|
|
 غريبة!!الكتاب الذي منع في لبنان بزعم تشكيكه في وجود المسيح يسمح به في السعو
|
منع في لبنان وسمح في السعودي وسوري
لبنان هو الخاسر الأكبر وليس الناشر الذي صادروا كتابه بين ليلة وضحاها لأن جهة دينية اعترضت عليه. فها هي رواية «شيفرة دافنتشي» جمعت من على أرفف المكتبات اللبنانية بطبعاتها العربية والإنجليزية والفرنسية من جهة ويحصل الناشر اللبناني على إذن بطبع الترجمة العربية التي اشترى حقوقها في السعودية وسورية في غضون ايام قلائل، ويتوقع إضافة إلى ذلك أن يأتيه الإذن قريباً من دول عربية أخرى. وأن تصادر رواية دان براون الشهيرة التي بيع منها ما يزيد على عشرة ملايين نسخة حول العالم في بلد مثل لبنان لا يشتري ابناؤه سوى 5 في المائة مما تخرجه مطابعه ـ إذ تذهب باقي المطبوعات إلى الخارج ـ لا بد يدعو للتساؤل حول قيمة هذا المنع والعدد الافتراضي لأولئك الذين كانوا سيقرأون هذا الكتاب الكبير الحجم من حوالي 300 صفحة.
والسؤال الثاني الذي لا بد من طرحه هو مدى صلاحية تلك المادة القانونية التي يعتمد عليها بين حين وآخر لمنع كتاب أو أغنية أو قصيدة، والتي تمنح ممثلي الطوائف على الأراضي اللبنانية حق تحديد ما يضرّ الناس وما ينفعهم، وبالتالي حق الوصاية على العباد. والنتيجة المنطقية لمبدأ كهذا إن ممثلي الطوائف باتوا يستذوقون ويعترضون على هواهم من دون قاعدة عامة يستطيع الناس بموجبها فهم ما يحدث لهم. ونستفهم فقط لا من باب التأليب على الكاتب كمال صليبي وإنما من باب الرغبة في فهم منطق الأمور، لماذا لم يعترض «المركز الكاثوليكي للإعلام»، الذي اعتبر رواية «شيفرة دافنتشي» مخالفة للعقيدة المسيحية على كتاب كمال صليبي «البحث عن يسوع»؟ فالمؤرخ صليبي لا ينسب لكتابة اي صفة روائية ويعرض آراءه بوجه مكشوف، وموثّق ـ بحسب ما يشرحه بنفسه ـ حول شخص السيد المسيح مشككاً بوجوده أصلاً معتبراً إياه حصيلة خلط بين أكثر من شخصية. هذه ليست دعوة لحظر أي كتاب من أي نوع كان، وإنما نسوق مثلنا هذا وبمقدورنا ان نسوق أمثلة أخرى لأن لشهرة صليبي ما يبرر الاستشهاد بمؤلفاته، للتدليل على ان مزاجية المراجع الدينية باتت توقعنا في حيرة ولغط. وثمة من رجال الدين المتنورين من يصعب تجاهل انفتاحهم. وأذكر أنني يوم قمت بتحقيق حول كتاب صليبي المذكور سألت المطران جورج خضر، وهو مطران الروم الأورثوذكس في جبل لبنان، حول عدم اعتراض رجال الدين المسيحيين على كتاب يشكك في وجود المسيح أصلاً، فكان جوابه بأن أحداً لا يستطيع أن يزعزع النور في قلوب المؤمنين، لذلك فإن رجال الدين المسيحيين يترفعون أمام كتابات كهذه عرفوا منها الكثير في تاريخهم. وكلام المطران خضر نيّر وحكيم وأثبت صحته بدليل اننا لم نسمع عمن تراجع عن مسيحيته بسسبب ظهور هذا الكتاب أو عرض ذاك الفيلم. وثمة عبارة جميلة يفتتح بها كمال صليبي كتابه «البحث عن يسوع» يقول فيها : «إن للعقل ألف عين بينما للقلب عين واحدة... ولا يجوز للعقل مهما كثرت عيونه أن ينكر على القلب حقه في رؤية الحقائق المتعلقة بما وراء الكون عن طريق عينه الواحدة التي هي عين الإدراك واليقين»، لكن ولكي لا نظلم رجال الطوائف الدينية اللبنانية الذين يحلو لهم بين الحين والآخر أن يذكّروا الناس بسلطتهم وسلطانهم، لا بد أن نعترف باننا لو استثنينا مجموعة المثقفين الذين يكتبون حتى يجفّ حبرهم عن حقهم في حرية الكلمة، وحق الجميع في قول ما يشاؤون حين يشاؤون لوجدنا أن ثمة من الناس الكثير من يفضّل المنع والمصادرة وإراحة البال على التفكير والقراءة ومساءلة النفس وإرهاق العقل في التمييز بين الجيد والرديء. وقد أجرى راديو ال«بي.بي.سي» في قسمه العربي استفتاء على موقعه الإلكتروني يسأل الناس رأيهم في مصادرة رواية «شيفرة دافنتشي» فجاءت الإجابات في غالبيتها تشتم الكاتب وتطالب بردع من تسوّل له نفسه التطاول على قصص الأنبياء. ولا بد أن الذين كتبوا واستشاطوا لم يقرأوا الرواية لأنها جمعت بمجرد أن تم توزيعها بما لم يسمح للقراء بالحصول عليها. فشعوبنا تفضّل أن تعامل كقاصر على ما يبدو لأن سن الرشد له تبعات ومسؤوليات هي بغنى عنها. لكن للبنان في هذا الشأن خصوصية تتعدى شطحات المزاج وحسابات الطوائف. فصناعة الكتاب في لبنان تدرّ مبالغ لا يستهان بها، وبيروت لم تعد مطبعة لعرب بسبب أناقة ما تنتجه مطابعها وجمالية اغلفتها وجودة ورقها، فثمة على طول المنطقة العربية وعرضها من المطابع المتطورة ما يمكن ان يضاهي صناعياً النتاج اللبناني، ولم يبق لهذا الوطن الأليم سوى فسحة الحرية الصغيرة التي تميزه عن محيطه، فإن أصرّت الطوائف على الانقضاض عليها باسم القانون أو غيره مسايرة بذلك رغبات الرعية فإن ذلك سينعكس سلباً على وطن بأكمله. وبمناسبة منع« شيفرة دافنتشي» في لبنان الحرية، والسماح بها في غيره من الأقطار العربية فإن «الدار العربية للعلوم»، وهي الجهة الناشرة، تحضّر مجموعة من البوسترات كتب عليها «منع في لبنان» و «منع في مصر» و «منع في الأردن» يبين كل منها ما صودر في كل بلد وسمح به في غيره. وستستخدم هذه البوسترات في«معرض الكتاب العربي» الذي يقام سنوياً في لبنان ويفتتح ابوابه قريباً. وبإمكان الدار أن تملأ المساحة المخصصة لها ببوسترات تبين ما منعته كل دوله عربية بما فيها لبنان حتى لا يبقى في هذا المحيط نشازاً، وهكذا لا يستثني من جرم تكميم الأفواه أحدا. يبقى أن نذكّر بأن منع الكتب في لبنان نادراً ما يكون قاسياً وقاسماً، وفي حالات مشابهة لما رأيناه مع «شيفرة دافنتشي» فإن الناشرين والكتاب يلجأوون لبيع كتبهم من دون عرضها وإبرازها في الواجهات وتتغاضى الجهة الرقابية عن التجاوز. لكن «الدار العربية للعلوم» ترفض أن تشتغل تحت الطاولة، ولا تريد أن تتخاصم مع أحد، كما يقول أصحابها. والمضحك المبكي في هذه القصة أنها تظهر انحدار أوضاع الحريات في لبنان من جهة وتؤكد من جهة أخرى أن التناقضات العربية باتت تنعكس، في الأحيان، خيراً على الفكر والأدب. ويكفي أن ينتقل الناشر اللبناني إلى دمشق أو عمّان اللتين تبعدان ساعات قليلة بالسيارة عن بيروت، ليطبع كتابه ويوزعه على بقية العرب. أوليس صحيحاً المثل الذي يقول : «كل ضارة نافعة».
نقلا عن الشرق الاوسط
|
|
 
|
|
|
|
omar ali
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست