|
|
 بعد أن باعت الانقاذ كل السودان جاء دور مستشفى الخرطوم..وقولوا معنا .. لا
|
مستشفى الخرطوم .. لا .. لا .. لا
كل خبر يتعلق بالخدمات خاصة ما يتصل بالصحة والعلاج بالنسبة لتوفيرها وتطويرها امر مريح ومفرح ولكن تتحول احياناً جرعة الراحة والفرحة الى علقم ومرارة موجعة عندما يكون من نوع تطوير الخدمات الطبية والعلاجية واقترانها بنقل مستشفى الخرطوم من موقعه الحالى الى شارع الجمهورية كأنما قرار نقل مستشفى الخرطوم موازٍ لنقل مركز تجاري أو مقر شركة أو سوق بلح، أو موقف بصات أو تاكسي الخ .. مستشفى الخرطوم هو معلم بارز في العاصمة الخرطوم، وليست العاصمة القومية، فليس في الدنيا كلها عاصمة اقترنت «بالقومية» من القاهرة الى موسكو، ومن نيروبي الى واشنطن ومن الرياض الى نيودلهي، الى بكين لا شئ من ذلك البتة، والمستشفى قرين جامعة الخرطوم وانسان قبل مائة سنة، وهو ايضاً اقدم مستشفيات المنطقة واشهرها، وعمل فيه اعظم واكفأ الاختصاصيين وافضل الاطباء والممرضين والممرضات، واقترنت امكانياته الطبية والعلاجية بالنظافة والنظام والانضباط والمظهر الحسن للاختصاصيين والاطباء والمساعدين والممرضين والممرضات، وبحدائق وخضرة وزهور قبالة عنابر وغرف المرضى، وبلغ مستوى تقدم خدماته المتميزة وضعه في برنامج كل رئيس زائر أو ضيف كبير لزيارته وتفقده في الوقت الملائم له مثل تيتو «يوغسلافيا» وبرزنيف «الاتحاد السوفيتي» ونهرو «الهند» ونكروما «غانا» وعندما زاره الامبراطور هيلاسلاسي «اثيوبيا» في مطلع الستينات وبدأ جولته بتفقد مرضى عنبر مفتوح ووجد افطارهم يتكون من كبدة وسمك وخضار وكوب لبن، وسأل : ان كان تقديم هذه الوجبة بمناسبة زيارته للمستشفى فرد علىه مدير المستشفى الدكتور عبد الحليم محمد عبر سفيره ملس عندوم، ان الامبراطور جاء دون موعد سابق، وان الوجبة هي التي اعتاد المرضى تناولها في الافطار، وان الفاكهة تقدم مع وجبة الغذاء وكذلك مع العشاء، ثم انتقل الى اقسام اخرى حتى وصل الجناح الجنوبي، فوجد الغرف اكثر نظافة واناقة وبجانبها حمام وغرفة استقبال، وعرف انه الجناح العلاجي لموظفي الدولة ولغيرهم بأجر رمزي، لان العلاج والغذاء والدواء في ذلك الزمن الجميل كان بالمجان.
وعندما انتهت الجولة طلب هيلاسلاسي من سفيره عندوم ان ينقل لمدير المستشفى تقديره الجم لما شاهده ولمسه وان يسأله عن ما يحتاجه المستشفى، فجاء رد الدكتور عبد الحليم انهم بدورهم يقدرون له زيارته وشهادته ويشكرونه، لان مستشفى الخرطوم تتوافر فيه كل احتياجاته وعلى مدى العام الكامل حيث تحرص الدولة على توفير متطلباته ولكنه طلب للمرة الثانية رغبته في تقديم «هدية» للمستشفى وانه حريص على ذلك وفكر مدير المستشفى وقال له ان جهازاً طبياً حديثاً انتج لتوه لقياس ضربات القلب بالولايات المتحدة، فهذا وحده ما ينقصه وسرعان ما وجه الامبراطور بكتابة شيك باسم مدير مستشفى الخرطوم حيث دخل هذا الجهاز المتقدم لاول مرة لقياس ضربات القلب.
كان المرضى العرب يأتون من كافة الدول العربية فلم يكن هنالك من يعرف العلاج في اوربا أو في الولايات المتحدة كانوا يعرفون فقط مستشفى الخرطوم ومقره الذي يقدم العلاج ويجري الجراحة ويقدم الدواء ويرسل اسعافه للمطار وكله بالمجان.
وكانت مستشفيات مدن السودان ترسل الحالات المرضية التي تعذر معرفة أو صعب علاجها لمستشفى الخرطوم كان المستشفى هو الهرم العلاجي والطبي، وكانت كل الطرق الىه سالكة للوصول الىه، وارتبط مستشفى الخرطوم بالثورات والاحداث المهمة في السودان، من ثورة 1924م الى ثورة اكتوبر 1964م الى الانتفاضة الشعبية 1985م وفيه انتقل الى رحاب ربه الزعيم التاريخي اسماعيل الازهري في اغسطس 1969م وكانت صرخة كافة قاطني المستشفى من مرضى واطباء وممرضين لدى وفاته الداوية هي الرسالة التي انطلقت لاهل العاصمة برحيله.
ان اقتلاع أو نقل مستشفى الخرطوم الى موقع آخر ينبغي ان تعتبر فكرة خاطئة لا ينبغي الجهر بها أو تداولها، مستشفى الخرطوم معلم تاريخي ينبغي المحافظة علىه وتطويره ودعمه وتوسيعه واعادته الى المستوى الذي كان علىه حتى الستينات .. من وراء اجندة تغيير معالم العاصمة؟، ومن الذي اقتلع اجمل واكبر حديقة للحيوانات ومحا وجودها وحولها الى مسلة خرسانية في قلب العاصمة؟.
محمد سعيد محمد الحسن - جريدة الراى العام السودانية - الصادرة بتاريخ 14/07/2004م
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست