المؤتمر النوبي الجامع بقلم مكي علي ادريس
تمتد محافظة وادي حلفا من خط عرض (22) شمالاً، إلى قرية (أبو فاطمة) شمال مدينة )كرمة( التاريخية جنوباً، وهي تضم المجالس الإدارية: وادي حلفا والسّكوت والمحس، التي تمثّل الجزء الشمالي من المنطقة المعروفة تاريخياً ببلاد النوبة النيليين، حيث قامت مملكة (كوش الأولى) وعاصمتها (كرمة) ومملكة (مكوريا) المسيحية وعاصمتها دنقلا العجوز. فالمنطقة النوبية تعتبر من أغنى الحقول الأثرية في العالم، وهي امتداد طبيعي وحقل حضاري رصيف للتاريخ الفرعوني الذي يحظى بكل هذا الاهتمام العالمي، وقد تمّ نقل المكتشفات التاريخية الهامة من مواقعها الأصلية إلى متحف السودان القومي بالخرطوم، ولا بأس في ذلك فهذا تاريخ عريق وحري باحتفاء كل السودانيين، ولكن غير المقبول هو أن يتمّ بذلك عدم استمرارية وحتى إيقاف التنقيب عن بقية مكنونات المنطقة بهدف التعتيم على المناطق الأصلية وتجريدها من قيمتها التاريخية والسياحية.. وتزامن هذا مع إيقاف النشاط الكشفي للآثار، وكشف اختفاء مقتنيات لا تقدّر بثمن من التراث النوبي منها (الكباش التي سرقت من المتحف بليل وحراسه من جهاز أمن السلطة) لتباع في السوق السوداء كما ورد في الأخبار بالخارج وأقرت به الهيئة لاحقا). يعيش النوبيون المعاصرون على ضفتي النيل بمحاذاة الشريط النيلي الممتد بلا حواجز طبيعية كمجموعة إثنية واحدة متميّزة بثقافتها ولغتها وتاريخها الضارب في عمق تاريخ حوض النيل منذ آلاف السنين، وظلوا يمثلون الامتداد الطبيعي للحضارة المصرية في العمق الإفريقي.. والتاريخ معنيٌ بالقول بأن النوبة أهل قيم روحية من أقدم العصور السحيقة، وساهموا بقدر كبير في نشر الأديان السماوية إلى مختلف أجزاء السودان. تعتمد الأسرة النوبية في هذه المنطقة على الزراعة كمصدر أساسي، ونظراً لقلّة المساحات الصالحة للزراعة بدون بنيات أساسية باهظة التكاليف على الأفراد، فقد امتهن النوبيون الهجرة للعمل في مصر عبر القرون.. فهي الجارة القريبة جغرافيا، ولاعتبارات أخرى تأتي في مقدمتها العلائق الاجتماعية والثقافية والإثنية. وهذه الهجرات تزامنت مع هجرات أخرى طوعية تمثّلت في هجرة الطبقات المستنيرة من الرعيل الأول من خريجي الجامعات والمعاهد بالسودان ومصر، إلى مختلف أنحاء السودان.. وهؤلاء لعبوا دوراً أساسياً في الحركة الوطنية قبل وبعد الاستقلال ولا زالوا في مواقعهم المختلفة يسهمون بتجرد ونكران ذات لتأطير القومية في الجسد السوداني المترامي الأطراف، المتنوع والمتعدد المكونات. بالإضافة إلى تلك الهجرات الطوعية تعرض النوبيون للتهجير القسري أيضا والتي بلغت أربع هجرات سكانية ضخمة من جراء إنشاء الخزانات في الفترة بين 1902 حتى 1963م والتي أغرقت أراضيهم فجعلتهم ينزحون دون خيار إلى مختلف الأماكن خارج قراهم فوق ما تبقى من الأرض النوبية. كان ذلك عندما تم توقيع اتفاقية مياه النيل في نوفمبر 1959م بعد تحسن العلاقات بين القاهرة والخرطوم، أنشئ السد العالي وتمّ تهجير (50 الف) نوبي سوداني إلى أرض البطانة، والنوبيين المصريين إلى كوم امبو. كان هذا إيذاناً بتجزئتهم إلى ثلاث مناطق الأولى بمنطقة التهجير بمصر، والثانية بمنطقة (خشم القربة) بأرض البطانة، والثالثة بمحافظة وادي حلفا، لتواجه نفس المصير من تقطيع الأوصال بالتهجير القسري. وفي العقود الأخيرة، ازدادت معدّلات الهجرة بشكل غير مسبوق إلى العاصمة القومية والمدن الأخرى وإلى دول الخليج وكل أنحاء العالم.. وأفرزت هذه الهجرات من المنطقة واقعها البائس اقتصاديا وصحيا وتعليميا فأصبح طاردا لسكانه لأن الأحوال الاقتصادية والتعليمية والصحية تدنت حتى باتت حياة الإنسان النوبي مهددة بالانهيار هناك. بذلك تعرضت المنطقة بكل ما تزخر به من تراث إنساني متميّز لمخاطر الاندثار تاريخا ولغة وثقافة، وهو التراث الذي يحظى باهتمام العالم القريب والبعيد. كل الأنظمة المتتالية على سدة الحكم في السودان، رغم اختلافها في الكثير من منعرجات العمل السياسي، اتّفقت بدرجات متفاوتة في تهميش هذا الجزء من الوطن.. ولكن، قياسا بواقع اليوم، نوط الجدارة تفوز به السياسات المقصودة مع سبق الإصرار التي اتبعتها السلطة الحاكمة حاليا منذ العقد الأخير من القرن الماضي. التنمية الشاملة المفقودة: لعل افتقار المنطقة لمغريات إقتصادية وبنيات أساسية (جاهزة) تجعلها في قائمة المناطق المهمّشة، مقارنة بالمناطق الأخرى في السودان. غير أنّ سياسة التجريد والتفريغ والتهجير والإغراق ومحاولات التذويب المقنّنة، والتي مارستها الأنظمة المتعاقبة، تستحق الوقوف عندها، فمن حق الإنسان النوبي أن يعرف ماذا يراد به في هذا الزمان الردئ.. فالقضية الجوهرية هي التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ومعيارها الرئيسي في اقتصاديات عالم اليوم هي مستوى التنمية البشرية.. فلنتأمل فيما مرت به هذه المنطقة من أحداث وما واجهته من سياسات.. فلنتأمل فيما مرت به هذه المنطقة من أحداث وما واجهته من سياسات: لم تشهد المنطقة قيام أية مشاريع تنموية منذ العقود الأولى للاستقلال بشكل مثير للدهشة، واعتمد السكان على فرية العون الذاتي التي استحدثها نظام الرئيس الأسيق نميري كمخرج للدعم الرسمي الذي ذهب إلى غير عودة، مخلفاً وراءه المرافق من تعليم وصحة وخلافهما بأدنى مستويات الأداء، ولعل الفاقد التربوي وقوائم الراسبين في امتحانات الشهادة السودانية وتقلّص نسب الملتحقين بالجامعات وغياب المساق العلمي بمدارس الولاية (الثانوية) تسند هذا المذهب، أما حال المرافق الصحية فحدّث ولا حرج، فأصبحت هجرة النوبيون إلى العاصمة والمدن البعيدة خياراً أوحداً بحثا عن العلاج والتعليم وفرص العمل. وتنهض شركة شريان الشمال لإقامة طريق الشريان من أمدرمان إلى وادي حلفا، ويتسابق أبناء النوبة في مهاجرهم بالمساهمة المادية والأمل يحدوهم في الطريق المسفلت الذي يربطهم بباقي أجزاء الوطن المترامي.. وضاع الحلم الجميل في منعرجات التلكؤ والتبريرات الواهية، فالطريق الذي انتظرته جموع النوبيين في حلفا وسكوت والمحس، عرج بقدرة أولياء الأمر إلى أماكن أخرى بعيدا عنهم! ثم جاءت فكرة إنشاء خزان كجبار، كإحدى حلقات تقطيع المنطقة النوبية ثقافياً واجتماعيا، وتمّ إعلان قيام الخزان بقرار جمهوري بتأسيس الشركة الخاصة بها في يونيو 1995م، وامتدت السنوات والشركة عاجزة عن فعل شيء رغم صرف الملايين على الترويج للمشروع والمكاتب والعربات والموظفين الإدارية الخ. فكانت الآثار النفسية السلبية المترتبة عن هذا الإعلان أكثر قسوة على المواطن من قيام المشروع نفسه، فقد توقّفت حركة التنمية بالمنطقة (المغمورة افتراضا) ، واختار الكثير من السكان الهجرة إلى حواف العاصمة هرباً من حكم إعدام لم يتم تنفيذه!! أوقفت حركة الملاحة بين وادي حلفا وأسوان فتوقّفت حركة الحياة في الميناء النهري الأول (رغم استمرار حركة النقل لمصر في باقي السودان برا وجوا وبحرا)!!! بذلك أقفل باب السوق المصري بوجه تجارالمحاصيل النوبيين وحدثت أزمة اقتصادية خانقة بالمنطقة زادت من معدّلات الهجرة. وأفتتح الخط التجاري البري (والتكامل التجاري مع مصر) من ولاية النيل (شلاتين\ العبيدية) وهو ضرب من سحب البساط من ميناء وادي حلفا، المغضوب عليها، بإيقاف حركة التجارة بين مصر والسودان عبر الميناء النهري الأقرب والأقل تكلفة. وبعد قرابة خمس سنوات قاسية من المعاناة والترقب فقدت خلالها المنطقة ثلثي سكانها، استؤنفت حركة الملاحة بين حلفا وأسوان، ولم يتمكن الميناء النهري الأول بوادي حلفا أن يستعيد أنفاسه كاملة حتى الآن. يقودنا هذا إلى ذكر أنّ الميناء الجديد الذي خطّط له على عجل وتمّ تنفيذه في وقت قياسي (ليفتتحه المرحوم الزبير محمد صالح) تم إنشاؤه في غير المكان المحدد له في الدراسة المعدّة وفق المواصفات الفنية المدروسة. وهي جهود ضاعت وسوف يتم وأد مشروع الميناء الجديد الحالي مثل سابقيه قبل اكتمال عمره الافتراضي!! الحريات الأربعة بين السودان ومصر: وتتردد، في بعض الدوائر، أنباء خجولة عن حريات أربعة، تم التوقيع عليها بين مراكز القرار في الدولتين الشقيقتين، ومع كامل اعتبارنا للبروتوكولات الرسمية، لا نملك إلاّ أن نسأل، عن علاقة ملف التكامل والتنمية الغائبة بالمحافظة بهذه الحريات، ونسأل عن سر التعتيم المفروض على هذه الإجراءات الرسمية، في الملف الإعلامي المتاح. أوعية وفعاليات نوبية؟؟ لقد تعرّضت المنطقة النوبية لكل الضرر من النظم العسكرية التي جثمت فوق صدر البلاد 35 سنة، والنظم الديمقراطية الممتدة 12 عاما فقط، بصورة لم تمكّن المواطن على الوعي بالتطور السياسي للوطن والفهم السليم لسياسات مختلف الأنظمة إزاء قضايا التنمية المتوازنة على نطاق الوطن عموما والنوبة خصوصا وارتباطها بالحريات الديمقراطية والسلام. ينقسم الطموح النوبي لبلوغ أهدافه إلى قسمين حول العمل النوبي العام، آراء تنادي بتفعيل أوعية تنموية تضم النوبيين بكل ألوان الطيف السياسي لمواجهة التحديات الماثلة وتحريك عربة التنمية التي صدئت عجلاتها منذ الاستقلال بتوجيه القدرات النوبية وأصحاب الرساميل لدعم المشاريع التنموية بالمنطقة والاستعانة بالجهات المانحة داخلياً وخارجياً، في نداء يعنى بتجميع فرقاء السياسة في نفير كبير لتنمية المنطقة النوبية ومنها: • نوبيون من أجل التنمية • الهيئة الشعبية لتنمية أرض النوبة والشق الآخر يرى في العمل النوبي السياسي، المخرج والوسيلة الناجعة للتصدي بوجه المهددات الماثلة. ويضم القائمة هنا * حركة كوش للديمقراطية والدستور * الحزب النوبي السوداني المؤتمر النوبي الجامع إنّ الدعوة لقيام المؤتمر النوبي الجامع، يستحوذ على أفكار العديد من الشارع النوبي، في الداخل والخارج، كوعاء جامع يعوّل عليه النوبيون الكثير، باعتبار أن تعدد الأوعية والفعاليات النوبية، تعتبر ظاهرة صحية ومؤشر حقيقي للوعي النوبي بقضاياه الراهنة، وفق ترمومتر الأحداث الجارية بالبلاد، من المفترض الاستفادة منها في تحديد الأولويات وجمع الصف النوبي بتوحيد جهودهم والمضي قدماً في طريق النضال لتحقيق أهدافهم المشروعة وبالوسائل المشروعة ما أمكن. المؤتمر النوبي الجامع ، يعني تبادل الآراء والالتقاء عند حد القواسم المشتركة، واستنفار الجهود المتاحة، وتحديد الأولويات والاتفاق على الوسائل المؤدية لبلوغ الأهداف المتفق عليها.. (ونواصل)

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]