|
Re: كلما اقتربت الشيوعية من الواقع.. ابتعدت عن الماركســية! (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
الأخ عدلان ... تحياتي
أعلم صعوبة الحوار بيني وبينك , فهو ليس حوارا والسلام , كما أنه ليس بحثا مجردا عن فكرة وتعيين موقعها من الصح والخطأ , فهذه فى حد ذاتها ليس بالمهمة اليسيرة , فالحقيقة تتكيف فى إطار النسبية عندما نهم بمعرفتها , والخطأ نفسه ربما يكون الوجه الآخر للصواب , وربما يكون هو الحقيقة الآجلة , وكما الصح ... قد يكون هو الحقيقة العاجلة والخطأ الآجل والله أعلم , كما أن الإطار النسبي لا يكيف أحكامنا على الحقيقة فحسب , وإنما يتوالى ليحدد حجم المعارف الكامنة فى أذهاننا , طالما ليس هناك ذهن يختزن كل المعرفة , وليس هناك من يدعي كل الصحة لما يحمله من أفكار , وحتي الحقيقة فى هيئتها النسبية تلك , فقد أضاف إليها مشروع ما بعد الحداثة أبعادا جديدة , لا تتوقف عند مظهرها الجمالي فحسب , وإنما تتوغل صوب المحتوى وتخالط الجوهر بالمظهر, لتطل علينا الحقيقة فى هذا العصر فى ثوب غشيب , فهي الآن ذات أوجه متعددة وذات أبعاد تشيح عن ميكانيزم الثنائية , الغابر نوعا بإفول نجم التضادية ومركزيتها الفكرية , والضالع نوعا فى عصرنا ولما لم تتسيده أفكار ما بعد الحداثة بعد , فهذه أن شئت مرحلة إنتقالية لا تخلو من الإشتباك بين قديم وجديد , كما أن قمة هذا الصراع تدور حول الأفكار وكما نفعل الآن ... وهذا دفع أول يشي بصعوبة الحوار كما زعمت آنفا , إذ أنها المرحلة وليست الموضوعة , كما أنها الجماعة وليس الفرد , وأنها ظرفية الإنتقال وكعادتها تخصم من أعصاب البشر وربما مهجهم .
ثاني المصاعب , أن الحوار وآلياته ومآلاته , قيم مستحدثة إلتقطناها من تجارب الآخرين , فى سياق تطورهم الإجتماعي , والواضع أن مجتمعنا وبأثر من دواعي تكوينه ( المحافظة ) وتاريخه الممعن فى الوصائية , ونزوعه الداني نحو الأبوية , لم يعلمنا أهمية الحوار ناهيك عن فنياته ومسارب إدارته , وحيث ( نصتك ) الآن , ولأن هذا هو المجتمع الذي كوننا نفسيا وألقى بأثره علينا ذهنيا , فأخالنا بهذا تنقصنا مكونات هامة يقتضيها الحوار , خاصة وقد إستلفنا أنموذجه من خارج مجتمعنا , فالحوار لدى هؤلاء ليس فقط وسيلة لتبادل الرأي ولتعظيم أثره ومنفعته , إنما هو مكون أساسي فى بناء الفرد والمجتمع على السواء , ولأننا ليس كذلك فالنتيجة تختلف لا مناص .
وثالثها أن التعايش ( المزمن ) مع الفرضيات الإطلاقية , بل وإختيارها نهجا للحياة كما تزعم الماركسية , لا يترك للفرد أو المنظمة براحا يسع الآخر , إذ الآخر وبطبيعة المبنى الشمولي هو عدو محض , ومع أن الظروف فرضت على الماركسية وعلى الماركسيين الكثير من الضغوط , والتي كان لزاما الإستجابة لها بشكل من الأشكال , وهذه تتبدى فى هيئة تنازلات غير مقننه لصالح الديمقراطية , وإعترافات خجولة لصالح الليبرالية , وهذا يا عدلان وضع إستثنائي غير محتمل , لأنه يروم الحفاظ على النخاع الفكري للماركسية لوجه التاريخ , بينما يتحمل الأفراد أعباء التناقض , ومأساوية هذا الوضع فى كونه ينشد الحفاظ على فكرة مجردة غائمة , بينما لا ينشد الحفاظ على الصحة الذهنية والنفسية للحوامل البشرية لهذه الفكرة , وهذا تغليب شانع وقلب على عقب , فالإنسان يسخر الأفكار فى هذه الدنيا لمصلحته وليس العكس . لكن وعلى أية حال أعتبر نفسي وإياك ضحايا لهذا الوضع الخروق , فأنت رمز دلالاته فى الحاضر بإعتبار تواصلك مع الماركسية على الأقل من الناحية الرسمية , وأنا رمز دلالاته فى الماضي وما إلتحق به من ذيول إلى ا لحاضر , فلا أبرئ نفسي من إسقاطات شمولية ماضوية , فأنا لست إنسانا آليا بقدرما كوني طبيعي تستدعيه الظلال والتاريخ أحيانا , وهنا عقبة على طريق الحوار.
ورابعها الضخ المؤسسي فى قناة حوار ذات سمة فردية , فأنت وأنا كذلك نحاول إستحضار منظماتنا لننطق بلسان حالها , وكأننا نتحمل هنا وزر غياب الحوار على مصافاته المؤسسية إن جاز التعبير, فلو وافقتني الرأي , فهذا أمر يتجاوز سعة الأفراد , وجائز من ثم أن يضيف مصاعب عملية على طريق الحوار.
وخامسها أننا كسلالة شرقية ( بالمسوغ الثقافي ) من جهة , وكأناس إنسربوا لزمن من حياتهم فى الأقبية الشمولية من الجهة الأخرى , فنحن عجولي الإستدعاء للعاطفة , حتى وإن كان الأمر فكريا بحتا , ومع أن هذا يبدو طبيعيا , إلا أن عاطفتنا ترنو دوما إلى الماضي وإلى تمجيده وإن خاب , وهذا عندما يحدث وعبر تجلياته المختلفة , فإنه يعطب الحوار ويذم أواصره , لأن الحوار غالبا ما يستهدف المستقبل حتى ولو إبتدأ من الماضي , أما العاطفة وعلى نحو ما أسلفت , فإنها تحط برحالها المستديمة على الماضي كحجة لكبح جماح التغيير , والذي أظنه هدف الحوار وقابلة القادم. أقول هذا وقد لاحظت أن حزبك الشيوعي يتعاطى من هذا القبيل , أذ أراه يستحضر ماضيه ويلوز إليه ويجمله ويتحصن عنده , هربا من مستحقات التحدي ( الجسيم ) الذي يواجهه لما يقارب العقدين من الزمان , والواضح أن العاطفة هنا هي المظم الحيوي للدورة الدموية لهذه الفكرة , وطالما هي دورة تعم كل الجسد فبالطبع يتأثر الأفراد , وكذلك تتأثر حواراتهم ومناولاتهم , فكرية كانت أم سياسية أم إجتماعية , وحوارنا الراهن ليس إستثناء .
سابعا , وأرجو ألا تخيم على ذهنك إية إرخاءآت سالبة , فالحوار ليس من صلب الماركسية , وإنما فرضته الظروف والمتغيرات عليها , لهذا فالماركسي منقوص بطبعه الفكري والتربوي حين الحوار , مع أن هذا النقص هو التتممة الموضوعية المعبرة عن أصالة ماركسيته , فالماركسي خلق للتأمل وللتقيد وللتنفذ بالماركسية , أما المجادلة خارج نصوصها ومضامينها فهذا ليس خيارا ماركسيا البتة , وتعلم أن الرعيل الاول منهم قد بذل جهدا مستميتا فى الحفاظ على طهر ونقاء الماركسية , فميزوا نفسهم وببراعة عالية وبشكيمة قوية وبجرأة متميزة حتى عن أقرب الناس إليهم , فكانوا بلشفيين دون المناشفة , وكانوا شيوعيين دون تروتسكية , وكانوا ماركسيين دون يسار طفولي , وكانوا لينينيين دون ماوية , وكانوا عماليين دون الإشتراكية الدولية , وإلى غيره من محاولات التميز والإستفراد , فإن كانت هذه قصة الأقربين فما بال الآخرين والذين لا تجمعهم بهم قواسم أو أرضية مشتركة . إن كان هذا على مستوى التجربة , فالمحتوى النظري الماركسي يرسم طريقا واحدا لتاريخ ومستقبل البشرية , وهي فرضية قائمة على العنف الثوري لتصفية الطبقات الإجتماعية لصالح ا لعاملة , وإلى غيره مما تعرفه عن باقي السيرة يا عدلان . فما أراه أن الحوار ذو الطرف الماركسي صعب بموجب المرجعية الفكرية والتجربة العملية على حد سواء , لكن يتبقى للراغب منهم فى الحوار , الواقع فى بعده الإجتماعي وبفعل من مؤثراته الموضوعية , وكذلك المزايا الشخصية المتمردة على الأسر الشمولي , فهذه من الممكن أن توفر لصاحبها حظا فى المبادرة والحوار .
ذكرت فى مداخلتك الأخيرة حزمة نقاط حول ما تراه من علاقة الحزب بالماركسية , أستعظم جهدك وسوف أعلق على هذه النقاط فى مساهمة قادمة ... مع تقدير وإحترامي .
|
|
|
|
|
|