|
Re: موت الإله (Re: Mohammed Elhaj)
|
نيتشه وعلم اللاهوت د. مراد وهبه
في كتابه المعنون "تاريخ الفكر اللاهوتي" يقول عالم اللاهوت الألماني بول تليخ "أن فريدريش نيتشه هو من أعظم المفكرين الذين أثروا ,مؤخرا ,في تطور علم اللاهوت وذلك بسبب هجومه على المسيحية (1) وهذا النص يعنى ان ثمة نقطه التقاء بين نيتشه وعلم اللاهوت . والسؤال أذن :- أين تقع نقطة الالتقاء ؟ أنها تقع بالضرورة عند مفهوم الله بحكم أن علم اللاهوت محوره الله في علاقته مع العالم ومع الإنسان . والسؤال: ما هي مكانة الله في فلسفة نيتشه ؟ في كتابة المعنون "هكذا تكلم زرادشت " يقول نيتشه : "آيها الإنسان الأعلى, تعلم منى. في السوق لا أحد يؤمن بالإنسان ,الأعلى .إذا أردت أن تتكلم هناك فاذهب,ولكن الغوغاء تغمز وتقول: نحن جميعا متساوون … أيها الإنسان الأعلى - هكذا تغمز الغوغاء - ليس ثمة إنسان أعلى . فالإنسان هو الإنسان .وأمام الله نحن متساوون …أمام الله ! ولكن الآن الله قد مات … دعونا نرفض أن نكون متساوين أمام الغوغاء "(2) فى هذا النص ثمة مفهومان ينفى أحدهما الأخر وهما الله والإنسان الأعلى، بمعنى أن الإنسان الأعلى لا يتحقق إلا إذا كان الله قد مات . وهنا ثمة سؤال لابد أن يثار : من هو هذا الإله الذي قد مات عند نيتشه ؟ نجيب عن هذا السؤال من تاريخ الفلسفة. ففي العصر اليوناني القديم أتهم سقراط بأنه ينكر الآلهة, وبأنه يتجول في الأسواق لكي يحث الغوغاء على قبول هذا الإنكار فحكم عليه بالإعدام. وحقيقة الأمر أن سقراط كان ينكر آلهة معينة ويبحث عن بديل لها. وبفضل هذا الإعدام, وعلى الرغم منه, أتخذ الفلاسفة مسار لولبيا يتسم بحركة ديالكتيكية تترجم بين السلب والإيجاب. فمفهوم الله عند أفلاطون ليس واضحا فهو تارة الموجود الكامل أو المعقول في مقابل العالم المحسوس على نحو ما هو وارد في محاورة "فيدون" . وفي "المأدبة" يوحد أفلاطون بين الواحد ومثال الخير أو بين الواحد والجمال ذاته, أما أرسطو فالله عنده هو المحرك الأول وهو لابد أن يكون واحدا ومع ذلك يقول إلى جانب المحرك الأول عقول أزلية أبدية مثل الله, وبأن هناك عقول صرفة مثله تماما. ولكن على الرغم مما يبدو من غموض في مفهوم الله عند أفلاطون أو أرسطو إلا أنهما متفقان على أن الله مفارق, وقد أصبح هذا المفهوم عن الله أنه مفارق هو السائد عند الفلاسفة الذين يؤمنون به باستثناء مذهب وحدة الوجود الذي ينكر هذا العلو لأنه يوحد بين الله والطبيعة كما هو الحال عند سبينوزا. وقد أتخذ أصحاب مفهوم الإله المفارق مسارات متعددة في البرهنة على وجوده حتى جاء كانط وانتقد علم اللاهوت الذي يدور على التسليم بإله مفارق ويبرهن على وجوده, وحصر كانط هذه البراهين في ثلاثة: البرهان الأنطولوجي والبرهان الطبيعي والبرهان الطبيعي الإلهي. والبرهان الثاني والثالث يعتمدان على البرهان الأول فإذا ثبت أنه فاسد لزم أن البرهانين الأخريين فاسدان. ويبرهن كانط على فساد الأول بدعوى أنه يعتمد على تعريف الله بأنه الموجود الحاصل على جميع الكمالات. والوجود من الكمالات لأنه لو كان الكامل غير موجود لكان ناقصا وهذا خلُف. ونفَيْ كانط لهذا البرهان الأنطولوجي مردود إلى سببين. السبب الأول أن الوجود ليس كمالاً من الكمالات لأنه لا يضيف شيئا إلى معنى الله. والسبب الثاني أن هذا الوجود هو وجود ذهني وليس وجودا عينيا. والانتقال مباشرة من الوجود الذهني إلى الوجود العيني لا يتم بالحدس العقلي. والعقل الإنساني ليس حاصلا على هذا النوع من الحدس, ومن ثم فهو انتقال غير مشروع. وتأسيسا على ذلك ينتفي نظريا وجود إله مفارق. وأغلب الظن أن هذا النفي النظري لإله مفارق هو الممهد لموته على نحو ما يرى نيتشه. ودليلنا على ذلك مسألتان : المسألة الأولى أن ثمة علاقة تضاد بين نيتشه وعلم اللاهوت الكلاسيكي الذي يعتمد إلها مفارقا كعلة غائية. ويرى نيتشه أنه ليس من حقنا أن نبحث في طبيعة الوجود لكي نصل إلى العلة الأولى, أي ليس من حقنا الاستناد إلى البرهان الطبيعي لإثبات وجود إله مفارق. أما مفهوم الغاية فهو من اختراعنا لأنه ليس ثمة غاية في الواقع(1) أما المسألة الثانية فتدور على ما حدث لعلم اللاهوت من تطور في الستينات من القرن الماضي, أو على وجه التحديد بعد موت نيتشه بحوالي ستين عاما. ففي مارس عام 1963 صدر كتاب للأسقف وولوش جون روبنسون عنوانه "لنكن أمناء إلى الله" يقع في 141 صفحة من القطع الصغير. وصدرت منه تسع طبعات في ذلك العام منها أربع طبعات في شهر مارس. وصدرت منه 350.000 نسخة. وقبل صدوره بأسبوع نشر روبنسون مقالاً في جريدة "observer" تحت عنوان "أن صورتنا عن الله يجب أن تزول" أما الكتاب فيدور كله على التدليل على ضرورة زوال مفهوم الإله المفارق أو الإله الذي هو "هناك" أو الموجود الذي هو فوق لأن هذا الإله قد مات. وفي عام 1966 أصدر توماس التيزر كتابه الضخم المعنون "إنجيل الإلحاد المسيحي" جاء فيه "أن الله قد مات في زماننا" وفي تاريخنا , وفي وجودنا وأن نيتشه قد اقتضى هذا المفهوم في القرن التاسع عشر , وبقى على اللاهوتيين في القرن العشرين التبشير بهذا الحدث وسط الجماهير على الإطلاق, والجماهير المسيحية على التخصيص ذلك أن المفهوم التقليدي عن الله من حيث هو مستقل عن العالم المخلوق ليس إلا مؤقتا من أساليب التفكير, وإسقاطا للاغتراب الذي يعاني منه الإنسان مع ذاته وقد جاء الأوان للتحرر منه. وأننا في حاجة إلى إيمان جديد ينبع من تصورنا أن الله متطور وفي حركة دائمة. وأن هذا الإيمان الجديد ينفي المفهوم الكلاسيكي عن الله. وفي عام 1966 نشر وليم هاملتون كتابا مع توماس التيزر عنوانه "اللاهوت الراديكالي وموت الله" ويرى هاملتون, على الضد من التيزر أن المسألة ليست مسألة تحديد موت الله عند فترة معينة في التاريخ وإنما المسألة تقف عند حد أن "موت الله هو حدث تاريخي ثقافي تم في أوربا وأمريكا في القرنين الأخيرين" وما على الإنسان إلا التكيف مع هذا الحدث, وقبول الموت التاريخي الثقافي لله لأنه لم يعد صالحا لتحريره من القلق واليأس. ومع ذلك فأن هاملتون لم يفقد الثقة في عودة الله بشرط أن يؤدي دورا جديدا. وهو في ذلك قريب الصلة بدافع صمويل بيكت في روايته المشهورة والغامضة المعنونة "في انتظار جودو" ومن ثم تصبح حركة موت الله مزدوجة بمعنى أن تكون مسيحيا تعادل أن تكون منتبها إلى العالم ومبتعدا عن الدين, ولكن مع انتظار جودو في إطار يلائم هذا العصر التكنولوجي. ويعتقد هاملتون أن هذه الرؤية الجديدة تعبر عن مرحلة ما بعد عقدة أوديب, وهي عقد نشأت بسبب قتل الأب. يبقى بعد ذلك بول فان بورن الذي يسير في اتجاه لاهوت موت الله, ولكن استناداً إلى التحليل اللغوي وذلك في كتابه المعنون "المعنى العلماني للإنجيل" فهذا القس البروتستانتي يرى أن القضية التي تقول إن "الله موجود" هي بلا معنى في ضوء مبدأ التحقيق الذي يشترط مطابقة القضية للمعطيات الحسية لكي يكون لها معنى. زمن ثم فهو يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه نيتشه, إذ أن لفظ "الله" لم تعد في حاجة إليه لأنه بلا معنى هذا موجز لعلاقة نيتشه بحركة لاهوت موت الله وهي حركة تميزت عن الحركات اللاهوتية الأخرى بأنها حاولت أن تكون جماهيرية, ولهذا كانت منتجاتها رخيصة الثمن. ومع ذلك فأنها لم تستمر إذ توقفت عند السبعينات مع بزوغ الأصولية المسيحية كحركة جماهيرية وفي ضوء هذه النتيجة نثير هذا السؤال العمدة : ما العلاقة بين الجماهير والنخبة ؟
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-29-07, 04:55 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-29-07, 05:23 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-30-07, 04:48 PM |
Re: موت الإله | Muhib | 05-30-07, 06:51 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-31-07, 05:11 AM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-31-07, 11:46 AM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 05-31-07, 03:46 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 06-02-07, 03:09 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 06-03-07, 04:29 PM |
Re: موت الإله | هشام آدم | 06-03-07, 04:42 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 06-04-07, 04:47 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 06-04-07, 05:48 PM |
Re: موت الإله | Mohammed Elhaj | 06-06-07, 06:00 PM |
|
|
|