|
Re: علماء الحيض والنفاس يكفرون الانضمام للحزب الشيوعي ببورتسودان .. والشيوعي يحذر (Re: Ishraga Mustafa)
|
لكل الإخوة المتداخلين ... سلام
لاحظت عبر المناولات ذات الطابع الشيوعي لهذا البوست , نحيبا وتشنجا وإستصراخا يلفت الأنظار , وقد كنت أود التداخل من واقع الوثيقة ( التكفيرية ) التي أشعلت كل هذا الحريق , وقد طلبت ذلك من الأخ خالد بإعتباره مجترح هذا البوست , وهو الأكثر وفرة للتجواب على أسئلة القراء وطلباتهم المقرونة بموضوعه , لم أتلق ردا من أية شاكلة , وإن له العتبى حتى يفصح , أهمية الوثيقة تتأتى من ضرورة التيقن مما ينسب للجماعة المتهمة بالإثارة والتدليس , والإطلاع على ( نص ) الرسالة للتعرف على كامل محتواها , وهذا ما يتيح للقارئ وللمحلل الإستناد على بينة مادية , كما يتيح الفرصة الأفضل لمعانية المناخ النفسي والفكري للمجموعة المتهمة , طالما تتصاعد أدخنة هذه القضية وتقيض على العاملين فى الحقل السياسي السوداني الإصطفاف هنا أو هناك .
عموما , سأختار من جملة المعروض حول المسألة أمرين , أخال وبموجب التركيز والتكرار أنهما فى صلب الرسالة الصادرة عن هيئة علماء بورتسودان كما أسمع , وهذين الأمرين هما تكفير الحزب الشيوعي من ناحية والدعوة للإنصراف عنه من الأخرى , ويبدو الأمرين هنا وكأنهما يكملان بعضهما البعض , على سبيل السبب والنتيجة والعلة والمعول كما تتوخى ذلك الماركسية , لكني أسعى للفصل بين الأمرين وسأبين ذلك لاحقا .
يعلم القارئ الكريم أن لا إلحاد الشيوعية ولا تكفير الإصوليين لها بالموضوعة الجديدة علينا , حدث هذا المشهد من قبل ويتكرر الآن متجاوزا الملهاة إلى المأساة , وكأن طرفي هذا النزاع كأهل البوربون , لم يتعلمواشيئا ولم ينسوا شئيا , فالحركة الإسلامية السودانية ما تزال تتدخر المغلاة والتطرف تحسبا ليوم أسود , يوم يفقدون السلطة ويتولى أمرها سواهم , وغض النظر عن الآلية المفضية إلى هذه النتيجة , وسواء كانت الديمقراطية أم العنف أم الحراك المدني , ومع أن هذه الحركة قدمت من التنازلات ما لايمكن إنكاره قياسا بجوهرها الديكتاتوري وتاريخها القمعي , لكنها لا تأخذ قضية التغيير والتصالح مع العصر وقيمه المتدافعة صوب الإنسان وحريته وحقوقه مأخذ جد , بل تكتفي بالأكلشيهات الموحية بالتغيير دون مساس بالجوهر , وحيث ترابض الفكرة الإصولية وآيدلوجيا التغييب رهن الإشارة السياسية .
وكأن طرفي النقيض يستوحيان وجدودهما وفعاليتهما من بعضهما البعض , وفى ردفعلية تستدعي مشورة علماء التاريخ والسايكولوجيا , فالحزب الشيوعي فى الطرف الآخر من المقاربة يسلك نفس مسلك الحركة الإسلامية , بإستظهار الحمية على الديمقراطية والشئون الحقوق إنسانية وكل حزمة التمظهرات العصرية , لكن الجوهر ما يزال شيوعيا أحاديا باطشا , وحيث ترابض الفكرة الأصولية كذلك وآيدلوجيا التحتيم رهن اللحظة السياسية المواتية . وإلا فما الذي يجعل هذين المنظمتين تخوضان الأهوال , وتركبان الصعاب وتزدردان التناقض , وتفعلان كل شئ دون المساس بالإصول الفكرية المكونة لهما .
أحبذ الفصل بين دعوتي التكفير والإنصراف عن الحزب الشيوعي , لأن الأخيرة عادية وجائزة فى الأعراف والمعاملات السياسية العصرية , فهذه تندرج فى إطار التحريض السياسي المشروع ولا غبار عليها , أما الشق الأول والمتعلق بالتكفير , فأود أن أسعى هنا بين مفهوميتي للماركسية وواقعي السوداني , وفى إطار رقابة الضمير الفكري والوجدان السياسي ومن أينما توفرا . عليه أقبل الحكم على الشيوعية ( بالإلحاد ) كواقعة فكرية أصيلة فى ثنيات المنظومة الماركسية , وأرفض التكفير كشأن ديني له مستتبعاته العقابية , والتي أفضل من يتولى أمرها خالق الكون والعالمين .
يبدو الحزب الشيوعي فى هذه المسألة ضحية , وهذا صحيح بالمقاييس النسبية , وفى إطار ميزان الحرية والديمقراطية , مع أن هذا الحزب لا ينتمي فكريا لهذا الميزان , إن لم يكن يناهضه كبدعة برجوازية , وإن تجاوزنا عن هذا التسلق الإعتباطي لمصلحة الحوار , فشعب السودان يتطلع للحرية وللديمقراطية , ويسعى لهما ما نبت على مصابعه ظفر وما عض ناب , لكنه يبتغيهما لعيش كريم ولتعايش مقتدر ولظفر بالعصر ومنجزاته , ولمؤآلفة ضواده وترسيخ منوعاته , ولوصل مبرم بين تاريخ وحاضر , ولحل إستعصاءآت مجتمع مشرقي النزعة أفريقي الإهاب خليط التثاقف ... قضايا كبيرة ومجلجلة ... لكنكم أيها الشيوعيين ... تذرون على عيون هذه القضايا رملا ... وتشيعون بمواجبتكم الجزمية للماركسية إحساسا مدلهما بالتآمر الثقافى على مجتمعكم السوداني ( المحافظ ) ... وكأنكم تريدون الديمقراطية لإشاعة وتقنين المرفوضات الماركسية وعلى رأسها الإلحاد , فإن رفضها المجتمع بأريحية فلا بد وأن يزدردها عبر الديمقراطية ... هنا مشكلة , وإن لا أعلم مقدار علمكم بها , مع أنكم فى الإتون , فما تدخرونه عبر منافحاتكم فى الشارع وفى السجون وفى المشانق وسوح العمل العام , تذروه رياح الإلحاد ومشتبهات أخر تفصد الطمأنينة الإجتماعية حيالكم .
ربما تتسق بعض الخطى على الطريق , وعليه فقد تصح الرسالة الشيوعية الصاخبة بأن خطر التكفير لا يقف عندهم , وسوف يشمل كل مغاير للإصولية وإن ضاقت الفروقات , لكن هذه الرسالة حمالة أوجه , فوجه يحمل الحقيقة بملامحها المجردة , ووجه يستطرد فى التحميل العالي للحادثة لحماية جسد الحزب بدروع المجتمع , ووجه يروج لموت محتمل خصما على موت حادث ( وبالجملة ) كما فى دارفور , ووجه يستدعي الآخرين لمعركة تخصه , أو دعني أقول وللدقة ( بشكل أساسي ) , والخصوصية التى أعني لا تتعلق بإحتمالات الرحمة فى فؤاد الإصولي , لكنها تتعلق بثمة فكرة تستفز المجتمع فى كلياته , ناهيك عن شريحة موتورة . أرى فى الإثر أن الشيوعية تزيد فى طيننا بله , فعلى ظلال الشيوعية تجبر الإسلام السياسي فى بلادنا , وإكتسب مشروعية فكرية وسياسية كترياق مضاد , ثم إن التحالف مع شيوعي فى معترك يحتمل وبأي قدر كان تأويلا دينيا, هو مشكلة أخرى , بإعتبار الخلفية الإلحادية للشيوعية , ليبدو الأمر وكأنه مناصرة لأعداء الدين . صحيح أن التعصب الديني يستهدف كل من يخالفه , وربما يكفي الموقف السياسي لوحده لهجمة إصولية رعناء , وصحيح كذلك أن دعاة العلمانية يستوون مع دعاة الشيوعية وفق الخطاب التكفيري , مع أن الشيوعية تختلف عن العلمانية بتعزيز موقفها السياسي من الدين برابط فكري إلحادي وثيق .
نريد أن نحارب الإصولية , لكن ليس لمصلحة الإلحاد بحال , وهذا ما يستدعي الوعي بالموقف موثوقا بحلقاته الأمامية والخلفية , أكثر من الخوض مع الخائضين , كما يدعونا لذلك الحزب الشيوعي وهو يقرع طبول بورتسودان , نريد أن نحارب الإصولية بنزع سلاحها ووقف عنفها على الأرض , أما الذهنية الإصولية المستغرقة فى العنف كآيدلوجيا , فهذا مصاف فكري تستوي فيه مع شبيهاتها , ومن بينهم العنف الثوري الشيوعي , وهذه مشكلة أترك حلها للمجتمع السوداني وهو يفاعل أمره على سبيل التحول الديمقراطي المزمع . مع ذلك , ولمن يود رفع الحرج عن سودانه المقهور أصلا , فأرى الحل بأيدي المعنيين بالأمر, وذلك بالنزع الطوعي للفتائل الفكرية الآذنة بالإشتعال ... هنا وهناك .... وحفظ الله السودان .
|
|
|
|
|
|