قبل عقود من الزمان ، شهدت القاهرة ، ثنائيّاً فنيّاً منقطع النظير بين أحمد رامي الشاعر ، و كوكب الشرقّ أمِّ كلثوم ، فتألقا ، و كانت الأغنية الخالدة ، رقّ الحبيب... رقّ الحبيب واعدني يوم ، و كانلو مدة غايب عني حرمت عيني النوم ، لاجل النهار ما يطمّـنّي. تذكرتها اليوم و قد رقّ الهلال ، و حنّ لمحبيه ، تزيّن لهم فأحسن الزينة ، ارتدى الازرقّ الهادئ فخفقت قلوبهم حبّاً ووجداً، و ما كان الهلال يوماً حبيباً نافراً كذاك الذي أذاق شعراء الحقيبة مرّ العذاب في الهوى ، لكنّه حبيب رقّيق القلب كريم العطاء ، إذا أطلّ نثر الفرح في كل الربوع ، وإذا غاب غاب النوم عن محبّيه ، و غياب الهلال الذي أعني هو تركه هزيمة المريخ ، و الترك لا يعني عدم القدرة ، إنّما يعني العفو عند المقدرة. رقّ الهلال ، و كانلو مدة غايب عني ، و عندما عاد كنت غائباً، لكن حسبي أن يكون في أتم العافية متفوقاً على المريخيّين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا ، راهنوا بنجومهم فراهنّا بنجومنا و نجومنا الأمهر ، راهنوا بجماهيرهم فراهنّا بجماهيرنا و جماهيرنا الاكثر ، راهنوا بالعجب ولا عجب أن يخسروا ، فقد راهنّا على الهيثم الذي اصطفاه الله عبقريّة أعيت دفاعاتهم ، رقّ الهلال لمحبّيه ، و قسا على المريخ في عقر داره ، و لا بأس في ذلك ، فالعصا لمن عصا ، و ما أرقّ الهلال حتى في قسوته ، فقد قرأنا أنّه كان بإمكانه زيادة غلته من الأهداف ، لكنّها أخلاق الهلال و شمائله التي تأبى أن يمثّل الجار بجاره ، فنحن في شمال العرضة و هم في جنوبها ، بيننا -مسافة- شارع واحد ، و بيننا بون شسيع من الفن و الابداع و الجمال. رقّ الهلال ، فهوى النجم من عليائه المزيف ، و كانت بشارة النصر اقترابَ عامِ جديد وعيد الاستقلال ، فقد عودنا الهلال السطوع في المناسبات العظيمة ، هذا دأب العظماء ، و رقّة الهلال تأبى عليه القسوة على محبّيه أيّام افراحهم ، فاليوم نشرب إن وردنا الماء صفوا ، و يشرب غيرنا كدراً و هزيمة. رقّ الهلال فأضاء ليل الغربة الذي أضناني حنينا اليه ، فما بارح طيف ذكراه خيالي يوما ، لطالما رددت شوقا كم نظرنا هلال ما شاقنا غير هلالو ، ما أظنو زلال يروينا غير زلالو ، و لطالما ترنمت طربا شفنا حبيب غير علة أهلا بيه الهلال هلا ، أما اليوم فقد هلّ الهلال والأيام صفنلو ، وضع تاريخ للسودان بفنو ، فشكراً للهلال و لاعبي الهلال. رقّ الهلال و عاد ، و كنت واثقاً منتظراً عودته ،و في يوم عودة الهلال لا يمكن أن نغفل ذكر الراحل المقيم والي الدين ، الذي أبكانا فرحا و هو حي ، و أبكانا ألماً و هو يموت ، لا أمل في عودته ، لكنّه باق فينا ما بقي الهلال متألقاً منيراً سماوات أمدرمان التي لو اكتفت بالهلال لكفاها. رقّ الهلال ، و رقّة الهلال عيد لمحبيه ، غيابه عنهم يؤلهم ، وأنا واحد منهم ، لكنّي ما تركته يوماً و إن طال هجره ، بل إنّي لا أري غيابه عني إلا عفة و تادباً واحتجاباً في خِدر ذي أستار ، وإيماناً منّي بأنّ كرة القدم نصر و هزيمة أعِد الهلال باتصال حبّي له وإن اضطر يوما للغياب عني ، و أهمس في اذنه صادقا... في هواك يا هلال العذاب سراني على عفافك دوم زيدني في نيراني! أحمد الريّح _____________________________________________________________________________ الخِدْرُ ما ستر من بَيت ونحوه. قد ينكر البعض حبّي للهلال من واقع تواضع كرة القدم مقارنة بالدول الأخرى، لكن الأمر عندي (أكبر من كده)... ألا نحبّ السودان ونعلم تأخره عن غيره؟ ثم متى طرق الحبّ بابَ القلب يوماً قبل ولوجه؟!... العوازل يمتنعون !
العنوان
الكاتب
Date
ما بين الهلال وأم كلثوم... نغمٌ أصيلٌ وتطريب معتّـق
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة