العنوان نفسه يضج بما يحمله مضمون الرسالة من إستعلاء .. و أنا أتفق مع الكاتب في المسلمات و النتائج .. و أختلف معه في المسببات و المنطلقات . كيف ؟
فلنأخذ جملته هذه :
ولا ندرى هل العيب فى رسالة النداء أم فى قائمة الموقعين على النداء .. هناك اختلافا جوهريا بين رجال أعلام مصر وكتاب النوبة حتى بعد مرور 40 عاما أو أكثر على نكبة النوبة ، في كيفية نظرة كل منهم للمقابل النقدى الذاتى الذي ينتظره من الآخر .
العيب في رسالة النداء .. و ليس في القائمة .. فالنوبيون في مصر لهم حقوقهم المحفوظة كبشر و كمواطنين .. بعكس النوبة عندنا هنا .. الذين مناطقهم مهشمة و ليس مهمشة .. فليأتي لمناطقنا و ينظر بنفسه ثم يعيد البصر عشرات الكرات فسيرتد إليه البصر و هو يجسم له صورة النوبة في السودان و كأنهم ( يا بدر لا رحنا و لا جينا ) .. فقط تغيرت الأسماء .. من بعانخي إلى صالح و عكاشة ..
قبل السد العالي .. بل فلنعد إلى أيام الإستعمار الإنجليزي .. ماذا كان موقع النوبة في مصر بالنسبة للمصريين ؟ الغالبية كانوا في خدمة الإنجليز في وظائف دونية ( بواب ، سفرجي ، ) نظرا لقلة التعليم و تهميش النوبة .. فإنعدمت الثقة نوعا ما بالنوبي من قبل فئات مناهضة الإستعمار. في عهد الخديوي و في عهد فاروق و فؤاد ( الأرناؤؤط ) تكالب نوبة السودان و مصر على نفس الوظائف ، و زادوا عليها وظيفة الهجانة ، و للهجانة في نفوس المصريين حديث ذو شجون بطول ( سيطان العنج التي بيد كل البشارية في السودان و مصر ) .. فقد جسد الهجانة النوبة البعبع الذي يخوف به الملك كل من تسول له نفسه أن يقول ( البغلة في الإبريق ) .. و ما أكثر البغال و الأباريق أيامها .. و بما أن المصريين عموما ( عدا النوبة ) يخلطون بين السودان و النوبة و يضعوهم في سلة واحدة دون فرز ) حتى في بعض الأفلام يخلطون بين بعض تقاليد النوبة و أصحاب القرود في الجبلاية و بين سكان الغابات في السودان فيأتون بخليط غير مفهوم . و إلى الآن فإن غالبية الشعب المصري لا يعرف عن السودان غير أنه غابة مليئة بالسود و الحيوانات و أن النيل يأتيهم من جهتهم ..و إنطلاقا من هذا الخلط الذي ينسحب حتى على عقلية القادة ، فقد تم زحلقة محمد نجيب المحسوب على السودان ، و لا يأتي ذكره بتاتا في تاريخ مصر ، و لا تاريخ الثورة المصرية .. إذن المصريين لا يعرفون غير مصلحتهم .. أين نوبة مصر من كل هذا ؟ لم نسمع صوتا نوبيا طيلة هذه العقود .. حتى إبان أزمة السد و التهجير كان الصوت خافتا ( ربما لبطش عبدالناصر ) .. و لكن الصوت كان مكتوما .. و صار أشد كتمة في عهد السادات رغم أن نصفه سوداني ( و هو نصف يتحاشاه كتاب تاريخ مصر و على رأسهم هيكل ) .. الذي أعرفه عن قرب أن مصر بها مساحة تسامح عرقي أكثر من أي بلد آخر .. فالنوبة منتشرون في كل أرجاء مصر .. يتزوجون النساء و يمتلكون العقار .. و يتقلدون المناصب .. و يطلون عبر الشاشات ممثلين و مغنيين .. فما الذي يمنع من أن يكون مذيعا أو مقدم برامج ؟ إن الإستعلاء موجود في فكر بعض الكتاب المصريين ، و مرده هو أن المصريين في غالبية طباعهم في طاعة أولي الأمر ، أى أنهم ينتهجون نفس نهج الدولة و يعكسون سياساتها ، يسترضونها في الصحف و الكتب و المجلات و الأفلام و المسلسلات .. فهم بعكس السودانيين ، لا يرضون شتم مصر أو مسئول مصري .. لا يحبون ( نشر غسيلهم الوسخ ) .. لذا فإن أي كاتب يشم رائحة التشرذم النوبي فذلك معناه أن هذه الرائحة قد تعدت خطا أحمرا رسمته الدولة ، و بماأن الدولة ترى السودان هذا البلد المترامي الأطراف تعتبره عمقا إسترتيجيا و تعتبره حديقة خلفية لها و صمام أمان واضعة نصب أعينها منابع النيل .. و ما هذا الجيش العرمرم إلا لحماية الماء الزلال .. و حيث أن نظرة مصر للسودان هي هذه النظرة ، لذا فإن أي تململ نوبي سيضرب في مهده ، بل ربما لا يتورع حكام مصر في أن ينقلوا كل النوبة في هجرة أخرى أسفل جبل عوينات حتى لا تصير هناك دولة النوبة ثم دولة السودان ثم منابع النيل و لا ننسى أن مقولة ( مصر هبة النيل ) هي قلادة معلقة على جبين كل مصري .. ينام بها و يصحو عليها .. عزيزي حسن لو كان هناك تعاليا .. فإن نوبتنا في مصر هم السبب .. فقد طالت رقدتهم في كهف ( الرفاهية ) في حين أن نوبتنا الغارقين في بحر التيه و الإهمال ,, يتململون بدءا ( بحلفا دغيم و لا لبنان ) , و إنتهاءا بقصيدة سد كجبار للمرهف مكي على إدريس و اللاءات التي تلاحق سد مروي و الحماداب .. نوبتنا في مصر أفزعوا سادة مصر .. ففكرة الدولة النوبية جاءت كبيضة محلية .. ثم أفرخت خارجيا في أمريكا و أوروبا بمساندة علماء آثار و عشاق للحضارة النوبية .. فكان أن تفتق ذهن حكام مصر عن فكرة إقامة مشروع بين النوبة في مصر و النوبة في السودان يتم فيه إسكان آلاف الصعايدة و الفلاحين .. و يا دار ما دخلك إنفصال أو دولة نوبية .. إذن رسالة النداء عزيزي حسن جاءت متزامنة مع تخوف مصري من إرهاصات قيام دولة أو دويلات نوبية تجعل الهوة بعيدة بينه و بين المنابع و العمق الإسترتيجي الإفريقي و سيشكل هاجسا جديدا لا تستطيع مصر التعامل معه مع واقع إقتصادي معروف و مستجدات دولية .. و لأن مصر تجيد التعامل مع السودان و سياسييه جيدا مع وجود زخم هائل من المنادين بالوحدة معها أو على الأقل التكامل معها .. ثم جاء الكاتب بمقولة ( الإستبداد المصري السوداني ) و أنا أسأله : كم نوبي الآن في موقع السلطة في السودان ؟ و كم كانوا أيام نميري النوبي ؟ ألم يستبدوا مع المستبدين ؟ ألم يبيعوا حلفا بملاليم ؟ ألا تعيش قرانا في الظلام بينما كل القرى و النجوع في مصر تعيش في النور ؟ كم مسئول كبير في سدة الحكم الآن بمصر ؟ ما دورهم في كبح جماح الإستعلاء هذا ؟ ما دور مثقفي و كتاب و أدباء النوبة في إعلاء حقيقة النوبة و نشرها بين الأجيال ؟ إن كان هناك نوبي بلا تقصير .. فليرمه بجبل من حجارة .. نحن كما قلت أنا من قبل ( عبيد وظيفة ) .. مهما كانت هذه الوظيفة .. لا نذكر منطقتنا إلا في السيول و الفيضان و موسم البلح أو إن جاء أحد غير نوبي و أراد أن يبني ( راكوبة ) وسط القرية .. و في الختام .. نتواصل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ابو جهينة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست