|
النــقــــــــــــارة
|
النقارة:وظيفتها الإعلانية مجتمع المسيرية نموذجا
*الأصول الإثنية للمسيرية هي عربية جهينيه ، استقرت في الجزء الغربي من جنوب كردفان ، بعد رحلات طويلة ابتدأت من شبه جزيرة العرب. هنالك رأيان في تفسير قدومهم : رأي يرى أنهم جاءوا عبر الرحلات القادمة عبر شرق السودان هم و جهينة وسط السودان (قواسمة ، شكرية ، ..الخ ) ، والرأي الأخر - و هو الأرجح وهو ما يقول به تاريخ المسيرية الشفاهي و كما تناقلته حكاياهم – بأنهم جاءوا من تونس الخضراء.. في الجزء الغربي من جبال النوبة ، استقر المسيرية ، تجاورت قبيلتهم مع بعض قبائل النوبه ( كمدا ، تلشي، تيما ، والي ، أبوجنوك ، طبق ، الداجو و هم من أصول دارفورية ) و من ناحية الشمال تجاورهم قبائل الحمر ، البديرية ، الجوامعة و كنانة، و غربا الرزيقات و أقصى الشرق الحوازمة . و المسيرية و الرزيقات و الحوازمة و أولاد حميد و التعايشة و الهبانية و بني هلبة ، ذوي أصول مشتركة و يعرفون بمجموعة العطاوى. * و المسيرية أناس يحترفون الرعي ، فهم يعتمدون أساسا على أبقارهم . البقرة تشكل عندهم معادل وجود مهم. لإانسان المسيرية يعتمد على البقرة في وجوده الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي. و يستفيد كثيرا في سلوكه الحياتي من البقرة و تشكل عامل مهم في تكوين الثقافة و تشكيل المفاهيم الحياتية . لذلك يوصفون بالبقارة ، و البقارة صفة مهنة كالمزارع و النجار و السباك ..الخ * هذه الإشارة مهمة جدا كمدخل اجرائي لو فرضنا أن الإثنية و البيئات من عوامل بناء الثقافة و تراث الإنسان . و هي مهمة ايضا باعتبار أن الجغرافيا تساهم كثيرا في تشكيل بناء مزاج الإنسان و تخليق صفاته الإبداعية . و هي مهمة ايضا باعتبار أن كل جماعة بشرية ، بوعيها المتنامي و المتطور عبر الزمن ، تستطيع أن تكون و تشكل ثقافتها و تطورها عبر المعارف الحياتية المكتسبة . و في بيئات الرعي المعرفة غير منتظمة ، و ليست لها مؤسسات تبحث و تنقب فيها ، بل هي عبارة عن جزء أصيل من الحياة يكتسبها الإنسان بتلقائية و يتعامل معها في حدود تلك التلقائية. و قد تكون الثقافة من ناحية مفاهيميه أكثر شمولا و إتساعا لتشمل حتى رؤية الإنسان للعالم و الوجود من حوله ، وبهذا الفهم لابد أن يكون لها أساس روحي و عقائدي يسند تحديد ملامح هذه الرؤية و هو ما يمكن أن نسميه أصول الثقافة . هذا المدخل – بصورة عامة – يتوسل تسليط اضاءة على الأجواء التي نشأت فيها النقارة ، على الأقل عند المسيرية ، ثم تطورها كأداة من أدوات تشكيل الوعي الثقافي ، و الذي يتجلى فيها كممارسة و ابداع إنساني.. و من ثمة توضيح الدور الذي تلعبه النقارة في حياة مجتمع إنسان المسيرية. و مبدئيا يمكن أن يقسم هذا المقال الى المباحث التالية: - النقارة ، تعريفها ، طريقة صناعتها ، أصولها - أغراض إستخدام النقارة - من له حق إمتلاكها و قد لا يتقيد المقال كثيرا بهذه الخطوة الإجرائية. تعريف النقارة[/B]: المسيرية يتحدثون اللغة العربية بلهجة موغلة في القدم و يدينون بالإسلام. لذلك تجد أن مفردة النقارة ذات اصل لغوي عربي. فهي من الفعل نقر ينقر فهو ناقر و نقار (بتشديد القاف) ، و النقر هو الطرق ، و منه منقار الطير. طور المسيرية هذه المفردة كمرادف للطبل. و إصطلاحا ، النقارة هي آلة إيقاعية محلية ذات إستخدامات متعددة و مفيدة في مجتمع المسيرية. طريقة صناعتها[/B]: تصنع النقارة من جذوع الأشجار ، و هي اسطوانية الشكل. و تستخدم اشجار معينة في صناعتها ، منها أشجار الحميض و الزان. فالنقارة عبارة عن اسطوانة مجوفة من شجرة الحميض أو الزان ، يبلغ طولها حوالي ( 90-100سم) و قطرها حوالي (25-35سم). هذه الأسطوانة مفتوحة –راسيا- من الجانبين ، و يستخدم جلد الأبقار كغطاء ، و تغطى به فتحتي هذه الأسطوانة. و عند الطرق عليها تحدث صوت عالي يمكن سماعه على بعد 30-40 كلم. أصول النقارة[/B] : النقارة هي عبارة عن طبل ذو اصول أفريقية . فعرب شبه الجزيرة العربية – الأصول التي ينحدلر منها المسيرية- لم يعرفوا النقارة بهذه الكيفية ، بل عرفوا طبولا أصغر حجما و مختلفة في شكلها. و المسيرية قد جابوا أفريقيا و تحركوا فيها لمسافات طويلة ، لذلك هم من أكثر القبائل العربية التي تاثرت بالخصائص الأفريقية، و البعض يرى بأنهم من اكثر القبائل أفرقة. و يتجلى ذلك الأثر الظاهر في طرائق الإنتاج ووسائله ، و ذلك في الرقص و قليلا من الدم، و المظهر الأفريقي الذي تبدو سيماه في تقاسيم و ملامح إنسان المسيرية. و لقد إكتسبوا النقارة كأداة تراث و بناء ثقافة و طوروها حتى غدت لها إستخدامات متعددة قلما توجد عند القبائل الأخرى. و كذلك نجد أن الرقص المصاحب للنقارة يتميز بالشدة و العنف الطقوسي الأفريقي. يصاحب النقارة في حالات الفرح طبل اخر أصغر حجما و يعرف بالتمبل ، و هو نقارة صغيرة الحجم . و تعرف أيضا بالأم و البنت. و يستخدم في عزف النقارة مضارب صغيرة أشبه بالعصي ، غالبا ما تكون من أشجار البشم ، و عزفها يسمى بالضرب ، و في حالة ضرب الفرح تستخدم عصاتين. أغراض إستخدامها: إنسان المسيرية هو رعوي في المقام الأول ، يحترف تريبة الأبقار و الأغنام. و مؤخرا أصبح جزء من المسيرية يحترف الزراعة ، و المزارع عندهم هو المسكين الفقير الذي لا يملك الأبقار ، و هو في وجوده الإجتماعي لا يملك حق الكلام و إبداء الرأي ، ذلك أن الثري عندهم هو من يملك حق الكلام في المجالس المهمة و إبداء الرأي و تطلب مشورته. و لأن مجتمع المسيرية به نسبة عالية من الأمية ، فإن الثراء يقاس بعدد الأبقار المملوكة للفرد. و تسمى مجموعة الأبقار التي يمتلكها الفرد بالهدبة أو المراح. و عادة يملك كل فرد صاحب هدبة أو مراح نقارة. فالنقارة في معظم تواجدها تلازم الأبقار، و لكن لا يمنع هذا من أن تكون لها وظائف ، في تطورها ، أشبه بالمستقلة عن تلازم الأبقار. و كما هو معروف فإ الإعلان أو الإعلام ، يشكل أثر فعال في حياة الجماعة – أي جماعة بشرية كانت، ذات وجود جماعي موحد – و هو في خلاصته وسيلة كشف و تنبيه . لذلك نجد أن إنسان المسيرية يستخدم النقارة كوسيلة إعلام أو إعلان، و يتجلى ذلك في عدة أغراض لإستخدام النقارة و يمكن أن نجملها في التفاصيل و التوضيحات التالية . كما ذكرنا ، فإن طرق النقارة أو نقرها أو عزفها عند مجتمع المسيرية يعرف بضرب النقارة . و هنالك عدة ضروب للنقارة وهي : ضرب المسار ، ضرب المحط ، ضرب إحضار الغائب، ضرب الخراب ، و ضرب الفرح. ضرب المسار[/B]: المسار لغة هو الطريق أو الدرب . أما إصطلاحا فيعني عملية انتقال الظعينة من موضع لأخر ، ذلك أن إنسان المسيرية هو إنسان رحال بطبعه ، بمفهوم أن الرحيل عز العرب، متنقل غير مستقر ، يتبع أبقاره و أبقاره تبع الكلأ . و لهم رحلة ثنائية الإتجاها جنوبية – شمالية، ترتبط بمواسم الأمطار قلة و كثافة . فحينما تكثر الأمطار يرحلون من الجنوب (الصعيد) نحو الشمال ( السافل – دار الريح ) ، و حينما تشح يعودون للصعيد. و موضع النزول يسمى المحط ، و منه المحطة ( للقطار أو البصات) ، و البعد بين المحط و الأخر يكون في حدود 20-25 كلم. و المسار ، هي عملية لها طقوسها و تفاصيلها الخاصة. المسار عادة ما يسبق برحلة إستكشاف لموضع الكلأ الجيد ، و يقوم بذلك شباب الفريق ( الصبيان) ، و يعرفون بالرواغة و هم الرواد و مفردهم رائد و منها تسمية ضبطية الجندية. بعد تحديد الموقع الجيد ، يخطر شيخ الفريق بذلك و هو أكبر شخص سنا و يسمى بالعميد ، و منها العمدة الوظيفة الإدارية و العميد رتبة ضبطية الجندية. و يقوم عميد الفريق بدوره بتنبيه أهل الفريق منذ الليل إستعدادا للرحيل. و تبدأ عملية المسار في الفجر الباكر ، وتنتهي عند الظهر ، عندما تشتد الحرارة. و فريق المسيرية في حالة المسار يسمى بالضعينة (الظعينة) . و الفريق عادة ما يتكون من أفراد خشم البيت الواحد ، و تسمى الظعينة بإسم الشيخ ( مثل ضعينة معلا أبو أم مخيان، ضعينة فضل اللـه قباض ، ضعينة الفضل أبو عاشة ، ضعينة مراهد النصيبة ..الخ). في اثناء المسار تحمل المرأة متاعها ، ويسمى الخمام (بضم الميم) في ثور مطيع يسمى بالثور الكلالي (بضم الكاف). و الفتيات يستخدمن ثيرانا أقل عمرا و أقل متاعا أو خماما. و الرجال ايضا يركبون ثيران لا تحمل متاعا إلا نادرا. و عادة ما يركبون الخيل أو الحمير. و في المسار يتقدم الظعينة الهدبة أو المراح ، ويتقدمه شاب (صبي) يعرف بالدليل "دليل البقر" أو المقدم ( و منها رتبة ضبطية الجندية المعروفة). تحمل النقارة – اثناء المسار- في ثور خاص به متاع يخص عميد الفريق . و تعزف أو تضرب بطريقة خاصة و هي على ظهر الثور. و يستطيع أي مسيري بحسه البدوي النقي تمييز ضرب المسار. و الغرض من هذا الضرب تنبيه الظعائن الأخرى و القبائل و الفرقان بهذه الظعينة السائرة. فهنا تستخدم النقارة كمنبه او أداة اعلان ، ذات فعالية عالية. ضرب المحط : المحط أو المحطة هو الموقع الذي تنتهي عنده عملية المسار و هو موقع نزول الظعينة، و عادة ما يتميز بالكلأ الجيد و الماء الوفير. و عندما تنزل الظعينة ، يقوم كل فرد – ذكر أو انثى – بأداء عمل معين ، النساء يقمن بإنزال الخمام أو الشيل (المتاع) و الإستعداد لبناء الجاحوبة (بيت العرب البدو). أما الفتيات فيذهبن لجلب ماء الشرب. و الفتيان يقومون بفرز (عزل) العجول الصغيرة و الحملان و السخلان عن امهاتها ، ذلك تهيدا للسرحة ( الرعي) في الفلاة. الشيخ يقوم بالإشراف و التوجيه. في هذه الحالة ، يقوم شخص – غالبا ما يفعل ذلك المقدم أو دليل البقر – بضرب النقارة بإيقاع معين يختلف عن إيقاع المسار . و لكل قبيلة نوع معين من الضرب الخاص بها . و الغرض من ضرب المحط الإخبار بالوصول و النزول. ضرب إحضار الغائب (الرايح): حينما تستقر الظعينة و يتم بناء البيوت الصغيرة و جملتها تسمى بالفريق ( منها رتبة ضبطية الجندية) ، يظل الحال مستقرا، و ترعى الأبقار في الفلاة. و قد يذهب الرعاة ( الرعاوية) الى مواقع بعيدة و يتوهون و يضلون طريق العودة الى فرقانهم، أو قد تتفرق الأبقار أو الأغنام ويضيع جزء منها. فإذا تاه الفرد أو ضل طريقه يقال عنه فلان قد راح ، بمعنى تاه. في هذه الحالة تضرب النقارة ، و لكل خشم بيت من بيوت المسيرية ضرب معين لإحضار الغائب. مثلا ضرب أولاد كدو ( و هم من قبيلة الدرع ) يعرف بضربة سيمبو ، وهناك سيمبو الطوال و القصار، و هو إيقاع يستطيع أي واحد من افراد هذه القبيلة تمييزه ، وتستخدم فيه عصاة واحدة. و هناك ضربة "حلاتي" و هو خاص بالغزايا ( رهط الحريكة عزالدين – ناظر المسيرية) و هنالك ضربة "حدية كر " و ضربة "سلطان قم" و ضربة " سلطان ولد أم جن" و غيرها من الضروب المختلفة. إنسان المسيرية يستطيع ببساطة أن يفرق بين ضرب و أخر. و يستطيع من السماع تحديد موقع الفريق و تحديد هوية اهله. فضرب احضار الغائب هو عبارة عن إشارات اعلامية ترسل للتائه ، وعند سماعها تساعده في تحديد اتجاه الفريق و يعود. و قد يكون أحيانا قد ضاع بعض من الأبقار أو الأغنام مما يقتضي البحث عنها ، فيخرج الرجال لذلك و تعرف البحث تلك بالدوارة ، و منها دوارة المرأة أي خطوبتها. فإذا وجدت الأبقار أو الأغنام الضائعة أرجعت الى الفريق. و في هذه الحالة تضرب النقارة بإيقاع معين هو إيقاع "جن " أي جاءن أو حضرن ، بمعنى أن الأبقار الضائعة قد وجدت و اعيدة الى الفريق. و حالما يسمع الدوارة (بتشديد الواو وفتحها) هذا الإيقاع يعودون الى فرقانهم. ضرب الخراب " خدم النقارة": كما ذكرنا سابقا أن الجغرافيا تؤثر كثيرا في بناء مزاج الفرد. و أنسان المسيرية يتميز بصفات عديدة منها سهولة إستفزازه. ذلك أن الإنسان هناك يربي على قيم معينة منها الكرم و ألأمانة و الشجاعة و "الحقانية". و إنسان بهذا الوعي التراكم فيه ، نجد أن الأبقال " المال" تشكل قيمة مهمة و أساسية في حياة مجتمعه ، أضف الى ذلك مفاهيم العرض و الشرف. و بهذا الفهم ، فهو ليس بالملاك ، و انما بشر يستفز و يستجيب للإستفزاز . لذلك كثيرا من تنشأ الإحتكاكات و النزاعات الشرسة. و في القدم الحروب عديدة . أما في الحقب الأخيرة قلت هذه الحروب و الإحتكاكات و أصبحت تحدث في نطاق ضيق جدا. و المسيري له الإستعداد الكافي للقتال و الموت في سبيل شيئين : البقرة (المال) و المرأة ( الشرف و العرض). و القتال عندهم يعرف بالدواس أو الخراب. و حينما ينشب قتال ، تقوم النساء – غالبا- بضرب النقارة بإيقاع معين حزين و رتيب يعرف بضرب الخراب او خدم النقارة (خدم من خدم يخدم فهو خادم ). و هذا الأيقاع من الإيقاعات المشتركة بين كافة قبائل المسيرية. و الغرض منه الإخبار بوقوع الخراب و بالتالي الإستغاثة طلبا للنجدة أو النصرة حسبما يكون، أو طلب مجموعة محايدة تقوم بالفصل بين طرفي القتال. و أحيانا نادرة جدا تخدم النقارة " ضرب الخراب" طلبا للإغاثة ، حتى ولو لم يكن هنالك قتال.
ضــرب الفرح " أم بقـو": الفرح قيمة إنسانية ذات وجود فاعل في شخصية إنسان المسيرية،و له أسباب عديدة منها الزواج ، الختان ، السماية ، عودة المسافر ، و التعبير عن الرخاء و الإستقرار. فهو إنسان مبسوط على طول. و يعبر إنسان المسيرية عن الفرح بالرقص، وهو وسيط روحي مهم عندهم ، يساعد على الإستقرار النفسي . و هو ايضا لغة تعبيرية ذات أثر قيم و فعال و يستخدم فيه الجسد. تستخدم النقارة كآلة مصاحبة للرقص . و رقص النقارة لا يصاحبه الشدو أو الغناء أو أي آلة وترية. فهو رقص ايقاعي بحت ، أي يعتمد على إيقاع الطبل فقط و هو النقارة في هذه الحالة. دائرة الرقص – و تعرف عندهم باللعب- غالبا ما تكون بجوار الفريق أو في وسطه ، حسب المكان المناسب ، و تعلق النقارة على عود يعرف بالشعبة (بكسر الشين)، تعلق فيه النقارة الأم و يعلق بجوارها التمبل (النقارة البنت). ليس كل مسيري مؤهل لضرب أم بقو ( بضم القاف مع تشديدها و ضم الواو) ، وهي نقارة الفرح . فهي مهارة تعتمد على الموهبة المصحوبة بالممارسة و التطوير. عازف النقارة في هذه الحالة يعرف بالضراب، يساعده على ضرب التمبل ضراب اخر. و من أشهر العازفين عندهم عيال أم دامت ، وفيهم المقولة المشهور " النقارة قيامتها قامت كن لموا فيها عيال أم دامت"، و منهم ايضا حسن اللدام ، وحسن فللي ، والتيس الأخضر , غيرهم . تنغم النقارة بتوقيعات معينة تثير روح الطرب في نفس الإنسان. و رقص النقارة يشترك فيه النساء و الرجال، لأن الرقصة هي رقصة ثنائية (رجل ×امرأة) ، وتعتمد على القوام الممشوق و بنية الجسد ( من الطرائف لا يوجد إنسان سمين أو مترهل في قبائل المسيرية) ، و ذلك لتمتع انسان المسيرية بجمال القوام. يحرك الجسد بصورة سريعة تتميز بالعنف الطقوسي. عادة ما تكون نقارة الفرح في الأصيل أو في الليـل ، حيث تعرف بأم درق الليل. يقف الناس في دائرة واسعة حول النقارة و تمبلها. و تقف الفتيات في مجموعات صغيرة مقسمة داخل الدائرة. المجموعة تتكون من فتاتين او ثلاثة او اربعة. تضع كل فتاة زينتها كاملة و هي تتكون من السكسك و ريش النعام و الإكسسوار ( عاج بلاستك ، ازرار قميص، مناديل صغيرة ، حجبات ، اسورة فضة ) ، وتلبس فستان مزركش و تضع تحته حزامة ( تنورة) من قماش القرمصيص. تربط حول خصرها عمامة أو ثوب بشرط أن يكون له ذيلين طويلين. و لا تلبس الفتاة حذاء ، لأنه لا يساعد على الرقص بمهاره. على شعرها تضع الفتاة عطر التربلول ، و هو عطر كما قال عنه احد الأصدقاء (عطر خلاسي فصيح) ، و يتكون من مجموعة عناصر أساسها المحلب و القرنفل. و تمشط الفتاة شعرها على هيئة جدايل دقيقة فيما يسمى بتسريحة المشاط السودانية المعروفة. الشباب "الصبيان" يرتدون ملابس نظيفة و قصيرة ، تعرف بالعراريق ( جمع عراقي) ، و السروال الطويل( حجيلات جقى) و يحتذون المراكيب (عنقرة التيس)، و يحملون العصي القنا أو الفؤوس الصغيرة ( الفرافير). عند بدء النقارة ، يعزف الضراب ايقاعات معينة ، و يمارس عرض معين يعرف ب"قلب البنات" ، قلب بمعنى ارجع و اعاد. و في الزمان الغابر كانت تستخدم فيه الخيل. تقف البنات في مجموعات صغيرة ، و يأتي الشبان يحملون السكاكين عارية " خارج اغمادها أو اجفارها" ، وترفع و تهز في مستوى مواز لرأس الفتاة، ثم يوضع رأس السكين على فخذ حاملها ، و يتنظر برهة على ذاك الوضع ، و عند تنغيم ايقاعي معين تستدير الفتاة و هي ترقص و يكون ظهلرها مواليا لذاك الشاب ووسط الدائرة، فيتحرك الصبي و يقف في مواجهتها ، ويكون حينها مواجها لمركز الدائرة. و بعد تنغيم اخر تستدير الفتاة لتكون في وضعها الأول ، حيث يكون وجهها قبالة مركز الدائرة ، فيتحرك الشاب و يهز السكين على رأس الفتاة ( يأخذ شبالها) ثم يمضي لحاله. اذا استجابت الفتاة و أستدارت ، يقال أن الفتاة (انقلبت) بمعنى أدت شبالها. أما اذا رفضت أن تستدير ، فيقال عنها أبت تنقلب ، و هذا أمر له دلالة خطيرة ، و يعني أن الرجل أو الشاب الذي يقف امامها به عيب معين ، جبان مثلا. و قد شاهدت بنفسي حالة شروع في انتحار في ضواحي مدينة لقاوة ، و ذلك أن احد الشبان رفضت مراقصته أن تنقلب له أو تديهو شبالها ، ذلك لأنه و قف أما الفتاة فلم تستدر ، ويظل هو يضغط بالسكين العارية على فخذه الى أن إخترقت الخذ تماما. بعد عملية العرض أو ما يسمى بقلب البنات ، يبدأ الرقص. و كما ذكرنا أن رقصة النقارة هي رقصة ثنائية بين رجل و إمرأة ، و الرجل هو الذي يختار الفتاة التي تراقصه. و في رقص النقارة لا توجد رقابة ، فيحق للراقصة أن تهتز بالطريقة التي تظهر مهارتها في الرقص. و الراقصون المهرة يستغلون ذلك لإستراق قبلة عجلى ، ولكن بحذر ، وإلا القيامة ستقوم. و عند الذروة يترك الجميع في الرقص. و قد يستمر الرقص لمدة ثلاث أو اربعة ساعات. أحيانا توضع نقود ورقيه ( نقطة ) على ضفائر البنات، و يقوم بوضعها الرجال. و النقطة بهذه الكيفية مؤشر لإنتخاب البنت الجميلة أو من تجيد الرقص بمهارة تستحوذ الإعجاب. عند المسيرية ترد النقود لصاحبها في اليوم التالي و ذلك بواسطة أمها ، أما عند الحوازمة فلا ترد النقطة. و يحق للنساء أن يفعلن نفس الأمر ، و ذلك بإختيار شاب جميل و متميز في الرقص. و لكن تعبير المرأة عن إعجابها يكون بأن تخلع جبيرتها (سوار من الفضة) أو خناقها ( عقد من الأحجار الكريمة) و تلبسها أو تلبسه للشاب الذي أعجبت به. و قد تتم هذا المسألة على مشهد من أهلها و لا أحد يعترض. خلاصة القول هنا ، حتى نقارة الفرح لا تخلو هي الأخرى من الوظيفية الإعلامية ، فهي تستقل للإخبار عن الفرح ، و دعوة الذين لم تصلهم دعوة الفرح.
من له حق إمتلاك النقارة؟[/B] ليس كل إنسان في مجتمع المسيرية يمتلك نقارة ، ذلك لأن إمتلاك النقارة له دلالة إجتماعية معينة. و لطالما الأبقار هي المؤشر الإجتماعي الذي يحدد الثراء و الفقر ، فإن إمتلاك النقارة يتعلق كثيرا بالأبقار. فالشخص الذي يمتلك أبقارا كثيرة يحق له إمتلاك نقارة ، و ذلك إستكمالا لمظاهر الأبهة و البرجزة. و يبدو أشبه بالعيب أن يمتلك الشخص أبقار كبير و لا يمتلك نقارة. أما من ناحية وظيفيه ، فإن كثرة الأبقار يترتب عليها ضرورة الترحال ( المسار) و قد تتوه هذه الأبقار أو تضيع أو تعود ، مما يقتضي وجود وسيلة تعبر عن كل هذه المواقف الحياتية، لذلك قد نجد منطق في ملازمة النقارة للأثرياء. أما المزارع المستقر ، ، فإنه لا يملك نقارة ، و ضمنيا ليس له الحق في إمتلاكها لأنه فقير و لا حاجة له بها ، وهذا من ناحية معنوية و إجتماعية. أما من ناحية وظيفية ، فإن المزارع إنسان مستقر ، لا يتنقل كثيرا و لا يملك أبقارا ، لذلك هو لا يتعرض للمسار أو لأي من الخبرات التي تلازم الرحالي و تستدعي وجود نقارة ، لذلك لا تنشأ حاجة لإمتلاكها. هذه هي النقارة ، و هذا المقال لا يدعي أن إنسان المسيرية هو أول من صنعها أو إخترعها ، و لمن يجزم بأنه كإنسان نشط –يؤثر و يتأثر – قد إستفاد كثيرا في تطوير طبل له خصوصية ثقافية ، وفائدة تراثية عظيمة تساعده في مسيرة حياته. أما الإعلام ، فهو ظاهرة عريقة و عراقتها ترتبط بوجود إنسان المسيرية نفسه ، كخبرة بشرية مهمة. لقد أستطاع إنسان المسيرية أن يسقط كل وعيه الثقافي و الوجودي في تطوير النقارة ، لتحمل في خلاصتها هوية متميزة.
محمد النور كبر
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-12-03, 02:19 AM |
يا تومي طرينا دقات النــقــ الحلوات حلاتن بنات البقارة ــــــــــارة | elhilayla | 07-12-03, 07:18 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | THE RAIN | 07-12-03, 12:23 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-13-03, 03:08 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-13-03, 03:21 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | tasneem | 07-13-03, 03:42 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | رقية وراق | 07-13-03, 03:47 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | أبكر آدم إسماعيل | 07-13-03, 04:02 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-13-03, 04:35 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Tabaldina | 07-14-03, 04:31 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | أحمد أمين | 07-14-03, 05:14 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Ahmedain | 07-14-03, 05:16 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | elhilayla | 07-14-03, 07:38 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-15-03, 05:39 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-15-03, 05:46 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-15-03, 05:53 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-15-03, 05:56 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | JAD | 07-15-03, 06:27 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-15-03, 06:34 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-21-03, 04:00 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | elhilayla | 07-21-03, 07:22 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | AlRa7mabi | 07-21-03, 11:14 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-21-03, 08:07 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 07-21-03, 08:15 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Agab Alfaya | 08-29-03, 07:57 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Jaja Jr | 08-30-03, 05:12 AM |
كبر | توما | 08-31-03, 06:15 PM |
Re: كبر | ابنوس | 09-01-03, 00:31 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | أحمد أمين | 09-01-03, 01:22 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 09-28-03, 08:32 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 09-01-03, 10:28 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | cantona_1 | 09-02-03, 09:18 AM |
Mieux veut tard que jamais | elhilayla | 09-03-03, 00:10 AM |
Re: Mieux veut tard que jamais | أبنوسة | 09-03-03, 00:35 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | حسن الجزولي | 09-03-03, 00:35 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | cantona_1 | 09-03-03, 09:36 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | الزومـــــــه | 09-03-03, 10:00 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | الزومـــــــه | 09-03-03, 10:01 AM |
Re: النــقــــــــــــارة | Kabar | 09-28-03, 09:10 PM |
Re: النــقــــــــــــارة | ابنوس | 09-28-03, 10:07 PM |
|
|
|