الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-18-2003, 03:26 PM

النسر

تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم (Re: النسر)

    هناك … شجرة خروب
    * عزيزى سميح
    … وعلى ذكر " الحق " الذي يمد لسان السخرية فى رسالتك ، والحق بالحق يذكر او ينكر فضحتنى دمعتى منذ ايام ، عندما كنت اسجل حديثاً تلفزيونياً فى مدينة هلسنكي …
    إنقض على احد المحاورين ، وهو كاتب فنلندي شهير ، بهذا السؤال المدهش : هل تعرف كيبوتس " يسعور " ؟
    اجبت : نعم، اعرف مكانه لانى اعرف انقاضي . ولكن لماذك تحرك فى هذا العطش ؟
    قال : انا من هناك . اعنى : عشت هناك عشر سنين ، ومن حقى أن أعود الى هناك فى أى وقت أشاء …
    قلت : فى أى وقت تشاء ، لماذا ؟
    قال : لأنني يهودى …
    قلت له ، وقد تحول إلى مرآة : ياسيد دانيال كاتس ، يبدو لي انك تعرف اننى ولدت هناك تحت غرفة نوك وتعرف ان لا " حق " لى فى العودة الى مكان ولادتى ، بينما انت الفلندى ، صاحب العشرين الف بحيرة ، تملك " الحق " فى العودة الى بلادى في أى وقت تشاء …
    قال : اعرف هذا الظلم . ولذلك ، اعددت لك هذه الهدية ، هذه الأغنية القصيرة :
    " انظر الى البلاد التي تسميها وطنك – قال لى توفيق او محمود / عيناك تحدقان في التراب ولا تصلان الى ما تخبئ الارض / القرية التى ولدت فيها عارية وباكية / متحررة من خاصرة أمى / وأنت … ها انت ترفع باعتزاز / كوخاً من الصنوبر " …
    وروى لى دانيال ، يا عزيزى سميح مسيرته فى طريق العودة – فهم دائماً عائدون – كما يرويها من يملكون الحق ، اينما كان ، والضمير عندما يشاؤون . اذ ليس على التاريخ الا أن يتمرن على حساب مصالحهم وعواطفهم وينضبط ! كان مثل جميع المهاجرين لا يعلم . لا احد منهم يعلم على ما يبدو – ان في بلادنا شعباً . وحين يواجهون عقبات الاندماج فى الارض فى المؤسسة فانهم سرعان ما يعلمون ، ويستخرجون احتياطى الضمير ليختاروا " عودة " اخرى الى " حة " آخر.
    من علمك يا دانيال ان تحت كيبوتسك قريتى ؟
    قال : شجرة الخروب الضخمة … سألت احد زملائى فى الكيبوتس عمن غرس هذه الشجرة ، فقال : نحن المهاجرين . ولكننى ادركت من عمر الشجرة أنه يكذب ، ادركت ان احد اجدادك هو الذى غرسها . فحملت ضميرى المعذب وعدت الى وطنى فنلندا لم أقل له ، يا عزيزى سميح ، انه محظوظ بامتلاكه حقين ، ووطنين وعودتين قلت له انه عادل ، لانه يمتلك ميزة انسانية اكبر هى : الضمير ، يحركه ، يستعمله ويشهره مى يشاء فى وجه أية مشكلة . فى وسعة ان يتوج قاضيا مادام يتمتع بهذه القوى الانسانية . له حق الكلام والمصداقية . أليس هو الشاهد الذي لا يدحض ؟
    ونحن الذين نحتاج اليه نتكلم عبره عما يصيبنا . فهل يحق للعربي ان يتحدث في الغرب بلا شاهد يهودي ؟ لا حظ على سبيل المثال ، كيف يناقش الاسرائيليون قضايا الاحتلال ونتائجها السكانية . انهم يبكون كما لو كانوا هم الضحية ، ونحن الضحايا نصفق لمتانة الدليل !
    ولكننى اعلق بطريقة أخرى تشبه معانى الكلمات التالية : وهكذا تدلنا شهادة دانيال على ان السلام فى الشرق الاوسط ما زال قابلاً للتحقيق ، ما دام دانيال يصاحفنى ، ويرضى ان يكون صديقي ، ويكتب لى هذه الأغنية !
    وبالاغنية ذاتها التى تخدع ذاتها لتكون ذاتها يقف الواقع على رأسه ، ويعتذر عن وعى شقي ووعى زائف معاً . ماذا يريد الشعر من المستوطنين اكثر من الاشارة الى طفولتنا التى تنسب جماليتها الى المكان ذاته ؟ ليكونوا هم المعبرين نيابة عنا . هل يعبر عنى حاييم نحمان بياليك حين يغنى للطائر العائد من بلاد الشمس الى نافذته المطلة على الجليد الروسى ؟ وهل يعبر عنك حاييم غورى فى وصف الجليل العائد الى اهله الغائبين ؟ وهل تعبر عن هشاشة قلوبنا تلك الاغنية الرائجة : يا بحيرة طبريا ، يا بحيرة طبريا ، لقد هبت الريح ؟ وهل نستعيد جمال القدس ، كما استعادوه ، فى أغنيتهم التي حطمتنا : يا اورشليم من ذهب ، ومن نحاس وضياء ؟
    ليس هذا سؤالا ، يا سميح ، بمقدار ما هو نزيف. وهل انتبهنا الى شراسة استيطان الارض ومحاولة استيطان الذاكرة ، وظل استيطان لغة الحنين والعودة والتيه مجالاً لعواطف مشتركة ممكنة ؟ طالما ان سكان " يسعور" يستمتعون بذهب الذرة الصفراء ذاته ، وبالتفاح ذاته ، وبالدوالي ذاتها، ويرفعوون اكواخاً من الصنوبر كما كنا نرفع ويغنون – كما كنا نغني – هب النسيم على الحقول ؟
    لا تصدقنى ، فأنا لا أسأل ، بقدر ما أشير الى " حياد " الطبيعة الجارح .
    ولكن شجرة الخروب اياها التى دلت المستوطن الاجنبى " البرى " على وعلى اجدادى، هى غلاف هويتى وهى ايضا جلد روحى اذا كان للروح جلد هناك ولدت … هناك ولدت وهناك أريد ان أدفن . ولتكن تلك وصيتى الوحيدة !
    شجرة الخروب – أغبطك لأنك تراها كل يوم فى طريقك من الرامة الى حيفا ، ومن حيفا الى الرامة . سلم عليها اذا كانوا لم يجدعوها بعد . شجرة الخروب – اختبأت فى جذعها العملاق المجوف من المطر ومن الاهل عندما كنت العب مع السحالى والزيز والزواحف ، وعندما كنت اتبع خط الاسفلت الساطع الى عكا ، لأشرب بالطاسات .
    ويا سميح ، يا سفير قلبي الى الشجر كله ، لماذا اشعر بكل هذه العطش . والعطش الذى لا يرويه غير امتصاص قطرة من الماء على جناح قبرة عندكم ؟ ولماذا يتجمد الزمن عند السنين الاولى … لينفتح السهل امامى فى امتداد لا ينهيه حتى البحر ، وأرى جنود نابليون فى حقولى عاجزين عن اقتحام القلعة على السور . الذي حولته شركات السياحة الاسرائيلية الى سوق تجارية وملاه لليل طوليل ؟

    … وينفتح الشرق امامى لغابات الزيتون التى تصعد ، وتصعد بلا تعب وبلا ملل الى تعرجات جبال كثيرة ، متناثرة ، لتصل قريتى بقريتك العالية ، عبر عشرات من القرى المتناثرة ، كالمجاز السهل ، فى نشيد شديد الصعوبة ؛ يدخلنا فى متنه شهداء أو شهداء ، وهكذا تتحول شجرة الخروب الى مرتكز جهات ، والى علامة الفارق بين الارض والسماء . ومن على غصونها أقطف ، حتى الآن حبات الهواء الطازجة .
    لم يكن للشهور اسماء لا تذكر متى انقصف حبق الطفولة . ولكن الليل لم يكن بارداً كما هو الآن . ولم تكن للقمر أغان عبرية معاصرة . ولكننى اتذكر ساحة الدار التى تتوسطها شجرة التوت التي تشد البيوت لتحولها الى دار هى دار جدى تركنا كل شئ على حاله : الحصان ، والخروف ، والثور ، والابواب المفتوحة ، والعشاء الساخن ، وآذان العشاء ، وجهاز الراديو الوحيد لعله ظل مفتوحاً ليذيع اخبار انتصاراتنا الى الآن . هبطنا الوادى الحاد المؤدي الى الجنوب الشرقي المفتوح على بئر يشرق من سهل يقودنا الى قرية " شعب " حيث يقيم اقارب أمى وأهلها القادمون من قرية " الدامون " التى سقطت تحت الاحتلال … وهناك – بعد ايام قليلة – تنادى فلاحو القرى المجاورة الذين باعوا ذهب زوجاتهم ، ليشتروا بنادق فرنسية الصنع لتحرير " البروة " … حررها فى أول الليل . شربوا شاي المحتلين الساخن . وباتوا ليلة النصر الاولى . وفي اليوم التالي تسلمها " جيش الانقاذ " بلا ايصال ، ليعيد اليهود احتلالها وتدميرها حتى آخر حجر … ونحن ننتظر العودة على مشارف الوطن .

    تعرف السيرة كلها ، يا سميح لقد طالت " نزهة " المهاجرين واختصرت الحرب . وتعرف كيف " تسللنا " من لبنان حين أدرك جدي أن الرحلة ستطول ، وان عليه أن يلحق بالأرض قبل أن تطيرر وحين وصلنا لم نجد غير الخراب . فقدنا حق الاقامة وفقدنا حق الأرض . وحين مارست طقس الحج الاول الى قريتي الاولى " البرودة " لم اجد منها غير شجرة الخروب والكنيسة المهجورة، وراعي ابقار لا يتكلم العربية الواضحة ولا العبرية الجارحة : من انت يا سيد ؟ . فأجاب : أنا من كيبوتس " يسعور " . قلت : اين كيبوتس " يسعور" ؟ قال : هنا . قلت هنا البروة . قال : اين هى ؟ قلت : هنا . تحتنا . حولنا . فوقنا . هنا فى كل مكان . قال : ولكننى لا أرى شيئاً ولا حتى حجارة . قلت : وهذه الكنيسة … ألا تراها؟. قال هذه ليست كنيسة . هذا اصطبل للابقار . هذه بعض آثار رومانية ؟ . قلت : ومن اين اتيت يا سيد ؟ قال : من اليمن . قلت : وماذا تفعل هنا ؟ قال : عائد الى بلادى . ثم سألني : ومن أين انت ؟ قلت : من هنا … عائد إلى بلادي …

    هكذا ، يا عزيزى سميح ، يجرى الحوار منذ اربعين عاماً تقريباً . لاحظ المعانى العكسية الانقلابية ، الاستبدادية ، للكلمات ! ونحن فى احسن الاحوال حراس آثار رومانية لذلك ، كان علينا ان نعيش فى " دير الاسد " قريباً منكم ، لاجئين فى وطن محفوظ ، بقرار الهي ، منذ ألفي سنة لعودة راعي ابقار من اليمن !
    فكيف نعيد تركيب هذا التفكيك ، فى البداية ، بغير الشعر؟ كنا – انت وانا – نتسلح بالمعلقات ، وبخلاصات المتنبي ، ورهافة الاندلسيين ، ورخاوة المهجريين . وكنا نخدع انفسنا ، فى شبق البحث عن اختلاف ، بتقمص صعاليك وخوارج وبكل ما يبدو لنا انه خروج عن المؤسسة . لم يكن اختلافنا كله مع تاريخنا . لان هذا الاستيطان الصليبي يعارض كل تاريخنا . لذلك ، لم نجد النموذج الجاهز فى مرحلة وعي أكثر تطوراً وتشكلاً . كان علينا ان نبحث عن اصفارنا ، وكان علينا أن نخطئ . اذ ليس لمصيرنا ، ومفارقتنا الانسانية ، ومأساتنا فى اطار مرجعي . وليس لنا من معبر . وليس لنا أن نستعير دموع عاشق اندلسى يبكي الخروج . ليس وطننا اندلسيا ألا في الجمال والاندلس ليس لنا .
    وإذا كان لا بد من اندلس ، بتداعيتها الجمالية ، فان فلسطين هى الاندلس القابلة للاستعادة.
    سلام عليك يا عزيزى ، يا حارس الخروبة من أغانى الآخرين . ارجوك … ارجوك أن مررت بها غداً ، ان تعانقها وان تحفر على جذعها اسمك واسمى … ولا تتأخر !
    أخوك محمود درويش
    ( باريس – 3/6/1986 )
                  

العنوان الكاتب Date
الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر06-10-03, 09:05 PM
  Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم طلال القاضي06-14-03, 06:21 PM
    Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم almohndis06-14-03, 07:43 PM
  Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم zumrawi06-14-03, 06:32 PM
    Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم bunbun06-14-03, 08:02 PM
  Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم zumrawi06-14-03, 08:07 PM
    Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر06-21-03, 12:09 PM
      Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم bunbun06-21-03, 08:19 PM
  Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم obay_uk06-21-03, 08:40 PM
    Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر06-21-03, 09:13 PM
  Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر08-18-03, 01:53 PM
    Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر08-18-03, 01:58 PM
      Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم ابو يسرا08-18-03, 02:19 PM
        Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر08-18-03, 02:27 PM
          Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر08-18-03, 03:18 PM
            Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم النسر08-18-03, 03:26 PM
              Re: الرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم ابو يسرا09-19-03, 12:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de