الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم

الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم


06-10-2003, 09:05 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1055275522&rn=16


Post: #1
Title: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 06-10-2003, 09:05 PM
Parent: #0

الان وقد هطلت الحجارة على هذة الصحراء فأصتصلحتها فاثمرت تينا وزيتونا ارى الى هذة الرسائل انها لم تكن مجرد قطرات دمع من عيون بخيلة بالدمع بل مشى حجلان كبيرة تسير بأمان عرض شارع معبدا بالزفت والقطران اراها ضجة العصافير شعرا فى سيمفونية فجائية تبشر بمقدم الربيع فى بلادنا
هكذا كتب اميل حبيبى عند تقديمة لشطرى البرتقالة الفلسطينية محمود درويش وسميح القاسم فى كتابة الصادر من دار العودة فى بيروت بعنوان الرسائل ونحن نقوم بنشر هذة الرسائل نهديها الى كل من اكتوى بنار القهر والى كل من التحقوا بشق برتقالتهم بالخارج
واثارو الابتعاد تحت واقع القمع والافقار وتكميم الافواة


رسالة أولى

عزيزي سميح
وما قيمة أن يتباد ل شاعران الرسائل .
لقد اتفقنا على هذه الفكرة المغرية منذ عامين في مدينة استوكهولم الباردة . وها أنا ذا أعترف بتقصيري, لأنني محروم من متعة التخطيط لسبعة أيام قادمة, فانا مخطوف دائما إلى لا مكاان آخر. ولكن تسلل الفكرة المشتركة إلى الكثيرين من الأصدقاء تحول إلى إلحاح لا يقاوم . كم تبهجني قراءة الرسائل...! وكم أمقت كتابتها لأني أخشي أن تشي ببوح حميم قد يخلق جوا فضائحياً لا ينقصني, حتى تحولت هذه الخشية إلى مصدر إتهامات لا تحصى ليس أفدحها " التعالي" كما هو رايج .
الآن أشمر عن عواطفي, وأبداء. لا أعرف من أين أبداء عملية النظر إلى مأساتنا المشتركة. ولكني سأبداء لانضبط ولأورطك في إنضباط صارم. سيكون التردد أو التراجع قاسيا بعد ما أشهدنا القراء علينا , وبعد ما هنأتك بعيد ميلادك الذي يواصل صناعة الفراغ بين العمر والصورة . كل عام وأنت في خير وشعر حتى نهايات النشيد.
لن نخدع أحدا,وسنقلب التقاليد, فمن عادة الناشرين, أو الكتاب’, أو الورثة أن يجمعوا الرسايل الكتوبة في كتاب. ولكننا هنا نصمم الكتاب و نضع له الرسائل. لعبتنا مكشوفة. سنعلق سيرتنا على السطوح, أو نواري الخجل من كُتاب المذكرات بكتابتها في رسائل.
إنتبه جيدا, لن تستطيع قول ما لا يقال. فنحن مطالبان بالعبوس, مطالبان بالصدق والإخفاء ومراقبتهما في آن . مطالبان بأن لا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة , مطالبان بإجراء تعديل ما على طبيعة أدب الرسائل, أبرزه استبعاد وجوه الشهود وجمالية الضعف الإنساني, فكميف نحل هذه المعضلة التي يجمد بقاءها الفارغ الطلي بين الرسالة والمقالة..؟
سنحاول إفلات النص من ضفافه, إذ لعل أبرز خصائص الكتابة هي فن تحديد الضفاف الذي يسميه النقد بناء. فالنكسر البناء بتعثر لعبتنا الجديدة على ساحتها المفتوحة.
وأصل الحكاية – كما تذكر – هو رغبتنا الواضحة في أن نترك حولنا, وبعدنا, وفينا أثارا مشتركا وشهادة على تجربة جيل تألب على نور الأمل وعلى نار الحسرة وأن نقدم إعتذارا مدويا عن أنقطاع اصاب ساعة في عمرنا الواحد, و أن نعيد ارتباطنا السابق إلينا و إلى وعي الناس ووجدانهم, لنواصل هذه الثنائية المتناغمة – ثنائيتنا - إلى آخر دقيقة في الزمن , بعدما تمردنا عليها في مطلع التكوين الجنين تمردا كان ضروريا لبلورة خصوصية لا بديل عنها في الشعر, ثم تجاوزت نزعتها الاستقلالية لتتجول إلى تناحر سفيه قد كان أحد مصادره إحساس الواحد منا بشكل مفاجئ, بقطيعة حوار توصل إلى يتم لقد كان كل واحد منا شاهداً على ولادة الآخر , فل نتابع هذه الشهادة.
ولكن ماقيمة أن يتبادل شاعران الرسائل...؟
لسنا بشاعرين هنا. ولن نكون شاعرين إلا عندما يقتضي الأمر ذلك . هل هذا ممكن ..؟ لا أعرف إن كنت سترضى بهذا التغييب الملازم لاستحضار انسانيتنا المقهورة " بعدوان" الحب والقصيدة, منذ حول العربي الجديد شاعره الجديد إلى موضوع. فماذا نريد ألأن نقول ..؟ لقد فعل الشعر فينا ما تفعل الموسيقى بموضوعها , تتجاوزه للإفتتان بذاتها وأداتها . ولكن أين مكاننا ..؟ وأين لحمنا ودمنا..؟ أين طفولتنا..؟ لقد تعبت من المهارة. ولكن أعجبتني حاسة المهارة المنتبهة إلى ذاتها في مجموعتك الشعرية الجديدة . ومع ذلك, إن أكثر ما يعنيني هو إنسانيتك. وهنا تحديداً : أبوك . لقد أعاديتني مرثيتك إليه , إلى كرم الزيتون لمعلق على خاصرت السمو الراسخ وإلى قدرتنا على الدهشة وسط تبادل الروائح الصلبة في الطبيعة, وإلى الحدود الناتئة الفاصلة بين الفصول. من لا مكان له لا فصول له. ولكنني مازلت مفتوناً ومجنونا بخرفنا. خريفنا ليس هو الشجر المدافع عن بذائة الزهر , ولكنه الرائحة. فكيف ستنقل إلى هذه الرائحة بالراسئل ..؟
خذني إلى هناك إذا كان لي متسع في السراب المتحجر, خذني إلى مضايق رائحة أشمها على الشاشة وعلى الورق وعلى الهاتف. فإذا تعذر ذلك فليسمع منك كل الحصى والعشب والنوافذ المفتوحة اعتذاري الجارح.
من حق الولد أن يلعب خارج ساحة الدار . من حقه أن يقيس المدى بفتحة ناي . من حقه أن يقع في بئر أو فوهة كبيرة في جزع شحرة خروب. من حقه أن يضل الطريفق إلى البحر أو المدرسة . ولكن ليس من حق أحد حتى لو كان عدواً , أن يبقي الولد خارج الدار .
لم نذهب إلى العمر في هذه الطريقة, بل ذهبنا إلى هذا الطريق. هل تذكر هتافك الساطع " ابداً على هذا الطريق " ...؟ أبداً. . . وإن تعرج أو عرج بنا على منافٍ لم تخطر على بآل آلهة الشر الإغريقية. ولا أفعى جلجامش فعلت ما فعلت بنا بنت الجيران. هل تذكر الشارع الخارج من عكا إلى الشمال العربي , وسكة الحديد الموصولة إلى الجنوب العربي...؟ ولكن , أبداً . . . أبداً على هذا الطريق مهما إشتد مزاح الزمن ومهما توسع حمار الخواجة بلعام .
لست نادماً على شئ , فمازلت قادرا على الجنون وعلى الكتابة وعلى الحنين. ودون أن اتسائل : هل سبقت الفكرة أداتها ليتكاثر عليها هذا الحصار..؟ اصرخ في وجوه الذين يدفعون الفكرة إلى الضجر : إن روحي هناك . وأقول لك : إن أولائك المحتلين, الواقفين بيني وبينك, لا يستحقون اي مقارنة مع أي شر عربي .. عبيد الخرافات, طفيليات العجز المحيط, سلالة الانتقام, لا حق لهم في التصفيق لحماقة الآخرين التي تواصل إنتاجهم المؤقت. وماذا لوانتصروا في غياب ..؟ هل يضمن فولازهم القوي النجاح الدائم لفكرة ميتة..؟ وهل تسوق الأداة الحق من الزائل..؟ لهذا السبب أحارب الالتباس الخبيث, ولا امد حنيني على جسر فردي. فكن أنت جسري الصلب, وقدم لجدل " الداخل والخارج " عافية التواصل. عضني عن غيابٍ لأفرح : مادمت هناك أنا هناك. وافتح النافذة المطلة على العكس . ما كان يطل على الخارج , فينا , يستدير ليطل على الداخل , هي الدائرة . . . هي الدائرة.
ويلحون علي ليقتلوني : هل أنت نادمٌ على سفر ..؟ لن يذهب شيئٌ عبثاً , لم يذهب . وقد حاولنا أن نضخ الوعد بما أتينا من لغة وحجارة ودم , ومازلنا نحاول البقاء والسير . لن ينكسر الصوت ما دام شعبي حيا . . . حيا . . . حياً, ومادام للأرض يوم هو هوية العمر. فلماذا يسق فردٌ واحد إلى سؤال : هل أنت نادمٌ على سفر ..؟ سداً أحاول أن ارد السؤال إلى صياغه , فأهمس في آلة تسجيلٌ صغيرة : إذا كان هذا يريحكم فأنا نادمٌ على سفر ..؟
المكن, المكان, أريد أي مكان في مكان المكان لأعود إلى ذاتي, لأضع الورق علىخشب أصلب, لأكتب رسالة أطول , لأعلق لوحة على جدار لي, لارتب ملابسي, لاعطيك عنواني, لاربي نبتة منزلية, لأزرع حوضا من النعناع , لانتظر المطر الأول. كل شئ , خارج المكان, عابر وسريع الزوال حتى ولو كان جمهورة . ذلك . . . ما يجعلني عجز عن الرحيل الحر. . .
ولكنك ستكتب إلىّ لإعادة تركيب ما تفكك في النفس والزمن , برفع رافعة التوازن لثنائية " الداخل والخارج " الخاصة والعامة , لاستعادة أولى الطبقات الصاعدة إلى أفق يفيض عن الطريق . ستكتب إلىّ . سأكتب إليك . . . لأعود . فما زال في وسع الكلمات أن تحمل صاحبها وأن تعيد حاملها المحمول عليها إلى داره . وما زال في وسع الذاكرة أن تشير إلى تاريخ . ويجتاحني ندا راعف إلى عودة , عودة ما إلى أول الأٍياء وإلى أول الأسماء , فكن أنت عودتي.
إذن, أخرج من خزانة الثياب لنلعب لعبة أخري مع فتيات أخريات, ولا تتلكأ طويلا في الشوارع الخلفية, فأنت على موعد مع الشاطئ . حيفى حارة في الصيف ورطبة . ولا تنس أن تزور محطة الشرطة وأنت في طريقك إلى البحر ولا أن تسأل الضابطك عن موعد الاعتقال القادم . قدم له سيجارة وأطلب منه سجنا أنظف من سجن الشهر الفائت . ولا تنس المقال في " مفهى روما" كا المعتاد . . . وإن جائت " السيدة " , سلم عليها وقل لها : سافر. . . وسيعود قريبا . ولا تسألها عن الجنين . . .
قريبا ..؟ ستة عشرة سنة..؟ ست عشرة سنة كافية لتقبل بينلوب ود خاطبها وتلعن بحر إيجة . ست عشرة سنة كافية لأن تتحول الحشرات الصغيرة على جراح أيوب إلى طائرات نفاثة . ست عشرة سنة تكفي لأصرخ : بدي اعود . بدي اعود . كافية لأتلاشى في الأغنية حتى النصر أو الموت .
ولكن , أين قبري يا صديقي..؟ أين قبري يا أخي ..؟ أين قبري ..؟ . . .


أخوك محمود درويش

" باريس – 19/5/1986 "

Post: #2
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: طلال القاضي
Date: 06-14-2003, 06:21 PM
Parent: #1

في انتظار الرسالة الثانية

Post: #4
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: almohndis
Date: 06-14-2003, 07:43 PM
Parent: #2

هل من مزيد

Post: #3
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: zumrawi
Date: 06-14-2003, 06:32 PM
Parent: #1

كثيرا ماكنت ابحث عن هذه الرسائل
فى انتظار الرسالة الثانية وشكرا يانسر

Post: #5
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: bunbun
Date: 06-14-2003, 08:02 PM
Parent: #3

الاعزاء المهندس وزمرواي
اطيب تحية سأنتظر معكم الاخ النسر ولو تأخر سأقوم بإيراد بعض من تلك الرسائل التي بحوزتي بين سميح ودرويش

Post: #6
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: zumrawi
Date: 06-14-2003, 08:07 PM
Parent: #1

جدا يابنبن ونكون شاكرين
وبالمناسبة وين الغيبة الطويلة

Post: #7
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 06-21-2003, 12:09 PM
Parent: #6

الاعزاء /طلال قاضى /زمراوى /المهندس/ بنبن
كل التحايا كل الود اشكركم على المتابعة واعدكم بان انشر بقية الرسائل فى القريب العاجل
تحياتى

الاخ بنبن يمكنك ان تنشر ما لديك من رسائل حتى تعم الفائدة على الجميع


زمراوى يازول يارائع فقط ابتعادى عن المنتدى كان بسبب المرض والان انا بخير اشكرك على السوال عنى ولك منى الود والترحاب

Post: #8
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: bunbun
Date: 06-21-2003, 08:19 PM
Parent: #7

العزيز النسر
حمدلله ع السلامة واغفر لنا تقصيرنا لمعرفة أحوالك
لا اخفي عليك انني كسول للغايةكما انني لا املك ماسح ضوئي وربما هي المشغوليات
وزي ما قالت ست الدار للزين ود حامد واصل سيرك واصل واصل لو ما كنت الزين ود حامد كان حيكونك واحد غيرك
عموما
سأساهم في نشر ما لدي من رسائل وارجوك أن تواصل

Post: #9
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: obay_uk
Date: 06-21-2003, 08:40 PM
Parent: #1


السلام يا اخوه
والله أذكر قصيدة لسميح القاسم عنوانها شئ مثل
عشر شمعات في كفر قاسم
أو شئ مثل ذلك ، هل سمع بها أحدكم أو يعرف أين أجدها ؟
وتشكروا يا حبايب


Post: #10
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 06-21-2003, 09:13 PM
Parent: #9

الاخ/ بنبن
التحايا والود
اشكرك جدا علىاهتمامك وحقيقة لو عندك اى امكانية فى تقديم بعض الرسائل بين سميح ومحمود فقط لاتترد وتكون بذلك قد حملت معى هم هذا العمل الضخم لاننى اقوم بكتابتها وليس تصويرها عن طريق الاسكنر حتى يتثى للجميع سحبها بكل سهولة ان ارادوا ذلك
ولك شكرى وتقديرى

Post: #11
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 08-18-2003, 01:53 PM
Parent: #1

up

Post: #12
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 08-18-2003, 01:58 PM
Parent: #11

الوطن ينتظر عودتك
* أخى محمود ،
اذن ، هكذا نكف قليلا عن عبث الغربة ونخترع لأنفسنا لقاء ما . وها أنت منذ رسالتك الجديدة ( لماذا تسميها رسالة أولى ؟ ) تقترح بذكائك الذى أعرفه قاعة للعبة وكأنك لا تعرف أخاك فى عناده ( برج الثور ) وشهوته الفادحة للعب بال قواعد !
" نحن مطالبان بألا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة "
هكذا تقول فى رسالتك ، هديتك الرائعة لى في يوم ميلادى المروع . لا بأس عليك يا أخى الحبيب فهناك من هم أقدر منا على تشويه " صورتنا النمطية هذه " . أما نحن فما علينا إلا أن نرمم " المخيلة العامة " المخيلة الطيبة المدفعة الهالكة شوقاً إلى موت أليف فى زمن الضجيج والوحشة والنعيب . وماذا بشأن مخيلتنا نحن . مخيلة جيل برمته ، حاصروها منذ طولتها الأولى بكأس أمرىء القيس الذهبية وأبهة بنى أمية ، وسيجوها بمطالع المتنبى المدهشة وصهيل الخيل وصليل السيوف منذ داحس والغبراء مروراً بالقادسية حتى " حرب تشرين المجيدة " ؟ ماذا عن ذاكرتنا المحرومة من غضب الصعاليك ونقاء الغفارى ولوعة ابن زريق البغدادى ؟ لقد جروا إلى قلوبنا انابيب نفطهم ومائهم هم ، وتركونا نتخبط بحثاً عن رأس النبع حيث ماؤنا نحن … فما الذى كان وما هو الكائن وما الذي سيكون بعد إذ صعقوا مخيلة طفولتنا عام 1984 وصعقوا مخيلة فتوتنا عام 1956 وصعقوا مخيلة شبابنا عام 1967 وقايضونا عين جالوت بكامب ديفيد ، والحبل على الاعناق .
خانوا ذاكرتنا ، بملوكهم ورؤسائهم وحكوماتهم ومؤسساتهم . خانوا ذاكرتنا شعباً وجيلاً وشعراء وأباحوا لأنفسهم انقصافنا مثل قصبة هشة أمام عاصفة الوكالة اليهودية والكومنولث وجامعة انتونى ايدن العربية (؟) .
لا بأس عليك ، لا بأس على علينا أن نرمم الذاكرة .
مد إلى يدك النحيلة عبر المتوسط . لا تكترث بحاملا الطائرات والطرادات الصاروخية فهي منهمكة بلحم طفلة عربية من ليبيا آمنت بأن رأس الدوتشي موسليني لا تصلح قمراً للصحراء .
مد إلى يدك فى غفلة من انبياء الكذب وشهود الزور . وتعال نأخذ نصيبنا من دهشة العيد الول للقصيدة البكر يوم كانت زيارتك الأولى للرامة . كان ذلك بالامس القريب ، منذ ربع قرن فحسب . هل تذكر كيف استولينا على مضافة ابي العليا وحولناها بلا استئذان الى منتدى ثقافى لثلة من الشبان المدججين بدواوين على محمود طه ومحمود حسن اسماعيل وابى القاسم الشابي وكتابات جبران النبوية؟ هل تذكر ذلك الشاب الذي حاصرنا وأمطرنا بوابل من قصائده حتى ضقنا ذرعاً فتهامسنا " اللهم اجعل هذه الليلة خيراً … فهذا الفتى قد تأبط شعراً (!) ما كان النوم متاحاً الا فى الساعة متأخرة من الليل او في اختها المبكرة من النهار … وآنذاك شددت اللحاف الى ما تحت أنفك مودعاً : ( بخاطرك ) !
" بخاطرك " لماذا أتوقف عند هذه الكلمة ؟ آه صحيح لأنك لم تقلها لى حين أرهقتك ليلة ما في موسكو فشددت مصر الى ما تحت أنفك . لقد أحزني رحيلك اكثر مما أغضبنى . كان فى رحيلك قسط من الانانية بقدر ما كان مماثل من الانانية فى سخطى عليك. والغريب فى الامر ان كتيبة بأكملها من الكتاب والصحفيين والشعراء والقراء رأت في ( حادث الطرق ) هذا منطقاً تاريخياً لتجديد امجاد القيسة واليمنية حتى انهم اقسموا بلا رهة هدب ان قصيدة ( اليك هناك حيث تموت ) موجهة اليك رغم انها نشرت قبل رحيلك بعامين . هكذا كان . بيد أن قصيدتنا المشتركة فى الرامة ودير الاسد وحيفا وحبنا المشترك وسجننا المشترك ونضالنا المشترك وجريدتنا المشتركة وذاكرتنا المشتركة ، هذا العالم الزاخر بالفرح الدامي ، الجياش بغبطة التحدي وكبرياء الالم ، كان رأس النبع الذى اكتشفناه وها نحن نعود اليه .
قلت ( الرامة ) وقلت ( دير الاسد ). وتحضر على الفور تلك البداية السحيقة اللصيقة ( لعملنا المشترك ) فى أعقاب زيارتك لى في الرامة اهديتنى قصيدة . كان عنوانها ( عروس جبل حيدر ). وكان مطلعها :
فى حضن حيد ترقد حيث الجمال مغرد
وبالطبع كان على أن أرد على النار بالمثل . وهكذا اهديتك قصيدة معارضة. كان عنوانها ( بلبل دير الأسد ) . وكان مطلعها :
قلبى يثور ويزيد وعلى الحنين يعربد
مهلا . انتظر راجع المطلعين معي . ألا تلاحظ شيئا، بل تلاحظ بالتأكيد من خلال هذين البيتين اننا بداياتنا كنا مكرسين للتماثل والتناقض في آن . التماثل فى الوجدان والتناقض في شكل التعبير عن هذه الوجدان .
تأمل مفرداتك : حضن ، ترقد ، مغرد .
وتأمل مفرداتى : يثور يزيد ، يعربد .
ياه . أتعلم يا محمود ؟ قد يعثر النقاد فى هذين المطلبين على المفتاح الحقيقى لمداخل تجربتنا – تجربتنا. من جهتى ، يبدو لي الآن أن مناخك الشعرى كان صافيا منذ البداية ، وان مناخى الشعرى كان غائماً منذ البداية .
قد يكون الامر كذلك وقد لا يكون . الا أننى مقدم على البوح لك هنا بسر رافق خطوتنا الاولى قبل ثلاثين عاماً كنت طالباً فى مدرسة الناصرة الثانوية . والى جانب ممارسات سرية شتي كنت أمارس كتابة القصائد البذيئة الصاخبة هجاء لمعلم او تجريحا لزميل او غزلا فى طالبة . وكان الطلاب يتناولون هاتيك القصائد مع ساندوتشات العطلة الصباحية، متلمظين بعدها بما طاب لهم مدحاً أو قدحاً . فى تلك المرحلة اكتشفت بايرون وشيللي عبر المنهاج الدراسى . وخيل الي آنذاك ان بايرون اقرب الى قلبي من صديقة وزميلة . وذات درس من دروس الادب الانجليزى علمنا المعلم أن والد بايرون كان ضابطاً متقاعداً من الجيش برتبة كابتن . فجأة انفجر طالب يدعى سعيد الصح ضاحكاً . دهشنا لجرأة زميلنا علماً بأن استاذ الانجليزية كان رجلا صارماً عصبيا حاد المزاج ، وتفادياً لعاصفة الغضب سارع اخونا سعيد لتبرير موقفه : ( يا استاذ ، والد سميح القاسم هو الآخر ضابط متقاعد من الجيش برتبة كابتن ) . ضحك الطلاب وغفر المعلم . اما انا فلم اضحك ولم اكتشف ضرورة للغفران بل تعاملت مع هذه المسألة ليس باعتبارها لفت انتباه الى مصادفة طريفة او لسعة من زميل يشكك فى مستقبلى الشعرى ، بل باعتبارها نوعاً من التقمص التاريخى الناجز وفق ارادة إلهية …
وحين تعارفنا فيما بعد يا عزيزى محمود ، همست لذاتى وفي ذاتي : ( آها … لا بد ان هذا الشاعر هو زميلى وصديقى هو زميلى وصديقى بيرسى بيشن شيللى !! ) والآن ، في هذا الوقت بالذات ، وبعد ظاهرة الثائية التي أشرت اليها فى رسالتك ، سأكون مموهاً اذا انا زعمت الفكاك من ( ثنائية ) شيللى وبايرون .
يا عزيزى بيرسي بيش درويش .
من حقك أن ( تلعب خارج ساحة الدار ) ومن حقك ان تعود ، ون حقى ان العب فى ساحة الدار ومن حقي انا الآخر ان اعود . ومن حقنا ان نختار قبورنا . لكن تعال نراقب كلمة ( الحق ) هذه . ماذا عنت فى الماضي ؟ ما هو اليوم ؟ وهل تختزن هذه اللفظة الرشيقة والمهيبة فى آن . مضموناً مجرداً فرداً شاملاً وخالدا؟ لا ارى ذلك والا لكان على ان اعلق نفسى على اقرب شجرة . ولنتأمل معاً الفاظاً ومصطلحات رائجة اخرى : السلام … العدالة الاجتماعية … الأمن … الوحدة الوطنية … حق تقرير المصير وهلمجرا . وعليه قس ! ستجد من يفسر حق تقرير المصير على الحق فى اختيار هذا النظام أو ذاك وتكريسه لا بادتنا السياسية والتاريخية ، حتى الجسدية . وحين تسأل امراءة لماذا تزنى تجيبك على الفور أنا حرة ! وإذا سألأت سمساراً لماذا تخون وطنك فسيرد على الفور : أنا حر ! واكثر من ذلك فستجد من يجابهك بصفاقة مرعبة : هه ، تتحدث عن الحرية وتدعو للحق وها انت تنتقص من حريتى وتصادر على حقي !
كلمات يا عزيزى . كلمات. كلمات وألف رحمة على هملت وعلى شكسبير وعلى آله وصحبه أجمعين !
اخيراً لا تسألنى اين قبرك . مادام المهد قضية معلقة فسيظل القبر سؤالاً محرجاً يتيم الاجابة .
الامر المؤكد الوحيد هو ان حواجز الشرطة المحيطة بمطار اللد لن تقوى على احتجاز قلب الوطن الذي ينتظر عودتك ساعة بساعة ودهراً بدهر …

اخوك سميح القاسم
( حيفا – 22 / 6/1986 )

Post: #13
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: ابو يسرا
Date: 08-18-2003, 02:19 PM
Parent: #12

اخي النسر الف شكر على مجهوداتك وانا اعرف ماتعانيه من اجل افراغ هذه الرسائل من الكتاب وانزالها فى النت اتمني ان تطلعنا على اجواء القاهرة الثقافية

Post: #14
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 08-18-2003, 02:27 PM
Parent: #13

ابويسرا
لك كل الحب
اكيد سوف اكتب عن كل الفعاليات الثقافية هنا بس مشغول انا بهموم خففة وبعدها اكيد سوف اكتب
تحياتى

Post: #15
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 08-18-2003, 03:18 PM
Parent: #14

الوطن ينتظر عودتك
* أخى محمود ،
اذن ، هكذا نكف قليلا عن عبث الغربة ونخترع لأنفسنا لقاء ما . وها أنت منذ رسالتك الجديدة ( لماذا تسميها رسالة أولى ؟ ) تقترح بذكائك الذى أعرفه قاعة للعبة وكأنك لا تعرف أخاك فى عناده ( برج الثور ) وشهوته الفادحة للعب بال قواعد !
" نحن مطالبان بألا نشوه صورة نمطية أعدتها لنا المخيلة العامة "
هكذا تقول فى رسالتك ، هديتك الرائعة لى في يوم ميلادى المروع . لا بأس عليك يا أخى الحبيب فهناك من هم أقدر منا على تشويه " صورتنا النمطية هذه " . أما نحن فما علينا إلا أن نرمم " المخيلة العامة " المخيلة الطيبة المدفعة الهالكة شوقاً إلى موت أليف فى زمن الضجيج والوحشة والنعيب . وماذا بشأن مخيلتنا نحن . مخيلة جيل برمته ، حاصروها منذ طولتها الأولى بكأس أمرىء القيس الذهبية وأبهة بنى أمية ، وسيجوها بمطالع المتنبى المدهشة وصهيل الخيل وصليل السيوف منذ داحس والغبراء مروراً بالقادسية حتى " حرب تشرين المجيدة " ؟ ماذا عن ذاكرتنا المحرومة من غضب الصعاليك ونقاء الغفارى ولوعة ابن زريق البغدادى ؟ لقد جروا إلى قلوبنا انابيب نفطهم ومائهم هم ، وتركونا نتخبط بحثاً عن رأس النبع حيث ماؤنا نحن … فما الذى كان وما هو الكائن وما الذي سيكون بعد إذ صعقوا مخيلة طفولتنا عام 1984 وصعقوا مخيلة فتوتنا عام 1956 وصعقوا مخيلة شبابنا عام 1967 وقايضونا عين جالوت بكامب ديفيد ، والحبل على الاعناق .
خانوا ذاكرتنا ، بملوكهم ورؤسائهم وحكوماتهم ومؤسساتهم . خانوا ذاكرتنا شعباً وجيلاً وشعراء وأباحوا لأنفسهم انقصافنا مثل قصبة هشة أمام عاصفة الوكالة اليهودية والكومنولث وجامعة انتونى ايدن العربية (؟) .
لا بأس عليك ، لا بأس على علينا أن نرمم الذاكرة .
مد إلى يدك النحيلة عبر المتوسط . لا تكترث بحاملا الطائرات والطرادات الصاروخية فهي منهمكة بلحم طفلة عربية من ليبيا آمنت بأن رأس الدوتشي موسليني لا تصلح قمراً للصحراء .
مد إلى يدك فى غفلة من انبياء الكذب وشهود الزور . وتعال نأخذ نصيبنا من دهشة العيد الول للقصيدة البكر يوم كانت زيارتك الأولى للرامة . كان ذلك بالامس القريب ، منذ ربع قرن فحسب . هل تذكر كيف استولينا على مضافة ابي العليا وحولناها بلا استئذان الى منتدى ثقافى لثلة من الشبان المدججين بدواوين على محمود طه ومحمود حسن اسماعيل وابى القاسم الشابي وكتابات جبران النبوية؟ هل تذكر ذلك الشاب الذي حاصرنا وأمطرنا بوابل من قصائده حتى ضقنا ذرعاً فتهامسنا " اللهم اجعل هذه الليلة خيراً … فهذا الفتى قد تأبط شعراً (!) ما كان النوم متاحاً الا فى الساعة متأخرة من الليل او في اختها المبكرة من النهار … وآنذاك شددت اللحاف الى ما تحت أنفك مودعاً : ( بخاطرك ) !
" بخاطرك " لماذا أتوقف عند هذه الكلمة ؟ آه صحيح لأنك لم تقلها لى حين أرهقتك ليلة ما في موسكو فشددت مصر الى ما تحت أنفك . لقد أحزني رحيلك اكثر مما أغضبنى . كان فى رحيلك قسط من الانانية بقدر ما كان مماثل من الانانية فى سخطى عليك. والغريب فى الامر ان كتيبة بأكملها من الكتاب والصحفيين والشعراء والقراء رأت في ( حادث الطرق ) هذا منطقاً تاريخياً لتجديد امجاد القيسة واليمنية حتى انهم اقسموا بلا رهة هدب ان قصيدة ( اليك هناك حيث تموت ) موجهة اليك رغم انها نشرت قبل رحيلك بعامين . هكذا كان . بيد أن قصيدتنا المشتركة فى الرامة ودير الاسد وحيفا وحبنا المشترك وسجننا المشترك ونضالنا المشترك وجريدتنا المشتركة وذاكرتنا المشتركة ، هذا العالم الزاخر بالفرح الدامي ، الجياش بغبطة التحدي وكبرياء الالم ، كان رأس النبع الذى اكتشفناه وها نحن نعود اليه .
قلت ( الرامة ) وقلت ( دير الاسد ). وتحضر على الفور تلك البداية السحيقة اللصيقة ( لعملنا المشترك ) فى أعقاب زيارتك لى في الرامة اهديتنى قصيدة . كان عنوانها ( عروس جبل حيدر ). وكان مطلعها :
فى حضن حيد ترقد حيث الجمال مغرد
وبالطبع كان على أن أرد على النار بالمثل . وهكذا اهديتك قصيدة معارضة. كان عنوانها ( بلبل دير الأسد ) . وكان مطلعها :
قلبى يثور ويزيد وعلى الحنين يعربد
مهلا . انتظر راجع المطلعين معي . ألا تلاحظ شيئا، بل تلاحظ بالتأكيد من خلال هذين البيتين اننا بداياتنا كنا مكرسين للتماثل والتناقض في آن . التماثل فى الوجدان والتناقض في شكل التعبير عن هذه الوجدان .
تأمل مفرداتك : حضن ، ترقد ، مغرد .
وتأمل مفرداتى : يثور يزيد ، يعربد .
ياه . أتعلم يا محمود ؟ قد يعثر النقاد فى هذين المطلبين على المفتاح الحقيقى لمداخل تجربتنا – تجربتنا. من جهتى ، يبدو لي الآن أن مناخك الشعرى كان صافيا منذ البداية ، وان مناخى الشعرى كان غائماً منذ البداية .
قد يكون الامر كذلك وقد لا يكون . الا أننى مقدم على البوح لك هنا بسر رافق خطوتنا الاولى قبل ثلاثين عاماً كنت طالباً فى مدرسة الناصرة الثانوية . والى جانب ممارسات سرية شتي كنت أمارس كتابة القصائد البذيئة الصاخبة هجاء لمعلم او تجريحا لزميل او غزلا فى طالبة . وكان الطلاب يتناولون هاتيك القصائد مع ساندوتشات العطلة الصباحية، متلمظين بعدها بما طاب لهم مدحاً أو قدحاً . فى تلك المرحلة اكتشفت بايرون وشيللي عبر المنهاج الدراسى . وخيل الي آنذاك ان بايرون اقرب الى قلبي من صديقة وزميلة . وذات درس من دروس الادب الانجليزى علمنا المعلم أن والد بايرون كان ضابطاً متقاعداً من الجيش برتبة كابتن . فجأة انفجر طالب يدعى سعيد الصح ضاحكاً . دهشنا لجرأة زميلنا علماً بأن استاذ الانجليزية كان رجلا صارماً عصبيا حاد المزاج ، وتفادياً لعاصفة الغضب سارع اخونا سعيد لتبرير موقفه : ( يا استاذ ، والد سميح القاسم هو الآخر ضابط متقاعد من الجيش برتبة كابتن ) . ضحك الطلاب وغفر المعلم . اما انا فلم اضحك ولم اكتشف ضرورة للغفران بل تعاملت مع هذه المسألة ليس باعتبارها لفت انتباه الى مصادفة طريفة او لسعة من زميل يشكك فى مستقبلى الشعرى ، بل باعتبارها نوعاً من التقمص التاريخى الناجز وفق ارادة إلهية …
وحين تعارفنا فيما بعد يا عزيزى محمود ، همست لذاتى وفي ذاتي : ( آها … لا بد ان هذا الشاعر هو زميلى وصديقى هو زميلى وصديقى بيرسى بيشن شيللى !! ) والآن ، في هذا الوقت بالذات ، وبعد ظاهرة الثائية التي أشرت اليها فى رسالتك ، سأكون مموهاً اذا انا زعمت الفكاك من ( ثنائية ) شيللى وبايرون .
يا عزيزى بيرسي بيش درويش .
من حقك أن ( تلعب خارج ساحة الدار ) ومن حقك ان تعود ، ون حقى ان العب فى ساحة الدار ومن حقي انا الآخر ان اعود . ومن حقنا ان نختار قبورنا . لكن تعال نراقب كلمة ( الحق ) هذه . ماذا عنت فى الماضي ؟ ما هو اليوم ؟ وهل تختزن هذه اللفظة الرشيقة والمهيبة فى آن . مضموناً مجرداً فرداً شاملاً وخالدا؟ لا ارى ذلك والا لكان على ان اعلق نفسى على اقرب شجرة . ولنتأمل معاً الفاظاً ومصطلحات رائجة اخرى : السلام … العدالة الاجتماعية … الأمن … الوحدة الوطنية … حق تقرير المصير وهلمجرا . وعليه قس ! ستجد من يفسر حق تقرير المصير على الحق فى اختيار هذا النظام أو ذاك وتكريسه لا بادتنا السياسية والتاريخية ، حتى الجسدية . وحين تسأل امراءة لماذا تزنى تجيبك على الفور أنا حرة ! وإذا سألأت سمساراً لماذا تخون وطنك فسيرد على الفور : أنا حر ! واكثر من ذلك فستجد من يجابهك بصفاقة مرعبة : هه ، تتحدث عن الحرية وتدعو للحق وها انت تنتقص من حريتى وتصادر على حقي !
كلمات يا عزيزى . كلمات. كلمات وألف رحمة على هملت وعلى شكسبير وعلى آله وصحبه أجمعين !
اخيراً لا تسألنى اين قبرك . مادام المهد قضية معلقة فسيظل القبر سؤالاً محرجاً يتيم الاجابة .
الامر المؤكد الوحيد هو ان حواجز الشرطة المحيطة بمطار اللد لن تقوى على احتجاز قلب الوطن الذي ينتظر عودتك ساعة بساعة ودهراً بدهر …

اخوك سميح القاسم
( حيفا – 22 / 6/1986 )

Post: #16
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: النسر
Date: 08-18-2003, 03:26 PM
Parent: #15

هناك … شجرة خروب
* عزيزى سميح
… وعلى ذكر " الحق " الذي يمد لسان السخرية فى رسالتك ، والحق بالحق يذكر او ينكر فضحتنى دمعتى منذ ايام ، عندما كنت اسجل حديثاً تلفزيونياً فى مدينة هلسنكي …
إنقض على احد المحاورين ، وهو كاتب فنلندي شهير ، بهذا السؤال المدهش : هل تعرف كيبوتس " يسعور " ؟
اجبت : نعم، اعرف مكانه لانى اعرف انقاضي . ولكن لماذك تحرك فى هذا العطش ؟
قال : انا من هناك . اعنى : عشت هناك عشر سنين ، ومن حقى أن أعود الى هناك فى أى وقت أشاء …
قلت : فى أى وقت تشاء ، لماذا ؟
قال : لأنني يهودى …
قلت له ، وقد تحول إلى مرآة : ياسيد دانيال كاتس ، يبدو لي انك تعرف اننى ولدت هناك تحت غرفة نوك وتعرف ان لا " حق " لى فى العودة الى مكان ولادتى ، بينما انت الفلندى ، صاحب العشرين الف بحيرة ، تملك " الحق " فى العودة الى بلادى في أى وقت تشاء …
قال : اعرف هذا الظلم . ولذلك ، اعددت لك هذه الهدية ، هذه الأغنية القصيرة :
" انظر الى البلاد التي تسميها وطنك – قال لى توفيق او محمود / عيناك تحدقان في التراب ولا تصلان الى ما تخبئ الارض / القرية التى ولدت فيها عارية وباكية / متحررة من خاصرة أمى / وأنت … ها انت ترفع باعتزاز / كوخاً من الصنوبر " …
وروى لى دانيال ، يا عزيزى سميح مسيرته فى طريق العودة – فهم دائماً عائدون – كما يرويها من يملكون الحق ، اينما كان ، والضمير عندما يشاؤون . اذ ليس على التاريخ الا أن يتمرن على حساب مصالحهم وعواطفهم وينضبط ! كان مثل جميع المهاجرين لا يعلم . لا احد منهم يعلم على ما يبدو – ان في بلادنا شعباً . وحين يواجهون عقبات الاندماج فى الارض فى المؤسسة فانهم سرعان ما يعلمون ، ويستخرجون احتياطى الضمير ليختاروا " عودة " اخرى الى " حة " آخر.
من علمك يا دانيال ان تحت كيبوتسك قريتى ؟
قال : شجرة الخروب الضخمة … سألت احد زملائى فى الكيبوتس عمن غرس هذه الشجرة ، فقال : نحن المهاجرين . ولكننى ادركت من عمر الشجرة أنه يكذب ، ادركت ان احد اجدادك هو الذى غرسها . فحملت ضميرى المعذب وعدت الى وطنى فنلندا لم أقل له ، يا عزيزى سميح ، انه محظوظ بامتلاكه حقين ، ووطنين وعودتين قلت له انه عادل ، لانه يمتلك ميزة انسانية اكبر هى : الضمير ، يحركه ، يستعمله ويشهره مى يشاء فى وجه أية مشكلة . فى وسعة ان يتوج قاضيا مادام يتمتع بهذه القوى الانسانية . له حق الكلام والمصداقية . أليس هو الشاهد الذي لا يدحض ؟
ونحن الذين نحتاج اليه نتكلم عبره عما يصيبنا . فهل يحق للعربي ان يتحدث في الغرب بلا شاهد يهودي ؟ لا حظ على سبيل المثال ، كيف يناقش الاسرائيليون قضايا الاحتلال ونتائجها السكانية . انهم يبكون كما لو كانوا هم الضحية ، ونحن الضحايا نصفق لمتانة الدليل !
ولكننى اعلق بطريقة أخرى تشبه معانى الكلمات التالية : وهكذا تدلنا شهادة دانيال على ان السلام فى الشرق الاوسط ما زال قابلاً للتحقيق ، ما دام دانيال يصاحفنى ، ويرضى ان يكون صديقي ، ويكتب لى هذه الأغنية !
وبالاغنية ذاتها التى تخدع ذاتها لتكون ذاتها يقف الواقع على رأسه ، ويعتذر عن وعى شقي ووعى زائف معاً . ماذا يريد الشعر من المستوطنين اكثر من الاشارة الى طفولتنا التى تنسب جماليتها الى المكان ذاته ؟ ليكونوا هم المعبرين نيابة عنا . هل يعبر عنى حاييم نحمان بياليك حين يغنى للطائر العائد من بلاد الشمس الى نافذته المطلة على الجليد الروسى ؟ وهل يعبر عنك حاييم غورى فى وصف الجليل العائد الى اهله الغائبين ؟ وهل تعبر عن هشاشة قلوبنا تلك الاغنية الرائجة : يا بحيرة طبريا ، يا بحيرة طبريا ، لقد هبت الريح ؟ وهل نستعيد جمال القدس ، كما استعادوه ، فى أغنيتهم التي حطمتنا : يا اورشليم من ذهب ، ومن نحاس وضياء ؟
ليس هذا سؤالا ، يا سميح ، بمقدار ما هو نزيف. وهل انتبهنا الى شراسة استيطان الارض ومحاولة استيطان الذاكرة ، وظل استيطان لغة الحنين والعودة والتيه مجالاً لعواطف مشتركة ممكنة ؟ طالما ان سكان " يسعور" يستمتعون بذهب الذرة الصفراء ذاته ، وبالتفاح ذاته ، وبالدوالي ذاتها، ويرفعوون اكواخاً من الصنوبر كما كنا نرفع ويغنون – كما كنا نغني – هب النسيم على الحقول ؟
لا تصدقنى ، فأنا لا أسأل ، بقدر ما أشير الى " حياد " الطبيعة الجارح .
ولكن شجرة الخروب اياها التى دلت المستوطن الاجنبى " البرى " على وعلى اجدادى، هى غلاف هويتى وهى ايضا جلد روحى اذا كان للروح جلد هناك ولدت … هناك ولدت وهناك أريد ان أدفن . ولتكن تلك وصيتى الوحيدة !
شجرة الخروب – أغبطك لأنك تراها كل يوم فى طريقك من الرامة الى حيفا ، ومن حيفا الى الرامة . سلم عليها اذا كانوا لم يجدعوها بعد . شجرة الخروب – اختبأت فى جذعها العملاق المجوف من المطر ومن الاهل عندما كنت العب مع السحالى والزيز والزواحف ، وعندما كنت اتبع خط الاسفلت الساطع الى عكا ، لأشرب بالطاسات .
ويا سميح ، يا سفير قلبي الى الشجر كله ، لماذا اشعر بكل هذه العطش . والعطش الذى لا يرويه غير امتصاص قطرة من الماء على جناح قبرة عندكم ؟ ولماذا يتجمد الزمن عند السنين الاولى … لينفتح السهل امامى فى امتداد لا ينهيه حتى البحر ، وأرى جنود نابليون فى حقولى عاجزين عن اقتحام القلعة على السور . الذي حولته شركات السياحة الاسرائيلية الى سوق تجارية وملاه لليل طوليل ؟

… وينفتح الشرق امامى لغابات الزيتون التى تصعد ، وتصعد بلا تعب وبلا ملل الى تعرجات جبال كثيرة ، متناثرة ، لتصل قريتى بقريتك العالية ، عبر عشرات من القرى المتناثرة ، كالمجاز السهل ، فى نشيد شديد الصعوبة ؛ يدخلنا فى متنه شهداء أو شهداء ، وهكذا تتحول شجرة الخروب الى مرتكز جهات ، والى علامة الفارق بين الارض والسماء . ومن على غصونها أقطف ، حتى الآن حبات الهواء الطازجة .
لم يكن للشهور اسماء لا تذكر متى انقصف حبق الطفولة . ولكن الليل لم يكن بارداً كما هو الآن . ولم تكن للقمر أغان عبرية معاصرة . ولكننى اتذكر ساحة الدار التى تتوسطها شجرة التوت التي تشد البيوت لتحولها الى دار هى دار جدى تركنا كل شئ على حاله : الحصان ، والخروف ، والثور ، والابواب المفتوحة ، والعشاء الساخن ، وآذان العشاء ، وجهاز الراديو الوحيد لعله ظل مفتوحاً ليذيع اخبار انتصاراتنا الى الآن . هبطنا الوادى الحاد المؤدي الى الجنوب الشرقي المفتوح على بئر يشرق من سهل يقودنا الى قرية " شعب " حيث يقيم اقارب أمى وأهلها القادمون من قرية " الدامون " التى سقطت تحت الاحتلال … وهناك – بعد ايام قليلة – تنادى فلاحو القرى المجاورة الذين باعوا ذهب زوجاتهم ، ليشتروا بنادق فرنسية الصنع لتحرير " البروة " … حررها فى أول الليل . شربوا شاي المحتلين الساخن . وباتوا ليلة النصر الاولى . وفي اليوم التالي تسلمها " جيش الانقاذ " بلا ايصال ، ليعيد اليهود احتلالها وتدميرها حتى آخر حجر … ونحن ننتظر العودة على مشارف الوطن .

تعرف السيرة كلها ، يا سميح لقد طالت " نزهة " المهاجرين واختصرت الحرب . وتعرف كيف " تسللنا " من لبنان حين أدرك جدي أن الرحلة ستطول ، وان عليه أن يلحق بالأرض قبل أن تطيرر وحين وصلنا لم نجد غير الخراب . فقدنا حق الاقامة وفقدنا حق الأرض . وحين مارست طقس الحج الاول الى قريتي الاولى " البرودة " لم اجد منها غير شجرة الخروب والكنيسة المهجورة، وراعي ابقار لا يتكلم العربية الواضحة ولا العبرية الجارحة : من انت يا سيد ؟ . فأجاب : أنا من كيبوتس " يسعور " . قلت : اين كيبوتس " يسعور" ؟ قال : هنا . قلت هنا البروة . قال : اين هى ؟ قلت : هنا . تحتنا . حولنا . فوقنا . هنا فى كل مكان . قال : ولكننى لا أرى شيئاً ولا حتى حجارة . قلت : وهذه الكنيسة … ألا تراها؟. قال هذه ليست كنيسة . هذا اصطبل للابقار . هذه بعض آثار رومانية ؟ . قلت : ومن اين اتيت يا سيد ؟ قال : من اليمن . قلت : وماذا تفعل هنا ؟ قال : عائد الى بلادى . ثم سألني : ومن أين انت ؟ قلت : من هنا … عائد إلى بلادي …

هكذا ، يا عزيزى سميح ، يجرى الحوار منذ اربعين عاماً تقريباً . لاحظ المعانى العكسية الانقلابية ، الاستبدادية ، للكلمات ! ونحن فى احسن الاحوال حراس آثار رومانية لذلك ، كان علينا ان نعيش فى " دير الاسد " قريباً منكم ، لاجئين فى وطن محفوظ ، بقرار الهي ، منذ ألفي سنة لعودة راعي ابقار من اليمن !
فكيف نعيد تركيب هذا التفكيك ، فى البداية ، بغير الشعر؟ كنا – انت وانا – نتسلح بالمعلقات ، وبخلاصات المتنبي ، ورهافة الاندلسيين ، ورخاوة المهجريين . وكنا نخدع انفسنا ، فى شبق البحث عن اختلاف ، بتقمص صعاليك وخوارج وبكل ما يبدو لنا انه خروج عن المؤسسة . لم يكن اختلافنا كله مع تاريخنا . لان هذا الاستيطان الصليبي يعارض كل تاريخنا . لذلك ، لم نجد النموذج الجاهز فى مرحلة وعي أكثر تطوراً وتشكلاً . كان علينا ان نبحث عن اصفارنا ، وكان علينا أن نخطئ . اذ ليس لمصيرنا ، ومفارقتنا الانسانية ، ومأساتنا فى اطار مرجعي . وليس لنا من معبر . وليس لنا أن نستعير دموع عاشق اندلسى يبكي الخروج . ليس وطننا اندلسيا ألا في الجمال والاندلس ليس لنا .
وإذا كان لا بد من اندلس ، بتداعيتها الجمالية ، فان فلسطين هى الاندلس القابلة للاستعادة.
سلام عليك يا عزيزى ، يا حارس الخروبة من أغانى الآخرين . ارجوك … ارجوك أن مررت بها غداً ، ان تعانقها وان تحفر على جذعها اسمك واسمى … ولا تتأخر !
أخوك محمود درويش
( باريس – 3/6/1986 )

Post: #17
Title: Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم
Author: ابو يسرا
Date: 09-19-2003, 12:54 PM

تحياتي ايها النسر وواصل سيرك واصل واصل