|
|
 صبرا وشاتيلا .. عندما كنت هناك
|
كانت من ضمن الامكان التي علقت في حلق ما كنت اطلق عليه هواياتي هي ان ازور مخيم صبرا وشاتيلا.. وبرج البراجنه.. وتل الزعتر.. وابشرى -بتشديد الراء- حيث مخدع الشاعر جبران خليل جبران.. وعندما انخت بزمام بعير سفري في بداية التسعينات في بيروت.. كنت اعتقد ايضا ان هذين المخيمين يقعان في ركنا قصيا نازفا في لبنان غير اني اكتشفت ان ثلاثين دقيقة فقط من منطقة الحمراء وسط بيروت تجعلك في قلب المخيم.
نظرة سريعة في ارجاء مخيم صبرا ستكتشف انك في مكان خارج الزمان تماما البؤس سيد الموقف والمياه الراكدة تسرح وتمرح دون رقيب والاكتظاظ السكاني غير محتمل.
يقع مخيم صبرا وشاتيلا في الجزء الذي يطلق عليه ضاحية بيروت الجنوبية وياخذ زاوية حادة قليلا نحو الشرق يحيطه من ناحية الجنوب والجنوب الغربي شارع مطار بيروت الدولي حتى تقاطع منقطة البربير شمالا ومنطقة الروشة السياحية ومن ناحية الغرب شارع الضاحية الرئيسي.
والسفارة الكويتية الطابع العمراني العام في ذلك الوقت عام اثنين وتسعين وتسعمائة والف هو طوب البلك الكبير وكانت البيوت تتكون من طابق الى ثلاثة طوابق ومساكن الصفيح تبدو كالطفح الجلدي .
ومن خلال "غريفتي" بطرف مخيم صبرا -تصغير لغرفة- في احد البنايات الهزيلة كانت تطل مباشرة على اكبر مقبرة لضحايا مجازر صبرا وشاتيلا.. وعلى مدى عامين كنت انظر الى تلال القبور الممتدة مد البصر المغطاءة بالواح الرخام والعشب الاخضر الندي.. والزهور الحمراء.. الذي تضامن مع هؤلاء الشهداء عندما كانت كلمة شهيد لها معنى كنت انظر الى الارامات.. او اليافطات.. التي تعرف على شهدائها في اليوم اكثر من خمسين مرة كيف و... وعشرة امتار فقط تفصل بيننا.
البنية التضاريسية لمخيم صبرا عبارة عن اراضي منخفضة ومرتفعة وسط المخيم الذي تبلغ مساحته تقريبا عشركليومترات تقريبا السيارات التي تنفث دخانا كثيفا من مؤخراتها تعتبر منظرا مؤلوفا وبين كل كاراج ميكنيك يوجد كاراج ميكنيك المقاهي منتشرة وروائح الشيشة او النارجيلية تاتيك في قعر دارك دون عناء كل شيء زهيد الثمن هنا الملابس الاحذية لحوم الضان والبقر والدجاج ايجار السكن السيارات التي تعاني سكرات الموت الكتب الاجهزة الالكترونية الحلال منها والحرام الموت الفقر الجوع الغنى السعادة المزيفة والحقيقية.. الخ
اسواق اللحم تاتي في المرتبة الاولى من حيث الوفرة.. من ذاكرتي يطل مشهد المراة العجوز "ام علي" التي ترتاد المقبرة لمدة عام ونصفه عالقا في في وجداني وذات مرة سولت لي نفسي ان اراقبها واعرف قصتها وتسللت حيث القبر التي تندب عليه وتسكب البكاء كان القبر باختصار يضم اولادها الاربعة وزوجها واختها وطفلين رضعين سحقتهم دبابات الجيش الاسرائيلي ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان والمخيم اكثر من عشر سنوات كانت العجوز تاتي تستانس بهم.. من ذاكرتي في مخيم صبرا وشاتيلا كان "ابوعلي" ابن الثلاثين عاما وهو يقص لي كيف كانت المليشيات تغتصب النسوة الفلسطينيات في قارعة الطريق امام الاجتياح و كان وقتها صغيرا..
وفي النصب التذكاري الذي اقيم تخليدا لشهداء مذابح صبرا وشاتيلا تعشمت ان اجري لقاء صحفيا مطولا مع الشاعر المصري الذي تغنت بكلماته ام كلثوم اقصد الشاعر احمد فؤاد نجم غير ان الشاعر العجوز وقف يجهش بالبكاء وكان لقائي الصحفي معه قصيرا نشرته في سودانايل قبل اربعة اعوام تقريبا..
صبرا وشاتيلا في كل بيت جرح بحجم امة عربية.. وفي كل شارع قافية حزينة.. وعلى راس كل زقاق سؤال.. وفي كل حشرجة تتنفسها فتاة فلسطينية تسكن المخيم.. عتاب عن معتصم القرن العشرين الذي اعجبته مذاق المدام.
لم يشفع البنيان الحديث الذي غزا مخيم صبرا وشاتيلا في ان ينسي الناس حجم الماساة الماثلة مثول شمس الصباح وقهوة الصباح.. وحداء صوت فيروز بالصباح.. وطعم كيك.. ومناقيش الزعتر التي تعده ام ابراهيم في كشكها اليتيم بالصباح.. بجوار المقبرة الكبيرة.. وام ابراهيم هذه فقدت زوجها وصهرها وبنات اخيه يوم الزحف الاسرائيلي وباتت تكره مسميات مثل تضامن عربي.. قومية عربية.. رسالة عربية واحدة.. اخوة العروبة.. وبقية قوس قزح الزائف وفجراابى ان يبزغ.
جنبا لجنب الفقر بالمخيم ينمو مع الغنى.. والمياه الهائمة في طرقات المخيم مثل القيح على ساق فتاة يتيمة تسير معه الحياة.. وكاراجات الميكانيك التي تستقبل الفورد القديم التايوتا.. اصبحت تستقبل الرانجروفار اخر موديل ..والثياب القديمة التي تنشر على حبال الغسيل من عل الشرفات النازفة العارية والتي تم شراؤها من سوق صبرا حيث الكيلو بما يعادل الدولار.. اصبحت تشتري من سوق ايه. بي. سي. حيث القبعة الحمراء بعشرين دولار.. وتنشر على ذات حبل الغسيل في ذات.. الشرفة والبلكون..ة التي طليت باللون الازرق لزوم العولمة.. وبين الفجر والمغيب.. ظل اهل صبرا وشاتيلا يناشدون الكوكب ان يؤمن لهم قبورا.. لان القبور ما عادت تحتمل الموتي القادمين باللسل والسكر وضغط الدم وعندما ماتت ام علي اصبحنا نبحث لها عن قبر ان ندفنه فيها ولم نجد وتم دفنها في قبر دفن فيه من قبل سبعة اشخاص ماتو في فترات متقاربة .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صبرا وشاتيلا .. عندما كنت هناك (Re: محمود الدقم)
|
الاستاذ محمود الدقم
تحيات طيبات
شكرا علي هذه المشاهد والتي تنطق ببشاعة مجزرة صبرا و شاتيلا , تلك الجريمة البشعة والتي الهمت الكثير من المبدعين من شعراء و كتاب و مغنين في التغني بصمود المقاومة اللبنانية و الفلسطينية , ومن هؤلاء صديقك الموسيقار مرسيل خليفة و الذي افردت , انت , له بوست في الاسبوع الماضي وبدأنا فيه مشروع حوار نأمل ان نستمر فيه .
اشرت الي ان ام كلثوم قد تغنت بقصائد للشاعر احمد فؤاد نجم و ياليتك تعرفنا يتلك الاغنيات لمزيد من المعرفة و خاصة ان الشاعر نجم من اكثر المهاجمين لام كلثوم و كثيرا مايصفها بانها فنانة سلطة.
لك التحية مرة اخري و شكرا .
خالد
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صبرا وشاتيلا .. عندما كنت هناك (Re: محمود الدقم)
|
الاخ خالد تحياتي وبعد
اشكر لك مرورك وبخصوص الاغاني التي تغنت بها ام كلثوم من اشعار احمد فؤاد نجم فاقول ان شخصي الضعيف لرحمة مولاه غير ملم باغاني ام كلثوم وقد تحدث احد مقدمي الحفل في بيروت في معرض حديثه للذين تغنوا بشعر احمد فؤاد وذكر من ضمنهم ام كلثوم ومازال البحث جاري على كل حال
وشكرا
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمود الدقم
Khalid Eltayeb
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست