|
|
 صينية القندول
|
صينية القندول
هو، تخرج من كلية الاقتصاد قبل ثلاثة أعوام، حينها كانت هي في المستوى الثاني. أسامة أقل ما يمكننا أن نصفه به، هو أنه شاب متميز وربما لم يكن به عيب سواها. غادر إلى الخليج بحثا عن وضع أفضل ليؤمن لهما مستقبلا جيداً، وسماح عاهدته أنها ستكون له مهما حدث وأنها ستصبر حتى ولو مائة سنة أخرى، لأنها – كما تقول – لا تعرف معنى للحياة بدونه. خلال السنة الأولى من اغترابه استطاع أسامة أن يوفي بإلتزاماته تجاه أهله وفي نفس الوقت إدخر ما مكنه من شراء الشبكة لخطبة سماح.
اتصل على والده وسأله: وين انتو هسي يا ابوي؟
فأجابه: واللهِ يا أسامة قربنا نصل، خلاص خشينا الحارة الرابعة وأظننا قريبين شديد من الوصف الوصفو لينا أبو البت والله يا أسامة الثورة دي بعيدة خلاص، (ضاحكا) إنت لميت في البت دي كيف؟ بالمناسبة هاك عمك جعفر داير يبارك ليك.
كانو في طريقهم لدار أهلها، وكانت هي في قمة السعادة، فها هما يخطوان خطوة جديدة في الطريق الذي رسماه سوية على مر أربع سنوات، وكان أسامة يتألم رغم سعادته، لأنه لم يستطع حضور هذا اليوم الحافل... تحدث إلى أمه التي ذرفت الدمع، وهي تخطب لنجلها الأول.. الأيام مرت وها هي من جديد تحصد نتاج تربيتها على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية. كم هو عظيم هذا الشعور..
بعد ستة أشهر تلقى أسامة رسالة في هاتفه المحمول من رقم لم يستطع التعرف إليه، كان مفاد الرسالة: (بتك شايفنها حايمة مع واحد في استوديو النخيل.. ألحق يا فارة ما تدقس! وعلى العموم أخير من بتاع النيلين الكانت طالعه ونازله معاهو). مباشرة اتصل على الرقم.. لكن ما من نتيجة كرر محاولته خلال الأيام التالية دون جدوى، جرب الاتصال من هاتف آخر أيضا لا فائدة.. بعد أن أضناه السهر وبدا واضحا عليه التوتر حتى أن رئيسه في العمل نبهه إلى أخطأ كثيرة ارتكبها خلال هذه الأيام الثلاث.. لم يرغب في الاتصال بها فقد كانت ثقته بها تفوق كل شيء، فقط أراد أن يعرف من هو المرسل ولماذا فعل ذلك.. اتصل على خالد صديقه الذي كان يعمل في جريدة الصحافة كمحرر في الشأن الاقتصادي:
• خالد، كيف أخبارك؟
• ويييين يا أسامة والله مشتاقين، أنا تمام إنت كيف عامل؟
• ماشي الحال والله.. كيف ناس البيت وكيف عمر وصلاح؟
• ياخي عمر دا طلع ديني، السنة كلها مفلس (يضحك بصخب) لكن تمام والله كلهم بخير وعافية يسلمو عليك.
• أها الدامة كيف؟ ما عملتو ليكم حاجة لسه؟
• والله يا أسامة يا أخوي أنا كنت داير أكلمك تشوف لي فيزا عندكم! الحال ما ماشي وبالطريقة دي ما حعرس ليلى دي ولا بعد اطناشر سنة تاني..
• أسمعني يا عمر، معليش تلفوني دا ما فيهو قروش كتير أنا بتصل عليك بخصوص الموضوع دا وقت تاني، هسي داير منك خدمة!
• أفو يا أسامة والله عيني ما تغلى عليك.. إنت عارف نحن ما أصحاب وبس نحن أكتر من أخوان..
• الله يخليك.. عارفك مابتقصر. المهم يا سيدي، أنا جاتني مسج غريبة جدا من نمرة ما عرفتها وقدر ما أتصل ما قدرت ألم في الزول الرسلها... المسج سخيفة وفيها كلام فاضي كدا عن سماح، حاجة كدا بخصوص استديو النخيل وما عارف برضو جاب ليو سيرة زول بيقرا في النيلين، كان معاك ورقة وقلم أكتب النمرة دي: ...
• لا حولَ.. والله ما عارف أقول ليك شنو.. لكن أنا بجيب ليك خبر الزول الرسل ليك المسج دي، المهم انت ما تقلق وما تخلي الموضوع يشغل بالك.. دا يكون زول من صعاليق الحلة.
• والله يا خالد الموضوع دا، ما تتصور عامل فيني شنو.. المهم انا بتصل عليك المسا، لو ما رد عليك اتصل بناس موبيتل يوروك سيد النمرة دي منو، وزي ما عارف الموضوع دا ما يطلع لأي زول ولا حتى صلاح وعمر.
• يا زول تمام.. بإذن الله أنا لو اتحصلت على معلومة يا اتصلت عليك ولا أديتك رسالة.
• انت بس أديني مس كوول انا بتصل، مافي داعي تتعب روحك، إنت نسيت انا مغترب ولا شنو؟
استطاع خالد الوصول لصاحب الرقم وقام بزيارته في عيادته جوار مستشفى الخرطوم، الرجل من سكان الطائف ويبدو عليه الوقار، سأله عن المسج أجابه الرجل أنه كان قد أضاع الموبايل في المستشفى أثناء فترة مروره الصباحي قبل أسبوع، وأن أحد أبناء الحلال أعاد الموبايل قبل عدة أيام. سأله خالد عن الشخص الذي أعاد الهاتف، ولكن لم يكن لدى الطبيب أدنى فكرة عنه، لكنه قال:
• والله يا ابني، الظاهر عليهو كدا قريب واحد من العيانين الراقدين في المستشفى و واضح أنه زول وضعو المادي سيء، حتى أنا أصريت وأديتو قروش، شالها على مضض لكين كان واضح إنو في أمس الحاجة ليها.. تصوّر رفض يوريني أي معلومة عنو.. كتر خيرو ما قصر الراجل..
خرج خالد بخفي حنين فقد أيقن أنه من المستحيل الوصول إلى مرسل الرسالة، لأن الأمر كالبحث عن سمكة بعينها في النيل..
كانت سماح تعني لأسامة أكثر من حبيبة وخطيبة وزوجة مستقبل، لم يكن هو الآخر يتصور الدنيا دونها وقد عشقها حد الجنون، وكان يُشبِّه أخلاقها وعفتها بعفة فاطمة بنت محمد ( عليهما أفضل صلاة وسلام) كان يتفاخر أنه لم يلمس يدها طيلة السنوات التي قضياها معا، رغم أن ذلك كان مداعة لسخرية بعض أصدقائه الذين تحدثو عن بطولاتهم وفتوحاتهم ومنافساتهم، وكان أسامة ينظر إلى حال رفاقه باعتباره آفة إجتماعية تسبب بها بعض المهووسين الذي أرادوا أن يجعلوا البلاد متأسلمة على طريقتهم الخاصة، حتى لو كان ذلك بالقوة، حاول كثيرا أن يكسب أصدقائه في صفه لكن المجتمع كان يسحب الجميع إلى قاع هذا المستنقع.. توصل إلى إقناعهم أن لا يمسوا فتاة عذراء.. عاهدوه وأوفوا بعهدهم واعتبر أسامة هذا نصرا له وللقيم التي يدعو إليها.. ولو بشكل جزئي..
علمت أن أسامة سيأتي لقضاء شهر بيننا.. وصل أسامة إلى الخرطوم.. لم نشاهده حينها، علمنا بوصوله عقب ثلاثة أشهر.. رآه أحد الأصدقاء مخمورا في أحد الأحياء.. لم نصدق.. شاهدته اليوم شبه عارٍ يحمل صفارة ويضع على رأسه صحنا كبيرا، يقف في أحد صواني الخرطوم يتخيل نفسه رجل حركة..
|
|
 
|
|
|
|
Hani Abuelgasim
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست