الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-21-2024, 03:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-08-2007, 10:16 AM

فتح العليم عبدالحي

تاريخ التسجيل: 08-07-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه (Re: محمد جميل أحمد)

    العزيز
    محمد جميل
    رأيت ان انشر رسالتك حول المأده، لانها تتعدي الرساله الخاصه وفيها من النفع الفكري ما فيها


    أفكار حول مقالك

    العزيز فتح العليم لك التحية
    وبعد
    ... هذه أفكار تفاعلت مع مقالك .. أرجو أن يكون فيها ما يفيد
    * المقال جيد وفيه تحقيقات دقيقة ، ولغة سجالية متمكنة وقدرة نافذة على الفرز بين ماهو آيدلوجي وبين ماهو معرفي ، ومغامرة شجاعة في وجه مقولات عتيدة ربما تغري أصحابها بالقتال من اجلها لو لزم الأمر (لاسمح الله)
    1ـ الالتباس الذي يماهي بين السلطة والدولة في الفكر الإسلامي ، ربما لا نستطيع أن نطلق عليه مصطلح (اللامفكر فيه) فهذا المصطلح يرتبط عادة بـ(التابوهات) .
    ولذلك فإن الدمج بين مفاهيم مختلفة في سلة واحدة مثل (السلطة) (الحكومة) (الدولة) نابع من الخلط الآيدلوجي الشعبوي بين تلك المفاهيم التي تحتاج إلى فرز معرفي .
    2 ـ لقد تعاطى العقل الإسلامي التاريخي مع موضوع السلطة إجمالا ، في زمن كان يقبل تلك التأويلات ، ففضلا عن الحياة الساكنة بعد عصر الخلافة ؛ لم يكن هناك عقل آخر يمتلك رؤية مغايرة فلم يكن مقابل هذا العقل ما هو أرقى منه . أي أن الآخر الأوربي كان في حال أسوأ بكثير .
    3ـ حديثك عن صعوبة نقل الأفكار وفرزها عن سياقها الموضوعي والتاريخي . حديث مهم جدا ؛ فمفهوم مثل مفهوم (التسامح) في الثقافة الغريبة يختلف عن مفهوم التسامح في الثقافة الإسلامية التاريخية . فالتسامح في الثقافة الغربية - بحسب كارل بوبر - يعني (قبول الآخر) وقبول الآخر هنا أعمق بكثير من (احترام الآخر) فيما مفهوم التسامح في الثقافة الإسلامية يعني ـ فيما يعني ـ العفو والصفح الذي يمكن أن يكون شخصيا جدا ، أي ذاتيا وليس موضوعيا . وهو بالنسبة للثقافة الغربية مفهوم حديث أنتجه (التنوير) لأن أوربا في عصورها الوسطى الأولى والثانية ، لم تكن تعرف التسامح أصلا .
    4 ـ الدولة الحديثة في أصل نشأتها قامت على مفهوم الدولة القومية المتعارف عليه في الفكر السياسي الغربي بـ(الدولة - الأمة) التي تقوم على المواطنة والحريات والحقوق المتبادلة في العقد الاجتماعي . وهي أصلا نشأت بعد اتفاقية (وستفاليا) 1646التي أحلت الحدود القومية واللغوية للدول الحديثة محل الحدود الدينية والمذهبية للإمبراطوريات . أي أبدلت مفهوم الإمبراطورية بمفهوم الدولة ، وأبدلت مفهوم الرعايا المؤمنين ، بالمواطنين ، ومفهوم الطائفية بمفهوم القومية وطبقات النبلاء ورجال الدين بالطبقة الوسطى و عصر الإقطاع ، بالعصر الصناعي ، وأبدلت اللاتينية باللغات القومية الأوربية المتعددة وكان كل ذلك مقدمة و نتيجة لثورات الشعوب الأوربية : الثورة الفرنسية ، الثورة الإنجليزية ، الثورة الأمريكية . قد لا يعرف الكثيرون أن الثورات الأولى خصوصا الفرنسية هي التي وضعت اللغة ، فاختارت لغة واحدة من عدة لغات ، وهي التي أبدعت مفهوم الصحافة والمدرسة والعلم والحزب وغير ذلك من مفاهيم الدولة الحديثة . في ذلك الوقت الذي كانت فيه الدول الأوربية تبتدع فكرة الدولة الحديثة ؛ كانت الإمبراطورية العثمانية هي صورة ـ على نحو ما ـ من صور الإمبراطوريات التي ودعتها أوربا منذ وستفاليا ! وبالتالي فإن (الدول) العربية كانت شعوبها رعايا لدى الإمبراطورية العثمانية . وحين جاء الاستعمار أوهم العرب بأن لهم دول وبرلمانات وجيوش وأعلام وأحزاب ومدارس ونشيد وطني وما إلى ذلك من (أشكال) الدولة الحديثة ، فيما كان الواقع يفيض بكل ما هو (ما قبل حداثي) بالنسبة (للدول) العربية . والذي أوهم هذه (الدول) بأنها دول مثل الدول الأوربية هو حقبة الاستعمار وبعدها حقبة الحرب الباردة أي من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى تفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1991 . وبعد ذلك - حين زال الدعم غير المنظور من القطبين لتلك (الدول) العربية من أجل كسب ولائها في الحرب الباردة ـ بدا لنا هذا التخلع الذي نراه لهذه (الدول) اليوم وهو تخلـُّع نتج بسبب أن تلك الدول لم تكن قد أنجزت شروط قيام الدولة الحديثة (طبقة وسطى ـ ثورات بالمعني الحقيقي ـ وغير ذلك) لأنها أصلا لم تكن دول حديثة بالمعنى الحقيقي . ولهذا ظهرت كل فاعليات التخلف والتطرف لتحل محل تلك الحقبة الخادعة التي أوهمتنا بأننا فعلا نملك دولا حديثة ّ!؟ (أي حقبة الاستعمار والحرب الباردة) وهذا الذي يفيض اليوم في الدول العربية من استبداد وتخلف وتطرف ، كان كامنا طوال الحقب الماضية ، أي لم يتم القضاء عليه عبر التنوير والمعرفة والثورات التي كان بإمكانها أن تقضي عليه . وبالتالي نحن حتى الآن نعيش تخلفا بعيدا عن ضفاف (الأزمنة الحديثة) وإن كنا نعيش حياتنا المادية في هذه الأزمنة الحديثة . أي نحن في حاجة إلى أزمنة إسلامية حديثة إن صح التعبير.
    وبالتالي لا يخلو وصف الدولة الحديثة بدولة الإدارة من نعت عام ، فدولة الخلافة بشكل ما كانت دولة إدارة . كما أن السياسة هي ضرب من إدارة الشأن العام .
    5 ـ مفهوم (الحزب)
    بالرغم من أن معناه اللغوي معنى صحيح ، باعتباره جزء من كل (كلمة الحزب في ملازم القرآن) إلا أن مفهومه الفلسفي هو الأهم ، ومفهومه الفلسفي يحايث مفهوم الدولة الحديثة فالحزب في الدولة الحديثة هو جزء من قواها السياسية يخضع لمبادئ الدولة القومية وثوابتها الدستورية ، ويطرح برنامجه من داخل مفاهيمها المركزية ؛ ولهذا السبب لا تكاد تجد فوارق كبيرة في برامج الأحزاب في الدول الغربية المتقدمة (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في أمريكا) (المحافظين والعمال في بريطانيا) (الديغوليين والاشتراكيين في فرنسا) بمعنى أن فلسفة مفهوم الحزب تقوم على أنه جزء من الدولة الحديثة لا متعاليا عليها . كمفاهيم الجماعات الإسلامية خصوصا المتطرفة والإرهابية مثل القاعدة . التي تتعالى على العالم وليس فقط عن الدولة ، وبرؤية إطلاقية مدمرة . أما الجماعات الإسلامية الأخرى فهي تستخدم مفهوم الحزب بصورة لا علاقة لها بنشأته ومفهومه الذي ارتبط بنشأة الدولة الحديثة.
    6 ـ فكرة (التقدم) من الأفكار التي تم ابتذالها بصورة أفقدتها معناها ! صحيح (فلسفيا) لا يمكننا القطع ببقاء حضارة على المدى التاريخي البعيد ؛ لكن فكرة (التقدم) في ذاتها حتى الآن أثبتت جدواها في العالم الحديث (أي أوربا وأمريكا كندا أستراليا). بمعنى إذا أخذنا حال أمة مثل الأمة الفرنسية . نجد أنها منذ الثورة الفرنسية تتقدم باستمرار في حياتها السياسية والصناعية والفكرية والثقافية الخ ، وأن يومها بالفعل أجمل من غدها وان تقدمها يطرد على شكل صيرورة لا على شكل قطيعة ، خصوصا في الفكر والفن والأدب والعلم ؛ وحتى الآن تتقدم فرنسا باستمرار وأوربا الغربية وأمريكا كذلك . طبعا هذا لا يعني أن أوربا لم تعاني من انتكاسات فلقد حدثت الانتكاسات (النازية) (الفاشية) لكن العقل الغربي والأوربي كان قد أسس شروط معرفية راسخة للنهضة فاستطاع أن يتجاوز تلك الانتكاسات وأن يحقق حياة أفضل بكثير لأوربا حتى قبل انتكاساتها في القرن العشرين ، فيما نحن نرى في حياتنا أن فكرة (التقدم) عندنا ملتبسة وغريبة ؛ بل إن حياتنا كل يوم ترتد إلى الأسوأ ، وهذا لأننا عجزنا في إنتاج شروط معرفية للنهضة تنبثق من قراءة عميقة لتراثنا وواقعنا وتفاعلنا مع الحضارة الغربية ، وهذا للأسف مالم يحدث حتى الآن . وهذا التفاعل يعني ـ في الحالة الراهنة ـ التتلمذ على فتوحات الفكر الغربي الذي أنتج قاعدة معرفية راسخة للعلوم ، لا يمكن بحال من الأحوال القفز عليها إذا ما أردنا إنتاج شروط معرفية راسخة للنهضة الإسلامية (حسب ما أرى أنت وأنا كإسلامييَن)، وقراءة المفاهيم المركزية للقرآن ودلالاته المفتوحة على إمكانات المعرفة عبر استصحاب تلك العلوم واختبار بنيتها المعرفية الإنسانية الشاملة .
    7 ـ هناك فرق بين أن نقرر: أن الغرب متقدم والشرق الإسلامي متخلف - إذ لا يلزم من كون المرء مسلما أن لا يكون متخلفا - (هذه حقيقة على الأقل في الوقت الحاضر) وبين الافتراض القائل بأن بنية العقل العربي غير قابلة للتعاطي مع العصر ؛ فالقضية الأولى صحيحة راهنا لكنها فلسفيا ليست مطلقة .
    أما القضية الثانية إذا أريد بها العجز الجيني والوراثي في العقل العربي فهذه عنصرية مرفوضة .
    وما قام به (فوكو) و(سعيد) ليس التنكر لتلك الحقيقة أي حقيقة تقدم الغرب وتخلف الشرق الإسلامي (الشرق الأوسط) ـ فهناك شرق متقدم أيضا حتى على بعض بلدان أوربا كاليابان ـ ماقاما به هو إجمالا نقد الذاتوية المضللة والملتبسة في البنى المعرفية للفكر الغربي ، تلك البنى التي ماهت بين القطيعة المعرفية (الإبستمولوجية) التي أنتجها الفكر الغربي في علوم الطبيعة والحياة ، وبين مفاهيم العلوم الإنسانية التي أنتجتها في زمن محلي ومحايث لتلك القطائع . والحال أن الأمر لم يكن كذلك ، ولكن لأن المعرفة الإنسانية إزاء الذات تنحو إلى الشخصانية والتحيز ، انعكس ذلك التحيز في قراءة الفكر الغربي للآخر المختلف وأسقط عليه مقولاته الذاتية التي التبست بالمعرفة بطريقة معقدة ، أي أن سلطة اللاهوت التي كانت تتحكم بمصادر المعرفة على الأوربيين في القرون الوسطى تم استبدالها بمعرفة اللاهوت الإنساني لعصر التنوير ؛ والكشف عن آليات اشتغال هذه السلطة الخفية في العلوم الإنسانية و أثر تلك العلوم في المعرفة الغربية حيال نفسها وحيال الآخر هو ما اشتغل عليه (فوكو) . بينما اشتغل (سعيد) على نظرية سلطة المعرفة التي استعارها من( فوكو) ، في نظرتها الاستعمارية للشرق الإسلامي أي أن (سعيد) كشف زيف التصورات المسبقة والحالمة للشرق وكيفية تحولها إلى بنية معرفية شاملة في الغرب ، إستفاد منها الاستعمار في بسط سلطته الإمبريالية المبررة (في نظره) معطوفة على الداروينية السياسية .
    الأهم من ذلك كله : هو أن ما قام به (فوكو) و(سعيد) كان نقدا معرفيا من داخل الثقافة الغربية نفسها . أي أن فوكو وسعيد يحسبان كرصيد لهذه الثقافة أصلا ، فلولا حرية البحث وحرية مصادر المعرفة ، ومفهوم النسبية الثقافية ، والعقل النقدي للثقافة الغربية لما أمكن أن يصلا إلى مثل تلك النتائج المعرفية الهامة .
    والسؤال هو ماذا فعل العقل العربي ـ إن جاز هذا التعبير ـ (وسعيد ليس من نتاجه) إزاء إشكالاته المعرفية في النهضة فضلا عن العقل الإسلامي (إن جاز هذا التعبير أيضا) ؟
    ما حاوله ويحاوله مفكرون عرب وإسلاميون قلائل لا يكاد يكون شيئا بالنسبة لأمة كانت أمة مركزية في التاريخ الوسيط ، وأنتجت أكبر تراث مكتوب من بين كل الأمم
    الخطاب الاستشراقي جزء آيدلوجي من العقل الغربي . والحق أن نقد العقل الغربي عملية مركبة تستوجب الفرز بين مفهوم العنف الذي سوغته الداروينية السياسية وبعض مقولات (نيتشه) الفلسفية واستغلته الإمبريالية الغربية في عصور الاستعمار، و بين مقولات (التنوير) وبعد ذلك ما قامت به (مدرسة فرانكفورت) في إعادة نقد فلسفة الأنوار ، كل ذلك جزء من العقل الغربي .
    من أهم المفاهيم التي فشل العقل الغربي عن تعميمها بعد أن حقق منها إنجازات جزئية : هو مفهوم (العدل الإنساني الشامل) الذي ساجل من أجله معرفيا كل من (سعيد) و(تشومسكي) و(هابرماس) . لقد حقق الغرب مفهوم العدل بين مواطنيه بصورة عامه وبين مواطني كل دولة من دوله (الغرب هنا بمعنى أمريكا وأوربا الغربية وكندا وأستراليا)على حدة ؛ لكه عجز عن تعميم ذلك العدل بين كل الدول ، بالرغم من أنه هو الذي يمسك بزمام السيطرة على العالم لماذا؟ لأن هذا وجه من وجوه الضعف الإنساني ، من ناحية ، وأثر من الآثار السالبة لمفهوم الدولة القومية أي (الدولة – الأمة) من ناحية ثانية، لأن (الدولة – الأمة) أحلت مفاهيمها الدنيوية القومية الخاصة بها ، محل الدين أي أصبحت تلك المفاهيم العلمانية دينا وحلت محل الإيمان الديني ؛ وتلك المفاهيم بطبيعتها تخص مجموعة من البشر ، فيما الدين هو في الأصل عدالة إلهية لكل البشر . وهذا يحيلنا إلى تلك المقولة الرائعة التي انتبه لها أستاذنا محمد قطب في هدف التربية الإسلامية حين قال أنها تنتج الإنسان الصالح ، فيما التربية الوطنية والقومية بالنسبة لأوربا كانت تنتج المواطن الصالح . ويمكننا على ضوءها إدراك الفرق بين الفتوحات الإسلامية التي هي (معجزة بشرية) كما قال عبد الله العروي بحق . وبين غزوات الاستعمار الحديث ، إذ ما الذي يغري الصيني المسلم أن يعتبر قبر صحابي من أصحاب رسول الله قبرا مقدسا ويعظم ذلك الصحابي ، الذي هو من حيث الحيثيات العامة - إذا نحينا فكرة الدين مؤقتا - تماما مثل الرجل الأوربي : فهو غريب ، وهو حَكـَم هذا الصيني ، ولغة تختلف عن لغة الصيني أو الأفريقي ؛ لكن مع كل تلك الحيثيات العامة المجردة - الفرق هو أن الصحابي كان صادقا في نيته وعمله وكان يفهم دينه فهما معرفيا ولذلك كان يساوي بينه وبين من يدخل معه في دينه من سكان تلك البلاد ، ولأنه تربى على قيم إنسانية عليا. أما الأوربي المستعمر فهو ظالم ومعتدي لأنه تربى أيضا على أن أبناء وطنه هم من يستحقون القيمة الإنسانية ، أو أبناء وطن مساو لوطنه في القوة ومتحالف معه .
    بالإضافة أن سيرة ذلك الصحابي بقيت سيرة عطرة ـ مرة وإلى الأبد ـ في تلك البلاد التي فتحها . أما سيرة المستعمر الأوربي فكانت (عطرة) على لسان (أزلامه وخادميه) .
    لكن كل ذلك النقد لا يجرد العقل الغربي من المفهوم الإنساني تماما . فما الذي مثلا يمنع دول غرب أوربا من طرد مواطنيها والمقيمين فيها من غير أهلها الأصليين ؟ أي طرد العرب والأفارقة والمسلمين الذين يحملون الجنسيات والإقامة ؟
    التزام تلك الدول بمفهوم الأرض (أي تطبيق قوانين الدولة العادلة على من يعيش على أرضها) والذي هو من مفاهيم الدولة الحديثة، يمنعها من عدم طردهم(رغم ماتقوم به بعض الجماعات المتطرفة التي تعيش هناك من رعونات) وهو التزام ألزمت تلك الدول به نفسها ولم يلزمها به أحد من ناحية ، وإدراك العقل الغربي الفلسفي لمفهوم الكرامة الإنسانية الأصلية من ناحية ثانية .
    لأن الأوربيون يعرفون أن الإنسان من حيث هو كائن محترم ومبدع . وهذه المعرفة لم تكن هدية بالنسبة لهم بل عرفوها بعد مرارات الحروب الدينية والقومية وحروب النازية والفاشية، وبالتالي أن هذا الإنسان المختلف عنهم لسانا ولونا ودينا إذا عاش معهم وارتضى حياتهم ، يمكن أن يقدم لهم الكثير في المعرفة والعلوم .
    ومعروف أن (ديريدا) كان (يهوديا) ، (وريكور) (بروتستانتيا) في فرنسا (كاثوليكية) . و(سعيد) و(فوكياما) و(تشومسكي) في أمريكا وغيرهم كثير، لم يكونوا أميركيين أصليين !؟
    8 ـ الأنثروبولجيا أو (الإناسة) بالفعل قدمت قراءات جديدة لأنماط مختلفة وجديرة بالتأمل والاحترام لحياة الشعوب . لكن فتوحات (ستراوس) و(ياكسبون) كانت تصب بطريق آخر في التمهيد لنقد اللسانيات والتفكيك والبنيوية .
    بيد أن الأنثربولوجيا من أهم الحقول التي تعكس تصورات خارجية مسحية وتربطها بتطبيقات نظرية مفترضة ، كثيرا ما تخرج بنتائج بائسة خصوصا في قراءة المجتمعات الإسلامية ، كما نبه على ذلك الدكتور رضوان السيد .
    بمعنى أن اشتغال الآنثروبولوجيا أو الإناسة في الحقل التاريخي للمجتمعات قد يفيد أكثر من الاشتغال على الدراسات المعاصرة بخصوص الجماعات .
    والاعتراف بنظم مختلفة وجديرة بالاحترام فيما خص الجماعات والمجتمعات البشرية ، هذا الاحترام كان ردا على الدراسات الأنثروبولوجية التي كانت تعج بالافتراضات والأفكار المسبقة والتوصيفات المتحيزة طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين عند ظهور (ليفي ستراوش) لكن هذه الفتوحات تظل فقط فتوحات غيرت وجه الأنثروبولوجيا فحسب . فكل نظام من أنظمة تلك الشعوب لا يملك صيرورة البقاء والتطور يظل عاجزا وقابلا للدرس بوصفه حقلا للأنثروبولوجيا .
    ولعل من أهم أسباب عجز الأنثروبولوجيا عن توصيف حالة تشخيصية منضبطة في قراءتها للمجتمعات الإسلامية هو تلك القابلية للبقاء والتجدد في القيم الإسلامية المركزية حين تتطابق تلك القيم مع حركة المجتمع الإسلامي . إذ تعجز الأنثروبولجيا على فهم مبررات الحراك القوي الذي تندفع به . كعجز المؤرخين الغربيين عن فهم حركة المد الإسلامي الأول حتى اليوم . والتي هي معجزة بشرية (بحسب المفكر الكبير عبد الله العروي) لأن هناك عناصر ميتافزيقية كانت تغذي ذلك الحراك . وهذه العناصر بالطبع غير خاضعة للدرس الأنثروبولوجي !؟ ولا تزال الأنثروبولوجيا تخرج بنتائج متناقضة حيال دراسة المجتمعات الإسلامية المختلفة .
    9 ـ أعتقد أن هناك فرقا بين تجربة نهضة الصين وغيرها مثل اليابان وكوريا ، ونهضة ماليزيا . فيما خص ماليزيا هناك عناصر تاريخية ساهمت - ربما - في تجربة ماليزيا الإسلامية . من هذه العناصر هو أن الإسلام دخل الملايو بطريق الدعوة أي عبر التجار لا بطريق الفتوحات والمعارك التي صاحب تلك الفتوحات . وهذا له أثر كبير جدا في وجود سلم طبيعي ينفي خاصية الشقاق في فهم الإسلام ، ويسمح بتعايش مختلط حتى من غير وجود دولة إسلامية ، وهذا معروف عن ماليزيا (فتكوينها السكاني يضم معظم إثنيات آسيا الكبرى) .
    كذلك هناك دور كبير للمرأة المسلمة تاريخيا في آسيا وهو دور بالفعل (مسكوت عنه) في مدونات التاريخ الإسلامي العامة لكنه معروف من الموروثات الشفاهية والآثار والوقائع وهو :أن المرأة في تلك المناطق الآسيوية بعد غزو المغول - الذي أباد الملايين ومئات الآلاف من الرجال - لعبت دورا كبير في حفظ الإسلام وتعليم الأطفال وبناء المساجد والقيام بواجبات الدعوة ، وللأسف فإن العقلية الذكورية للمجتمعات الإسلامية استنكفت عن تدوين تلك الوقائع تقليدا للعرب في الاستحياء من ذكر النساء !!؟ كما ذكرت الباحثة (شهرزاد العربي) الباحثة في جامعة باريس . والذي يفسر هذه الظاهرة الآن هو وصول نساء في سدة الحكم في كل من باكستان وبنغلاديش وغيرها من دول آسيا بالرغم من تخلف هذه الدول .
    بقي الإقرار بمسألة مهمة - في نظري- وهي أن نهضة مثل هذه المجتمعات الآسيوية إسلاميا تظل نهضة (موضعية) إن صح التعبير(مثل البنج الموضعي) . أي لا يمكنها القدرة على طرح مشروع الأمة الإسلامية الذي يقوم على دعوة الناس كافة ويحتاج إلى دولة ذات برنامج عالمي . مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي سابقا ً . وهذا المشروع تاريخيا أنجزه العرب . وربما لا يستطيع إنجازه في المستقبل البعيد البعيد غير العرب ،لا لأن العرب يتميزون بصفات خاصة ؛ وإنما لأهم أقرب الناس إلى فهم القرآن بسبب نزوله بلغتهم . بالإضافة إلى موقعهم في قلب العالم وما يمتلكونه من ثروات وتعداد بشري كبير . وربما على ضوء هذا المعنى يمكننا فهم مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله (العرب مادة الإسلام) .
    10 لا يمكننا في الحاضر الحديث باطمئنان عن وجود (عقل إسلامي) . هناك (عقل إسلامي تاريخي) بلا شك ، وهناك (عقل غربي معاصر) بلا شك ، لكن وجود عقل إسلامي أي وجود (إنتاج فكري إسلامي معاصر يملك مقولات معرفية إستراتيجية متراكمة ومتماسكة في قضايا العالم الحديث) أعتقد أن ذلك من الصعوبة بمكان في هذا الوقت . وستمر مياه كثيرة تحت الجسر حتى نستطيع إنتاج (عقل إسلامي معاصر) وربما سيكون هذا العقل الإسلامي المفقود هو النبوءة التي أطلقها (هابرماس) مؤخرا ، حين قال : (إن المستقبل للدين العاقل) ...
    ألا تذكرك هذه المقولة بنبوءة الشهيد سيد قطب عندما تنبأ ذات مرة بأن :
    (المستقبل لهذا الدين) ؟! ذلك الكتاب الذي كنا نقرأه بشغف أمتع شبابنا الأول بالتعرف على كتابة مختلفة عن الكتب السلفية (أواخر الثمانينات) ... تلك الكتابة التي ما نزال نبحث عنها في الآفاق .
    •عزيزي فتحي هذه أفكار حاولت أن أتفاعل بها مع مقالك المتميز والشجاع ، وهي أكثر من مجرد ملاحظات ، لأن فيها استطراد وتفريع وهي أيضا تدعي فهما تأويليا لا أملك عليه صوابا مطلقا أو يقينا .
    تحياتي
    محمد جميل ـ السعودية ـ ينبع البحر
    24شباط / فبراير 2007

    (عدل بواسطة فتح العليم عبدالحي on 05-08-2007, 10:33 AM)
    (عدل بواسطة فتح العليم عبدالحي on 05-10-2007, 09:01 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-01-07, 08:00 PM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه Gafar Bashir05-01-07, 09:07 PM
    Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه محمد على طه الملك05-01-07, 11:26 PM
      Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه القلب النابض05-02-07, 03:03 AM
        Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-02-07, 08:04 PM
          Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه Gafar Bashir05-03-07, 09:39 AM
  ردود حول الاسلام والدوله الحديثه فتح العليم عبدالحي05-05-07, 03:12 PM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه Adrob abubakr05-05-07, 06:36 PM
    Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-08-07, 08:55 AM
      Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه محمد جميل أحمد05-08-07, 10:04 AM
        Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-08-07, 10:13 AM
        Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-08-07, 10:16 AM
          Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه محمد جميل أحمد05-08-07, 10:34 AM
          Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-15-07, 06:58 PM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-14-07, 12:57 PM
    Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه محمد جميل أحمد05-20-07, 09:39 AM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-26-07, 06:52 PM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي05-28-07, 10:12 AM
  Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه فتح العليم عبدالحي06-13-07, 09:55 AM
    Re: الاسلام والدوله الحديثه مقاربه معرفيه القلب النابض06-13-07, 02:14 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de