وكأنك قرأت صفحة الود الذي بيني وبين (جبران) فأسقيتيني كأس من دنه..ولكي ما أجاب به (نبيه) علي (المطِرة)المتسائلة عن المحبة...وأجابها حين همٌ بالرحيل من حضوره إلي نفوسهم القلقة...أجابها قائلاً
إذا أشارتِ المَحبةُ إليكم فأتبَعُوها، و إنْ كانت مَسالِكُها صعبة متحدّرة. و إذا ضَمتكُم بِجَناحيها فأطيعُوها، و إن جرَحَكُم السيفُ المَستورُ بينَ ريشِها. و إذا خاطَبَتكُم المَحَبَةُ فصَدّقُوها، و إن عطّلَ صَوتُها أحلامَكُم و بدّدها كما تَجعَلُ الريحُ ألشَمَاليةُ البُستانَ قاعاً صَفصَفاً. * لأنّه كما أنّ المَحبةَ تُكَلّلكُم، فهي أيضاً تُصلِبكُم. و كما تَعْملُ على نمُوّكم، هكذا تُعَلّمكم و تستأصِلُ ألفاسِدَ منكم. و كما تَرتَفِعُ إلى أعلى شجرة حياتِكُم فَتُعانِقُ أغصَانَها اللطيفَةَ المُرتَعِشَةَ أمامَ وجهِ الشمس، هكذا تَنحَدِرُ إلى جذورِها المُلتَصِقةِ بالترابِ و تَهُزُها في سَكينَةِ الليل. * المَحبَةُ تَضُمّكم إلى قَلبِها كأغمار الحنطَة. و تَدرسكم على بيادِرها لكيّ تُظهِرَ عَريكم. و تُغَربلكم لكيّ تحرِرَكم من قشُورِكُم. و تَطحَنكم لكي تَجعَلَكم أنقياء كالثلج. و تَعجُنكم بدُموعِها حتى تَلينوا، ثم تَعدّكُم لنارِها المُقدّسة، لكي تَصيروا خُبزاً مُقدّساً على مائدَةِ الرّب المُقدّسة. * كل هذا تصنَعَهُ المَحبةُ بكم لكي تدركوا أسرارَ قلوبِكم، فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً مِنْ قلبِ الحياة. غير أنّكم إذا خفتُم، و قصرتُم سعيَكُم على الطمأنينةِ و اللذةِ في المَحبة: فالأجدر بكم أن تستروا عَريكم و تخرجوا من بيدرِ المَحبةِ إلى العالمِ البعيدِ حيثُما تَضحَكُون، و لكن ليسَ كلّ ضحككم، و تبكون، و لكن ليسَ كلّ ما في مآقيكم من الدموع. * المَحبة لا تُعطي إلا نفسها، و لا تأخُذُ إلا من نفسِها. المَحبةُ لا تَملِكُ شَيئاً، و لا تُريُ أن يَملُكَها أحد : لأن المَحبةَ مكتفيةٌ بالمَحبة. * أما أنتَ إذا أحببت فلا تقل : » إن الله في قلبي «، بل قل بالأحرى : » أنا في قلب الله. « و لا يخطر لكَ البتّة أنّكَ تستطيعُ أن تتسلطَ على مَسالِكِ المَحبة، لأنّ المَحبة، إن رأتْ فيكَ استحقاقاً لنِعمَتِها، تتسلطُ على مَسَالِكِكَ. و المَحبة لا رغبة لها إلا في أن تَكمُلَ نَفسها. و لكن إذا أحببتَ، و كانَ لا بدّ من أن تكونَ لك رغبات خاصة بك، فلتكن هذهِ رغباتُكَ : أن تذوبَ و تكونَ كجدولٍ متدفقٍ يَشنُفُ آذانَ الليلِ بأنغامِهِ. أن تخبر الآلام التي في العطف المتناهي. أن يجرحكَ إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك، و أن تنزف دماؤك وأنت راضٍ مغتبط. أن تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق، فتؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر. أن تستريح عند الظهيرة و تناجي نفسكَ بوجد المَحبة. أن تعود إلى منزلك عند المساء شاكراً : فتنام حينئذٍ و الصلاة لأجل من أحببت تتردّد في قلبك و أنشودة الحمد و الثناء . مرتسمة على شفتيك
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة