى تحسبا وتواؤما مع المتغير , فقرار اليوم ربما لا يكون هو قرار الغد , وفكرة الحاضر ربما لا تناسب المستقبل , مع هذا فلا بد وأن يكون هناك قرار , وأن تكون هناك آلية لإتخاذه تعتبر بكامل المؤثرات وعلى رأسها الزمن . تخيل يا عدلان على الإثر, أن شيوعيا تقدم بمساهمته فى المناقشة العامة عام 1993 مثلا , هل تظنه سيحتفي بمساهمته هذه الآن , فالزمن يعدل المواقف والأفكار على مدار الساعة ناهيك عن السنون , وهذا مايحملني على الإعتقاد بأن هناك خلفية فكرية لموقف حزبكم هذا , فهو يركن للأفكار الثابتة والمفعمة بالإيحائيات الإطلاقية , ويرى فى هذا مجدها وعظمتها , أما الأفكار المتغيرة بفعل الزمن أو بحكم قصر دورة حياتها , فهذا مالا يعتد به شيوعيا , لأنه ضد المبدئية ومعبر عن ضيق الافق وقصر النظر .
وعلى كل فما من إمرئ يفتح موضوع تلكؤ الحزب و ( تضهيبه ) للمؤتمر المنتظر , إلا ويوبخه ( الغيورون ) من الشيوعيين بدرس فى الأولويات الوطنية , وفى حماية جسد الحزب ( وإن طلعت روحه ) , وفى إستثنائية الظرف السياسي , وفى قمعية ا لسلطة , وإلى ما إليه من شطط الذهنية المستغرقة فى الثبات بموجب ( الحالة الراهنة ) . صحيح القهر الإنقاذي للبلاد والعباد فى الحكم العام , لكنه نسبي ومتغير والشاطر يكسب , كما لا يعدم الحزب الشيوعي بنسقه السري المعهود قدرة على التوالي مع مقرراته إن أراد , هذا إن لم نذكرهم بصحائف من تاريخهم , بالحديث عن من من الكيانات السياسية ( غير الشيوعية ) , كان حرا وطليقا ومنعقدا بأريحية أبان دولتهم الشيوعية الكبرى ؟ ... لهذا يظل التمنع الشيوعي السوداني عن التمسك بقيم الممارسة الديمقراطية , جزئية راسخة فى حياته السياسية , فهو الأعجل هرولة لرفع اللائحة حينما يخيم ظرف إستثنائي , وهو كذلك الأبطأ سعيا فى إحداث إختراق ديمقراطي حتى عندما ينفرج الظرف الإستثنائي , بل وحتى عندما ينقشع البلاء ويتغنى بذلك محجوب شريف , تظل الرزمانة الشيوعية فى قيد ( شبه العلنية ) .
كما أود أن أذكرك وأنت تعتزم الإصلاح من الداخل , ما قاله من قبل الشيخ الشيوعي المعروف التيجاني الطيب , بأن الحزب سيظل شيوعيا حتى وإن كان ذلك دون إرادة غالبيته العظمى , بل أظنه تحدث عن نسبة مئوية عالية , لا أتذكرها لكنها لا تقل بحال عن الثمانين بالمائة , كما أذكرك بالتصريح الشهير لسكرتير الحزب , بأن الحزب لن يذوب ولن يندمج , بل أخاله جادا فيما زعم وبمستوى يطعن فى براءة موضوعة المناقشة العامة ومآلاتها , وإلا فحدثني كيف تسنى الحفاظ على الماركسية كإحدي مصادر الحزب ( المتميزة ) فى مسودة الدستور الراهنة , فهذا يعني إحدى إحتمالين , فإما أنه تقدير فوقي ( قيادي ) متماهى فى السطوة التاريخية لقيادتكم الحزبية , وإما أنه الرأي الأرجح ولما وضعت مساهمات الأعضاء خلال المناقشة العامة فى الميزان ... فهل هذا صحيح ؟ , ولأني أبني أحكامي على الملاحظة والتاريخ والمنطق , فربما يكون فى مقدورك أن تعلم ما هو أكثر مني , فقط خبرنا ما ترقى الأمر إلى مصاف العام .
ألخص أمري هنا يا عدلان كالآتي : أن حزبك تنقصه الفكرة الديمقراطية بموجب ( إحتسابها ) ماركسيا , كما تنقصه الإرادة الديمقراطية بموجب إستعلاء الثورية فى الماضي , وإستبطانها فى الحاضر , فالأمر يتعلق ( بالتصميم ) الآيدولوجي وبالسعة الفكرية لمشروع نهض وفى الأساس على نهج الثنائية والتضاد... فقد تخلق على الإثركيان من الصعوبة ترويضه أو تطويعه لمهام ما بعد الحداثة فى تعدداتها الآلقة , والتي هي فى واقع الأمر الأبغض لحزبكم ... حلالا أوحراما .
خامسا : إن نقدت ( أنا ) الماركسية ودعوت الناس للأنصراف عنها , وإن إقترن نقدي بالحزب بموجب إقترانه والماركسية , وإن أيقنت تماما بإزوف ساعة التحريض البلشفي , فلن أتجاسر على الشيوعيين كأفراد أو مجاميع بالمنطوق الإجتماعي , لأنني وببساطة أعتقد أن خلافى معهم ليس شخصي البتة , وأظنهم واعوون بذلك , لهذا تجدني متجاوبا مع ندائك حين قلت : أن الحـزب الشيوعي يضم أناس على مستوى عال من الوطنية والإخلاص والنزاهة والإستعداد للتضحية، ولكن طاقاتهم النبيـلة تلك، يتم هـدرها لعلل الماركسية التي يتبناها الحزب كمرشد وحيـد للحزب . إنتهي الإقتباس ... وأوافقك القول وإن يطفح فى العاطفة , لكن ما الطريق إلى منى ؟ فحزبك الآن يحتمل أيتها تفسير , ويصرف أملا لكل فصيل , لهذا فهو الآن ليس كما كان , وإنما كما يراه كل عضو , فهو ما يزال حزب الطبقة العاملة للمتمسكين بالماركسية , وهو حزب وطني للحالمين بقصر همومهم على الوطن , وهو حزب شيوعي بإعتبار ما كان , وهو ديمقراطي بإعتبار ما سيكون ... ولا أعلم فى ظل هذه الفرضيات المتقاطعة كيف سيكون المنتهى .
سادسا : مع تعلق رأس موضوعك بكل رقبة شيوعية , توافقا أو إختلافا , فهو موضوع كل الشيوعيين السودانيين على أقل تقدير , وأخصهم الشيوعيين من أعضاء هذا البورد وما أكثرهم , فما طرحته يا عدلان قضية جوهرية يستوي فى الإهتمام بها , وفى التداخل حولها كل ألوان الطيف الشيوعي , خاصة وأن رؤيتك تؤسس لمشروع فرز نظري يستدعي كل المحاضر النظرية حول المسألة الشيوعية , لكن لا أرى غير النذر اليسير الذي لا يفي حتى بفرض الكفاية , فأنت فى تقديري ( مقاطع ) من حيث يدري البعض , ومن حيث يتوجس الأخرون , فمن لا يوافقك ما أتيت يستنكف موضوعتك بوقف الإرسال , فالحكومة الفكرية هنا تأنف عن البث بدواعي التبخيس , بإعتبار أن الإهمال هنا خير وسيلة للدفاع عن الضعف , ومن يوافقك الرأي يستمطر من حاسة شمه الشيوعية مخاوفا عظيمة من الشيوعيين الآخرين , ويؤثر فى الإثر الصمت وكأنه رأس الحكمة .
أراك أخي عدلان ... وكأنك فشلت فى إستقطاب حوار شيوعي/ شيوعي حول موضوعة شيوعية أمام الناس , لا ألومك بالطبع , بل ربما زادت مداخلاتي معك الطين بله , فقومك مترعون بالهواجس والظنون . لا أدري كيف ستنقل هذا الحوار إلى ( الداخل الحزبي ) وقد إستبنت العينة فى الهواء الطلق . على كل أنا متوافق وتقريرية إطروحتك حول عكسية العلاقة بين الماركسية والواقع , ومع أن الحوار فى هيئته الطبيعية يستوعب السجال ( الطبيعي ) ويحتمل الأنداد والأضداد , فهذا مدعى حضوري لمائدتك الفكرية العامرة , مع هذا فإنني أتطلع لمشاركة شيوعية حقيقية يستحقها وبجدارة هذا البوست , ولا أدري كيف يتسنى ( نفسيا ) لشيوعي مناولة موضوعات أخر , قبل أن يقول كلمة فى هذا الموضوع المفصلي , وبكل دواعيه الجذرية وبكل دعوته الجهيرة لمثل هذا الإنصراف الكبير والمخض , فتحاوروا أيها الشيوعيين وأسمعوا كلام ( القصير ) يوما , والأمر يهمكم جمعيا , وإن كانت ( التدابير ) الشيوعية تقتضي السرية , فالفكر الماركسي ليس كذلك ولما أردتموه عنوان فلاح لكل البشرية
حديثي عن مصادر الماركسية الثلاثة , لم أستمده من جلستك الإفتراعية لهذا البوست وإن حدث التماس , كما لم أشير إلى أو أقتبس عنك ما يربط مساهمتي بمداخلتك , فمصادر الماركسية ومكوناتها الثلاث هي ( مصطلح ) أولي فى الأدب الشيوعي , بل هي كالثالوث المقدس فى المسيحية , وغض النظر عن تساوقها مع ما قلت , وأظنك تعلم ذلك وهذا بالضبط ما أعنيه , فقد آثرت أن آخدا من أولا ؟
أخيرا ... وإن فهمتك صاح , فأنت تقلل من أهلية الماركسية لإدارة قضايا الواقع , والواقع فى توقيعه الزمني هو العصر , والعصر هو الصفحة من التاريخ التي تخصنا , لنعيش فيها ونسجل عليها معالم حياتنا ومنجزاتنا وإخفاقاتنا , إشترك معنا فى تدوين هذه الصفحة شعوب رزحت تحت نير الماركسية , ولفظتها فى نهاية المطاف , وهذه تجربة أغنى وأشفى من تأملاتكم ومن مداولاتكم وأنتم ما تزالون على الرصيف ( النظري ) للماركسية , فهولاء جيل التجربة الماركسية الحقة , وهم الأحرى بتقدير السياق وتدبير المآل وقد فعلوا , فليكن فى هذه التجربة ما يزيد فى موضوعك باعا , وليتك تضيف لمناولاتك النظرية الناقدة للماركسية ما أفرزته تجرتها العملية , فهذا يحسن الفهم ويقرن الكلمة بحادثة , مما يسهل على الناس التفاعل و الإفتهام إن كان ذلك ما تروم , خاصة وأن ما تزال الذاكرة حية والشهود أحياء والحدث بكر .
أقدر جهدك ... وننتظرك على بر العصر آمنا مطمئنا .
|
|
|
|
|
|