تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأمشي تلك المسافة

تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأمشي تلك المسافة


09-03-2016, 05:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1472921351&rn=1


Post: #1
Title: تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأمشي تلك المسافة
Author: طه جعفر
Date: 09-03-2016, 05:49 PM
Parent: #0

05:49 PM September, 03 2016

سودانيز اون لاين
طه جعفر-تورنتو..اونتاريو..كندا
مكتبتى
رابط مختصر

تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأمشي تلك المسافة
عليّ الإعتراف بأنني استمتعت بقراءة ما كتبه أكول و لم يكن ذلك بسبب الأسلوب الجميل فقط و إنما نتيجة للمحتوي أيضاً.بلا شك لم أتوقع أن يكون هذا الكتاب استثناءً لكنني وجدت الكتاب قد سرد حكاية فريدة و مميزة. لقد نجح اكول في إعادة بناء الوقائع التي عايشها فعلاً بطريقة اعطت طابعاً حيوياً و ملموساً للشخصيات التي عايشت معه تلك الوقائع. سيعايش القاريء تلك الأحداث مع جاكوب اكول و سيتعجب و يندهش من مقدرة ذلك اليافع في إتمام ملحمة النجاة تلك و الخروج منتصراً ليحكي حكايته لهذا العالم الغافل البريء.
احتفظ اكول بعبارة " مفقودين" بين أقواس ليعرف القاريئ أن حكايته مختلفة عن حكاية الاطفال المفقودين التي شغلت وسائط الإعلام العالمي في تسعينات القرن الماضي كعملٍ صحفي مميز كان اكول أحد اسباب نجاحه كصحفي ممتاز و كموظف مثابر في منظمات العون الإنساني، لقد تمَكّن أكول من العودة لنفس الأماكن التي قاسى فيها مهانة اللجوء هو نفسه ليجد الاطفال المفقودين في حالة من مزرية من الحرمان و الذلّ. كغيره من الصحفيين و موظفي منظمات العون الانساني في عام 1992م عرف عن ال 12 الف طفل من جنوب السودان الذين أُجبِروا علي ترك ديارهم و الإنفصال عن ذويهم جراء فظاعات الحرب الأهلية، لقد كان علي هولاء الأطفال أن يلجأوا أولاً في اثيوبيا فاجبرتهم الحرب الأهلية هناك أي في اثيوبيا علي الفرار من جديد نحو كبويتا. نظّم جاكوب اكول مع مجموعة من موظفي العون الانساني رحلة بطائرة مستأجرة ليلحقوا بالأطفال المفقودين في الطريق إلي كبويتا و من ثمّ اصبحت تلك القضية في صدر صفحات وسائط الإعلام العالمي الإخبارية.
كما يعلم الجميع فلقد تحولت حكاية الاطفال المفقودين لمادة تناولتها الصحف العالمية و كُتِبت عنها الكتب و انتجت حولها العديد من الوثائقيات و حولتها هوليوود إلي اعمالٍ سينمائية. ربما يكون السبب في أن حكاية الاطفال المفقودين صارت مهمة هو أنها اشتملت علي سرديات حقيقية تخص اطفال عديدين و معروفي الهويات بالرغم من المآسي المميتة التي مرّوا بها قد نجوا و صاروا معتدّين بنفوسهم و متحمسين للسير قدماً بحياتهم بطريقة بناءة و منتجة في العالم الغربي غير المعتاد بالنسبة لهم.
بحسب ما قال جاكوب أكول "لقد نبّهني تناول وسائط الإعلام العالمي لحكاية الاطفال المفقودين لفكرة أن حكايتنا كجنوبيين قد تمت كتابتها و تمّ تفسيرها عن طريق أجانب يفتقرون للخلفية التاريخية و لم يعايشوا معنا تلك المعاناة. أشعرني ذلك بنوع من التحدي فقررت أن اكتب عن تجاربنا في الستينات مستمسكاً بالخلفيات الثقافية و التاريجية للواقع السياسي الذي تسبب في الحرب الأهلية و بدورها تسببت في إجبار العديد من الأطفال علي النزوح عن ديارهم و العيش في الغابات أو في دول الجوار"
حقيقةً و من الجوانب المهمة في هذا الكتاب و التي تضيف لقيمته مزايا أخري مقدرة جاكوب اكول في الذهاب عميقاً خلف مشروعه لتوثيق عذاباته كمجبرٍ علي مغادرة قريته أو كطفلٍ مفقود. حيث عبّر جاكوب اكول باتساع فسيح و عميق عن فهمه للثقافة التي زودته بالصمود و الجسارة أمام تحديات الحياة في الواقع الجديد. و كما كتب قائلاً :" تذهب الحكاية في دربٍ دقيق من دروب ثقافة الدينكا، دينهم، بيئتهم، جغرافيا امكانهم،جميع تلك الأمور إذا أُرِيد التوسع فيها ستحتاج لمجلدات لترصدها، لكن هذا ليس الهدف من الكتاب و لا الدافع لكتابته". مع علمي بأن جاكوب اكول متوفر علي الحكمة و المعرفة قادر علي صوْغ تلك المجلدات لذلك ربما قد كشف كتابه هذا إدراكا عميقاً بهويته و كبرياءً و درجة من الثقة بالنفس و الجسارة و هي بلا شك العوامل التي جعلت صموده كطفلٍ مفقود أمراً ممكناً.
قراءتي لكتاب جاكوب اكول جلبت لمخيلتي و ذاكرتي أغنيات اللاجئين من الدينكا في الكنغو التي قمت بتسجيلها في الستينات من لاجئين سابقين بالكنغو في فترة دراستهم بالولايات المتحدة الامريكية. لقد ضمنت بعضاً من تلك الاغنيات في كتابي " الدينكا و اغنياتهم" و أيضاً في كتابي " الدينكا السودانيون". لقد تأثرت كثيراً و أنا استمع لتلك الأغنيات كموسيقي مصاحبة لأفلام وثائقية عن الأطفال المفقودين. كتبت كمقدمة لتلك الأغنيات"لأولئك الذين لا يقبلون لأنفسهم مهانة و لا يريدون لأوطانهم أن تُضَام قد جلبت بالفعل مهانات الملاجيء عذاباً و إحساساً بالعزلة" . أدناه مقاطع من اغنيات و بالمناسبة هنالك شخصيات في هذه الأغاني لها صلات بجاكوب اكول يمكن مراجعتها في القسم الثالث من الكتاب
"الرجال يجهزون الطحين (بالمرحاكة) في أرض الكنغو.
صاروا يعملون أعمال النساء
إحتلّ الخيّالة السود و العرب الديار.
مكثوا في بلادنا.
تركنا أبقارنا مربوطة في زرائبها و تسربنا خلف دينق نيال.
الرجال المحترمون يتسولون الآن في الكنغو!
حتي بائع البيض، ذلك الجسور، قد رحل.
أرقط، ذلك الجسور، قد رحل أيضاً.
جميعهم وصلوا لأرض الكنغو.
قال أهل الكنغو إن الدينكا "ماتاتا"
سألت قور ماكير، ماذا تعني ماتاتا؟
قال: سيئون!
قال أهل الكنغو إن الدينكا سيئون.
افسد ذلك الكلام قلبي و عقلي
لقد ساءت دواخلي في أرض الكنغو و تلوثت.
فكّرت في انقير بنت وول ايالبيور.
تمنيت أن أجدها
أراها لمرة ثانية."
........................................
في أغنية قصصية أخري عبّر اللاجئون عن تصميمهم علي القتال من أجل التحرر و الإستقلال مهما يكلفهم ذلك.
"يا وليام (دينق نيال)
الضغينة هي ما يعانيه الرجال
ضغينة الجنوبيين مع الشمال
الضغينة هي ما يعانيه الرجال
لن ينتهي إحساسنا بتلك الضغينة
محاربي دينق نيال و مورويل سمّوا انفسهم
(آنيَا نِيَا)
سنقتل أعدائنا في بحر الغزال
و ننتقم ممن عذوبونا في الماضي
سيبارك الرب انتقامنا منهم.
بارك مقاتليك أيها الرب، باركهم
فنحن ابنائك الدينكا
يا للضغينة
يا للضغينة.
..........................

Post: #2
Title: Re: تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأ
Author: طه جعفر
Date: 09-03-2016, 05:50 PM

في سنوات لاحقة و بجلسات مؤتمر يعني بشئون اللاجئين و المهاجرين في هولندا استمعت لتقريرٍ عن دراسة أعدها اكاديميون المان درسوا الاطفال الجنوبيين المفقودين في معسكر كاكوما للاجئين بكينيا، كان الهدف حول مدي تأثير الصدمة التي تعرض لها الاطفال جراء أهوال الفرار من القري التي دمرتها الحرب الأهلية و لدهشة الجميع لقد أبْدي الاطفال المفقودين قدرة كبيرة علي التواؤم و الصمود و درجة محدودة من الصدمة التي يعانيها اطفال من مناطق أخري خضعوا لنفس التجارب. لتفسير تلك الملاحظات ركزت الدراسة علي أن الاطفال المفقودين قدجاءوا بالفعل من بيئة ثقافية قوية غرست قيمها و مبادئها فيهم من سنيى نشأتهم الأولي فوقتهم و حفظتهم و مونتهم بالمِنْعة ضد مخاضات تلك التجارب المُفجِعة. بالرغم من احساسي بأن ذلك فيه كثيرٌ من المبالغة إلا أنني أحسست بالفخر بتلك الثقافة التي أعلي التقرير عن الدراسة من مقدارها و لقد احسست بالأطراء و التواضع عندما عرفت أن التقرير قد استند علي ما كتبته عن ثقافة الدينكا للتعرف علي منابع القوة في تلك الثقافة. تقف حكاية جاكوب أكول في كتابه كدليل إضافي علي صحة ما ذهب إليه الاكاديميون الالمان في دراستهم عن اطفال الجنوب المفقودين ليست من ناحية أن جاكوب اكول هو أحد الأطفال الجنوبيين المفقودين الذين تمكنوا من التعايش مع الصدمة من تلك الأهوال بصورة إيجابية دون أن يبدو عليه نوع من الدمار النفسي الظاهري الذي تخلقه مثل تلك المصاعب فحسب بل من ناحية أن جاكوب اكول أظهر إهتماماً كبيراً بالخلفيات التاريخية و الثقافية و القيم التي ولدّتها كعنصر أساسي اسهم في تقوية عزيمته خلال صراعه البطولي مع التحديات التي واجهته كطفلٍ هارب لمنجاته من القهر و الموت الزؤآم.
بتواضع العلماء الكبار يوضح جاكوب اكول قائلاً:" بالرغم من أن الكتاب يسجل أحداث وقائع رحلةٍ حقيقية و احداثاً حقيقية لكنني لا ازعم أنه يسجل الحدث التاريخي كما يجب" و يقول أيضاً:" حاولت جاهداً أن أسجل الأحداث بصورة تشبه كثيراً ما حدث بالفعل في الأماكن و الأزمنة ذاتها، لكنني أقرّ بأن بعض اسماء الناس و المواقع في طريق الهرب إما مكتوبة بهجاء مغلوط أو هي اسماء اماكن و أناس غير حقيقيين علي حسب ما كنت اسمع من رفاقي، مثلاً الحوارات قد تمت إعادة صياغتها لتشبه الحوارات في تلك الازمان و تلك الأماكن، يعود ذلك لأنني ركزت حقيقة علي الحكاية نفسها و ليس الحقائق الخغرافية و التاريخية".
بالطبع يعكس الكتاب قدرة الكاتب علي التذكر و التجميع و الإنتباه للتفاصيل. كان استخدام الكاتب لأسلوب القصص الشعبي في إعادة بناء الحوارات فعّالاً لأن جاكوب اكول يسرد بطريقة تبعث علي الثقة في صدقية الوقائع عبر هذه الحكاية.
خلال مقابلاتي مع مصادري من قومية الدينكا أثناء إعدادي لكتابي ( افريقيون في عالمين؛ الدينكا في السودان الافريقي-العربي) و للكتاب (عالم الدينكا Dinka Cosmology ) ابتدأت بتعليق اربط فيه عناصر الشبه بين الإنسان و الشجرة، فالشجرة عميقة الجذور تستطيع مقاومة الأعاصير المدمرة و الشجرة ذات الجذور السطحية تقع لهبوب ريح عادية ،جذور الانسان هي ميراثه العائلي، قيمه الأخلاقية و موروثه الثقافي، أي إنسان يتحلي بهذه الصفات و يركن إليها يستطيع أن يصمد أمام غلواء التحولات الكارثية في حياته و من ينكر هذه المرجعيات أو يدير ظهره إليها ينجرف و ينهار و تضيعه التحولات الكارثية في الحياة. كثيراً ما تكلمت عن الجِسْر غير المنظور الذي يربط الإنسان بجذوره غض الطرف عن مكان إقامته أو معيشه الآن. هذه بالطبعة حالة ذهنية تسمح للانسان بالتحرك جيئة و ذهاباً بين جذوره و المكان الذي يعيش فيه الآن بعيداً عن موطنه. الصلة بين الانسان و جذوره لا تحتاج أموراً محسوسة، إنها حالة أو دالة الصلة مع الجذور، الإهتمام بالوطن و التفكير فيه و السعي للمساهمة في قضاياه حتي و لو بدراسة شئون شبيهة بما في الوطن و بالعون المادي المبذول لأناس نهتم بأمورهم في الوطن.
الدينكا، حالهم حال جميع السودانيين يظلّون مرتبطين بأقاربهم بالدم، قومياتهم و وطنهم إجمالاً من جميع مهاجرهم و البلاد البعيدة التي يعيشون فيها. بذرة هذا الاتصال قد تمّ غرسها في الواحد منّا في ازمان بعيدة دون أن ننتبه لها. اتصلت بي مرةً واحدة من الأسر الأمريكية تستفسر عمّا يدفع أحد الجنوبيين من الأطفال المفقودين في ضيافتهم للحديث عن رغبته في إرسال اموال لأهله و من هم هؤلاء الأهل؟ و الولد أحد الأطفال المفقودين. بلا شك لم تقرأ هذه الاسرة ما كتبه جاكوب اكول في هذا الكتاب حيث قال أن أطفال الدينكا يتعلمون باكراً عن اواصر الدم في اسرتهم و عن ارتباطات الدم في عشيرتهم و اسم العشيرة و القبيلة التي تنتمي إليها عشيرتهم اسم القرية التي يعيشون فيها. هذه المعرفة الراسخة بتفاصيل الأصل تجعل من السهل علي أي انسان أن يجد المكان و الأهل الذين ينتمي إليهم الطفل المفقود. العديد جداً من هؤلاء الاطفال المفقودين تمكنوا من أعادة بناء أواصر القربي مع أهلهم، تلك الاواصر التي مزقتها الحرب الأهلية و تواصلوا مع ذويهم بالرغم من وجدود الأطراف المعنية في قارات متباعدة.
بالرغم من أن الكتاب تسجيل لتجربة جاكوب اكول الشخصية لكنه في الحقيقة تسجيل لتجربة شعوب جنوب السودان. يذكر الكتاب اسماء أناس ستكون مألوفة للقراء من أهل الجنوب بالرغم من ظروف الهجرة و الفراق لأزمان طويلة. بنسبة لي شخصياً لقد تأثرت كثيراً بذكر بعض الاسماء لزملاء دراسة في المراحل الاولية للتعليم لم ألتقِ بهم فيما بعد و بعضهم قد قضي جراء اهوال الحرب الأهلية في الجنوب.
قدّم جاكوب اكول في كتابه خدمةً جليلة لأهله و موطنه.و اتفق معه في التمني بأن تلهم حكايته بناتٍ و أبناءً من الجنوب ليواجهوا التحدي بكتابة حكاياتهم التي بلا شك ستكون لأي واحدة منها فرادتها الخاصة. و لو شجّع هذا الكتاب أمثالي في سرد حكاياتهم فسيكون من الأمور المحمودة. سرد هذه الحكايات سيكون بمثابة تسجيل شهاداتنا حول معاناتنا و انتصاراتنا ضد خلافاتنا، سرد هذه الحكايات سيكون بمثابة التعبير النهائي و الأخير عن هوية و مصير شعوب جنوب السودان.
طه جعفر الخليفة
تورنتو-اونتاريو- كندا
3 سبتمبر 2016م


عنوان الكتاب: سأمشي تلك المسافة.. حكاية طفل سوداني مفقود في ستينات القرن العشرين
صدر الكتاب عن دار باولين؛ منشورات بولين في افريقياز في نيروبي عام 2005م
ISBN: 9966-08-061-9



Post: #3
Title: Re: تقديم د. فرانسيس دينق لكتاب جاكوب أكول؛ شأ
Author: طه جعفر
Date: 09-04-2016, 02:41 AM
Parent: #2



حروب المركزالعروبي الإسلامي المستعلي ضد الجنوبين منذ الإستقلال كانت عبثية و كان بالإمكان تجاوزها و عدم الشروع فيها. لم يحدث ذلك بل حدث العكس تماماً و حدثت خلال الحرب جرائم غير مسبوقة و انتهاكات ضد المدنيين و قتل فوضوي للمدنيين خارج مظلة القانون. طالب الجنوبيون بدرجة من الإستقلال عن الخرطوم المؤدلجة بالتخلف العروبي – الاسلامي مرة بطرح الاتحاد الفيدرالي و مرة بقبول الحكم الذاتي. نعم اختار الجنوبيون طرائق للمطالبة بحقوقهم كان من ضمنها العمل العسكري و خلال تلك الحروب المجرمة نزح الجنوبيون لدول الجوار و نزحوا للشمال أيضاً و عملوا كخدم منزلي و في مهن أخري مخصصة لهم و تعلموا كثيراً عن الإستعلاء و العنجهية الفارغة لساسة المركز المتشابهون جداً في اجندتهم ضد الجنوب فلقد ارادوا جميعاً الحفاظ علي الجنوب كمورد ثابت يمد المركز العربي – اسلامي بموارده الطبيعية و البشرية. المهم انتهت مأساتهم مع الشمال باستفتاء علي الإستقلال صوت فيه الجنوبيون بسبة عالية للاستقلال (9-15 يناير 2011م بسبة تصويت للاستقلال بلغت ال 98%) و هذه النسبة الفضائحية للإستقلال بالانفصال التام عن الشمال في السودان الموحد كان من المرجو أن يتعلم منها الساسة الشماليون شيئاً عن انفسهم و كم هم بغيضون و غير جديرون بأن يكون معهم الجنوبيون بتنوعهم الثقافي و الديني في دولة مواطنة واحدة بدستور علماني. نعم هنالك احلام زلوط في الجانبين بوحدة جديدة علي اسس جديدة و لكن قبل أن يشرع أصحاب النوايا الطيبة من الشماليين البسطاء في احلام اليقظة الصبيانية هذه عليهم مراجعة سجلات الجرائم و الانتهاكات و الفظائع التي ارتكبت باسمهم و بأموالهم تلك الانتهاكات التي نفذها جيش المركز النظامي و المليشيات العربية المساندة له و بالمناسبة لقد كان هنالك دور كبير لمليشيات قبلية من كردفان و ربما دارفور منذ بداية حروب جيش المركز السوداني ضد الجنوب و أهله و الموثق جداً في عام 1988م و ربما قبله
مراجعة هذه السجلات المخزية من الجرائم ستزود الشماليين في السلطة و خارجها و عموم المواطنيين في الشمال ستسهم بفعالية في انجاز مصالحة مع النفس و اعتراف بالفظائع و الانتهاكات و الإعتذار عنها و تعويض من تضرروا خلالها.
يتكرر المسلسل العدواني البليد الذي انجزه جيش المركز و المليشيات التابعة له في الجنوب الآن في دارفور، جبال النوبا و جنوب النيل الأزرق. فهل سيمشي أهلنا الدارفوريون و في جبال النوبا و جنوب النيل الازرق نفس الدرب الذي مشاه جاكوب اكول بمعناه الكبير هل سيغادروا استعلاء المركز و عنجهيته الجوفاء المستندة علي عروبة مشكوك في أمرها غير اللغة و اسلام غريب حتي علي تراب الوطن؟
عندما تقرأ عن عذاب الجنوبيين بأقلامهم لا يصيبك أكثر من الغيثان و القرف من فكرة أنك شمالي مستعرب و غافل و ربما غريب الأطوار. سيأتي زمان و نقرأ فيه من اخواننا النوبا في الجبال و اهلنا قبائل الزرقة!! مع الإعتذار، لأننا جميعاً زرقة و و ليس في دارفور و كردفان ابيض واحد و الزرقة كما تعلمون تعني القبائل غير العربية في دارفور و هم كما تعلمون أيضاً بالفوت عبر قعور آذانكم الضحايا الأساسيون لحروب المركز الأخواني المسلم في دارفور و أهلنا في جنوب النيل الأزرق من القوميات غير العربية، سنقرأ و نعرف و نتعلم عن قبحنا كشماليين ساسة في الحكم و غيره و كمواطنين منشغلين بالعيدين، السمايات، رمضان و المجاملات المملة الأخري و مستمعين لاغنيات علي شاكلة "دخلوها و صقيرا حام" و نحتفظفي بيوتنا بخدم منزلي مختلف العرق عنّا. المهم الفضيحة كبيرة و الخزي مضاعف و اليأس من جانبي ممدود كحبال طويلة بشكل ممل . لو كنت من قوميات دارفور الأصيلة في افريقيتها و غير العربية او من جبال النوبا او غير عربي من جنوب النيل الأزرق لكنت داعيا لتقرير المصير عبر الإستفتاء الذي يشرف علي اتمامه المراقبون الدوليون من الغرب و ليس من افريقيا او من الدول العربية و كنت سأختار الإستقلال. كم هو مخزٍتاريخ بلدنا يا شباب و كم هو مجرم و فضائحي.