لعبة الكراسي ,, بقلم اسماعيل عبد الله

لعبة الكراسي ,, بقلم اسماعيل عبد الله


02-22-2018, 03:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1519310059&rn=0


Post: #1
Title: لعبة الكراسي ,, بقلم اسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 02-22-2018, 03:34 PM

02:34 PM February, 22 2018

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-
مكتبتى
رابط مختصر


في زمان مضى كانت لعبة الكراسي من امتع المشاهدات , في المهرجانات التي تقيمها المدارس الابتدائية احتفالاً باعياد الاستقلال , ويكون فيها عدد اللاعبين اكثر بزيادة لاعب واحد عن عدد الكراسي المرصوصة في شكل دائري , يقوم المتنافسون بالركض الحذر حول حلبة هذه الكراسي , انتظاماً مع ايقاع صافرة الحكم بصوتها المتقطع , ثم فجأة يصدر الحكم صوت متصل للصافرة ايذاناً بساعة جلوس المتنافسين على الكراسي , وهنا سيء الحظ من يجد نفسه واقفاً محتاراً , دون الحصول على سانحة للجلوس على كرسي , لانه وبكل بداهة ان عدد الكراسي اقل من عدد المتنافسين , و بذلك يكون قد خرج هذا اللاعب من المنافسة غير مأسوف عليه , هذه اللعبة تشبه الى حد كبير لعبة الحريق في (الكوتشينة) , فالمحترق هو الذي تجب عليه مغادرة طاولة اللعبة اولاً , تنتهي لعبة الكراسي بفوز وتتويج شخص واحد فقط , يكون هو المؤهل لنيل الجائزة , وهذا الفائز بجائزة هذه اللعبة الخادعة ولاعبيها المخادعون , يماثل فوز البشير بجائزة لعبة كرسي السلطة في السودان على مدى الثلاث عقود التي مضت , بذات اسلوب ومنهاج الخداع و المخادعة , الذي وثقت له المقولة الشهيرة (اذهب الى القصر رئيساً وانا اذهب الى السجن حبيساً) , فمنذ الانقلاب المشئوم الذي اجهض الديمقراطية الاخيرة , بدأت لعبة الصراع حول مقعد وكرسي الرجل الاول في الحكومة و الدولة , فيما بين كوادر ورموز الجبهة الاسلامية وحدهم لا شريك لهم , فالبداية كانت قد تجسدت في صراع العراب الشيخ وحوارييه من جهة , والعميد الركن و حواريي الشيخ الذين تمردوا عليه من الجهة الاخرى , فكان المحرك الفعلي لذلك الصراع السلطوي هو القبيلة و العرق , و الدليل على ما نقول يكمن في الاصطفاف و الاستقطاب الظاهر الذي مارسه كل فريق على الفريق الاخر , فتجد انصار الشيخ العراب من امثال علي الحاج و ابراهيم السنوسي و البشير ادم رحمة و المحبوب عبد السلام , اما من ساندوا سلطة العميد وتضامنوا معه فهم علي عثمان و عوض الجاز و نافع و مطرف وغازي الى آخر القائمة , فانتهى الصراع الى فوز فريق العميد على فريق الشيخ , في المفاصلة الشهيرة التي جرت احداثها في ديسمبر من العام 1999 ميلادي , فانبسطت اسباب السلطة في يد العميد بكامل مؤسساتها وشخوصها , و تنفس العميد وانصاره الصعداء بانزالهم للعبء الثقيل والاحساس الاليم بالفضل والصنيع الجميل , الذي قدمه لهم شيخهم الذي رعاهم في المهد صبية , فسار بهم عبر مسيرة طويلة شائكة وشاقة في معتركات السياسة و الكياسة , الى ان اوصلهم الى بهرج السلطة واجلسهم على الكرسي.
المرحلة الثانية من مراحل لعبة الكراسي هذه بدأت بصراع قبلي آخر داخل دهاليز القصر الرئاسي , فهذه المرة اندلع العراك بين رهط علي عثمان و قبيل نافع , فانتهى بابعاد الاثنين من القصر شكلاً و بقاء جماعة نافع العميقة في مفاصل السلطة واجهزتها الامنية مضموناً , مع انزواء علي عثمان في مزرعته البعيدة و فقدانه لابن عشيرته الذي كان يدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني , و استلام المحسوب على فريق نافع محمد عطاء المولى لرئاسة الجهاز الأمني و المخابراتي , واستمرت هذه التشكيلة النافعوية و النفعوية سبعة اعواما حسوما , حتى دارت عليها الدوائر قبل ايام فانقلب عليها السلطان , الذي لا أمان له مهما تقربت منه او قرب منك , حتى لو كان هذا القرب قد جاء اليك بمحض ارادة السلطان ذات نفسه , لان للسلطة عتو و جبروت لا يعير ادنى اعتبار لصلة القربى والدم , بل الاولوية و الاهمية لدى السلطان هي ان يبقى على الكرسي , ولو على جماجم بني جلدته الاقربين , وهذا هو سر بقاء النظام الانقاذي هذه السنين الطويلة , انه نظام يستثمر في الميول القبلية و الجهوية و العرقية للمكون السكاني للدولة السودانية , وتلك هي نقطة الضعف القوية التي استفاد منها الانقاذيون في الجلوس والتعفن على مقاعد مؤسسات الدولة , وكغيرنا من الدول الافريقية فان البداوة و العشائرية هي السبب الجوهري في تمكن الدكتاتوريات العسكرية من رقابنا , فعندما يكون الرئيس قادم من قرية صغيرة و بعيدة , فسوف لن يتخلى مثل هذا الحاكم عن ارثه البدوي وثقافة الحيشان والبيوت , و سوف يعمل على تجسيد هذا السلوك البدوي البسيط في ممارسته لحكم دولة لها من التنوع و التعدد البيئي و النفسي و الديمغرافي ما لها , وهنا تكون المقارنة واضحة وفاعلة عندما تضع رئيس مثل جعفر نميري ابن ام درمان , وابن حي ودنوباوي في مقابلة مع العميد ابن الحيشان الثلاثة , فالنميري رغم تسلطه الا انه كان اقل بداوة وقبائلية وعرقية من العميد الركن في تعاطيه مع وزرائه وشعبه ومؤسسات حكومته آنذاك.
نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا , بيت الشعر الذي جسد مأساتنا في الركون الى الانتمائات الاثنية الضيقة , بينما نحن نؤدي دورنا الاداري عبر مؤسسات الدولة , فننقل هذا الداء معنا الى مواقع العمل التي يجب ان يكون مسلكنا فيها وطنياً وقومياً خالصاً , فانظروا الى كارثية هذا المسلك العرقي والاقصائي الذي تبنته الانقاذ , فقد اوصلها الى تضييق حلقة الصراع والتنافس السياسي في القبائل والبيوتات و العشائر و الاسر , الأمر الذي ادى الى فشلها في ادارة الصراع في دارفور وجنوب كردفان و النيل الازرق , فالنظام الذي اسس على منهاج جهوي لا يرجى منه اصلاحاً على الاطلاق , لان الانغلاق و انسداد الأفق حتماً سيكون المصير الذي سيؤول اليه , وبالرجوع الى الوراء قليلاً يتراءى الينا ذلك المشروع الجهوي الصارخ , الذي ابتدره حزب المؤتمر الوطني فيما عرف بورقة مثلث حمدي , تلك الوريقة التي فضحت المنظومة الانقاذية اكثر واكثر , و زادت من قناعات الحادبين على مصلحة البلاد بأن القيادة الانقاذية تعامل مواطنيها بمعيار الخيار و الفقوس , المعاملة التي سوف لن تورث العباد و البلاد الا مزيد من التشرزم و التقسيم , فالنظام الذي يفاضل ما بين مكونات افراد سكانه العرقية , و يعمل على ترجيح كفة مصالح بعضهم على البعض الآخر , ليس جديراً بان يبقى كل هذه السنين العجاف على سدة الحكم.
متى تنتهي هذه اللعبة الخادعة ؟ ام انها ستفضي الى تنصيب السيد المشير ملكاً على السودان؟ , كما ادلى بهذا التصريح ذلكم الدجال الشهير , ففي بلاد السودان التي سيطر عليها الكيزان لا تستغرب اذا حدث وان رايت هذا التنصيب الملكي عبر شاشات التلفاز في يوم من الايام , لان ما يدور في الوقت الراهن من انحسار للتنافس حول السلطة الى هذه الدرجة , التي اصبحت فيها العشائرية هي المعيار الرئيس في تولي المنصب الدستوري العام , والتي تشير بكل وضوح الى عصر الأنحطاط السياسي في بلد شهد انبلاج نور اولى ثورات التحرر الشعبي في المنطقة , ومما يؤسف له ان يكون التطور السياسي في السودان عكسي الحركة , اذ انك ترى التدهور و الاضمحلال قد بدأ منذ اول يوم رفع فيه علم الاستقلال , ثم توالت النكسات والانكسارات والاخفاقات في بلادنا الى لحظة انهمار هذا الحبر , على عكس البلدان الاخرى التي تلحظ فيها التطور الايجابي و الطردي الامامي , إذ تجدنا اكثر الشعوب تباكياً على الماضي بسبب ما فرطنا فيه من حاضر كان من الطبيعي ان يكون مشرقاً , بناء على الاساس المتين الذي تركه المستعمر , فكل شيء بهيج لدينا ارتبط بالامس , ففي قنوات التواصل الاجتماعي تجدنا اكثر الشعوب بحثاً عن الصور القديمة لتاريخنا , لان صورنا الحديثة لا تشرفنا في المحافل الاقليمية , و لا تعبر عن طموحنا الرياضي والغنائي والسياسي و الاجتماعي و الاقتصادي.

اسماعيل عبد الله
[email protected]