· وقف أطباء وطبيبات السودان موقفاً مُشرفاً وشجاعاً.
· بعد أن بلغ السيل الزبى وطفح الكيل وتأذت ضمائرهم كثيراً من مشاهدة مرضاهم يموتون أمام أعينهم، لم يجدوا خياراً سوى اعلان الاضراب عن العمل.
· وهو الخيار الذي كان يفترض أن يلجأ له أصحاب كل مهنة أُغتصبت حقوقهم في زمن الإنقاذ الأغبر وبالتالي حُرم المواطن العادي من الحصول على الخدمات التي يقدمونها له كنتيجة للسياسات التخريبية.
· لم يكن الأمر يحتاج لتدبيج المقالات وإصدار البيانات الساخنة وعقد الندوات ( الكلامية) بعد أن وصل السوء مراحل غير مسبوقة في سودان كان مثالاً للعز والكرامة.
· فبعد اهدار الكرامة ليس هناك ما يستدعي الحديث، ولا مكان حينها إلا للفعل والفعل الجاد.
· وهو تماماً ما قام به الأطباء الذين يحق لنا أن نفخر بهم الآن أكثر من أي وقت مضى.
· فلا يعقل أن تؤسس حكومتنا المستشفيات لبلدان وشعوب أخرى، بينما يقوم وزير تدمير صحة البشر بتفريغ وتفكيك جميع المستشفيات العامة في السودان ويُجبر الفقراء والمعدمين على التوجيه لمستشفيات خاصة لا تقدم هي الأخرى الخدمة الطبية كما يجب لأن هم أصحابها الأول والأخير هو المال.
· نشكر طبيات وأطباء السودان على هذا الموقف الجسور، وفي ذات الوقت نسأل أين أصحاب بقية المهن التي لا تقل معاناتهم عن ما ذاقه الأطباء من مرارات على مدى سنوات مضت؟!
· تشير الأخبار إلى تحرك جاد وسط المعلمين بخطوة بالغة الأهمية تتمثل في تنوير طلابهم حول اضراب الأطباء وتوضيح دوافعه ومسبباته.
· وهي خطوة جميلة أخرى ومطلوبة في الاتجاه الصحيح.
· وكل العشم أن تتواصل الخطوات الجادة لوضع حد نهائي لهذا العبث الذي فاق حدود الخيال.
· نتنمنى أن يتحرك أصحاب المهن الأخرى بصورة أكثر جدية وألا يتوقف الأمر على الأطباء وحدهم.
· وبهذه المناسبة نسأل أولئك المعارضين ( القشرة)، في مجموعة القروب الذي اختلف أعضاؤه فقط يوم أن أُضيف له صلاح قوش رغم أنه تضمن الكثير من الشخصيات الرسمية والعديد من الصحفيين الموالين للنظام، نسألكم يا أعضاء القروب المعني: أما زلتم تواصلون التحاور حول مشاكل السودان مع من تسببوا في كل الأزمات وحولوا مستشفيات البلد إلى مصادر لزيادة الأمراض والأوبئة بدلاً من أن تكون أماكن للاستشفاء؟!
· هل ما زلتم تتناقشون من سعوا حثيثاً إلى تحويل مؤسساتنا التعليمية إلى بؤر لنشر الجهل والتسطيح؟!
· وإلى أين وصلتم بالله عليكم في مداولاتكم حول حال البلد مع من سفكوا الدماء وأهدروا الكرامة وباعوا الأرض بأبخث الأثمان؟!
· أرجو أن تستحوا من أنفسكم وتكفوا عن الهراء الذي أنتم فيه، فهؤلاء الأطباء الذين ربما لا تتجاوز أعمار الكثيرين منهم أعمار أصغر أبنائكم يقدمون لكم اليوم درساً مجانياً في الوطنية والغيرة على البلد ومواطنها.
· الدرس المجاني ممن يصغرونكم سناً وخبرة وشهرة مفاده أن التغيير نحو الأفضل لا يأتي إلا عبر الفعل الجاد وليس من خلال قروبات الواتساب والنقاش مع من يأذون بشر وأرض وحجر السودان كل يوم، بل كل ساعة.
· حانت لحظة الفعل وستكون مزابل التاريخ مفتوحة على مصاريعها لكل الكذبة والمضللين والمرجفين الذين أطالوا من عمر الظلم والطغيان بسبب مواقفهم الضبابية وشهواتهم للمال والجاه والشهرة ولو على جثث أبناء جلدتهم.
· خسئتم يا هؤلاء، وما لم تتوقفوا عن تنظيركم الفارغ ستظل لعنات الغبش والمساكين الذين تتحدثون باسمهم تلاحقكم ليل نهار.
· ولابد من التذكير والتنبيه إلى ضرورة توخي الحذر في التعامل مع اضراب الأطباء وما يمكن أن يتبعه من تحركات شبيهة ومطلوبة.
· أولاً وقبل كل شيء علينا ألا ننجرف وراء كتابات البعض المضللة ممن سيحاولون اختزال الأمر وكأنه صراع بين هؤلاء الأطباء الوطنيين والدكتور حميدة مدمر صحة البشر.
· فالأمر ليس كذلك، وحميدة ليس أكثر من أداة تدميرية استخدمها نظام يكره أعضاؤه مواطن السودان ولا يظهرون له سوى العداء.
· لم يكن تولي حميدة لشأن الصحة في البلد وليد صدفة، بل جاء ضمن خطط تهدف إلى القضاء على كل جميل في البلد وفتح أبواب الاستثمار لشلة من اللصوص.
· قد يظهر البعض تعاطفاً مع اضراب الأطباء ويدبجون المقالات الداعمة في ظاهرها والمخذلة في مضمونها.
· القصة ما قصة أجهزة ومعدات طبية أُخفيت في المخازن ومع تحميلها في شاحنات وتوزيعها على المستشفيات يفترض أن تنفرج أسارير الأطباء المضربين ويعودوا للعمل، فهي أكبر من ذلك بكثير.
· ولابد من السؤال: لماذا وكيف تخفي سلطات صحية وحكومة يعلم أصغر مسئول فيها بما آل إليه الوضع الصحي في البلد الأجهزة والمعدات الطبية في المخازن بدلاً من توفيرها في المستشفيات طوال الفترة الماضية؟!
· وكيف للأطباء والمرضى وجميع خلق الله في هذا السودان أن يثقوا فيمن فكروا بهذه الطريقة الخبيثة القبيحة من جديد؟!
· لسنا أغبياء حتى نذعن لمحاولات البعض بتصوير الأمر كمجرد مطالب مهنية لا يفترض أن تُربط بالسياسة.
· فالسياسة تدخل في كل شيء في حياتنا شئنا أم أبينا.
· حتى في الكورة التي يراها البعض ملهاة هناك من ينفذ تعليمات السياسيين الرامية إلى تجهيل جمهور هذه المستديرة.
· في الكورة أيضاً يحدث تحول في المواقف، وقد يكتب البعض يوماً رافضين لفكرة معينة ويوم أن يشعروا بأن لجماهير ناديهم وجهة أخرى يتحولون سريعاً للاتجاه الآخر دون أن تطرف لهم أجفان حتى تستمر مسيرة التخدير والتخذيل والتجهيل.
· مثل هذا الموقف أعتبره سياسياً جداً لأنه يخدم مصالح السلطويين الساعين دوماً لالهاء الناس.
· وبخلاف الطبيب الذي يثور لانعدام المعينات التي تمكنه من أن يبر بقسمه هناك الكثير من المهنيين الآخرين الذين تمنعهم السياسات عن أداء الدور المناط بهم كما يجب.
· فالمحامي يتفرج على موكله المظلوم الذي تُهدر حقوقه على مرأى ومسمع الكل دون أن يقدم له العون المطلوب.
· والقاضي يفشل في تطبيق القانون على من يسرقون ويلهفون المليارات لأن هناك خطوطاً حمراء في تنفيذ هذا القانون.
· والمعلم يكابد لكي يعلم تلميذاً جائعاً يفترش الأرض فكيف تصل المعلومة إلى ذهن الصغير الجائع بالله عليكم؟!
· والكثير من الصحفيين يكذبون ويضللون ويتظاهرون بمعارضة ما يجري لأنهم ينفذون دوراً رسمه لهم بعناية بعض السياسيين ويتقاضون نظير تنفيذه الملايين.
· القضية إذاً أكبر من مجرد مطالب مهنية.
· ولهذا عليكم يا أطباء السودان الشرفاء وبقية المهنيين الذين يمكن أن يلحقوا بهم في مقبل الأيام أن تتوحدوا فيما بينكم كوطنيين مخلصين ومحبين لبلدكم وإنسانها.
· أنسوا تماماً أمر الرموز السياسية المعارضة ما داموا يتسامرون ويتحاورون مع من تسببوا لنا في كل هذه الآلام.
· اتحدوا فيما بينكم ولملموا صفوفكم وفكروا في تكوين أجسام تمثلكم للتفاوض حول ما يمكن أن يؤول له الوضع وما يمكن أن يتحقق في ظل وقفتكم المشرفة وكفانا ذل وهوان.