سركون بولص يُغادر العالم من برلين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-06-2024, 12:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-28-2007, 02:13 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20710

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين (Re: osama elkhawad)



    عوليـس عراقـي رحـل خـارج المتـن الشـعري العربـي

    عابد اسماعيل
    *********
    إن ميزة سركون بولص الأقوى هي تطويع الوجد الرومانسي، الذي ورثه شعراء الستينيات عن بدر شاكر السياب، متأثّرين جميعاً، وإن بدرجات متفاوتة، بحساسية هذا الرومانسي المتأخّر، المتأثّر بدوره بالقصيدة الإنكليزية الحديثة. لكن بولص آثر أن يتكتّم على الكآبة السيابية، فأبقاها مطمورة تحت رماد ثقافته الغربية، الأكثر رصانة وقوة. ترك بولص بلاغة السياب وذاتيته القاتمة، واحتفظ بذاك الحدس الفجائعي الهادئ، الذي يشكل جوهر رؤياه الشعرية للعالم. هذا الحدس جعله يروّض العاطفة السيابية، ويصقلها لتظلّ منحرفة عن نموذجها الأعلى، ولتسدّ فراغاً تركه غياب التفعيلة من قصيدة النثر الحديثة. لكن بولص لم يترك الإيقاع بتركه التفعيلة، وبدل أن يكتب قصيدة النثر «َُِّْم ُِمٍ» بمفهومها الحديث، اختار الشعر الحرّ «نْمم ًّمَّْم»، الخالي من الأوزان والقوافي، لكنه الغني بالإيقاع، والمموسق بمكائد البلاغة وحيلها الرّمزية. وقصيدة بولص موقّعة أيضاً بتلك العاطفة الصامتة، ذات النبرة الخافتة، والحياء التعبيري، فهي تختزن عذابات وجودية بكماء، ذاتية وكونية معاً. وهو، إذ يهجر الموقف الذاتي الغنائي، يختار الموضوعية التعبيرية، القائمة على التضادّ والمفارقة «ِفْفلٍُّ»، ويقيم عند تخومها، لكي يدوّن ألم الكينونة، الفجّ والعاري، مثله مثل العديد من أبناء جيله، كفاضل العزّاوي، المولع بسرد العدم، أو عباس بيضون المفتون بجماليات القطيعة، أو وديع سعادة الشغوف بفلسفة الهباء. لكنّ بولص يكتب من وحي تلك الفجوة «الإليوتية» التي يراها تتّسع وتمتدّ أمامه، والتي تفصل الذات عن العالم، واللغة عن الواقع، وتقذفُ باليقين إلى مهب الحيرة. وككل الحداثيين الكبار، يركّز بولص في شعره على معنى اللا نتماء، وقسوة الإقامة في التيه الوجودي، ما يعني بالضرورة حيرة اللغة إزاء دلالاتها، وتأرجحها الدائم بين الغياب والحضور: «هذه الكلمات، أبداً، تهبّ في مفترق الطرقات/ بين النوم واليقظة».
    متأثراً بجيل البيت «قمفُّ» الشعري، وحساسية الثورة الثانية في الحداثة الأميركية، التي رسم معالمها آلن غينسبرغ في ديوانه (عواء)، وجاك كرواك في روايته (الغداء العاري)، في مطلع الستينيات من القرن الماضي، تعلّم بولص أن يصطاد لحظته الجمالية بشغف المتصوف، وحذر العدمي، غائصاً في عمق اللاوعي الكوني، مستخرجاً صوراً ملغزة وصادمة، فائقة الرّوعة، ومدوناً أحلام ذات تنبذ ذاتيتها، وتصير هروباً. فالأنا المتكلّمة في شعره هي أنا هاربة، فارّة من تقليد رومانسي أعلى، لا تبوح بقدر ما تتكتّمُ، ولا تُظهِرُ بقدر ما تُخفي، وربما لا تكشفُ بقدر ما تحجبُ. إنها تلك «الأنا» التي تقدّم نفسها دوماً كقناع، كما في مجمل شعر الحداثة. ففي قصيدة (سقط الرجل)، مثلاً، يكتب بولص عن تراجيديا وجودية فردية، كونية الأبعاد والدلالات، لرجل انحنى فجأةً على ركبتيه، في ساحة عامة، كأنما بسبب ألم مفاجئ، أو بسبب قوة عليا غامضة، إلهية أو شيطانية، أو ربما بسبب ضربة حزن مباغتة: «هل قضى عليه الحزنُ بمطرقةٍ يا تُرى؟» لكنّ بولص، في هذه القصيدة المكثفة، المنسجمة بنيوياً وتعبيرياً، يؤكّد ثيمة السقوط بإطلاق، ربما سقوط آدم من الجنة دينياً، أو سقوط الإنسان من إنسانيته داروينياً، أو سقوط الوعي الفردي فرويدياً، وربما سقوط اللاهوت الجمعي نيتشوياً، لكنّ الرّجل ـ القناع، في النهاية يسقط، ونكاد نسمع صوت ارتطامه الخافت في هذه القفلة الرائعة للقصيدة: «سقط الرجلُ فجأةً مثل حصانٍ/ حصدوا ركبتيه بمنجل».
    في استرجاع صورة سركون بولص المنسي في منفاه، استرجاعٌ لصورة الشاعر المفتون بالسفر دائماً، منذ مغادرته كركوك إلى بغداد، ومنها إلى بيروت ثمّ إلى سان فرانسيسكو، التي احتضنته لأكثر من ربع قرن. وفي هذا الاسترجاع تحضرني بغرابة تلك الكلمات الختامية لتنيسي ويليامز في مسرحيته (الحديقة الزجاجية) التي يسوقها على لسان بطله الشغوف بالسفر، توم، والتي تقول: «تنقّلتُ كثيراً. كانت المدنُ تتطايرُ حولي كأوراق ميتة، أوراق ساطعة الألوان، سُلِخَت عن أغصانهِا وتطايرت. كان يمكن لي أن أتوقّف، لكنّ شيئا ما كان يلاحقني. يهبطُ عليّ في غفلتي، ويباغتني. لعلّها مقطوعة موسيقية مألوفة. لعلّها مجرّد نثرةٍ من الزّجاج الشفّاف». لا أتصوّر أنني أتذكر هذه الكلمات عبثاً، ففيها الكثير مما يصف حياة وشعر سركون بولص، حتى ليخيل للمرء أن بولص وليس ويليامز، هو من كتبها. والقارئ لقصائد بولص يجد أنها مكتوبة حقاً عن مدن هاربة، أبطالها جوّابو أحلام، يتنقّلون كثيراً بين الموانئ والمحطّات، مطاردين بأشباح وأطياف شتّى. حياة مشدودة إلى وتد، تتحول بين يدي بولص إلى منحوتة زجاجية، تتناثر لحظاتها إلى أسرار شتّى: «ها هي حياتك مشدودة من شعرها/ إلى وتدِ الأيام، كأنهّا امرأة/ تريد أن تبوح لكَ/ بأوّل الأسرار/ وآخرها». ووراء هذا البوح، يكمن ألم وجودي عميق، مردّه الشعور بعبثية الأشياء، وسقوط الكائن فريسة للضياع واللا جدوى: «ثم كانت الأيام/ ودسّ أحدهم بين يدي/ هذا العود، وعلّمني كيف أغنيّ/ بهذا الصوت الجريح».
    ولأن بولص يجيد الإصغاء إلى بوح الحياة، نراه يبحث عن معادل موضوعي لها في تلك القصيدة الحرّة، الشرسة والحزينة، التي تطارده ويطاردها. القصيدة التي تشبه الحياة ذاتها. القصيدة الشفافة، الحية، الغنية بإيقاعات العالم. لا ذهنية ولا فلسفية. قصيدة رشيقة، غنية بالإيقاع الداخلي للتراكيب، إيقاع النثر الذي تحوّل بين يدي هذا الشاعر، بوجه خاص، إلى ندّ حقيقي لإيقاع التفعيلة. وهي قصيدة متحركة، تنام على حلم وتستيقظ على حلم. أقصد أنها ليست قصيدة دوغمائية ساكنة. أي ليست رهينة مقولاتها النظرية أو النقدية. ففيها الكثير من رغبة التجريب والمغامرة، على صعيد البنية والموضوع. ولعلّها القصيدة ـ الرحلة (يَُِّْمۖ ُِمٍ) بامتياز. القصيدة الزورق التي تهب عليها الريح، ويأخذنا المدّ إليها، وتأخذنا، نحن قرّاءها، إلى شواطئ مجهولة، بعيدة وآسرة. ولأن بولص مدمن سفر، يتحوّل المتكلم في قصيدته إلى عوليس آخر، لا يهمّه الوصول إلى ميناء أو محطّة، بل تغويه الرحلة ذاتها، فالسفر غاية لا وسيلة. في إحدى قصائده يسأل: «هل أغرتكَ السفنُ إلى هذا الحدّ/وسرتَ كما قلتَ/ على الماءِ؟» كأنما للتدليل على شفافية الرحلة وصفائها، وربّما على عبثيتها وخفّتها، أي خلوها من كلّ هدف أو غاية، تماماً مثل هذا السير الخرافي فوق موج المجاز. وما العنوان الأخير (إذا كنت نائماً في مركب نوح)، الذي خصّ به مختاراته الشعرية الصادرة عن دار الجمل، قبل سنوات، سوى تأكيد إضافي على شغف بولص بالرحيل والارتحال والسفر. هذا إذا لم نذكر كتابه الشعري الأول، (الوصول إلى مدينة أين)، المفتون بالموانئ والمدن والترحال، والذي يبدأ، بكلمةِ «وصلتُ»، وينتهي بكلمة «ذهبتُ»، وبين الوصول والذهاب رحلة مفتوحة على المجهول، تبدأ ولا تنتهي.
    وإذا أردنا أن نبحث عن مرجعية جمالية للشاعر، فإننا لن نجدها في شعر أدونيس مثلاً، المفتون بالرؤيا الميتافيزيقية، أو في شعر سعدي يوسف، الشغوف بالسّرد الزماني، أو في قصيدة أنسي الحاج المائلة إلى عذوبة إنجيلية نادرة، أو في كآبة محمد الماغوط المتضورة وحيدةً في عراء المفارقة. ربما كان بولص، من دون أن يدري، يقيم خارج المتن الشعري العربي كلّه، ليس بفضل إقامته الطويلة في منفاه الاختياري، واحتكاكه المباشر بالثقافة الأميركية فحسب، بل ربما بسبب رؤيا فريدة للشعر، تمثل خلاصة فهم عميق لتقليدين شعريين قويين، غربي وعربي. وهي رؤيا المقيم المهاجر في منفاه وثقافته ولغته، المنتمي واللا منتمي في آن واحد. وهذا المكوث بين لحظتين حضاريتين ولغويتين مختلفتين جعلت الصوت الشعري أكثر تفرّداً واختلافاً، وربما أقوى حضوراً وتأثيراً. ونعلم أن بولص ليس بشاعر بلاغة إنشادية ملحمية، مثلما هو حال أغلب معاصريه. لكنه نحّات الومضة الشعرية الخاطفة، وصاحب الضربة المجازية الرفيعة، التي تجعل الشكل توأماً للمضمون.
    هي، إذاً، قصيدة سركون بولص وحده. القصيدة المسكونة بألحان خفية، ونثرات زجاج شفّافة ومشعّة. نثرات مضيئة، تؤلف شعراً طبيعياً «كالدّم والكحول وورق الشجر»، على حدّ تعبير عباس بيضون، تتأمّل ذاتها في مرآة اللغة وتحلم بالديمومة: «أجمع نفسي/ عارضاً وجهي للبرق/ وأنا أهذي بانتظار أن تتركني الموجةُ/ على شاطئ مجهول/ مقيداً إلى حجر». من هذا الحجر تولد تلك النثرات الوجدانية والشعورية والفكرية واللغوية، ثم تنصهرُ وتنصقلُ تحت مطرقة المجاز الرفيع، لتنطلق وتطير مثل شهبٍ في ليل دامس.
    (دمشق)
                  

العنوان الكاتب Date
سركون بولص يُغادر العالم من برلين nassar elhaj10-22-07, 05:28 PM
  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين nassar elhaj10-22-07, 05:34 PM
  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين nassar elhaj10-22-07, 05:38 PM
    Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-22-07, 05:58 PM
      Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين Ishraga Mustafa10-22-07, 06:37 PM
        Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-23-07, 04:23 AM
          Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-23-07, 05:32 AM
  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين أبوذر بابكر10-23-07, 02:44 PM
  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين عادل عبدالرحمن10-23-07, 02:47 PM
    Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين فتحي البحيري10-23-07, 04:48 PM
  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين zumrawi10-23-07, 04:55 PM
    Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-23-07, 11:28 PM
      Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين Giwey10-24-07, 06:30 AM
        Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين Saifeldin Gibreel10-24-07, 08:18 AM
          Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-24-07, 05:19 PM
            Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين nassar elhaj10-24-07, 07:03 PM
              Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-27-07, 03:31 AM
                Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-27-07, 05:36 AM
                  Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-27-07, 06:09 AM
                    Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-27-07, 08:44 PM
                      Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-28-07, 02:13 AM
                        Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad10-29-07, 04:27 PM
                          Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين عبد الحميد البرنس11-01-07, 04:58 AM
                            Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad11-01-07, 11:55 PM
                              Re: سركون بولص يُغادر العالم من برلين osama elkhawad11-01-07, 11:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de