فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 04:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-14-2002, 05:15 AM

smart_ana2001
<asmart_ana2001
تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 5695

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) (Re: smart_ana2001)

    قراءة جديدة في أوراق الراشدين



    للقارئ أن يحزن ومن حقه أن يتعجب ، وهو يستعرض معنا ما عرضناه في الفصل الأول حول مصرع عثمان ، أما الحزن فأسبابه مفهومة ، وأما التعجب فأبوابه كثيرة ، إن سددت منها باباً وحسبت أنك استرحت ، انفتحت عليك أبواب ، وأثـقلتك هموم ، وحسبك أنك إن أدنت لا تدري من تدين ، فأنت إن أدنت الثائرين لا تملك أن تبرئ عثمان ، وأنت إن أدنت عثمان لا تملك أن تبرئ الثائرين ، وأنت إن أدنت الثائرين لا تملك إلا أن تتعاطف معهم في نوازعهم ، وأنت إن أدنت عثمان لا تملك إلا أن تتعاطف معه في مصرعه ، ولعلك بحكم العاطفة الدينية أقرب إلى إنصاف عثمان ، وإلى تلمس الأعذار له ، لكنك تصطدم في سبيلك هذا بأقوال كبار الصحابة وأفعالهم ودعوة بعضهم الصريحة إلى حمل السيف والخروج عليه ، فهذا عبد الرحمن بن عوف يقول لعلي: إن شئت أخذت سيفك وأخذ سيفي ، فقد خالف ما أعطاني ثم يقول لبعض في المرض الذي مات فيه : عالجوه قبل أن يطغي ملكه وهذا طلحة في المرض يؤلب الثائرين حتى لا يجد علي مفراً من أن يفتح بيت المال ، ويوزع من أمواله عليهم حتى يتفرقوا ، ويقره عثمان على ما فعل ، ولن تمر شهور حتى يقتل عثمان ، وحتى يخرج طلحة نفسه مطالباً بالثأر له في جيش عائشة ، وحتى يصاب بسهم رماه به مروان بن الحكم ، صفى عثمان وساعده الأيمن ، وخليفة المسلمين بعد ذلك بثلاثين عاماً ، ورفيق طلحة في الجيش الثائر من أجل الثأر ، وساعتها سوف يدرك طلحة أنها النهاية ، فيردد في لحظات الصدق مع النفس ومع الله ، هذا سهم رماني به الله ، اللهم خذ لعثمان منى حتى ترضى ، وهو قول بالغ الدلالة على صحوة الضمير ، وتيقن الخطأ ، ولم يكن طلحة في هذا مبتدعاً ، وإنما كان مسايراً لفعل أصحابه ، وهم أنفسهم صحابة الرسول ، غاية ما في الأمر أنه كان أكثر تطرفاً ، فأهلك وهلك ، أما علي والزبير وابن مسعود وعمار وغيرهم ، فقد تراوحوا في معارضتهم بين العنف واللين ، وانتهوا ما انتهى إليه طلحة ، حين هلك بعضهم معه ، وتأخر البعض إلى حين .

    حدث ما حدث ، وقتل المسلمون بسيوف المسلمين ، وهلك الصحابة بسيوف الصحابة ، وبقيت دلالات الحوداث تؤرق أذهاننا حتى اليوم ، واختلف الفقهاء حتى يومنا هذا مع ما لم يتمن أحد أن يناقش ، ناهيك عن أن يحدث ، وهو ( شرعة قتال أهل القبلة ) ، أي مشروعية قتال المسلمين للمسلمين ، ويحلو للبعض أن ينسب نشأة هذه الظاهرة إلى أوائل عهد علي ، لكنا نعود بها إلى عهد أبي بكر ، حين نتوقف أمام حروب الردة متأملين مفرقين بين قتال أبي بكر للمرتدين عن الإسلام ، وبين قتاله للممتنعين عن دفع الزكاة له أو لبيت المال ، ولنا في التفرقة بين الفريقين منطق بسيط ، يسلم بارتداد الفريق الأول ، ويتحرز في وصف الفريق الثاني بالردة ، فقد كانوا ينطقون بالشهادتين ، ويؤدون جميعا دون إنكار ، ويؤدون الزكاة نفسها لكن للمحتاج وليس للخليفة أو لبيت المال ، وكانت حجتهم في ذلك الآية الكريمة ( خذ من أموالهم ) ، منصرفة إلى الرسول ، موجهة إليه ، ولا يجوز أن تنصرف لغيره ، لأنها لم توجه إلى غيره ، حتى لو كان هذا الغير خليفة الرسول ، ولعلنا ونحن نتأمل ونفرق ، وربما نتعاطف ، نستحضر في أذهاننا موقف عمر من أبي بكر ، وهو يسائله عن حجته في قتل من ينطق بالشهادتين ، فيجيبه أبو بكر بما يعنى أن للشهادة ( حقها ) ، يقصد بهذا الحق أداء الزكاة لبيت المال ، وهو اجتهاد مجهد وجهيد ، ولعل عمر كان يستحضر في ذهنه وهو يحاور أبا بكر حديث الرسول عن أن المسلم لا يقتل إلا لثلاث ، إن زنى بعد إحصان ، أو أرتد بعد إيمان ، أو قصاصاً لقتل النفس بغير حق ، ولعله كان يرى أن نفى الإيمان عن ناطق الشهادتين ، مؤدى الصلاة ، صائم رمضان ، حاج البيت أن استطاع لذلك سبيلاً ، مؤدى الزكاة إلى المحتاج دون وساطة ، أمر أن لم يتسع له الإنكار ، ونظنه يتسع له ، فلا بد أن يضيق به باب القبول أي ضيق ، ولعلنا إلى مثل ذلك الضيق أقرب ، بل لعلنا منكرون كل الإنكار ، لسبب يتصل بنا أكثر مما يتصل بعمر أو بأبي بكر .

    فنحن نفعل ما فعله أولئك القوم تماماً ، وندفع الزكاة للمحتاج كما كانوا يدفعونها تماماً ، ولا ندفعها مثلاً لوزارة الخزانة أو لرئيس الجمهورية ، وإن جاز لأبي بكر قتالهم وقتلهم ، فإنه يجوز للبعض أن يخرجوا علينا مقاتلين وقاتلين ، لا يشفع لنا عندهم أن نرفع عقيرتنا بالنطق بالشهادتين ، ولا أن نقسم على أننا ملتزمون بأركان الدين ملزمون لأنفسنا بها ، ولولا أننا لم نجد في ديننا عصمة لغير النبي ، ولولا أيضاً أننا نرى أن اجتهاد أبي بكر من يليه ، وإلا لسلك جميع جمع الخلفاء سبيله في تولية من يليه ، بالنص على اسمه في كتاب مغلق يبايعون عليه مغلقاً ، وهو ما لم يأخذ به أحد بعده ، لولا هذا كله ، ولولا إيماننا بأن الإسلام حق ، والقرآن حق ، ونبوة الأنبياء حق ، وبشرية غيرهم حق ، ما تناولنا ما أوردناه .

    و ما استطردنا فذكرنا أن أبا بكر كان على حق ، إذا ناقشنا الأمر من باب آخر هو باب السياسة . فلولا ما فعل ما أصبح للإسلام دولة ثابتة الأركان ، متينة البينان ، تفتح البلدان ، وتنشر العقيدة وتثبت دعائمها ، ولقد اجتهد أبو بكر في السياسة فأصاب دون شك ، واجتهد في الدين فأصاب أجرين في رأيه ، وأجراً واحداً في رأينا ، وربما أثبت لمن يرونه أصاب أجراً واحداً أن السياسة قد تتناقض مع قواعد الدين وأصوله ، تلك المحفوظة لنا تماماً كما وجدها ، وكما نجدها قرآناً وسنة .

    وما كان اجتهادنا إلا اجتهاداً وما كان لأحد أن يزعم أن اجتهاد أبي بكر أصل من أصول العقيدة أو ركيزة من ركائز الإيمان ، وما كان لنا أن نؤيد ما قد يراه من أن قرار أبي بكر كان سياسياً وليس دينيا ، وبمعنى آخر كان علمانياً يفصل بين السياسة والدين ، فنحن لا نود أن نرد على تعسف في الاجتهاد بتعسف في الإستنتاج ، ولعل فيما ذكرناه ونذكره الكفاية لاستنزال اللعنات علينا ممن يرون في أسماء الصحابة قدساً من الأقداس ، وفي أفعالهم طوطماً لا يمس ، وحسبنا أن نذكرهم بحديث الرسول الكريم ، عن أن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة الباغية ، وهو حديث ثابت وصحيح ، لأن الجميع تذكره حين قتل عمار ، تذكره جيش علي فتهلل ، وتذكره جيش معاوية فتزلزل ، ولم يهدئ روعه إلا رد معاوية المحنك " قتله من أخرجه " .

    غير أنا نرى الأمر بعد هذه السنوات عظيماً وجليلاً وذا خطر ، ونقرأه بعد كل هذه السنوات فنتزلزل ، فإحدى الفئتين باغية لا شك ، ولو سلمنا بظاهر الحديث لحكمنا عل جيش معاوية بالبغى ، ولأصبح معاوية باغياً وعمرو بن العاص باغياً ، ومروان بن الحكم باغياً ، وعبيد الله بن عمر باغياً ، وغيرهم وغيرهم .

    ولو سلمنا بتفسير معاوية لأصبح البغاة فريقاً من كبار الصالحين لا نجرؤ على ذكر أسمائهم مقترنة بالبغى ، وإذا كنا قد توقفنا عند مقابلة اجتهاد أبي بكر باجتهاد مقابل ، فإن بعضاً من كبار الصالحين مثل واصل بن عطاء ، فقيه المعتزلة وإمامهم ، وعمرو بن عبيد ، الزاهد الورع ، الذي وصفه الخليفة المنصور بقوله الشهير ( كلكم يطلب صيد . غير عمرو بن عبيد ) ، كانا أجرأ منا حين أطلقا لعقولهم العنان ، وهما من هما ، تديناً وفقهاً وعلماً ، فأنكرا فعل الفريقين في أصحاب الجمل ، وأصحاب صفين ، وذكرا أنه " لا تجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل ( كل نبات اخضرت له الأرض ) " ، وأوضح من قول واصل وعمرو ، قول عبد الله بن عباس لعبد الله بن الزبير ( لو كان جيش الإمام على حق فقد كفر الزبير بقتاله ، ولو كان جيش عائشة على حق فقد كفر الزبير بتخليه عنه ) .

    وهي أقوال لا نفحصها ولا نمحصها ، وإنما نذكرها متأملين ، مقارنين عصراً بعصر ، ومناخاً بمناخ ، وفكراً بفكر ، وحسبنا أننا لا نتجاوز الاجتهاد في تفسير الوقائع ، بينما اجتهد عمر بن الخطاب فيما هو أجـّل وأعظم ، مخالفاً ما نعرفه ونلتزم به من أنه لا اجتهاد في النص ، أو لا اجتهاد مع وجود نص ، ولم يكن اجتهاده قاصراً على التفسير أو التعديل ، بل امتد إلى التعطيل والمخالفة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة اجتهاده ، ولعلنا لا نعرف نظيراً لعمر كرجل دين ورجل دولة على مدى التاريخ الإسلامي كله ، فهو القاسي على نفسه في الحق ، ومن هنا قبلت الرعية قسوته ، ثقة منها أنه على حق ، وهو الزاهد في الدنيا زهداً لم يعرفه حاكم قبله أو بعده ومن هنا قبل الجميع أن يحاسبهم ، وأن يتحرى عن كسبهم ، وأن يأخذ منهم ما يفيض عن حاجتهم ، وأن يعنف عليهم أشد العنف ، إن رأي فيهم أهون الميل للهوى ، أو الهوى للميل ، وهو الذي يخطئ فيتعلم من الخطأ ولا تأخذه العزة بالإثم .

    فها هو يولى عمار بن ياسر على الكوفة ، ثم لا يلبث أن يتبين أن صلاح الدين لا يعنى بالضرورة صلاح الدنيا ، وأن للحكم ميدانه وللسياسة فرسانها ، وليس بالضرورة أن يكونوا رجال الدين وفرسانه ، فيعزل عمار ، ويولى أمثال المغيرة بن شعبة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان ، ويرفض أن يولى أباذر معلناً أمامه أن به ضعفاً ، وأن الضعيف لا يولى مهما ارتفع في سلم العقيدة درجات ، فهذه ساحة وتلك ساحة ، إن اجتمعتا – ونادراً ما تجتمعان – فهو الكمال ، وإن افترقتا – وغالباً ما تفترقان – فلكل ساحة رجالها ، ولكل ميدان فرسانه ، فرجال السياسة أجدر بالحكم ، ورجال الدين أحفظ للعقيدة ، غير أن أعظم ما تركه عمر لنا ، هو ذاته أكثر ما تجنبه اللاحقون ، وما ارتعدوا عند ذكره ، ناهيك عن الإقدام عليه ، ونقصد به الاجتهاد ، ذلك الذي بدأنا حديث عمر بذكره وما تميز عمر فيه عن الجميع ، حين اجتهد -كما ذكرنا – مع وجود النص القرآني ، وبالمخالفة له ، وقدم في تبرير ذلك حجة رائعة ، ما أجدر المنغلقين في زماننا أن يقفوا أمامها بالتأمل طويلاً ، وما أجدرنا بأن نذكرها لهم تفصيلاً ، عسى أن تتسع لها قلوبهم ، ويتعلموا منها أن العقل قد يسبق النقل ، وأن التفكير لا بد وأن يسبق التكفير ، ولعلنا نسائلهم مداعبين قبل أن نعرض عليهم ما نعرض ، ما حكمكم إذا ذكرنا لكم دون تخصيص أو تفصيل أن حاكماً مسلماً ، لدولة مسلمة ، قد أفتى بمخالفة نص قرآني مع علمه به ، وطبق قاعدة مختلفة معه ومخالفة له ، وأفتى بجواز مخالفة النص ذاكراً أن واقع الحياة قد تجاوزه ، وأن المنطق لم يعد يستقيم معه ، ولعلنا متصورون ، بل ومتأكدون من الإجابة ، ولعلنا أيضاً هاتفون بهم حنانيكم ، تمهلوا قليلاً ، وتحسبوا كثيراً ، فنحن نتحدث عن عمر بن الخطاب ، وهاكم النموذج كما يسرده عالم جليل ، في كتاب من أهم وأرقى ما كتب في السنوات الأخيرة .

    أما العالم فهو الدكتور عبد المنعم النمر وأما الكتاب فعنوانه ( الاجتهاد ) وأما القاعدة التي نتحدث عنها فهي خاصة بسهم المؤلفة قلوبهم وهاكم ما كتبه الدكتور النمر:

    ( سهم المؤلفة قلوبهم وهو سهم قد نص عليه القرآن ما كتبه القرآن الكريم في آية توزيع الزكاة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم " التوبة / 60

    وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم – وهم كفار – أو ليسوا على إسلام صحيح صادق بل متأرجحين ، ليتألف بالعطاء قلوبهم – وطالما استعبد الإنسان إحسان – فيكفوا عن المسلمين شرهم ، وليكسب ودهم أو لسانهم ، وربما حبهم وإسلامهم ، يروى سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال : " أعطاني رسول الله وإنه لأبغض الناس إليّ ، فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلى ".

    وسار أبو بكر رضى الله عنه في خلافته على ما سار عليه الرسول ، حتى جاءه عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، فسألا أبا بكر : يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخه ليس فيها كلأ ، ولا منفعة ، فإن رأيت أن تعطيناها ؟ فأقطعهما أبو بكر إياها ، على أنهما من المؤلفة قلوبهم ، وكتب لهما كتاباً بذلك ، وأشهد عليه ، ولم يكن عمر حاضراً ، فذهب إلى عمر ليشهد ، فعارض عمر ذلك بشدة ، ومحا الكتابة . . فتذمرا وقالا مقالة سيئة ، قال لهما : " إن رسول الله كان يتألفكما ، والإسلام يومئذ قليل ، وإن الله قد أغنى الإسلام . اذهبا فاجهدا جهدكم لا يرعى الله عليكما إن رعيتما " .

    والشاهد هنا ، أن عمر أوقف حكماً كان مستقراً في أيام الرسول ، وجزء من خلافة أبي بكر ، بناء على اجتهاد له ، في سبب إعطاء هؤلاء حيث اعتبر أن السبب الآن غير قائم ، فلا داعي للإعطاء ، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، كما عرفنا فعمر رضى الله عنه ، لم يقف جامداًً عند حدود النص وظاهره ولا حدود الفعل ، بل غاص إلى سببه وعلته ، وحكم اجتهاداً منه في فهم الحكم ، على ضوء ظروف الإسلام ، حين صار قوياً في غير حاجة إلى تأليف قلوب هؤلاء ..

    كلام منطقي ، وواضح ، وصريح ، يترتب عليه سؤال منطقي ، وواضح ، وصريح أيضاً ، مضمونه : هل يجوز لنا أن نتأسى بعمر فنعطل نصاً ، أو نجتهد مع وجوده ، ويصل بنا الاجتهاد إلى مخالفته ، إذا انعدمت علته أو تغيرت أسبابه ؟

    سؤال صعب ، وإجابته خطيرة ، وتداعيات إجابته أخطر ، ليس على الإسلام ، بل على قلوب عليها أقفالها ، وعقول تعرف الضبة وتنكر المفتاح ، غير أنا نلمح في أذهانهم طوق نجاة ، قد يتشبثون به ، وهو قولهم بأن ذلك قد يجوز ، إن تشابهت الحالة أو تماثلت مع ما سبق دون أن ينصرف ذلك إلى قواعد الدين وتعاليمه الواضحة ، مثل الحدود الثابتة بيقين في نصوص القرآن ، ولعلنا بهذا القول نتفاءل كثيراًَ ، ونتوقع منهم ما لا نعرفه عنهم قياساً على تجربة سابقة لنا معهم ، لكن ما ضرنا إن تفاءلنا ، وما خسراننا إن أحسنا الظن ، وما أجدرنا بأن نسحب منهم طوق النجاة ، وأن نحيلهم في ردنا عليهم إلى مثال آخر لاجتهاد عمر ، عطل فيه حداً من الحدود الثابتة ، وهو حد السرقة ، إذا كان السارق محتاجاً ، ثم أوقف تنفيذه في عام المجاعة ، وجدير بنا قبل عرض هذا الاجتهاد ، أن نرد على بعض من ادعوا التفقه ، وأزعجهم اجتهاد عمر ، فأفتوا بما يخالف الحقيقة ، ظناً منهم أن أحداً لا يقرأ ، أو أن الغاية تبرر الوسيلة .

    ومثال ذلك ما ذكره الأستاذ الحمزة دعبس في حواره مع وزير مغربي ، وهو حوار منشور في جريدة النور ، التي يرأس الأستاذ الحمزة تحريرها ، حين سأل الحمزة الوزير ، محاولاً إحراجه ، عن سبب عدم تطبيق الحدود الشرعية في المغرب ، فكان رد الوزير أن تعطيل الحد اجتهاد ، وأن لذلك سابقة تتمثل في تعطيل عمر لحد السرقة في عام المجاعة ، فرد عليه الأستاذ الحمزة على الفور ، بلغة الواثق من علمه ، " إن عمر لم يطبق حد السرقة ، لأن المبلغ المسروق كان أقل من النصاب " ، والحقيقة أن الواقعة التي عطل فيها عمر الحد ، والتي وردت في " الموطأ " للإمام مالك ، كانت تتعلق بسرقة ناقة ، وهي ما يفوق النصاب كثيراً ، بل ما يتناوله البسطاء في أحاديثهم عندما يتندرون فيقولون : إن سرقت فاسرق جملاً ، دلالة على ضخامة حجم السرقة وجسامته .

    والمثال الثاني ما يتردد كثيراً على ألسنة بعض الفقهاء ، وفي مقالات بعض الكتاب ممن يسمون أنفسهم بالإسلاميين من أن عمر لم يعطل الحد ، بل أقام شروطه ، لأن من هذه الشروط توفير الحد الأدنى للمعيشة والمعاش ، وردنا على ذلك يسير ، ورأينا فيه أنه مغالطة واضحة ، لأن جميع ما توافر أمام عمر وقت أن أجتهد ، لم يكن يزيد عن أمرين :

    * أولهما : نص قرآني صريح واضح قاطع بقطع اليد في السرقة دون ذكر لأية شروط .

    * وثانيهما : سنة قولية وفعلية نقلتها لنا كتب الأحاديث الصحاح وراجعناها جميعاً فلم نجد إلا اختلافاً حول تحديد النصاب أي الحد الأدنى لقيمة ما يسرق ، فتقطع اليد في مقابله ، ولعلنا نضيف إلى علمهم تصحيحاً ، وإلى معلوماتهم تصحيفاً ، فنذكر لهم أن ما اختلط في أذهانهم ، هو الشروط التي ذكرها الفقهاء بعد عمر بحوالي قرن أو قرنين ، وهي شروط عديدة تمثل اجتهاداً منهم لمسايرة ما واجهوه من ظروف الحياة وهي متغيرة ، بنصوص الشريعة وهي ثابتة ، وكل ذلك أتى بعد عمر بكثير ولم يكن عمر في اجتهاده مقتفياً أثر الشافعي أو أبى حنيفة ، وإنما كان العكس هو الصحيح ، وكان اجتهاد عمر في هذه الواقعة هو الذي فتح باب الاجتهاد لهم ، وهو الذي قنن لهم شرطاً فأضافوا شروطاً ، ولنقرأ معاً ما أورده الدكتور النمر في كتابه ( الاجتهاد ) بشأن هذا الاجتهاد من عمر :

    ( عدم إقامة الحد على السارق : وهذا اجتهاداً جديد في إقامة الحد ، اجتهد عمر في ألا يقيمه بعد ثبوت السرقة على السارقين .. ووجوب الحد عليهم ، في الحضر لا في السفر ، ولا في الغزو .

    فقد روى مالك في الموطأ ، أن رقيقا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة ، فانتحروها ، فأمر عمر بقطع أيديهم ، ثم أوقف القطع ، وفكر في أن يعرف السبب الذي من أجله سرق هؤلاء فلعلهم جياع ، وجاء حاطب فقال له عمر ، إنكم تستعملونهم ، وتجيعونهم والله لأغرمنك غرامة توجعك ، وفرض عليه ضعف ثمنها ، وأعفى السارقين من القطع لحاجتهم ..

    ولم يقف عمر بهذا عند ظاهر النص جامداً ، بل غاص إلى ما وراءه ، ووجد أنه لا يقام حين يكون السارق في حاجة تلجئه إلى السرقة ، كما قال لحاطب : " لولا أنكم تستعملونهم و تجيعونهم ، حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه ، لقطعتهم " .

    وعمر بهذا وضع أساساً لعدم تطبيق الحد على المحتاجين الذين تحدث عنهم ، وهي وجهة نظر جديدة في تطبيق الآية :

    " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ، نكالاً من الله . . "

    المائدة / 38

    راعى فيها عمر علة القطع وظروفه ، ودار مع العلة ، وإن أدى ذلك إلى تخصيص النص أو ترك ظاهره – كما قال المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى ، وهذه النظرة هي التي حملته على إيقاف حد السرقة أيضاً عام المجاعة ، كما حملته على إيقاف الحدود في السفر مثل ما فعل حذيفة أيضا فأوقف الحد على شارب الخمر ، وقال : " تحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطعمون فيكم ؟ " .

    وقد أصدر عمر أمره إلى قواده ألا يجلدوا أحداً حتى يطلعوا من الدرب راجعين ، وكره أن تحمل المحدود حمية الشيطان على اللحوق بالكفار ، وهو لم يوقف الحد وإنما أجله لظروف ، حتى تزول هذه الظروف ، وهذه كلها اجتهادات لأحكام جديدة ، لم تكن قبل ذلك .. وفيها ظاهرة مخالفة لما كان في أيام الرسول وأبي بكر ) .



    وهكذا يتضح لنا أن عمر قد اجتهد فألغى سهم المؤلفة قلوبهم مخالفة للنص القرآني ، وأوقف حد السرقة على المحتاج ، ثم عطله في عام المجاعة ، وعطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب ، ونضيف إلى ذلك أنه خالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين ، وقتل الجماعة بالواحد مخالفاً قاعدة المساواة في القصاص ، ولا نملك ونحن نستعرض ما فعل ، في ضوء الملابسات المحيطة بكل حادثة ، إلا أن نكتشف حقيقتين هامتين :

    أولاهما أنه استخدم عقله في التحليل والتعليل ، ولم يقف عند ظاهر النص .
                  

العنوان الكاتب Date
فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:13 AM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:14 AM
    Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:15 AM
      Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:17 AM
        Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:18 AM
          Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) smart_ana200112-14-02, 05:19 AM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) Yasir Elsharif12-14-02, 10:56 AM
    Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) Yasir Elsharif12-14-02, 11:47 AM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) Yasir Elsharif12-18-02, 01:35 PM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) Yasir Elsharif12-18-02, 02:08 PM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) elnadeif12-18-02, 04:18 PM
  Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) Yasir Elsharif01-20-03, 06:42 AM
    Re: فرج فوده \ الحقيقه الغائبه\ (٢) ABUKHALID01-20-03, 07:03 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de