|
اروع مقال للصحفي عثمان ميرغني - حينما تلتقي الفكرة والاسلوب
|
على الرغم من مطاردة تاريخ الكاتب الصحفي عثمان ميرغني له ، واصرار كثير من الناس على ربطه بم يكتب ، فقد شهد له تاريخ الصحافة السودانية بانه الكاتب الاقرب الى هموم الناس ، وصاحب مقدرة غير مسبوقة ( على الاقل في كتاب الجيل الذي ينتمي اليه ) في انتهاج اسلوب مقتدر في تناول الامور ، وفي تقديري ان هذا المقال يعد اروع ما كتب الاستاذ عثمان ميرغني حتى الآن .
العدد رقم: 748 2007-12-14
حديث المدينة (وغداً للحاضر الزاهر نحيا..)..!!
عثمان ميرغني كُتب في: 2007-12-14
صحف الأمس اهتمت بخبر زيارة الأستاذ محمد ابراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني، ووفد رفيع من حزبه لمقر حزب المؤتمر الوطني.. بكل رمزية الحزب الإسلامية التي ظلت لعقود من الزمان في حالة خصام وصدام مع الحزب الشيوعي.. حيث التقوا بالمشير عمر البشير، رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني، بوجود د.نافع علي نافع. احتفاء الصحافة بالحدث.. وإفرادها لمساحات مقدرة، وخاصة التغطية بالكاميرا.. صور قيادة الحزب الشيوعي وهم يترجلون من سياراتهم داخل مقر الحزب الوطني.. ودخولهم قاعة الاجتماع.. ثم دخول الرئيس البشير ومصافحتهم الى آخر لحظة حتى خروجهم.. مبعثه الإحساس بأن الزيارة واللقاء فيها شيء من روح (زيارة الرئيس السادات لإسرائيل عام 1977).. لقاء الحركة الإسلامية السودانية بالحزب الشيوعي السوداني. لكن الأمر ليس بهذه الإثارة.. فأقرب الأحزاب –دولياً– لحزب المؤتمر الوطني.. هو الحزب (الشيوعي!!) الصيني.. وأكثر دولتين تعتمد عليهما حكومة السودان في مجلس الأمن هما.. الصين.. وروسيا.. (التي قد دنا عذابها..).. سابقاً!!. المسافة بين الإسلامي.. والشيوعي لم تعد تستحق نفس الإثارة في ما لو تم نفس هذا اللقاء –مثلا– في الفترة بين عامي 1986ـ 1989.. خلال الحكم الحزبي الثالث. لو التقى الأستاذ محمد ابرهيم نقد بالدكتور حسن الترابي في العام 1986.. لاستحق اللقاء شهرا من التغطية والمتابعة الصحفية النشطة.. لكن منسوب الوعي السياسي عند الطرفين حينها لم يكن يسمح بمثل هذه الرفاهية الفكرية.. كانت تفصلهما مسافة الملائكة من إبليس.. وباءت محاولات البروفيسور الطيب زين العابدين –أيامها- بالفشل الذريع.. عندما حاول أن يخترق (التابو) ويبتدر درجة من التفاهم ربما يتطور إلى تحالف بين الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي.. في ذلك الزمن الضال. ربما ظنت الصحافة السودانية –وهماً- أن اللقاء بين (الإسلامي) و(الشيوعي) الآن.. لقاء (وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى.. وغداً للحاضر الزاهر نحيا.. ليس إلا).. لكن الخطأ في مثل هذه النظرية يكمن في افتراض أن المؤتمر الوطني هنا يمثل الحركة الإسلامية.. وأن الحزب الشيوعي يمثل اليسار والعلمانية.. واقع اليوم اختلف كثيراً.. اليسار صار يميناً.. واليمين أصبح يساراً.. هل هناك يسار -الآن- أكثر من يسارية حزب المؤتمر الشعبي؟.. الإقرار بالانتماء إلى (الشعبي) صار مُحرقاً لمستقبل الموظف في الدولة أكثر من الانتماء إلى الشيوعي.. وقد يلتقي البشير بـ(نُقد).. لكن (الترابي).. النجم أقرب..!! والحقيقة.. التي لم يدركها الكثيرون في الماضي.. أن المسافة بين (الإسلامي) و(الشيوعي) تبدو نظريا بعيدة.. لكنها أقرب مما يتخيلون.. تماما كالمسافة بين أمريكا واليابان.. نظريا تبدو هي المسافة الأطول من أقصى الطرف الأيمن لخارطة العالم.. الى أقصى الطرف الأيسر.. لكن في الحقيقة.. اليابان تقع على الضفة الشرقية من المحيط الذي يفصلها عن شاطيء أمريكا الغربي. (الشيوعي) كان يطالب بفصل الدولة عن الدين.. ولكن (الإسلامي) أنجز فصل الدين عن الدولة.. تتناقض العبارتان في المظهر.. وتلتقيان في الجوهر.. هل يمكن لأحد أن يصدق ان دولة الدين.. نقطة ضعفها حقوق الإنسان؟ دولة إذا أردت أن تسمع صوت آهتها.. فالمسها في وزارة العدل!! وبينما في سجل الإنجاز والإعجاز تحتفي بأشياء مثل البترول.. الطرق.. السدود.. ذات ما تفخر به دول مثل الصين.. بلا حاجة إلى دين.
|
|
|
|
|
|
|
|
|