شعراء أم كلثوم ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-05-2004, 08:15 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شعراء أم كلثوم ...

    شعراء أم كلثوم ... (1)
    سيدة الغناء ترد اعتبار فرسان الكلمة



    * وضعت 40 شاعراً على سلم المجد

    * تعتبر في طليعة كبار الفنانين الذين ارتبطوا باللغة العربية الفصحى منذ صغرها






    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال.

    بل وأكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    لأم كلثوم دور بارز في الترويج لشعر العامية سواء بالنسبة للشعراء الهواة او المحترفين كما تعتبر في طليعة كبار الفنانين الذين ارتبطوا باللغة العربية الفصحى منذ صغرها، وهذا الارتباط بلا شك قواه وشد من أزره، نشأتها الدينية الأولى في أحضان ريف مصر، ثم طريقة تلقينها وتعليمها الديني في كتاب القرية، إلى جانب حضورها حلقات الذكر والإنشاد الديني وتلاوة القرآن الكريم الذي كان يجيده والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي.
    ليس هذا فقط. بل نستطيع أن نؤكد أن أم كلثوم وفي هذه الخصوصية تعتبر الفنانة العربية غير المسبوقة سواء في العصر الحديث أو القديم التي غنت القصائد العربية بهذا الكم الكبير مما جعلها تساهم مساهمة فعالة وكبيرة في الترويج لهذا النوع من الأدب العربي الراقي. وكان اختيارها دائماً لقصائد كبار الشعراء العرب سواء من القدامى أو المعاصرين خير دليل على ذلك.
    والأمر المثير للدهشة أن أم كلثوم تلك الفتاة الريفية التي كانت في بداية مشوارها الفني مع مطلع العشرينات مازالت تحبو قد أقبلت على التغني بقصائد الشعراء العرب،على الرغم من إمكاناتها المتواضعة آنذاك سواء من حيث الألحان أو من حيث مساحة جمهورها.
    وقد يكون لارتباطها المبكر ببعض الملحنين المشهورين من الذين أحبوا الشعر العربي من أمثال الشيخ أبي العلا محمد علاقة أخرى بتلك البداية القوية. إذ تبين لنا ولغيرنا من المؤرخين أن معظم ما غنته أم كلثوم من قصائد عظيمة للشعراء العرب القدامى، قد تغنى بها من قبل الشيخ أبي العلا محمد نفسه.
    وحتى من بعد هذه المرحلة، فقد ظلت أم كلثوم على ولائها غير المسبوق للشعر العربي الفصيح، إذ أخذت على عاتقها وبصوتها الترويج لتلك النوعية من القصائد العربية والأشعار المشهورة، ليس فقط داخل النطاق المحلي حيث يتواجد الشعراء المصريون، بل نجدها قد أفسحت مجالاً أوسع حين استعانت بالعشرات من الشعراء العرب في مختلف الدول العربية.. بل والإسلامية كذلك.
    ولقد كان الشاعر العربي الكبير أبو فراس الحمداني من أوائل الشعراء العرب الذين تغنت بكلماتهم سيدة القصيدة العربية.. حين قدمت له في عام 1926 جزءاً من قصيدته المشهورة “أراك عصي الدمع”. ومن كثرة حب أم كلثوم لهذه القصيدة ولهذا الشاعر، فقد تغنت بها أكثر من مرة وبأكثر من لحن.
    كما كان لأم كلثوم في الوقت نفسه تجارب أخرى عديدة مع قصائد لكبار الشعراء العرب الذين ظهروا خلال العصر العباسي سواء الأول أو الثاني. من أمثال الشريف الرضي الذي غنت له أم كلثوم جزءاً من قصيدته “أيها المجد الرائح” وهي من تلحين الشيخ زكريا أحمد وكان ذلك في فيلم “دنانير” عام ،1935 وكذلك الشاعر العباسي المشهور العباس بن الأحنف الذي غنت له جزءاً من قصيدته “يا بعيد الدار” من الحان محمد القصبجي في فيلم “نشيد الأمل”.
    كما غنت أم كلثوم للشاعر صفي الدين الحلي قصيدة “مثل الغزال نظرة” من تلحين الشيخ أبي العلا محمد عام ،1931 والذي لحن لها أيضاً قصيدة “أفديه إن حفظ الهوى” و”أمانا أيها القمر المطل” للشاعر المصري ابن النبيه.
    ويعتبر الشاعر الصعلوك ابن النطاح الحنفي الذي كان مشهوراً بلقب أبي وائل من الشعراء العرب العباسيين الذين غنت لهم سيدة القصيدة العربية أم كلثوم إحدى قصائد ديوانه المعروفة بعنوان “اكذب نفسي”، وهي كذلك من الحان الشيخ أبي العلا، وقد غنتها في عام 1931.
    ولم يكن الشاعر المشهور عمر الخيام ببعيد عن صوت أم كلثوم حيث غنت له أشهر أشعاره وهي المعروفة بالرباعيات من ترجمة وصياغة الشاعر أحمد رامي.
    وبإحصاء بسيط.. اتضح لنا أن كوكب الشرق أم كلثوم قد غنت لسبعة من فحول الشعراء العرب خاصة شعراء العصر العباسي الذي تميز بالرقة والغزل سواء في أسلوبه أو موضوعاته. كما بلغ مجموع ما غنته هذه المطربة العظيمة لهؤلاء الشعراء حوالي تسع قصائد.
    وتؤكد الدكتورة رتيبة الحفني أن أم كلثوم قد غنت هذه القصائد منذ بداية مشوارها الفني في طفولتها، وقد تعلمتها عن طريق استماعها لفوتوغراف العمدة، كما حفظت بعض القصائد من والدها الذي كان يحرص على تقديم القصيدة ضمن أغاني حفلاته.
    وكان أستاذ أم كلثوم الأول في هذا الميدان المطرب والملحن “الشيخ أبو العلا محمد” الذي التقى بها في قريتها طماي الزهايرة قبل بدء حياتها الفنية في القاهرة.
    وتشير الدكتورة رتيبة الى أن هذه القصائد لم تكن ملحنة لصوت أم كلثوم، ولكنها أخذتها عن الشيخ أبي العلا ومن تسجيلاته حيث كان قد غناها من قبل بصوته.
    كما أكد الناقد الفني الراحل كمال النجمي في كتابات وأحادث مختلفة أن سيدة الغناء العربي قد تعلمت فن غناء القصائد من هذا الملحن العبقري خلال السنوات الخمس التي صاحبته فيها من قبل رحيله، وهذه القصائد لم يكن فيها لحن واحد صنعه ابو العلا لأم كلثوم بالذات، فهذه القصائد كلها غناها بصوته وسجلها على اسطوانات، ثم أعادت غناءها أم كلثوم.
    وأشار كمال النجمي كذلك إلى أن أم كلثوم لم تتمكن من تسجيل سوى ست قصائد في حياة الشيخ أبي العلا، وبعد وفاته سجلت بقية هذه القصائد.
    وحين نترك مجال القصائد العربية القديمة التي شدت بها كوكب الشرق لننتقل معها إلى شعراء العصر الحديث، نجد أن هذه الفنانة العظيمة قد واصلت نفس المشوار نحو الإقبال على غناء قصائد الشعر العربي، ولكن بتميز أكثر وبراعة غير مسبوقة. وقد وصل مفهومها القومي نحو هذه الغاية حداً لم يلتفت إلى فنان غيرها في عصرها.. إذ لم تقصر جهودها في مجال الترويج للشعر العربي الحديث على مفهوم المحلية المصرية فقط.. بل اتسع نطاق اهتماماتها في هذا السياق ليشمل شعراء معاصرين من البلاد العربية والإسلامية.
    ولسوف نتعجب حين نعرف أن الشعراء المعاصرين الذين تعاملت مع قصائدهم وكلماتهم أم كلثوم خلال هذه الفترة الحديثة من مشوار حياتها، قد بلغوا اثنين وعشرين شاعراً.. منهم سبعة شعراء من البلاد العربية والإسلامية من أمثال الأمير عبدالله بن الفيصل شاعر السعودية المشهور ونزار قباني الشاعر السوري المعروف. وجورج جرداق والهادي آدم.. وكل من علي أحمد باكثير ومحمد إقبال.
    وقد غنت أم كلثوم لهؤلاء الشعراء أكثر من عشر قصائد عاطفية ووطنية ودينية.
    أما الشعراء المصريون المعاصرون فقد بلغوا حوالي خمسة عشر شاعراً. من أبرزهم أحمد شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم شاعر النيل وكل من علي الجارم وإبراهيم ناجي وعزيز أباظة وطاهر أبو فاشة وآخرين وقد بلغ ما غنته أم كلثوم من قصائد لهؤلاء الشعراء حوالي مائة قصيدة أو أكثر. وهذا الجهد الفني المتألق لأم كلثوم في مجال القصيدة ظهر جلياً في ميدان قصائد شعراء العامية.. الذين قدموا العشرات من أعمالهم الفنية الجميلة مكتوبة لكي تشدو بها كوكب الشرق. وكأنما كان صوتها الشجي وتغرده في كل شيء هو الحافز الكبير لتقديم تلك الإبداعات الشعرية الجميلة، والدليل لدينا موجود بيننا الآن، حيث لم نعد نسمع أو نقرأ مثل هذه الكلمات سواء في مجال شعر القصص أو العامية!
    وكان لأم كلثوم في هذا الميدان الجديد دور بارز في الترويج لشعر العامية سواء بالنسبة للشعراء الهواة أو المحترفين. ولسوف نتعجب حين نعرف أن الموسيقار كامل الخلعي كان على رأس هؤلاء الشعراء الذين كتبوا أغنية واثنتين لأم كلثوم.. بل إن بديع خيري الكاتب المسرحي المشهور قد قدم كذلك لأم كلثوم أكثر من أغنية لكي تشدو بها. وقس على ذلك ما قدمه الأديب مصطفى نجيب والد الفنان سليمان نجيب وغيره من شعراء وزجال هذا العصر.
    أما على مستوى الاحتراف فقد قدمت كوكب الشرق للساحة الأدبية والفنية العديد من الشعراء من الذين كان لصوت أم كلثوم الفضل الأكبر في إظهار مواهبهم وبشكل غير مسبوق ولعل وجود شاعر كبير مثل كل من أحمد رامي وبيرم التونسي على رأس هؤلاء ضمن القائمة الطويلة.. يثبت ذلك وأكثر.
    وحين يدخل مقياس الحساب لمعرفة عدد الذين غنت لهم أم كلثوم من شعراء العامية نجد أن عدد الهواة من هؤلاء قد بلغ ثمانية شعراء وقد غنت لهم حوالي عشر أغنيات ما بين دور وموشح وطقطوقة.. أما الشعراء المحتفون فقد بلغ عددهم عشرة شعراء من الذين قدموا لأم كلثوم الكم الأكبر من أغنياتها المشهورة على مدى مشوارها الفني الطويل. وكان من أشهر هؤلاء بخلاف كل من بيرم ورامي، صلاح جاهين ومرسي جميل عزيز وأحمد شفيق كامل وعبد الوهاب محمد وعبد الفتاح مصطفى.
    ونبدأ رحلتنا مع شعراء أم كلثوم بالحديث تفصيلاً عن دورها في إحياء شعر التراث.. من خلال ما غنت من قصائد للشعراء، أبي فراس الحمداني، ابن النبيه المصري، الشريف الرضي، عمر الخيام، العباس بن الأحنف، بكر بن النطاح وصفي الدين الحلي، وما أدخلته أم كلثوم من تعديلات على ما غنته.. وأسباب إجراء هذه التعديلات، وأصول تلك القصائد قبل إدخال التعديلات عليها.
    أبو فراس الحمداني: " أراك عصي الدمع "
    تعود علاقة كوكب الشرق بالشاعر أبي فراس الحمداني إلى أوائل مشوارها الفني الذي بدأته جدياً منذ عام 1926 أو ربما قبل هذا التاريخ بسنوات أو أشهر قليلة. رغم أنها كانت خلال هذه الفترة، مازالت تحبو داخل شارع الفن الراقي، نظراً لإمكانياتها الضعيفة لحناً وجمهوراً.
    ويرجع الفضل الأول في اتقان أم كلثوم قصيدة أراك عصي الدمع الصعبة ولغيرها من القصائد إلى الملحن الكبير الشيخ أبو العلا محمد.. الذي كان قد تغنى هو الآخر بتلك القصيدة من قبل أن تغنيها أم كلثوم.. رغم أنها ليست من ألحانه، بل لحنها له الفنان الموسيقار عبده الحامولي. ومما قيل في هذا السياق أن الشيخ أبو العلا، قد سجل هذه القصيدة بصوته على اسطوانات كان يتم تداولها من قبل أن تسجل أم كلثوم نفس القصيدة بصوتها على اسطوانات أيضاً.
    وبطبيعة الحال، لولا إتقان أم كلثوم تلك الفتاة الريفية التي كانت قد قدمت لتوها من قريتها بمحافظة الدقهلية، لفن غناء القصائد، لما سمح لها أصحاب شركات الفوتوغراف بتسجيل هذه القصيدة المشهورة بصوتها في هذه المرحلة من حياتها الفنية.
    ولقد أشارت كتب تاريخ الأغنية أن كوكب الشرق أم كلثوم قد غنت قصيدة أبي فراس الحمداني.. “أراك عصي الدمع” لأول مرة في عام ،1926 كما سجلتها في نفس التوقيت على اسطوانة تابعة لشركة أوديون للفوتوغراف.
    ونظراً للنجاح الذي لاقته أم كلثوم في غنائها لهذه القصيدة، ولتأكيد دورها كذلك في مجال الدعوة لتبني شعر الفصحى الراقي، فقد حرصت على أن تغني قصيدة “أراك عصي الدمع” مرة ثانية في عام 1944 بتلحين جديد وضعه الشيخ زكريا أحمد، إلا أنها لم تسجلها هذه المرة على اسطوانات.
    وفي يوم الخميس الموافق 3 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1964. أعادت كوكب الشرق غناء هذه القصيدة للمرة الثالثة وبتلحين جديد أيضاً.. للموسيقار رياض السنباطي، بعد أن أضافت أبياتاً أخرى.
    وفي كتاب “النصوص الكاملة لأعمال أم كلثوم”، والذي وضعته اللجنة الموسيقية العليا من بعد رحيلها، تصدرت قصيدة “أراك عصي الدمع” لأبي فراس الحمداني الكتاب وتوقيت الغناء في المرات الثلاث، وكذلك بيان عدد الأبيات التي غنتها أم كلثوم من القصيدة.. أول مرة عام ،1926 وبلغ ستة أبيات فقط:
    أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
    أما للهوى نهي عليك ولا أمر
    نعم أنا مشتاق وعندي لوعة
    ولكن مثلي لا يذاع له سر
    إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
    وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
    تكاد تضيء النار بين جوانحي
    إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
    معللتي بالوصل والموت دونه
    إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر
    وقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا
    فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
    وفي عام ،1964 أي بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً. زادت أم كلثوم على هذه الأبيات الستة ثلاثة أبيات أخرى، وقد أضافتهم بعد البيت الخامس وفق الترتيب العام للقصيدة.. وهذه الأبيات الثلاثة هي:
    وفيت وفي بعض الوفاء مذلة
    لفاتنة في الحي شيمتها الغدر
    تسائلني من أنت وهي عليمة
    وهل بفتى مثلي على حاله نكر
    فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى
    قتيلك!: قالت أيهم فهم كثر
    تعديل على القصيدة
    وبالعودة إلى ديوان أبي فراس الحمداني والذي تضمن هذه القصيدة، وجدنا أن هناك بعض الملاحظات المتعلقة بالأغنية، رأينا من الضروري التنويه عنها.. ما دمنا نتحدث عن كل من أم كلثوم وأبي فراس. وكانت أولى تلك الملاحظات تتعلق بعنوان القصيدة، إذ حذفت أم كلثوم الشطر الثاني من عنوانها الرئيسي وهو “شيمتك الصبر” مكتفية بالشطر الأول من العنوان وهو: “أراك عصي الدمع”، وربما يكون ذلك راجعاً في الأساس للسهولة التي كانت تنشدها كوكب الشرق عندما تعاد إذاعة هذه القصيدة بعد أن تشدو بها. أو قد يكون ذلك قد تم بدون علمها، إما من جانب الملحن أو المذيع الذي تولى تقديمها حين كانت تغنيها.
    وثاني هذه الملاحظات يتعلق بأبيات القصيدة نفسها.. إذ تبين لنا أن أم كلثوم لم تغن فقط سوى ستة أبيات من مجموع الأبيات البالغ 54 بيتاً!
    ليس هذا فقط.. بل أن من بين هذه الأبيات الستة خمسة أبيات جاؤوا مرتبين وفق الترتيب الذي ارتضاه أبو فراس حين دون هذه القصيدة. أما البيت السادس من الأبيات التي غنتها أم كلثوم فكان موقعه الثامن عشر. وقد استبدلت كوكب الشرق حرف الواو بحرف الفاء.
    وعندما أرادت أم كلثوم في عام 1964 أن تعيد التغني بهذه القصيدة وبإضافة ثلاثة أبيات جديدة كما سبق وأوضحنا.. جاء ترتيب تلك الأبيات مخالفاً للترتيب العام الذي ارتضاه أبو فراس لقصيدته. حيث جاء ترتيب هذه الأبيات الثالث عشر والخامس عشر والسادس عشر. وبذلك فقد اتضح لنا أن أم كلثوم قد أهملت البيت الرابع عشر الذي تقول كلماته:
    وقور، وريعان الصبا يستفزها
    فتأرن أحياناً كما يأرن المهر
    أما البيت السابع عشر من هذه القصيدة، فكانت أم كلثوم قد أهملته منذ البداية.. وفضلت عليه البيت الثامن عشر. وبالتدقيق وجدنا الترتيب النهائي للأبيات التي غنتها أم كلثوم من قصيدة “أراك عصي الدمع” من تأليف أبي فراس الحمداني هي الأبيات من الأول حتى الخامس، ثم من البيت الثالث عشر حتى الثامن عشر مع إهمال البيتين: الرابع عشر والسابع عشر.
    وذكر النقاد والمؤرخون ان أبا فراس قد كتب هذه القصيدة أثناء فترة أسره من جانب الروم.
    وأبو فراس الحمداني وفق ما أورده هؤلاء المؤرخون هو الحارث بن أبي العلاء السعيد بن حمدون الحمداني. كما أن في هذا النسب ابن عم ناصر الدين وسيف الدولة الحمداني.. وقد عرف في تاريخ الأدب العربي بأبي فراس. وكان من شعراء العصر العباسي الثاني.
    ويقول الدكتور أحمد درويش أستاذ الأدب العربي. أن أبا فراس ولد بمدينة الموصل في عام 932م.. الموافق 320ه. وأنه قد عاش فترة قصيرة لم تتجاوز خمسة وثلاثين عاماً فقط. وقد رحل عن عالمنا في عام 967م. وعاصر أبو فراس مجموعة كبيرة من أشهر شعراء عصره من أرباب الشعر والقلم.. والذين كان على رأسهم المتنبي والبحتري وأبو تمام وآخرون. وقد شهد النقاد لشاعريته حيث فضلوه على المتنبي الذي شهد له هو الأخر بالتقدم والتبريز.
    ابن النبيه المصري: " أفديه إن حفظ الهوى "
    ذكرت أم كلثوم.. في أكثر من مناسبة أنها بذلت جهداً كبيراً لإقناع جمهور الأغنية من المعاصرين لها في بداية حياتها الفنية بأهمية ما كانت تقدم من فن القصائد العربية رغم ما كان يعترضها آنذاك من صعوبات.
    ومما قالته عن ذلك. “أعتقد أن أهم ما يمكن أن يكتب عني بعد موتي، أنني نقلت الجمهور من الإسفاف الغنائي الذي كنا نعيشه، من أغاني “إرخي الستارة اللي في ريحنا أحسن جيرانك تجرحنا”، إلى مستوى “إن حالي في هواها عجب” و “الصبي تفضحه عيونه”. وقد كان إصراري على خوض هذه المعركة أنني وافدة على القاهرة من ريف المنصورة. وربما الذي كان يقوي ساعدها في هذا الاتجاه وخلال هذه الفترة وجود ملحن كبير وعظيم كان يؤمن بأهمية القصيدة مثل الشيخ أبي العلا محمد. وهو الذي بدأ بنفسه هذا الاتجاه رغم ما كان سائداً في عصره من كلمات مسفة!
    ومن بعد نجاح كوكب الشرق أم كلثوم في تقديم قصيدة “أراك عصي الدمع”، واستقبال الجمهور لها استقبالاً طيباً أقبلت على غناء قصائد أخرى كثيرة، كان من بينها قصيدتان للشاعر المصري الذي عاش في العصر الأيوبي وهو ابن نبيه المصري.
    القصيدة الأولى بعنوان “أفديه إن حفظ الهوى”. من ألحان أبي العلا محمد.. وسجلتها أم كلثوم على أسطوانة جرامفون عام 1928. وفي نفس العام تقريبا سجلت كوكب الشرق القصيدة الثانية بعنوان: “أمانا أيها القمر المطل”، من ألحان الشيخ أبي العلا أيضا.
    ويقول مطلع القصيدة الأولى:
    أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا
    ملك الفؤاد فما عسى أن اصنعا
    من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه
    حلواً فقد جهل المحبة وادّعا
    وبالرجوع إلى ديوان ابن النبيه الذي نظمه وجمعه بنفسه اتضح أن الأبيات التي غنتها أم كلثوم جزء أصيل من قصيدة طويلة، نشرها تحت عنوان “الاشرفيات” نسبة إلى مدائح ابن النبيه للسلطان الأشرف موسى أحد سلاطين الدولة الأيوبية. أما قصيدة “أمانا أيها القمر المطل” فقد غنت أم كلثوم سبعة أبيات منها بزيادة بيت واحد من القصيدة السابقة.
    أماناً أيها القمر المطل
    فمن جفنيك أسياف تسُل
    يزيد جمال وجهك كل يوم
    ولي جسد يذوب ويضمحل
    وما عرف السقالي طريق جسمي
    ولكن دل من أهوى يدل
    يميل بطرفه التركي عني
    من قتم إن ضيق العين بخل
    إذ نشرت ذوائبه عليه
    ترى ماء يرف عليه ظل
    وقد يهوى صباح الخد قوماً
    بليل الشعر قد تاهوا وضلوا
    أيا ملك القلوب فتكت فيما
    وفتكك في الرغبة لا يحل
    وقد غيرت أم كلثوم في بعض ألفاظ هذه الأبيات.. ففي البيت الرابع الذي تقول فيه في الشطر الأول:
    “يميل بلحظة السحر عني”. تقول كلماته في الأصل: “يميل بطرفه التركي عني”.
    وكذلك غيرت أم كلثوم في بعض كلمات الشطر الثاني من البيت الخامس فقالت: “رأيت الماء ترف عليه ظل”.. بدلاً من قول الشاعر: “ترى ماء يرف عليه ظل”.
    وقد أشارت أم كلثوم إلى ان اللجوء لهذه التعديلات، يأتي وفقاً لما تراه مناسباً لأذواق مستمعيها، بدون أن يؤثر هذا التعديل في معنى القصيدة أو ما يرمي إليه الشاعر.. وقد مكنتها حرفة إتقان قراءة وقول الشعر كثيراً من ذلك.
    ومما ذكرته في هذا السياق قولها: ولعل هذا التذوق، وحفظ آلاف الأبيات الشعرية بين قديم وحديث، هو الذي أعانني بعد ذلك على أن أختار من قصيدة فيها مائتا بيت، ثلاثين بيتاً أغنيها، فلا يحس المستمع أنني قفزت من بيت إلى بيت.. فتركت عشرة أبيات أو عشرين بيتاً. بل لعل هذه الرحلة مع الشعر هي التي مكنتني من أن أضع كلمة مكان كلمة في قصائد كثيرة أو أغنيات كثيرة، فلا يحتج أصحابها لأنهم لم يحسوا أنني قصمت ظهر بيت.. أو غيرت المعنى.
    وابن النبيه المصري وفق ما جاء في كتاب “وفيات الأعيان” لابن خلكان “هو: أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن يوسف بن يحيى من أصحاب الشعر الرقيق والغزل البديع، وقد عاصر الدولة الأيوبية.. وعاش في كنف أحد سلاطينها”.
    ومن النقاد المؤرخين من يرى أنه من أقارب صلاح الدين الأيوبي، وقد خدم في معية السلطان الأشرف موسى الملقب بشاه آرمن، حوالي أربعين عاماً فأخذ يمدح ويسجل انتصاراته وأعماله في كل قصائده سواء التي دونها أو التي كان يلقيها مرتجلاً. وعاش ابن النبيه حوالي ستين عاماً. حيث توفي في مدينة نصيبين في عام 619 ه.
    وتؤكد أشعاره أنه لم يكتب الشعر إلا وهو في سن الأربعين. وانه التحق بخدم الأشرف موسى في حدود عام 600 ه، بعد أن انتصر على صاحب الموصل، وانضم إلى مجموعة الأدباء والشعراء الذين خدموا الأشرف ولزموه آنذاك.
    ويقول النقاد ان ديوان شعره الذي انتقت منه أم كلثوم الأبيات التي تغنت بها لم يشمل كل أشعاره، وكان مقسماً إلى ثلاثة أقسام، قسم في مدح الخليفة العباسي الناصر لدين الله وأسماه “الخليفيات”. والقسم الثاني، قصائد في مدح الملك العادل وسماه “العادليات”.. أما القسم الثالث، وهو أكبرها فقد قاله في الملك الأشرف موسى وسماه “الأشرفيات”.. وتنتمي الأبيات التي غنتها أم كلثوم الى هذا القسم.
    الشريف الرضي: " أيها الرائح المجد "
    في عام ،1935 وعندما قررت أم كلثوم دخول ميدان السينما، بعد نجاح غريمها الفنان محمد عبد الوهاب في الميدان نفسه عندما عرض فيلمه الأول “الوردة البيضاء”.. اختارت قصة الشاعر أحمد رامي “وداد” لكي تكون أول أعمالها السينمائية الاستعراضية والغنائية فوق الشاشة البيضاء. وقد صرحت على أن تغني في هذا الفيلم العديد من الأغنيات والقصائد إلى جانب اضطلاعها بالتمثيل، وقد بلغ عدد هذه الأغنيات التي تغنيها في الفيلم 9 أغنيات ما بين قصيدة وموال ومونولوج وموشح.
    وكان من بين ما غنته كوكب الشرق في الفيلم قصيدة للشاعر العباسي المشهور الشريف الرضي بعنوان أيها الرائح المجد، وفي عام 1936 سجلت أم كلثوم الأبيات نفسها من ألحان زكريا أحمد على اسطوانة تم تداولها في الأسواق كما كانت كثيراً ما تشدو بها في حفلاتها العامة.
    ويقول مطلع القصيدة:
    أيها الرائح المجد تحمل
    حاجة للمتيم المشتاق
    وبالرجوع إلى ديوان الشريف الرضي القصائد، اتضح أن أم كلثوم اختارت خمسة أبيات فقط من بين الأبيات الستة المدونة في الديوان، وقد تغنت أم كلثوم بالأبيات من واحد إلى ستة بعدما أغفلت البيت الخامس كما غيرت في كلمات الأبيات التي تغنت بها من غير ما كتبه الشريف الرضي نفسه. ولم تكتف أم كلثوم بهذه الأبيات من ديوان الشريف الرضي، بل عادت وشدت مرة أخرى بأبيات جديدة من إحدى قصائده في الغزل، رغم ما أثير حول هذه الأبيات من شكوك ارتبطت بشاعر غيره.
    ففي عام 1939 غنت أم كلثوم في فيلمها الجديد “دنانير” جزءاً من قصيدة “قولي لطيفك” من تلحين الشيخ زكريا أحمد، ثم عادت مرة أخرى وسجلت هذه الأبيات على اسطوانة في عام ،1944 وذلك وفق ما جاء في كتاب “النصوص الكاملة لأغنيات أم كلثوم”.
    ويقول مطلع القصيدة:
    قولي لطيفك ينثني
    من مضجعي وقت الرقاد
    كي أستريح وتنطفي
    نار تأجج في الفؤاد
    وهناك من النقاد من يرى أن القصيدة ليست من تأليف الشريف الرضي، بل من تأليف شاعر آخر يدعى العاص عبدالوهاب وهو شاعر من دمشق ملقب بديك الحق، كما أن هناك فريقاً آخر من هؤلاء النقاد والمؤرخين الذين نسبوا هذه الأبيات للشريف الرضي، خاصة المهتمين بشؤون فن الأغنية وتاريخها. ومن هؤلاء كل من الدكتورة رتيبة الحفني وكمال النجمي.
    وبالرجوع إلى ديوان الشريف الرضي لأجل أن نقيس ما جاء فيه من أبيات، مع مضاهاته بما غنته أم كلثوم. لم نعثر بالفعل على هذه الأبيات!
    ولد الشريف الرضي أو أبو الحسن محمد بن الطاهر في بغداد سنة 359 ه وقال الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل، ورحل عن دنيانا في سن الرابعة والأربعين من عمره، ففي يوم الأحد الموافق 26 يونيو/ حزيران عام 1016 م. 6 من محرم عام 406 ه. مخلفاً وراءه العديد من الآثار الأدبية المعروفة سواء في مجال النثر أو الشعر.
    وكانت من أهم مؤلفاته كتب: الرسائل نهج البلاغة تلخيص البيان في مجازات القرآن، وكتب أخرى في النثر.
    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-05-2004, 08:16 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    شعراء أم كلثوم ... ( 2 )
    كوكب الشرق تتألق في رباعيات الخيام





    * "مثل الغزال" تائهة بين الشاب الظريف والحلي

    * قصيدة "ابن النطاح" نقلة في بداية المشوار الغنائي و"يا بعيد الدار" تنسب بالخطأ إلى الأحنف








    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال.

    بل وأكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    عمر الخيام: “سمعت صوتاً هاتفاً”
    تمثل رباعيات الخيام، خاصة بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، نقطة تحول هامة وكبيرة في حياة أم كلثوم، فقد أقبلت على الشدو بهذه الأبيات بعدما رسخت أقدامها في ميدان غناء القصائد، وبعد أن ازدادت خبرتها في المجال نفسه وتعتبر قصيدة “الرباعيات” من أول قصائد الشعر العربي الفصيح الذي تغنت به أم كلثوم خارج نطاق عملها السينمائي.
    أضف إلى ذلك أن قصيدة “سمعت صوتاً هاتفاً” التي انتقت منها الأبيات التي شدت بها جاءت بعد تجربة كبيرة وغير مسبوقة في مجال القصائد العربية، ذلك المشوار الطويل الذي بدأت أولى خطواته عام 1926.
    ليس هذا فقط. بل تعتبر القصيدة فتحاً جديداً في عالم تلحين القصائد، بدخول ملحن كبير مثل رياض السنباطي هذا الميدان، بعد كل من الشيخ أبو العلا محمد والدكتور النجريدي وزكريا أحمد والقصبجي.
    والغريب أن هذه القصيدة التي أبدعت فيها أم كلثوم كانت من ترجمة وأشعار شاعر الشباب أحمد رامي، الذي بدأ حياته شاعراً في مجال الفصحى ثم تحول بعد ذلك إلى شعر العامية وأبدع فيه بناء على إقناع أم كلثوم له بذلك.
    هذا الإبداع ظهر جلياً في الكثير من الأغنيات التي شدت بها أم كلثوم، ولسوف يكون لنا مع هذا الشاعر الكبير لقاء طويل عند الحديث عن علاقة أم كلثوم بشعراء العامية المحتفين في حلقات مقبلة.
    ويرى المؤرخون والنقاد أن أم كلثوم أنهت مرحلة هامة من مراحل حياتها الفنية عام 1949 حين شدت بأشعار عمر الخيام، واستعدت من بعدها لدخول الميدان نفسه ولكن مع شعراء من العصر الحديث سواء من مصر أو من الدول العربية والإسلامية.
    ولقصيدة “سمعت صوتاً هاتفاً في السحر” قصة رواها كل من ملحنها رياض السنباطي ومترجمها أحمد رامي وهي لا تبعد كثيراً عن مضمون هذه الأبيات التي تغنت بها أم كلثوم.. بل تصب في إطارها صباً مباشراً. وذكرت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد جانباً من هذه القصة عند حديثها عن ذكريات أم كلثوم مع ملحن قصائدها.
    ومما ذكرته في هذا السياق قولها:
    “.. وفي الزمالك وضع السنباطي اللحن الذي يردده بينه وبين نفسه ويستعيده كلما اشتاق إلى عوده.. عن رباعيات الخيام.. وقف السنباطي في إحدى قراءاته للرباعيات عند البيت:
    أطفئ لظى القلب بكأس الشراب
    فإنما الأيام مثل السحاب
    وكان هذا البيت أول بيت لحنه السنباطي من الرباعيات، ثم أخذ يلحن رباعيات كثيرة مختلفة من الديوان وظل على هذا الحال عدة شهور، ثم ذهب إلى أم كلثوم وأسمعها اللحن..”.
    وكذلك كانت لهذه الرباعيات قصة مع مؤلفها ومترجمها الشاعر أحمد رامي.. وقد ارتبطت برحيل أحد اخوته الذي كان يدرس في فرنسا.
    وعن ذلك قال أحمد رامي: “لقد بدأت ترجمة هذه الرباعيات بعد وصول نعي أخي الشقيق الذي مات ودفن في دار غربة، وأنا نازح هذه الدار، فاستمددت من حزني عليه قوة على تصور آلام الخيام، وظهر لعيني بطلان الحياة التي احتقرها في رباعياته، فحسبتني وأنا أترجمها أنظم رباعيات جديدة أودعها حزني على أخي الراحل في عنفوان الشباب وأصبر نفسي بقرضها على فقده.
    والقصيدة التي غنتها أم كلثوم من شعر عمر الخيام، يقول مطلعها:
    سمعت صوتاً هاتفاً في السحر
    نادى من الغيب غفاة البشر
    هبوا املأوا كأس المنى قبل أن
    تملأ كأس العمر كف القدر
    وقد تغنت كوكب الشرق بثلاثين بيتا من أصل ثلاثمائة واثنين وأربعين بيتاً هي كل عدد أبيات الرباعيات التي ترجمها أحمد رامي وقد اختارت أبياتاً بعينها من القصيدة.. دون مراعاة للترتيب العام الذي ارتضاه عمر الخيام أو المترجم أحمد رامي!!.
    كما حرصت على اختيار الأبيات الأول والثاني وفق ترتيب الديوان إلا أنها أخلت بعد ذلك بهذا الترتيب.. إلا في البيتين الأخيرين حيث جاء أيضا وفق الترتيب العام للديوان - باعتبارها أخر ما كتبه المؤلف ونشره المترجم في الديوان.
    ورغم التزام أم كلثوم بترتيب البيت الأول والثاني.. فقد غيرت في بعض كلماتهما.. فاختارت كلمة “القبو” في الشطر الثاني من البيت الأول بدلاً من كلمة “الغيب”. كما اختارت كلمة “كأس المنى” في البيت الثاني بدلاً من “كأس الطلا”.. وكلمة “ تملاً” بدلاً من “تفحم”. وبدلت ام كلثوم أحد الابيات وكانت تقول كلماته
    يارب هل يرضيك ان أرى
    ظمآن والماء امامي زلال
    هذا بخلاف العديد من التعديلات الاخرى التي ادخلت على الكلمات في مختلف الابيات أما البيتان الواحد والعشرون والثاني والعشرون فقد احتلا رقمي مائتين وتسعة وأربعين ومائتين وخمسين، بلا تعديل، والبيتان الثالث والعشرون والرابع والعشرون فيحتلان رقمي ثلاثمائة وتسعة وعشرين وثلاثمائة وثلاثين، مع تعديل طفيف في كلمة “أطمع” التي اختارتها أم كلثوم بدلاً من كلمة “فئت”، والبيتان الخامس والعشرون والسادس والعشرون يحتلان كذلك رقمي مائتين وسبعة وثمانين ومائتين وثمانية وثمانين من دون تعديل، والبيتان السابع والعشرون والثامن والعشرون يحتلان رقمي مائتين وسبعة وثلاثين ومائتين وثمانية وثلاثين.
    وعمر الخيام صاحب هذه الرباعيات هو وفق الإجماع غياث الدين عمر ابن إبراهيم الخيام نسبة إلى مهنة والده. وهو فارسي الأصل “ايراني” ولد في مقاطعة خرسان عام 1040م وتعلم في بلدته خرسان ثم رحل بعد ذلك إلى مكة وبغداد.. وبعد فترة عاد مرة أخرى ليستقر في خرسان.
    وقدم الشاعر أحمد رامي الشيء الكثير عن سيرة عمر الخيام في مقدمة ترجمته لديوانه، وما أشار إليه ويستحق التوقف عنده قوله إن هناك كثيراً من الشك قد اكتنف حياة الخيام في جميع أدوار حياته.. وذلك من يوم مولده وحتى يوم وفاته.
    وأضاف رامي “إنه لولا أن قبره موجود الآن في نيسابور والمعروف بمقبرة” الحيرة “لأبى الموت كذلك أن يدلنا على مرقده الأخير”!.
    ويؤكد أحمد رامي أن عمر الخيام مات ما بين سنة 1112م، وسنة 1135م، كما أكد على لسان بعض المؤرخين من أهل عصره أنه كان إمام أهل خرسان وأعلم أهل بلدته وزمانه، وأكثرهم اضطلاعاً بعلوم الفلك والفلسفة. إلى جانب ذلك كتب الشعر والأدب..
    وكان من أشهر ما كتبه في هذا المجال “رباعياته” التي احتار المؤرخون في تحديد تاريخ كتابتها. حيث إن أقدم نسخة تم العثور عليها لم تثبت إلا عام 865 ه 1460م كما حاروا كذلك في تحديد هذه الرباعيات، حيث إن أقدم نسخة تحوي 158 رباعية ويتراوح عددها في النسخ الأخرى ما بين 76 و845 رباعية.
    ومن المحتمل أن تكون هناك نسخة لهذه الرباعيات مكتوبة أثناء حياته ولكن تعرض نيسابور بعد وفاته للغزو والإحراق على يد المغول والتتار قطع الأمل في وجود هذه النسخة الصادقة.
    والرباعيات التي أبدعها الخيام هي عبارة عن مقطوعات من أربعة أشعار يكون الشطر الثالث فيها مطلقا. وقد نقلت إلى اللغة العربية بعد ترجمتها أكثر من مرة.
    العباس بن الأحنف: وأبيات نسبت إليه ظلماً
    رغم أن عدد الأبيات التي شدت بها سيدة القصيدة العربية وسيدة الغناء أم كلثوم للشاعر العباسي العباس بن الأحنف لم تتعد أصابع اليد الواحدة، إلا أنها أخذت منا جهداً ووقتاً طويلاً والسبب يرجع في الأساس إلى الخطأ الذي جاء في كتاب “جامع أغاني أم كلثوم”، وهو الخطأ الذي ارتبط بأحداث فيلم “سلامة”. الذي غنت فيه أم كلثوم هذه القصيدة.
    ففي عام 1944. وفي الفيلم المذكور الذي وضع قصته الأديب علي أحمد باكثير غنت أم كلثوم عدة قصائد ملحنة كان بينها بيتان بعنوان “يا بعيد الدار” نسبتا إلى العباس بن الأحنف وتقول كلماتهما:
    يا بعيد الدار موصولاً بقلبي ولساني
    ربما أبعدك الدهر وأذتك الليالي
    كلما زاد بي الشوق وفاضت بي شجوني
    لذت بالسلوان والبعد وما يفعلان
    وبعد البحث والتنقيب في أشعار العباس بن الأحنف، ومن داخل أوراق ديوانه.. لم نعثر على هذين البيتين، وكانت تلك هي المفاجأة، إذ عثرنا على أبيات مشابهة لها في بعض الألفاظ والكلمات وذلك ضمن أربعة أبيات اختتم بها الشاعر ديوانه المطبوع وقد قالها قبيل موته.
    والبيتان اللذان ذكرهما العباس بن الأحنف تقول كلماتهما:
    يا غريب الدار عن وطنه
    مغرراً يبكي على شجنه
    كلما جد البكاء به
    دبت الأسقام في بدنه
    ولكي نقطع الشك باليقين في شأن هذين البيتين، أخذنا في السؤال عنهما لدى بعض المصادر الحيوية من أساتذة الجامعات وبعض الشعراء. الذين أجمعوا على أن ما شدت به أم كلثوم وما نسب إلى العباس بن الأحنف مشكوك فيه. لسببين أولهما: أن بالبيتين مشاكل كثيرة متعلقة بأصول العروض. وثانيها: أن مثل هذه الموضوعات لم يتطرق إليها بن الأحنف رغم ما اشتهر به من موضوعات قالها في الغزل.
    من أجل ذلك ثبت لدينا باليقين أن ما لحنه زكريا أحمد ونسب إلى العباس بن الأحنف غير صحيح، أو ربما غير اللحن في الكلمات وفق ما رآه صالحاً للألحان المصاحبة لأحداث الفيلم!، وقد وقع غيرنا من المؤرخين والمهتمين بالفن في الخطأ نفسه، إذ ذكرت الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها الهام عن “أم كلثوم” وفي صفحة 213 من هذا الكتاب. أن قصيدة “يا بعيد الدار” من تأليف عباس بن الأحنف.
    وشاعرنا المقصود هنا.. وفق الإجماع هو أبو الفضل العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن حردان بن كلدة بن عبد الله بن حنيفة بن نجيم الحنفي اليمامي.
    وهناك من يرى أن نسبه لليمامة ربما جاء لمولده بها.. أما صالح بن عبد الوهاب فيقول إنه عربي من خرسان ومنشأه بغداد ويعتبر من الشعراء العرب الذين قصروا شعرهم على الغزل، إذ لم يتجاوزه إلى غيره من فنون الشعر إلا في حالات نادرة.
    وقد استدل المؤرخون من دراسة أشعاره بأنه كان على اتصال بالمهدي والرشيد وهما من الخلفاء العباسيين، وكان اتصاله بهما اتصال ألفة وليس اتصال تكسب.
    وفي إطار اهتمام بن الأحنف بشعر الغزل.. ذكر العديد من النساء اللواتي حفل بهن في أشعاره، وكان من أبرزهن فوز، ومظلوم، ونرجس، ونسرين، وسحر، وضياء، إلا أن معظم ما قاله في الغزل قد اختص به فوز بالذات، وقد احتل هذا الغزل قرابة ثلاثة أرباع ديوانه.
    ومن النقاد والمؤرخين من يرى أن فوز هذه ما هي إلا امرأة باسم مستعار، وقد لجأ إلى تلك الحيلة خشية أن يعرض نفسه للعقاب.
    وإلى جانب ما اتصف به شعر الأحنف، كان كذلك يتسم بالنزعة الدينية، حيث حفل بالعديد من المظاهر الإسلامية من أبرزها التدين والتقوى عنده أو عند محبوبته فوز، وحرصهما على أداء العبادات.
    بكر بن النطاح الحنفي: شاعر الصعاليك
    يرى الكثير من النقاد والمؤرخين أن قصيدة “أكذب نفسي”. التي شدت بها أم كلثوم للشاعر العباسي الصعلوك بكر النطاح الحنفي عام 1931.. تمثل خاتمة المرحلة الأولى من المراحل الفنية لأم كلثوم في ميدان غناء القصائد. ومن بعدها انطلقت كوكب الشرق إلى آفاق مرحلة جديدة شهدت تألقها غير المسبوق في الميدان نفسه، ولكن مع كلمات شعراء من العصر الحديث سواء في مصر أو في غيرها من البلاد العربية الإسلامية - وألحان أكثر عصرية سواء للشيخ زكريا أحمد أو رياض السنباطي. بعد ما شهدت المرحلة الأولى تألق رعيل آخر من المؤلفين ومن الملحنين الكبار من أمثال الشيخ أبو العلا محمد، والدكتور أحمد صبري البخريدي، اللذين يعود إليهما الفضل الأكبر في تدريب صوت أم كلثوم على غناء القصائد باللغة العربية الفصحى.
    وقصيدة “اكذب نفسي” للشاعر العباسي الصعلوك بكر بن النطاح سجلتها أم كلثوم على اسطوانة تابعه لشركة أوديون عام 1931. بعد ما ذاع حيث القصيدة - عندما غنتها أم كلثوم في حفلاتها العامة سواء على مسرح الأزبكية أو داخل البيوت والمجتمعات الراقية ويقول مطلعها:
    أكذب نفسي عنك في كل ما أرى
    وأسمع أذني منك ما ليس تسمع
    وما لاحظناه من خلال الاطلاع على المصادر الأدبية والتاريخية أن ابن النطاح لم يجمع الاشعار التي تغنت بها ام كلثوم في ديوان، بل جاءت كلها في ثنايا حكاياته التاريخية باعتباره كان من أشهر الشعراء الصعاليك الذين ملأوا الدنيا صخباً، كما ملأوا كذلك كتب الأولين من المؤرخين والنقاد.
    وقد كتب ابن النطاح الكلمات التي شدت بها أم كلثوم في محبوبته “رامشتة” التي وقع في غرامها.
    وصاحب هذه القصيدة، هو بكر ابن النطاح الحنفي.. الذي عُرف بأبي وائل، ومن شعراء العصر السياسي الأول وحضر زمن المعتصم بالله، في أوائل القرن الثالث الهجري.. وكان كذلك مشهوراً بأنه زعيم شعراء الصعاليك في هذا العصر. كما عرف بأنه كان يمثل الصعاليك التوابين، إذ كان في صدر حياته صعلوكاً يصيب الطريق ثم عدل عن ذلك. ورغم ذلك فقد كان بطلاً وفارساً وشجاعاً.. وشهرته في الشعر فاقت شهرته في مجال الصعلكة.
    صفي الدين الحلي: الشاب الظريف
    رحلة بحث طويلة شاركني فيها شاعر كبير وأستاذ جامعي يقول الشعر ومتخصص في تاريخ الشعراء، ولولاهما لما وصلت إلى ما وصلت إليه بخصوص العبارات التالية.
    والحكاية ترتبط في الأساس بشاعرين كبيرين هما الشاعر صفي الدين الحليّ والشاب الظريف إذ وقع خلط غير متعمد بين كلمات هذين الشاعرين فيما شدت به أم كلثوم بالنسبة لقصيدة “مثل الغزال”. وعلى الرغم من أن أم كلثوم قد تغنت بهذه الكلمات الجميلة منذ أكثر من ستين عاماً إلا أن أحداً من الباحثين أو الشعراء أو حتى النقاد قد التفت لوجود هذا الخلط الذي أدى إلى مشاكل كثيرة، لدرجة أن شاعراً كبيراً ثالثاً هو صالح جودت كان وجه نداء من فوق صفحات مجلة المصور يستحث فيه كل من يعرف معلومات صحيحة عن مؤلف هذه القصيدة وغيرها من القصائد التي غنتها أم كلثوم من الشعر القديم.
    وجاءت في كتاب أم كلثوم - النصوص الكاملة لجميع اغنياتها أن أم كلثوم غنت قصيدة “مثل الغزال” عام 1926 ثم سجلتها على اسطوانة جرامفون في العام نفسه. كما جاء في الكتاب أن القصيدة من تأليف شاعر يدعى صفي الدين الحلبي وكان هذا هو أول خطأ.. تسبب في حدوث إرباك كبير أثناء الإعداد لهذه الأوراق.. إذ تبين لنا فيما بعد أنه لا يوجد من الشعراء العرب من يسمى “صفي الدين الحلبي”.. بل الصحيح أن اسمه “صفي الدين الحلي”. وهو من شعراء الدولة الأيوبية ودولة المماليك. وقد أكدت ذلك العديد من المصادر المروية على لسان الشاعر أحمد سويلم والدكتور عبداللطيف عبدالحليم الملقب بأبي تمام ورغم العثور على “الحلي” فقد اكتشفنا أن القصيدة.. لا توجد في الديوان.. وبالتالي فهي ليست من تأليفه.
    وفي محاولة للبحث عن صاحب قصيدة “مثل الغزال”!
    وبعد أيام عدة.. عثر الأستاذ الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم عن صاحب هذه القصيدة.. وهو الشاب الظريف.. وعندما أعلمني بذلك لم أترك فرصة بل توجهت إلى دار الكتب من جديد للبحث عن ديوان الشاب الظريف. والتأكد من وجود هذه الكلمات!
    وجاءتني نسخة الديوان، وهو مطبوع منذ أكثر من ستين عاماً !. وقبل نهاية ما به من قصائد ربما بثلاث صفحات فقط.. عثرت على “مثل الغزال نظرة”.. وكانت فقط ثلاثة أبيات قابعة وسط العديد من الأبيات التي سطرها الشاب الظريف في هذا الديوان !. وهي نفسها الأبيات التي غنتها أم كلثوم عام ،1926 والتي تقول كلماتها:
    مثل الغزال نظرة ولفتة
    من ذا رآها مرة ولا افتتن
    أحسن خلق الله خلقاً وفماً
    إن لم تكن أحق بالحسن فمن
    في ثغرها وخدها وشعرها
    الماء والخضرة والوجه الحسن
    وكعادة أم كلثوم مع القصائد.. فقد غيرت في بعض كلمات هذه الأبيات حتى تتوافق مع اللحن المناسب لصوتها.. ففي البيت الأول.. غيرت كلمة “رآها” بدلاً من “رآه”، وكلمة “مرة” بدلاً من كلمة “مقبلاً” وفي البيت الثاني غيرت أم كلثوم كلمة “تكن” بدلاً من كلمة “يكن”. أما البيت الثالث فقد شهد تغييراً كبيراً إذ استبدلت أم كلثوم كلمات الشطر الأول منه بكلمات أخرى جديدة تماماً.. حيث أصبح هذا الشطر يقول.. “في ثغرها وخدها وشعرها”.. بدلاً من: “في جسمه وصدغه وشكله”.
    وما دمنا قد ذكرنا شاعرين كبيرين هما “صفي الدين الحلي” الذي نسبت إليه هذه الأبيات ظلماً، وصاحبها الأصلي “الشاب الظريف”. فقد رأينا إلقاء بعض الأضواء المبهرة على حياتهما الخاصة والأدبية.
    بالنسبة لصفي الدين الحلي وليس الحلبي، فهو شاعر غير مصري المولد ولا النشأة ولا الحياة.. لكنه اتصل بملوك مصر ومدحهم.. ويدعى وفق الإجماع عبد العزيز بن سرايا بن علي، ولد بمدينة الحلة إحدى مدن الفرات عام 677 ه، ونشأ بها وأجاد الشعر صبياً.. ثم رحل إلى مصر عام 726 ه ومدح السلطان بن قلاوون بعدة قصائد.. كان أشهرها قصيدة عارض فيها المتنبي في قصيدته التي مطلعها:
    بأبي الشموس الجانحات غواربا
    اللابسات من الحرير جلابيا
    أما شاعرنا الثاني الشاب الظريف، صاحب الكلمات التي شدت بها أم كلثوم فهو محمد شمس الدين بن سليمان عفيف الدين الكوفي التلمساني، وقد ولد بالقاهرة في شهر جمادى الآخرة سنة 661 ه، ومنبت أسرته بتلمسان من بلاد المغرب.
    وهو ابن الشاعر الصوفي التلمساني الأصل المصري الدار عفيف الدين، ورغم أن الشاب الظريف ولد بمصر وعاش بها فترة طويلة مع والده عفيف الدين.. إلا أنه انتقل للعيش في دمشق وبقي بها حتى مات في الثامنة والعشرين من عمره.

    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة


                  

07-06-2004, 11:40 AM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    رفعنا بوست الست لمن يأتون مع الهجوع
                  

07-06-2004, 08:08 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    شعراء أم كلثوم ... ( 3 )




    سيدة الغناء تشدو بروائع سبعة شعراء معاصرين





    * وافقوا على تعديل القصائد دون اعتراض

    * كلمات نزار قباني الوطنية تجذب صوت كوكب الشرق





    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال.

    بل وأكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.



    تدخل بنا أم كلثوم اليوم منعطفاً آخر من رحلتها الطويلة مع الشعراء المشهورين في القديم والحديث.. إذ تغنت في مرحلة لاحقة من حياتها بكلمات سبعة من مشاهير الشعراء والمعاصرين من البلاد العربية والإسلامية وهم الأمير عبدالله الفيصل من السعودية، ونزار قباني من سوريا، والهادي آدم من السودان، وعلي أحمد باكثير من اليمن، وأحمد العدواني من الكويت، وجورج جرداق من لبنان وأخيراً محمد إقبال من باكستان.
    وفي هذه الحلقة نتحدث عن ثلاثة شعراء من هؤلاء وهم: الأمير عبدالله الفيصل “السعودية”، ونزار قباني “سوريا”، والهادي آدم “السودان”.
    الأمير عبدالله الفيصل
    تمثل أعمال الشاعر السعودي الأمير عبدالله الفيصل نقطة تحول مهمة في مسيرة أم كلثوم مع شعراء القصائد العربية، حيث يعتبر أول شاعر عربي في العصر الحديث تشدو بكلماته أم كلثوم، وذلك بعدما قطعت مشواراً طويلاً مع شعراء القصيدة العربية من القدامى.
    وغنت كوكب الشرق للأمير عبدالله الفيصل قصيدتين طويلتين إحداهما عام 1962 بعنوان “ثورة الشك”، والثانية عام 1971 بعنوان “من أجل عينيك”.
    بالعودة إلى الديوانين المنشور فيهما القصيدتان، وجدنا أشياء كثيرة مختلفة وملاحظات هامة تستحق أن نتوقف أمامها طويلاً.
    وفي عام 1962 اختارت سيدة القصيدة العربية أم كلثوم كلمات انتقت لها عنوانا هو “ثورة الشك” للأمير عبدالله الفيصل، ولحنها لها أمير الموسيقا العربية رياض السنباطي.
    وفي الديوان الذي نشرت فيه هذه القصيدة والذي صدر عام 1954 تحت عنوان: “محروم.. وحي الحرمان”، لاحظنا أن تلك القصيدة قد أصابها بعض التغيير الذي أدخلته أم كلثوم وشاركها الملحن رياض السنباطي، بعد استشارة الشاعر عبدالله الفيصل الذي قيل وقتها إنه جاء إلى القاهرة لإجراء تلك التعديلات.
    فقد اختارت أم كلثوم عنواناً للقصيدة.. وهو “ثورة الشك” بدلاً من عنوانها المكتوب بالديوان وهو “عواطف حائرة”.
    وبعد نجاح قصيدة “ثورة الشك” أو “عواطف حائرة”، و مرور أكثر من تسع سنوات على تقديم أم كلثوم تلك القصيدة. عادت كوكب الشرق لتختار قصيدة ثانية من تأليف الشاعر الأمير عبدالله الفيصل، وهي التي تغنت بكلماتها عام 1971 تحت عنوان “من أجل عينيك” وهي من تلحين رياض السنباطي أيضاً.
    وفي الديوان الذي صدر تحت عنوان “حديث قلب” أخذنا في البحث عن أصل هذه القصيدة لأجل الوصول إلى تأصيل حقيقي لها من واقع ما سطره الشاعر عبدالله الفيصل، وما إذا كانت هناك تعديلات جوهرية قد أجرتها أم كلثوم على كلماتها، أم غنتها كما كتبها الشاعر.
    ومن أعجب ما عثرنا عليه داخل هذا الديوان الذي طبع عام ،1970 وجود عدة إصول لقصيدة “من أجل عينيك” وليس أصل واحد، أو بمعنى آخر وجدنا أن هذه القصيدة التي غنتها أم كلثوم بهذا العنوان.. هي في الحقيقة مجموعة من القصائد.
    أخذت أم كلثوم تنتقي من عدة قصائد للأمير عبدالله الفيصل. جمعت أبياتاً.. أطلقت عليها في النهاية اسم “من أجل عينيك”، مع أن القصيدة الأصلية التي نشرت بذات العنوان في الديوان نفسه موجودة، وعدد أبياتها تسعة عشر بيتاً، إلا أن كوكب الشرق قد اختارت من هذه القصيدة. أربعة أبيات فقط..
    وبحسبة بسيطة يتضح أن قصيدة “من أجل عينيك التي شدت بها أم كلثوم.. قد اختارت كلماتها من خمس قصائد. وقد وافقها المؤلف الشاعر عبدالله الفيصل، والدليل على ذلك ما تناقلته الصحف والمجلات الصادرة آنذاك. حيث قالت هذه الصحف”: سوف يحضر المؤلف إلى القاهرة للاستماع إلى الأغنية. كما سيقابل أم كلثوم بعد الوصلة الأولى حيث تكون قد انتهت من تقديم قصيدته.
    وحول ملامح حياة الشاعر الأمير عبدالله الفيصل فقد أشار اليها في مقدمة ديوانه “وحي الحرمان” وقد اختار لها عنواناً تقول كلماته، “أجل.. أنا محروم”.
    ومما ذكره في هذا الشأن قوله: “قبل أن أتخطى السنة الأولى من عمري أبعدت الظروف أبي عني سنوات كثيرة متعاقبة لاشتغاله بالحرب والغزوات وشد أزر أبيه وتوطيد ملكه”.
    وولد الشاعر عبدالله الفيصل في مدينة الرياض عام ،1922 وهو من الأسرة السعودية الحاكمة، فهو الابن الأكبر لشهيد الإسلام الملك فيصل وجده هو الملك عبدالعزيز آل سعود، ووالدته هي الأميرة سلطانة السديري.
    عاش الشاعر السنوات الخمس الأولى من حياته في كنف جده الملك عبدالعزيز في الرياض، وقد اختاره فيما بعد رغم حداثة سنه وزيراً للداخلية ثم وزيراً للصحة، ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة حيث عاش في كنف والده الملك فيصل الذي كان آنذاك نائب الملك على الحجاز.
    نزار قباني
    كانت خطوة جريئة بحق تلك التي أقدمت عليها كوكب الشرق أم كلثوم حين اختارت كلمات من قصائد الشاعر السوري المولد واللبناني الإقامة نزار قباني، بل ونستطيع القول في السياق نفسه إنها كانت بالفعل مغامرة عظيمة من فنانة عظيمة، إذ اختارت لشاعر الحب والمرأة والحرير والعطور، كلمات وطنية لكي تشدو بها، على عكس ما كان متوقعاً، وهي الفنانة رقيقة الحس التي تغنت بالحب والآهات لأكثر من أربعين عاماً، وكأنما كانت تريد بهذا الاختيار الغريب توصيل مضمون رسالة إلى كل الفنانين في كل العصور بأن الفن لا يعرف المستحيل وكذلك لا يعرف الحدود ولا الفواصل السياسية أو الجغرافية.
    وعلى الرغم من أن اختيار سيدة القصيدة العربية أم كلثوم كلمات من قصيدتين كبيرتين للشاعر نزار قباني، قد جاء متأخراً، فقد كان ذلك الاختيار موفقاً إلى حد بعيد، ومواكباً لاثنين من أهم أحداثنا السياسية المحلية والعربية.. وهما اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ضد “إسرائيل” عام ،1969 فاختارت أم كلثوم كلمات من قصيدة نزار قباني “طريق واحد.. وغنتها تحت عنوان “أصبح الآن عندي بندقية”، وعندما رحل جمال عبدالناصر اختارت كوكب الشرق كلمات القصيدة الثانية لنزار قباني لكي تغنيها تحت عنوان “رسالة إلى والدنا عبدالناصر”.
    وكانت لكل من هاتين القصيدتين حكاية بدأت مع الكلمات وانتهت بالألحان وصوت أم كلثوم.. ولكن ما هي تفاصيل تلك الحكاية.
    بالنسبة لقصيدة “طريق واحد”.. التي أصبح اسمها: “عندي بندقية” كما يقول مطلعها. فقد شدت بها أم كلثوم، وسجلتها عام 1969 على اسطوانة صوت القاهرة من ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب.
    ويقول مطلعها:
    أصبح عندي الآن بندقية
    إلى فلسطين خذوني معكم
    إلى ربُى حزينة كوجه مجدلية
    وكلفت أم كلثوم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب لوضع اللحن المناسب لهذه القصيدة الوطنية. وذلك بعد حذف واختيار واستبدال عدد من الكلمات بعد استشارة مؤلفها نزار قباني.
    وتكشف التعديلات التي اجريت على القصيدة أن أم كلثوم أرادت من وراء اختصار هذه الأبيات.. اختصار وقت غناء القصيدة كما استهدفت ألا تدخل نفسها في مواقف سياسية قد تجر عليها بعض المشاكل إذا ما غنت كلمات نزار قباني بلا تعديل، وهو كان يقصد من ذلك وصف أوضاع بعينها سواء داخل مصر أو خارجها.
    وعلى أية حال، فقد وصلت براعة أم كلثوم في مجال اختصار هذه القصيدة حداً.. لم يلحظ السامع لها اي خلل فيها - وكان ذلك دائما هو منهجها منذ أن أقدمت على غناء القصائد العربية مع مطلع العشرينات من هذا القرن.
    وما حدث في القصيدة الأولى عام 1969.. حدث كذلك للقصيدة الثانية التي شدت بها أم كلثوم عام 1970 فور رحيل الرئيس جمال عبدالناصر.. إذ غيرت أم كلثوم القصيدة وبعض أبياتها.
    أما بالنسبة لأهم التعديلات التي اجريت من قبل أم كلثوم وملحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي فقد اختارت أم كلثوم عنوان “خطاب” بدلاً من العنوان الذي اختاره الشاعر وهو “رسالة إلى جمال عبدالناصر”.
    كما أجرت بعض التعديلات على كلمات هذه القصيدة.. بما يناسب اللحن والصوت، ولقد تعمدت في هذا السياق أن تكرر الشطر الذي بدأت به القصيدة وهو غير موجود أصلاً.. وهذا الشطر تقول فيه: “والدنا عبدالناصر”. كما استبدلت كلمة “هذا خطاب” بكلمتي: “عندي خطاب”.
    هذه التعديلات نفسها.. لفتت أنظار الصحفيين الذين تابعوا لحن القصيدة - وقد كتبوا عن ذلك في حينه. فنشرت إحدى الصحف اليومية في يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1970 تحت عنوان: أم كلثوم تختزل قصيدة نزار لتذاع في 9 دقائق.
    اختارت أم كلثوم لأغنيتها الجديدة التي كتبها الشاعر نزار قباني اسم “خطاب” بدلاً من”رسالة إلى عبدالناصر”. كما اختصرت شطراتها لتذاع في مدة لا تزيد على تسع دقائق.. وفي نفس الوقت عدلت في بعض الكلمات مثل “أدمنت هواك”.. لتصبح “يتمها هواك” وكلمة “المنابر” بدلاً من “الستائر” و”صوت كل ثائر” بدلاً من “كل طائر”.
    كما أشارت هذه الصيغة الى أن القصيدة من تلحين رياض السنباطي الذي أجرى سبع عشرة بروفة لأم كلثوم قبل أن تشدو بها.
    وشاعر الحب والنساء والحرير والشباب نزار قباني ولد في مدينة دمشق في شهر مارس عام 1922 وتخرج من كلية الحقوق، ليشغل عدداً من المناصب الدبلوماسية في العديد من بلاد العالم منها القاهرة وأنقرة ولندن. بدأ نزار مشواره مع الشعر وهو في الرابعة عشرة من عمره.. كما صدر ديوانه بعنوان “قالت لي سمراء”.. عام 1945.
    وكانت لصدوره ثورة وضجة إذ تحدث فيه بوضوح غير مسبوق عن العلاقات الخاصة بين الرجل والمرأة.
    وعندما ظهر ديوانه الثاني “طفولة نهد” نلاحظ تغييراً أساسيا وواضحاً في أسلوبه.. إذ تحول من الجنس إلى الحب - هذا اللون الجديد من الشعر تأثر به نزار قباني عن الشاعر الفرنسي “جاك بريفير”.
    وقد أتم نزار قباني نضوجه الشعري في ديوان “قصائد” إذ اتجه فيه اتجاهاً موضوعياً.. مع ما تعامل به من قضايا - من أهمها التعبير عن مأساة المرأة والجريمة.
    ورحل نزار قباني من عالمنا في 3 ابريل/نيسان عام 1998 تاركاً وراءه رصيداً كبيراً من الإنتاج الشعري ومن الكتابات الأدبية الأخرى، وذلك عن عمر يزيد على السادسة والسبعين بشهر واحد.
    الهادي آدم
    مما هو ملاحظ بشأن تعامل كوكب الشرق أم كلثوم مع شعراء القصائد العربية في العصر الحديث.. أنها كانت تلجأ كثيراً إلى تغيير كلمات وشطرات كثيرة في هذه القصائد، إلى درجة أن يلجأ أحيانا هذا الشاعر أو ذاك إلى كتابة أبيات جديدة لم تكن منشورة في ديوانه الذي يحمل هذه القصيدة! وذلك إرضاء لأم كلثوم ولملحن هذه القصائد.
    ويبدو أن ممارستها الطويلة غناء القصائد مكنها من ذلك، لدرجة قدرتها على إقناع شعرائها. بإجراء هذه التعديلات بلا أدنى اعتراض.
    ولا نستطيع أن نقول إن سبب ذلك يرجع إلى اشتياق الشاعر العربي لصوت أم كلثوم، والذي سوف تنتشر كلماته وتشتهر من خلال حنجرتها الذهبية، وجمهورها العريق، وإن كان ذلك السبب غير بعيد عن المناقشة.
    والغريب أن أم كلثوم لم تستثنِ من هذه القاعدة حتى الشعراء الكبار من أمثال الأمير عبدالله الفيصل ونزار قباني، بل والأكثر غرابة، انني أتصور أن هذا الشاعر أو ذاك بعدما يستمع لكلماته من صوت أم كلثوم يود أن يعيد نشر هذه القصيدة بالكلمات الجديدة في ديوانه الذي نشر به كلماته من قبل إجراء هذه التعديلات.
    ويعتبر الشاعر السوداني الهادي آدم من أكثر الشعراء العرب المعاصرين الذين عايشوا هذه التجربة مع أم كلثوم - عندما غنت له قصيدته “أغداً ألقاك”.
    وقد نتعجب حين نعرف أن هذا الشاعر قد اضطر إلى تغيير أبيات بأكملها بل وتغيير شطرات من أشعاره في هذه القصيدة حتى تغنيها أم كلثوم.. وقد جاء إلى القاهرة من أجل هذا الغرض بعدما اختارت كوكب الشرق إحدى قصائده وفق ما رواه الشاعر والكاتب الصحافي صالح جودت.
    ليس هذا فقط، بل إن لاختيار أم كلثوم هذه القصيدة بالذات قصة طريفة يرويها شاهد عيان.. كان حاضراً وقت الاختيار.
    ففي عام 1970 نشر الشاعر صالح جودت في إحدى مقالاته الأسبوعية يقول: إنه بعد أن غنت أم كلثوم حفلتيها في السودان في العام السابق عادت من هناك تحمل في صدرها شحنة دافئة من الحب للسودانيين وقالت لي يومئذ: إن البلاد العربية جميعها تعيش مع مصر في محنة النكسة، ولكن أعمقهم شعوراً بها هم أهل السودان.
    إن مستوى الألم في النفس السودانية هو نفس مستواه في النفس المصرية، لقد كنت أدخل بيوتهم فأحس أنني في بيتي وألتقي بهم فأشعر بأنني بين أهلي وعشيرتي.
    ثم أضاف في حديثه ما يتعلق بشأن ما غنته أم كلثوم قائلاً: وسألتني أم كلثوم كيف أستطيع أن أعلن عن حبي لأهل السودان، وقبل أن أجيبها قالت: ان أغني قصيدة لشاعر من السودان.
    وكانت تلك الرغبة وفق ما رواه صالح جودت هي الدافع الأساسي لدى أم كلثوم لكي تغني فعلاً كلمات من إحدى قصائد أحد شعراء السودان المعاصرين.
    ومن أجل ذلك كلفت صالح جودت نفسه بالبحث عن هذه القصيدة.
    وعن هذا قال: اتفقنا أن نبحث عن القصيدة المنشودة، وطفت بمكتبات القاهرة واستعنت بالأصدقاء فتجمعت لدي سبعة دواوين لسبعة شعراء، ومضيت أدرسها ثم اخترت من كل منها قصيدة تتوفر فيها الصلاحية الغنائية، وأرسلت القصائد السبع لأم كلثوم لتفاضل بينها.
    وبعد أيام سألتني أم كلثوم أيهم أفضل قلت: لقد تركت لك مهمة المفاضلة، حتى لا أكون منحازاً لشاعر دون آخر، قالت لقد اخترت واحدة منها بالفعل ولكن لن أذكرها لك حتى أعرف رأيك.. قلت: إذا كنت تصرين فإنني أفضل قصيدة الهادي آدم فهي أصلحها للغناء، قالت لخفة ظلها المعهود: برافو عليّ أنا فهذه هي القصيدة التي اخترتها بالفعل.
    ومن بعد هذا الاختيار شدت أم كلثوم فعلاً بكلمات هذه القصيدة بعد أن وضع لها الألحان المتميزة محمد عبدالوهاب.
    ولقد شدت أم كلثوم نبرة القصيدة يوم الخميس 6 مايو/ايار عام ،1971 كما سجلتها على اسطوانة لصوت القاهرة في العام نفسه.
    وكالعادة حين رجعنا إلى ديوان الشاعر السوداني الهادي آدم الذي نشرت به هذه القصيدة، وجدنا أن ما نشر بالديوان شيء وما غنته أم كلثوم شيء مختلف تماماً، حتى أنه قد خيل إليّ من أن الشاعر السوداني قد اضطر لإعادة صياغة كلمات هذه القصيدة من جديد، إرضاءً لأم كلثوم وشهرتها العريضة.
    ففي الديوان المنوه عنه والذي صدر اليه عام 1962 تحت عنوان “كوخ الأشواق” عن إحدى دور النشر السودانية بالقاهرة وجدنا أن قصيدة “أغداً ألقاك” عنوانها الأساسي هو “الغد”، وأن مطلعها هو:
    أغداً ألقاك يا لهف فؤادي من غد
    وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي
    عندئذ أدركت وعلى الفور أن هناك العشرات من التعديلات التي طلبتها أم كلثوم من هذا الشاعر الرقيق الأحاسيس.. وقد أشار صالح جودت نفسه وهو الذي يعود إليه الفضل في اختيارها إلى وجود هذه التعديلات، حيث قال: “وجاء الهادي آدم إلى القاهرة والتقى بأم كلثوم وكان معها محمد عبدالوهاب وقرأوا القصيدة مرة واثنتين وثلاثاً وعشراً وعدلوا وبدلوا وقدموا وأخروا، إلى أن استقروا على الصورة النهائية لهذه القصيدة.
    ولقد بقيت في أدراج أم كلثوم نحو عام قبل أن تشدو بها.
    ومما تجدر الإشارة اليه أن كم التعديلات التي اجريت على كلمات هذه القصيدة كبير لدرجة لم نعهدها في غيرها من القصائد التي تغنت بها أم كلثوم.
    وأول هذه التعديلات كما سبق وذكرنا كان في عنوان القصيدة نفسها ثم شمل بعد ذلك الأبيات والكثير من كلمات هذه الأبيات.
    ففي البيت الأول استبدلت أم كلثوم كلمة “يا خوف”.. بدلاً من “يا لهف”، كما غيرت الشطر الثاني من البيت نفسه بحيث أصبح يقول:
    يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
    بدلاً من: وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي.
    كما أهملت أم كلثوم ثلاثة أبيات من هذه القصيدة وقد نشروا بالديوان على هيئة شطرات منفصلة.. وهي التي يقول فيها الشاعر:
    أم بطرف خاشع اللمح كليل مجهد
    لست أدري كيف ألقاك ولكن صدى
    ظامئ أرهقه البين وطول الأمد
    ووفقاً للترتيب العام للأبيات في القصيدة المنشورة بالديوان. فقد بدلت أم كلثوم في مواقع بعض هذه الأبيات، مثال ذلك أنها قدمت الأبيات التي يقول مطلعها: آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقتراباً
    على الأبيات التي في مطلعها: “أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني”.
    وتزامن ذلك مع التعديل الذي أدخلته أم كلثوم على بعض كلمات هذه الأبيات.. فنراها قد اختارت كلمات: “آه كم أخشى”.. بدلاً من “أنا أخشى” وكذلك: “وأهلت فرحة القرب به” بدلاً من و”توالت الدهشة القرب” و كلمة احتمل بدلا من “استبطن”.
    كما شهد الجزء الأخير من هذه القصيدة تغييرات كثيرة سواء في الكلمات أو في إضافة أبيات جديدة كتبها الهادي آدم وهي ليست موجودة أصلاً في قصيدته المنشورة بالديوان المنوه إليه.
    ففي الأبيات التي تقول فيها: هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر،، كانت في الأصل: “هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر”. كما غيرت في البيت الثاني كلمات “عيون أنت فيها البصر”!
    والملاحظة الواجب الإشارة إليها هي أن الشاعر السوداني، قد اضطر بالنسبة للجزء الأخير من هذه القصيدة إلى إعادة صياغته بالكامل، حتى تقبل أم كلثوم أن تشدو بها، ولك عزيزي القارئ أن تقارن بين ما كتبه هذا الشاعر وبين ما غنته أم كلثوم إذا ما رجعت لما نشير إليه حالاً بشأن ما كتبه وما نشره في ديوانه “كوخ الأشواق” والكلمات التي كتبها الهادي آدم في هذا الديوان تقول:
    يا رجائي أنا وحدي أدنى منك الرجاء
    أنا لولا أنت لم أحفل بمن راح وجاء
    فغداً لا نعرف الغيب ولا ماض تولى
    وغداً لا يعرف القلب لهذين محلا
    وغداً تصطخب الجنة أنهاراً وظلا
    وأحييك ولكن بفؤادي ليس إلا
    إنه ولا شك مجهود كبير بذله الشاعر الهادي آدم حتى تصل كلماته إلى صوت وحنجرة كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك إلى آذان الملايين من عشاقها، كما كتبت له في الوقت نفسه شهادة بقاء في عالم الشهرة وعالم قصائد الشعر.
    ومن أجل ذلك رأينا أن نقدم له باقة كلمات. قد سطر بعضها عن نفسه، واستكملها البعض الآخر..
    ولقد استهل ما كتبه هو نفسه في مقدمة ديوانه. “كوخ الأشواق” بقوله: “لعل من أصعب الأشياء أن يقدم المرء نفسه بنفسه.. ولكن لا يقل عن ذلك حرجاً أن يدع غيره يحدثه عن خلجات نفسه، وقد اخترت الأولى على الثانية، ولي من الأصدقاء الأجلاء من يشرفني أن يقدموا شعري للناس فما عساي أن أقول..”.
    ومن أهم ما قيل من معلومات عن هذا الشاعر.. ان اسمه بالكامل هو الهادي آدم الهادي، ولد بقرية الهلالية عام 1927 ثم التحق بمعهد أم درمان العلمي. وبعد تخرجه عمل في الصحافة السودانية.. ثم أرسل في بعثة دراسية إلى مصر حصل فيها على الليسانس من كلية دار العلوم.. كما حصل على دبلوم في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس. وعمل كذلك مدرساً في وزارة المعارف السودانية.. وله عدة مؤلفات في مجال المسرح والشعر.

    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-09-2004, 09:19 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    شعراء أم كلثوم ... ( 4 )
    قصائد باكثير تجعل فيلم "سلامة" تحفة فنية




    * مسيرة كوكب الشرق مع الكلمة تمتد إلى الدول الإسلامية

    * عبدالوهاب يطرب لرائعة جرداق ويهديها إلى أم كلثوم



    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    كان في تصور أم كلثوم أن تجمع الشعوب العربية والإسلامية على لسان رجل واحد.. من خلال ما تشدو به من كلمات كتبها أصحابها من المحيط إلى الخليج ليس هذا فقط، بل لقد امتدت اختياراتها الموفقة كي تزحف ناحية بعض شعراء الدول الإسلامية مثل الشاعر الباكستاني محمد إقبال، ومواصلة المسيرة نحو كلمات شعراء أم كلثوم والعيش مع بقية هؤلاء الشعراء سوف يوضح لنا ذلك وأكثر.
    والحكاية تبدأ مع شاعر اليمن علي أحمد باكثير ثم كل من أحمد العدواني وجورج جرداق ومحمد إقبال.
    علي أحمد باكثير
    لأول وهلة كنت أتصور أن شاعرنا الراحل الكبير علي أحمد باكثير، والذي تغنت بكلماته سيدة القصيدة العربية أم كلثوم، ليس عربي الأصل، وذلك لكثرة ما تردد بشأن هذا الأصل، نظراً لارتباطه بمولده خارج الوطن العربي، حيث ولد في إحدى مدن إندونيسيا.
    ولكن وبإجماع المصادر قديمها وجديدها اتضح أن باكثير الذي عرفناه كاتباً مسرحياً وروائياً، إنما هو شاعر عربي كبير من اليمن، رحلت أسرته من مدينة حضرموت من أجل التجارة، واستقرت لسنوات بعينها.. ولد خلالها في إحدى مدن إندونيسيا.
    ورغم أن علي أحمد باكثير ولد فعلاً بمدينة “سور أبايا” الإندونيسية إلا أن ولاءه وثقافته وفكره وإنتاجه ظلت مرتبطة بالعالم العربي وببلاد اليمن السعيد، بل إن هناك من المصادر التي تؤكد أن علي باكثير قد ولد في مدينة حضرموت، ثم رحل مع إسرته إلى موطنه الجديد بإندونيسيا.
    ولقد شاء حظ هذا الأديب العربي البارع أن ينضم إلى قافلة الشعراء العرب الذين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم، بل وكانت قصته المشهورة “سلامة القس”.. هي أحد أفلام سيدة الغناء العربي الذي مثلته في عام ،1944 وهو الفيلم الذي غنت فيه سبع قصائد عربية، بالإضافة إلى كلمات علي أحمد باكثير نفسه والتي قال فيها:
    قالوا أحب القس.. سلامة
    وهو التقي الورع الطاهر
    كأنما لم يدر طعم الهوى
    والحب إلا الرجل الفاجر
    يا قوم إني بشر مثلكم
    وفاطري ربكم الفاطر
    لي كبد تهفو كأكبادكم
    ولي فؤاد مثلكم شاعر
    وقد غيرت أم كلثوم في بعض كلمات هذه الأبيات بما يتفق مع الألحان التي وضعها الموسيقار رياض السنباطي، ومن هذه التعديلات ما جاء في البيت الأول.. إذ غيرت أم كلثوم كلمة “الناسك” واختارت بدلاً منها كلمة: “الورع”.. كذلك غيرت في كلمات البيت الثاني.. فأصبح:
    كأنما لم يدر قبلي الهوى
    إلا الغوي الفاتك الفاجر
    وعلى الرغم من قلة ما غنته أم كلثوم للشاعر والأديب اليمني علي أحمد باكثير، فإنها ما زالت تحظى باهتمام قطاع عريض من المستمعين من عشاق صوت وفن أم كلثوم، وربما يرجع السبب في ذلك الى أنها ارتبطت بأحد أدوارها السينمائية المشهورة.
    ولذلك كان لزاماً علينا ضرورة البحث في شأن هذه الأبيات وبيان موقعها من إنتاج علي أحمد باكثير سواء ما نشر له في بعض الدواوين أو في أعماله الأدبية الأخرى.
    ولقد كانت مفاجأة ان أعثر على هذه الأبيات ليس في ديوان شعر، ولكن في أحد أعماله الروائية التي صدرت في عام 1944 تحت عنوان: سلامة القس.. هذه الرواية التي نشرتها لجنة النشر للجامعيين بعد فوزها بإحدى الجوائز الأدبية وهي جائزة “قوت القلوب”.
    وكما جاء على غلاف هذه الرواية، بل والأكثر مفاجأة أن هذه الأبيات كتبها الشاعر علي أحمد باكثير على لسان بطل الرواية عبدالرحمن بن عمار وأخذت ترددها سلامة بعدما وضعت لها الألحان، حتى خيل إلينا أن الشاعر باكثير قد نقلها عن آخرين، لكي توافق أحداث روايته الدرامية التاريخية. ولكن اتضح لنا عكس ذلك أيضاً. إذ عثرنا على بعض الأدلة التي تثبت أن هذه الأبيات هي من تأليف علي أحمد باكثير نفسه.
    ولعلنا هنا ننقل جزءاً من الحوار الذي دار بشأن هذه الأبيات.. في الرواية التي كتبها علي أحمد باكثير ونقلها إلى السينما بنفس أحداثها تقريباً.
    “طفق عبدالرحمن يبكي وهو يمسح دموعه.. “حسبك يا سلامة حسبك”. لكأني والله لم أقل هذه الأبيات، لقد كسوتها بتلحينك روحاً لم تكن، فقالت سلامة: إما أعجبني شعرك فألمني هذا التلحين”.
    وبطبيعة الحال فإن هذا اللحن لم تأخذ به أم كلثوم. بل عهدت به الى موسيقارها المفضل آنذاك رياض السنباطي. وقد أبدع في تلحينها إبداعه في غيرها من القصائد.
    وفيما يتعلق بتأليف علي أحمد باكثير لهذه الأبيات.. وسبب استعانته بالشعر في سياق أحداث أعماله الروائية. يقول الدكتور عبده بدوي محللاً هذه الظاهرة: “إن إنتاجه الغزير يؤكد أن شكل القصيدة الغنائية بصفة خاصة كان أثيراً عنده، وأنه كان من خلاله يقول الكثير، بل إنه في أعماله النثرية كان ينتهز الفرصة ليضع الشعر على لسان أبطاله”.
    وما أكثر ما تظهر شخصية الشاعر في العديد من أعماله، وهو يضعها في الغالب في دائرة الحق والنور، وقليلاً ما يضعها في دائرة التآمر والإدانة.
    وولد علي أحمد باكثير في عام 1910 بمدينة “سورا بايا” بإندونيسيا.. ولكن سرعان ما عاد إلى بلدته حضرموت باليمن وذلك كعادة أهل حضرموت في إرسال أبنائهم إلى موطنهم الأصلي وهم صغار ليعايشوا في بلادهم لغة وعادات هذا الوطن.
    وفي حضرموت موطن والديه عاش في مناخ إسلامي أسهم في إقباله على حفظ القرآن الكريم، والاطلاع على العديد من كتب التراث.
    وفي هذا الجو وجد نفسه يدندن بالشعر مبكراً، فحاول دخول عالمه الساحر العجيب، وكانت مشكلات مجتمعه آنذاك هي المجال الخصب لأشعاره المبكرة. وكذلك تأثر في تلك الفترة من حياته بالشاعرين العربيين الكبيرين المتنبي وشوقي. وهناك من المصادر التي روت بعض لمحات من حياته ما يؤكد أن علي أحمد باكثير عاد من جديد إلى موطن والديه الجديد في إندونيسيا، حيث راح ينمي مواهبه فأتم حفظ القرآن الكريم وأتقن اللغة الإنجليزية حتى تفوق فيها، كما تزوج هناك، وعاش حياة أسرية سعيدة مع شريكة حياته، ولكن القدر فجعه فيها فلم يعد يطيق العيش من دونها، فرحل إلى الحجاز في عام ،1932 وطاف في طريقه إليها باليمن والحبشة والصومال.
    وفي الطائف أقام فترة هناك مارس فيها هوايته الأدبية فكان من نتاجها الأول مسرحياته “همام في بلاد الأحقاف”.
    وفي عام 1934 رحل إلى القاهرة والتحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية.
    وفي مدينة القاهرة توهجت مواهبه الأدبية حتى صارت له مكانته المرموقة في أوساطها الأدبية، خاصة عندما ترجم مسرحية شكسبير “روميو وجولييت”، وكانت تلك أولى خطواته في الشعر المرسل.
    ومما يروى في سيرة حياته أنه عمل بالتدريس في مدرسة الرشاد الثانوية بالمنصورة عام 1940.. وفي عام 1955 ترك التدريس وعمل بوزارة الثقافة، وكان آخر مناصبه الوظيفية مدير المكتب الفني للرقابة على المصنفات الفنية حتى توفاه الله في العاشر من شهر نوفمبر عام 1969. ولقد أطلق عليه النقاد لقب أديب العروبة والإسلام، ولعل أشهر أعماله الأدبية في هذا السياق روايته “واإسلاماه”. ومن أشهر سمات أعماله الأدبية أنه كان يستهلها جميعاً بآيات الذكر الحكيم.
    أحمد العدواني
    لو أننا استعرضنا سوياً وأمامنا خريطة ملونة للعالم العربي وذلك لتحديد موقع كل دولة عربية من الدول التي اختارت أم كلثوم منها شعراءها، لاكتشفنا حقيقة في غاية الأهمية، مؤداها أن سيدة القصيدة العربية حققت ما نسميه بالوحدة الفنية والأدبية بين شعوب هذه الدول.
    إضافة لما حققته على مدى مشوارها الفني الطويل من وحدة من نوع خاص بين أبناء هذه الدول الذين كانوا يجتمعون أمام صوتها ليلة كل خميس من أول كل شهر.
    مما يعني أن هذه الفنانة العظيمة كانت بالفعل غير مسبوقة لا في عصرها ولا في العصور التالية، إذ كان هدفها الأول هو خلق نوع من التوافق في الذوق والمشاعر والأحاسيس بين أبناء الوطن الواحد مستخدمة في ذلك أدوات لم يفطن إليها غيرها.
    وإذا ما نظرنا في هذا السياق لاختيارها لكلمات شاعر الكويت الكبير أحمد العدواني، سوف نضع أيدينا على بعض هذه الأدوات، والتي كان في مقدمتها المشاركة في المشاعر الوطنية للبلاد العربية ليس فقط برسائل التهاني وباقات الورود.. بل بترديد كلمات تعبر عن نبض هذا الشعب أو ذاك.
    وتجربتها الحيوية مع كلمات الشاعر أحمد العدواني، تثبت ذلك وأكثر، إذ بادرت أم كلثوم من تلقاء نفسها بطلب كلمات لأحد شعراء دولة الكويت لكي تتغنى بها لمشاركة هذا البلد العربي الشقيق في الاحتفال بعيد استقلاله الأول، وهكذا خلقت تجربتها مع كلمات الشاعر أحمد العدواني في عام 1960 وقصيدته الأولى “يا دارنا يا دار”.
    ولقد نشر الشاعر الكويتي أحمد العدواني هذه القصيدة في أحد دواوينه والتي صدرت مؤخراً ضمن أعماله الأدبية الكاملة من بعد رحيله. ولاحظنا فيها كذلك وجود بعض التعديلات التي أدخلتها أم كلثوم حتى تتوافق مع الألحان.
    وفي عام 1966 كررت أم كلثوم تجربة غناء إحدى قصائد الشاعر الكويتي العدواني، وهي أيضا أغنية وطنية سجلتها لإذاعة الكويت في العام نفسه، وهي بعنوان: أرض الجدود.
    ويقول مطلعها:
    شدا لك المجد وغنى الظفر
    فاختال بدو وتباهى حضر
    أرض الجدود والليالي سير
    ما أشرقت إلا عليك الدير
    قالوا الكويت قلت هذا كوكب
    تهفو له النجوم حين تنظر
    وبالرجوع إلى الديوان الذي نشرت به هذه القصيدة تبين أن ما شهدته من تعديلات يعد طفيفاً جداً بالقياس لما شهدته القصيدة السابقة. ولا نعرف السبب وراء ذلك.
    وقد يكون لتدخل الشاعر هذه المرة رأي في عدم الإكثار من التعديلات، حتى أن عدد أبيات هذه القصيدة تم الالتزام به من جانب أم كلثوم وجانب ملحنها رياض السنباطي، ما عدا بيت واحد فقط.. وهو البيت الذي نشره المؤلف في ديوانه وجاء ترتيبه قبل الأخير.. والذي قال فيه:
    يمر بالخطب العبوس باسماً
    كالبدر في غيب الدياجي يسفر
    وقد أهملته أم كلثوم، ربما لكلماته غير المتفائلة والتي تشير إليها بخلاف ما جاء في كل أبيات هذه القصيدة.
    وقصيدة الشاعر الكويتي أحمد العدواني تعتبر بحق من أوائل القصائد العربية لشعراء العصر الحديث التي لم يشملها تغيير كبير.هذا عن القصيدتين وما جرى لهما من تعديل.. فماذا عن الشاعر أحمد العدواني. فقد ولد في مدينة الكويت، وفيها تلقى تعليمه الأول، ثم انتقل إلى مصر والتحق بالأزهر الشريف في عام ،1939 ثم عاد مرة أخرى إلى الكويت بعد إتمام دراسته بالأزهر في عام ،1949 وهناك اشتغل بالتدريس في المدرسة القبلية ثم مدرسة ثانوية الشويخ، والتي ظل يعمل بها حتى عام 1956.. إذ نُقل إلى وظيفة السكرتير العام لإدارة المعارف بالكويت.
    وعندما استقلت دولة الكويت صدر مرسوم أميري بترقية الشاعر العدواني إلى وكيل مساعد إدارة التربية، وقد ظل بهذا المنصب حتى عام ،1965 حيث نقل بعدها إلى وزارة الإعلام.
    شارك الشاعر الكويتي طوال مشوار حياته في تدريس اللغة العربية لسنوات عديدة.. كما شارك في تأليف عدة كتب مدرسية. وبانتقاله إلى وزارة المعارف ثم إلى وزارة الإرشاد بدأت مرحلة جديدة في حياته خاصة الثقافية والأدبية. أما عن دوره في حركة الشعر العربي، فيقول عنه صدقي خطاب الذي أعد دراسة مهمة عن مسيرة الشاعر الكويتي الأدبية.. ان أهم أعماله الأدبية هي ديوان شعر “أجنحة عاصفة” والذي صدر في عام 1980 ونشر به كل أشعاره التي ألفها ما بين عامي 1946 و1960. وتوفي العدواني في عام 1990.
    جورج جرداق
    بعد طول بحث استغرق أياماً وأسابيع وشهوراً، عن أصل قصيدة “هذه ليلتي” والتي شدت بها أم كلثوم في عام ،1968 للشاعر اللبناني جورج جرداق، لم نوفق في العثور على الأصل في كل ما كتبه ونشره هذا الشاعر على مدى حياته كلها سواء الأدبية أو الصحافية.
    مما جعلني أعيد البحث بكل ما أوتيت من قوة وصبر، لأجل الوصول إلى الشاعر نفسه والذي يعيش بيننا، ولكن على بعد آلاف الأميال.
    ولم يكن أمامي من وسيلة مضمونة للوصول إلى ما أبغيه سوى السفر إلى لبنان للقاء جورج جرداق، أو الاتصال بمنزله تليفونياً.
    لقد لعب الحظ دوره الكبير في العثور فعلاً على رقم هاتفه الشخصي في مدينة بيروت، وبالفعل جربت هذه الوسيلة حيث جاء صوته عبر الهاتف، وبعد كلمات قصيرة شملها التعارف بيننا سألته مباشرة عن الديوان الذي نشر به قصيدته “هذه ليلتي”، وكانت المفاجأة حين أخبرني أنه لم ينشرها في ديوانه، أو في أي مكان آخر إلا عندما شدت بها أم كلثوم عام 1968.
    عندئذ سألته عن التعديلات التي طلبتها أم كلثوم آنذاك، فأخبرني بها، وقال إنها فقط في البيت الأول الذي تم تغييره بناء على رغبة كوكب الشرق أم كلثوم.
    وانتهت المكالمة التليفونية.. وعرفت بالفعل الكلمات التي أجريت عليها التعديلات، ولسوف أسوقها.. بعدما نعرف.. كيف تم اللقاء بين هذا الشاعر وأم كلثوم.
    في عام 1968 وفي شهر ديسمبر/كانون الثاني بالتحديد، وفي الحفل الذي أقامته سيدة القصيدة العربية يوم 6 ديسمبر.. طلت علينا أم كلثوم برائعة جورج جرداق “هذه ليلتي” التي وضع لها الألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب.
    و قيل آنذاك إن هذه القصيدة عرضها محمد عبدالوهاب على أم كلثوم في صيف عام 1967..
    ولكن نظراً لوقوع نكسة يوليو في العام نفسه ظلت حبيسة الأدراج حتى نهاية عام ،1968 وفي الفترة التي سبقت الإعداد لهذه الأغنية، طلعت علينا صحف تلك الأيام بتفاصيل كثيرة عن القصيدة ومؤلفها والظروف التي تمت خلالها لقاءات الشاعر بأم كلثوم.. فقد كتب الناقد الفني آنذاك “محمد وجدي قنديل” في مجلة آخر ساعة رداً على سؤال طرحه هو نفسه عن كيفية اختيار أم كلثوم لهذه القصيدة: “والقصة لها جذور أخرى تمتد إلى صيف عام 1967 عندما كان عبدالوهاب.. في لبنان، وكان يبحث عن شيء جديد يغنيه بصوته والتقطت إذنه المرهفة كلمات ناعمة ورقيقة يرددها صديقه الشاعر اللبناني جورج جرداق، وكعادته حينما يستوقف حاسته الموسيقية كلمة أو نغم، فقد طلب من صديقه أن يكرر تلك الكلمات وهو يهز رأسه في إعجاب وشجن”.
    وقد أكد جورج جرداق ذلك في أكثر من حديث صحافي أجرى معه في الفترة نفسها، حيث قال رداً على سؤال: كيف أعجب عبدالوهاب بقصيدتك، فقال: طلب عبدالوهاب قصيدة يلحنها لكوكب الشرق، وكنا نجلس في لبنان على شرفة “إمباسادور”.. أمام وادي لامارتين الشاعر الفرنسي المشهور، وأخذت أدندن بأبيات “هذه ليلتي” فقال لي: كمان يا حبيبي كمان، ثم حدث بعدها أكثر من لقاء ثلاثي بيني وبين أم كلثوم وعبدالوهاب..”.
    هذا عن ظروف اللقاء الذي تم فعلاً بين الشاعر وأم كلثوم بواسطة محمد عبدالوهاب.. فماذا عن القصيدة التي يقول مطلعها:
    هذه ليلتي وحلم حياتي
    بين ماض من الزمان وآت
    الهوى أنت كله والأماني
    فاملأ الكأس بالغرام وهات
    بعد حين يبدل الحب داراً
    والعصافير تهجر الأوكارا
    فقد أجرى الشاعر جورج جرداق على كلمات القصيدة كما أخبرنا في الاتصال الهاتفي تعديلا في البيت الأول، والذي كان يقول فيه:
    هذه ليلتي.. وهذا العود
    بُث فيه سحر ذاود
    ليصبح بعد التعديل:
    هذه ليلتي.. وحلم حياتي
    بين ماض من الزمان وآت
    وكانت الصحف في ذلك الوقت قد أشارت إلى إجراء جورج جرداق هذا التعديل دون أن تشير إليه، نظراً لحرص الشاعر عن عدم الإفصاح عنه. ومما ذكرته هذه الصحف أن أم كلثوم قد أبدت بعض ملاحظاتها من وجهة نظرها على بعض كلمات القصيدة بعد أن عرضها عليها محمد عبدالوهاب.
    مما جعله يتصل بالشاعر جورج جرداق في بيروت لكي يحضر إلى القاهرة، لإجراء التعديلات المطلوبة.
    ومما جاء في هذه الموسوعة عن الشاعر اللبناني: أن اسمه بالكامل جورج سمعان جرداق.. من مواليد عام 1931 في مرجعيون.. التي درس بها اللغتين العربية والفرنسية ثم انتقل إلى بيروت ليكمل دراسته في الكلية البطريركية.
    وقد عمل بعد تخرجه في سلك التعليم ثم في الصحافة، كما كتب ألواناً عديدة من الأدب، منها المسرح والقصة. كما كتب أكثر من 50 قصيدة تغنى بها كبار المطربين والمطربات.
    ومن أهم أعماله الشعرية: ديوان أنا شرقية بوهيمية آلهة الأولمبا وقصائد حب.. كما نشرت له عدة أعمال أدبية وفكرية أخرى من أهمها: كتابه عليّ وحقوق الإنسان والعرب والإسلام في الشعر الأوروبي، كما أن له عدة دراسات كتبت بالفارسية والعربية.
    محمد إقبال
    رغم أن إقدام أم كلثوم على غناء كلمات من قصيدتين كبيرتين للشاعر الباكستاني محمد إقبال، جاء تكريماً له في الاحتفال الذي أقامته بلاده في ذكراه عام ،1967 إلا أن قيام أم كلثوم بتلك الخطوة يعد في حد ذاته إتمام للخطوات التالية التي خطتها بفهم عميق، خاصة في مجال القصائد العربية.
    هذه الخطوة المهمة التي تمثلت في واقع الأمر في فتح باب التعامل بالنسبة لصوتها مع شعراء من خارج البلدان العربية، وكان الفيلسوف الباكستاني محمد اقبال على رأس هؤلاء الشعراء الذين تعاملت مع كلماتهم أم كلثوم في هذا السياق في العصر الحديث. حيث لم تكن هذه هي التجربة الأولى لكوكب الشرق بل سبقتها تجربة أخرى في مجال شعر التراث.
    إذ تغنت بكلمات إحدى قصائد الشاعر الفارسي المشهور عمر الخيام بعد ترجمتها إلى العربية.
    لكن من أهم ما لاحظناه هنا هو أن أم كلثوم قد احتفظت باسم الشاعر الفارسي عمر الخيام مقروناً باسم المترجم وهو الشاعر أحمد رامي.
    أما في حالة محمد إقبال احتفظت أم كلثوم فقط باسم المؤلف الأصلي لما تغنت به وأهملت اسم المترجم، وقد كتبت الأولى بالفارسية والثانية بالأوربية.
    وجاء هذا الاكتشاف مواكباً لرجوعنا إلى كل كتب محمد إقبال سواء أعماله الكاملة أو المنقولة من مختارات مترجمة إلى اللغة العربية.
    ففي كتاب “ديوان إقبال”، والذي صدر بمناسبة الاحتفال بذكرى رحيله، عثرنا على القصيدتين اللتين اختارت منهما أم كلثوم كلمات اغنيتها “حديث الروح” وقد أعد هذا الكتاب مترجماً إلى العربية الأديب “الصاوي شعلان”.
    ولقد رأينا من قبل الإفصاح عن المزيد من هذه المفارقات ضرورة اتباع نفس منهجنا السابق والذي يلزمنا أولاً بالحديث عن اغنية أم كلثوم، ثم مضاهاة كلمات هذه الأغنية بما كتبه ونشره الشاعر في ديوانه.
    ففي أول حفل غنائي تقيمه أم كلثوم من بعد وفاة الملحن الكبير محمد القصبجي وفي 7 ابريل/نيسان من عام ،1967 غنت كوكب الشرق قصيدة “حديث الروح” للشاعر الباكستاني الفيلسوف الدكتور محمد إقبال، وهي مكونة من سبعة مقاطع كبيرة، وكل مقطع منها تتراوح أبياته ما بين أربعة وخمسة أبيات.
    وتقول القصيدة في مطلعها:
    حديث الروح للأرواح يسري
    وتدركه القلوب بلا عناء
    هتفت به فطار بلا جناح
    وشق أنينه صدر القضاء
    وقد اختارتها أم كلثوم من قصيدتين نشرهما الشاعر محمد إقبال في ديوانه “صلصلة الجرس”.. نشرتها تحت عنوان “شكوت إلى الله”، وأجرت عليها العديد من التعديلات على خلاف ما كتبه الشاعر، حيث أهملت خمسة مقاطع منها، ومن المقطع السادس اختارت ثلاثة أبيات فقط وهي التي تقول في بدايتها:
    إذا الإيمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
    وقد وضعت أبيات هذا المقطع وفق الترتيب العام لما غنته في المقطع قبل الأخير.
    هذا بالنسبة لما حدث للقصيدة الأولى، أما القصيدة الثانية التي نشرت بالديوان تحت عنوان “الشكوى إلى الله”، فقد اختارت منها أم كلثوم عدة أبيات ضمنتها عدة مقاطع.
    لكن الملاحظ في هذا الجزء أنها حافظت على الترتيب العام الذي ارتضاه الشاعر، مع إضافة بعض التعديلات التي أدخلتها على الكلمات حتى تتوافق مع الألحان.
    والشاعر محمد إقبال يعد من شعراء الإسلام المعاصرين وقد تحدث عن مشوار حياته العديد من المؤرخين والنقاد وأساتذة الجامعات سواء في مصر أو في غيرها، وقد أفردوا له ولحياته الصفحات الكثيرة.. حتى ان أستاذاً جامعياً متخصصا في الفلسفة الحديثة كتب عنه فصلاً كاملاً باعتباره أحد رواد العقل والتنوير في الفكر العربي والإسلامي الحديث، حيث قال عنه الدكتور عاطف العراقي: لقد بحث محمد إقبال في العديد من القضايا الفكرية والأدبية والفنية، ويمكننا القول إن فكر محمد إقبال يعد من نوع الفكر المفتوح وليس من طراز الفكر المغلق الجامد.. لقد وضع لنفسه وللمسلمين فلسفة أخذها من صميم عقيدته، ولكن على أساس النظر إلى القصيدة من خلال العمل والسلوك.
    ولد الشاعر والفيلسوف الدكتور محمد إقبال في عام 1873 في “سيالكوت” بالبنجاب.. من أسرة برهمية الأصل اعتنقت الإسلام منذ ثلاثة قرون وهاجرت من موطنها كشمير واتخذت من إقليم البنجاب وطناً جديداً استقرت فيه.
    ولقد بدأ إقبال مراحل تعليمه الأولى فبدت عليه آفاق النبوغ وسمات الذكاء فكان يتفوق على زملائه آنذاك، ويفوز بالجوائز العلمية في كلية الحكومة “لاهور” حيث تلقى هناك تعليمه مبادئ الفلسفة، وما ان أتم تعليمه في هذه الكلية حتى اختير لتدريس الفلسفة بها.
    وأما الشعر فقد بدأ إقبال ينشده في سن مبكرة. وله عدة مؤلفات في العديد من مجالات الفكر والأدب.


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-09-2004, 09:21 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    Al Khaleej Arabic news paper ....

    شعراء أم كلثوم ... ( 5 )
    "أطلال" إبراهيم ناجي تخلد قصة حب عاثر
    كوكب الشرق تشدو بروائع فرسان الفصحى

    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد. ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية. والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    قصيدة حافظ ابراهيم لسان حال ضباط الثورة

    حنفي المحلاوي

    تدخل أم كلثوم مرحلة جديدة من مراحل تألقها مع الشعر العربي، خاصة الشعر العربي الحديث، ومن رواده أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعزيز أباظة وإبراهيم ناجي وآخرون.
    وبنظرة سريعة لعدد الشعراء الذين تعاملت مع كلماتهم كوكب الشرق أم كلثوم طوال مشوارها الفني نجد أن هذا العدد يصل إلى أكثر من ثلاثة عشر شاعراً، تغنت قصائدهم، مما أدى إلى ظهور جيل من محبي أم كلثوم يعشق الكلمة المكتوبة شعراً بالفصحى، ويوقر هؤلاء الشعراء الذين كانت ستظل كلمات أشعارهم حبيسة الدواوين لولا صوت كوكب الشرق.

    أحمد شوقي
    عجيب أمر هذه الفنانة العظيمة، التي تعرفت الى أمير الشعراء أحمد شوقي، بل وقابلته مرتين.. وهو الذي مدحها في إحدى قصائده، ومع ذلك لم تشد بكلماته إلا بعد رحيله. ولا شك أن ذلك كانت له أسباب في حينه، على الأقل لوجود منافسها الشرس الموسيقار محمد عبدالوهاب داخل عقل وقلب أمير الشعراء.
    ونقولها كلمة حق في شأن سيدة القصيدة العربية وأمير الشعراء أحمد شوقي أنه على الرغم من شهرة ذلك الأمير، في مجال الشعر والمسرح الشعري ورغم ترويج محمد عبدالوهاب لبعض أشعاره إلا أن ذكراه تتجدد في كل حين، عندما ينطلق صوت أم كلثوم بقصائده الخالدة.
    وتعالوا معنا نبدأ الحكاية من أولها.. هذه البداية أثرنا أن تكون على لسان أم كلثوم نفسها.. والتي قالت عن أمير الشعراء: “التقيت أحمد شوقي في أواخر أيامه.. وكانت أول مرة رأيته فيها في محل سولت في شارع فؤاد القديم بجانب شكوريل، وكان معه محمود فهمي النقراشي باشا، والدكتور محجوب ثابت. وقد دعاني إلى الغناء في الفيلا التي كان يسكنها على النيل حاملة اسم “كرمة بن هانئ”. فذهبت مع أبي وأخي وغنيت ليلتها كما لم أغن من قبل ورأيته يتمايل طرباً ولكنه كان يقطع النشوة التي هو فيها فيختفي لدقائق ثم يعود إلينا ساهماً ولم أكن أدري لماذا اختفى، فهمس أبي في اذني: إنه إلهام الشعر يجيئه فيقوم ليدون شيئاً ثم يعود”.
    وتأكيداً على ما سبق وذكرناه.. رغم هذه العلاقة. بأن أم كلثوم لم تغن له إلا بعد رحيله.. قالت أم كوكب الشرق: “لم أغن له إلا بعد موته عدة قصائد”.
    وبالرجوع إلى سجل ما غنته أم كلثوم عن أحمد شوقي بالذات اتضح لنا أن عدد القصائد التي شدت بها سيدة القصيدة العربية من كلمات أمير الشعراء بلغت عشر قصائد هي بالترتيب: الملك بين يديك في عام ،1936 وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات غنت ست قصائد هي: ولد الهدى وفي الأرض شر مقاديره من قصيدة السودان وريم على القاع من قصيدة نهج البردة وسلوا قلبي وسلوا كؤوس الطلا، ثم أتعجل العمر.
    وفي عام 1949 غنت أم كلثوم “من أي عهد في القرى تتدفق” من قصيدة النيل، وفي عام 1954 غنت له: بأبي ورحمي الناعمات، ثم اختتمت هذه الرحلة مع أمير الشعراء في عام 1969 حين تغنت بقصيدة “إلى عرفات الله”. وللشرف الكبير الذي ناله الموسيقار رياض السنباطي، فقد سمحت له أم كلثوم بأن ينفرد وحده وعلى غير عادتها.. بتلحين كل قصائد أحمد شوقي.. مما يدلل على تميز هذا الفنان العبقري وتفرده في تلحين القصائد الصعبة. ومما لاحظناه بعد ما رجعنا إلى مدونات أمير الشعراء سواء في شوقياته المعلومة أو المجهولة لمراجعة ومضاهاة كلماته مع ما غنته أم كلثوم.. أن هذه المطربة العظيمة ولأول مرة مع أحد الشعراء المعاصرين لا تلجأ كثيراً إلى تبديل أو تعديل كلمات الأبيات التي كتبها الشاعر، إلا في حدود ضيقة جداً. وإن كانت قد سمحت لنفسها بانتقاء بعض الأبيات واختيار أبيات دون غيرها نظراً لطول قصائد أحمد شوقي وصعوبة فهم كلمات بعض هذه الأبيات.
    وكانت قصيدة “عيد الدهر” من أوائل ما غنته أم كلثوم وجاء في مطلعها:
    الملك بين يديك في إقباله
    عوذت ملكك بالنبي وآله
    والتي نشرها أمير الشعراء شوقي في الجزء الأول من الشوقيات تحت عنوان “عيد الدهر وليلة القدر”.. وعدد أبياتها 57 بيتاً. وتعتبر ثاني أغنية لأم كلثوم تغنيها تحية للملك فاروق.. وإن كانت تعتبر أول قصيدة في الترتيب العام لكل أغانيها المعلن عنها إذ غنتها بمناسبة توليه سلطاته الدستورية في عام 1936.
    وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات.. أي في عام 1946 غنت أم كلثوم لأمير الشعراء شوقي خمس قصائد دفعة واحدة، وهي من دون ترتيب: قصيدة: “ولد الهدى”. التي نشرها أحمد شوقي في شوقياته تحت عنوان “الهمزية النبوية”. وقد اختارت منها كوكب الشرق 34 بيتاً فقط من أصل 129 بيتاً هي كل أبيات القصيدة.
    وقصيدة: “سلوا كؤوس الطلا”. وهي من القصائد التي كتبها شوقي خصيصاً لتغنيها أم كلثوم. والتي قالت عنها في مذكراتها:
    في صباح اليوم التالي جاءني من يقول: إلحقي يا ست شوقي بك أمام الباب الخارجي.. فهرولت لأجده.. كان وجهه مضيئاً بابتسامة طيبة.. وقد دفع إلى بمظروف.. وهو يقول: هذه هدية متواضعة تعبر عن إعجابي.. إنها من وحيك.. وفتحت المظروف لأجد قصيدة:
    سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
    واستنجدوا الراح هل مست يداها
    ولكن لم أغن الأغنية في حياته وغنيتها بعد موته.
    وقصيدة “سلوا كؤوس الطلا” لم ينشرها شوقي في ديوان الشوقيات.. بل جمعها من بعده الدارسون ووضعوها فيما أسموه “بالشوقيات المجهولة”. كما غنت كوكب الشرق أبياتاً من قصيدة “السودان”. والتي تقول في مطلعها:
    وفي الأرض شر مقاديره
    لطيف السماء ورحمانها
    وفي عام 1949 أعادت أم كلثوم الروح من جديد لأشعار شوقي.. إذ تغنت في هذا العام بأبيات من قصيدته “النيل” والتي نشرها أمير الشعراء تحت عنوان “أيها النيل”، وعدد أبياتها 21 بيتاً في المقطع الأول، و14 في المقطع الثاني و81 في المقطع الثالث، و37 في المقطع الرابع، الى 153 بيتاً.. أما ما غنته أم كلثوم فقد بلغ 24 بيتاً فقط. ويقول مطلع القصيدة:
    في أي عهد في القرى تتدفق
    وبأي كف في المدائن تفدق
    وكالعادة اختارت كوكب الشرق 8 أبيات من المقطع الأول و9 ومن المقطع الثالث ثم اختارت من المقطع الرابع والأخير 7 أبيات فقط.
    وفي عام 1954 كررت أم كلثوم التجربة مع الشاعر أحمد شوقي فغنت له القصيدة قبل الأخيرة في سلسلة القصائد التي غنتها لشوقي والتي تقول في مطلعها:
    بأبي وروحي الناعمان الفيدا
    الباسمات عن اليتيم نضيرا
    وهي من القصائد التي لم تسجلها على اسطوانة.
    ونشرها أمير الشعراء في الشوقيات تحت عنوان: “تكريم”.. وعدد أبياتها 38 في المقطع الأول و12 في المقطع الثاني، أما ما غنته أم كلثوم فقد بلغ 16 بيتاً فقط جميعها من المقطع الأول.
    وفي عام 1965.. اختتمت أم كلثوم غناء شوقيات أمير الشعراء بالشدو بقصيدته المشهورة: “إلى عرفات”.
    وعدد أبياتها 34 في المقطع الأول، و18 في الثاني، و11 بيتاً في الثالث، أما أم كلثوم فقد غنت فقط 25 بيتاً تخيرتها جميعاً من المقاطع الثلاثة.
    والجميل في هذه القصيدة. أن كوكب الشرق قد التزمت بالأبيات السبعة الأخيرة من القصيدة التي كتبها شوقي وفق ترتيبه كختام لما تغنت به.
    وأمير الشعراء أحمد شوقي وفق ما أكده الدكتور شوقي حسنين ولد في عام 1869.. بالقاهرة.. إلا أن هناك من المؤرخين الذين اختلفوا في تاريخ ميلاده وبعضهم قال غير ذلك.. والدكتور ماهر حسن فهمي يوضح لنا سبب هذا الخلاف بقوله: اختلف مؤرخو الأدب في مولد شوقي، فجلهم ذكر أن ميلاده كان عام 1868م وجاء ذلك نقلاً عن الشوقيات القديمة حين ذكر شوقي في مقدمتها أن يحبو إلى الثلاثين، ولما كان تاريخ طبعها هو 1898م، فإن تاريخ ميلاده على هذا الأساس المذكور يكون صحيحا.. (ويقصد هنا عام 1870). ولكن كاتباً واحداً عني نفسه بتحقيق تاريخ صدور الشوقيات القديمة وهو الدكتور محمد صبري، فوجد أن التواريخ المذكورة آخر الديوان تؤرخ عام 1317ه وهو يقابل 1900م أو النصف الأول منه على وجه الدقة، ورغم ذلك تابع غيره من الكتاب وذكر أن تاريخ ميلاد شوقي هو عام 1868م.

    حافظ ابراهيم
    رغم أن سيدة القصيدة العربية أم كلثوم قد تغنت بقصيدة شاعر النيل “حافظ إبراهيم” في عام ،1951 والتي تقول في مطلعها:
    “وقف الخلق ينظرون جميعاً”. إلا أن هذه القصيدة قد ارتبطت بشدة بأهم حدث سياسي وقع لمصر خلال القرن العشرين. وهو قيام ثورة عام 1952. ويبدو أن اختيار أم كلثوم لهذه الكلمات بالذات لم يأت أو تم بشكل عشوائي، بل هداها تفكيرها وشعورها الوطني المرهف إلى أن هناك شيئاً مهماً وخطراً في الأفق، وربما يدبر له في الخفاء. خاصة بعد الأحداث الدامية في حرب فلسطين عام 1948 وما لحق بمصر والعرب من هزيمة عسكرية أمام عصابات اليهود. في هذا الوقت العصيب الذي كانت تمر فيه مصر بمرحلة تاريخية مهمة وخطرة.. شدت أم كلثوم بكلمات حافظ إبراهيم الذي يتغنى فيها بمصر وعظمتها وتاريخها الطويل والعريق. رغم ما في هذه الكلمات من تحريض صريح على الثورة واستخراج القوة، فقد سمحت سلطات الحكومة الملكية آنذاك بإذاعتها.. ويبدو أنهم لم يلتفتوا إلى مغزاها إلا في وقت متأخر.
    وعندما قامت ثورة 23 يوليو عام ،1952 اتخذ المسؤولون عن الإعلام في مجلس قيادة الثورة من كلمات هذه القصيدة سلاحاً إعلامياً خطراً للترويج لها ولأحداثها. ولكسب المزيد من المؤيدين.. إذ ظلت إذاعة القاهرة بعد الاستيلاء عليها ومنذ اللحظة الأولى لإعلان بيان الثورة الأول، تواصل إذاعة قصيدة حافظ إبراهيم بصوت أم كلثوم، مع كل بيان ثوري يذيعه أحد الضباط. ولحسن الحظ فقد فاز الموسيقار الكبير رياض السنباطي بشرف تلحين هذه القصيدة. وقد أبدع فيها إبداعاً لم يقل عن إبداعاته الموسيقية السابقة.
    ولأم كلثوم ذكريات جميلة سجلتها في أوراقها الخاصة عن هذه القصيدة وعن شاعرها حافظ إبراهيم، ومما قالته في ذلك: “مرة طلبوا مني أغنية وطنية، وقالوا لي: كلفي ما تشائين من شعراء الأغاني لتنظيم قصيدة في أسرع وقت لتغنيها في أقرب فرصة. فلما عدت إلى البيت تذكرت أنني أحفظ لشاعر النيل “حافظ إبراهيم”. قصائد رائعة وعكفت على ديوانه وانتقيت قصيدة من ديوانه ورحت اختار أبياتاً أغنيها من بين أبياتها العديدة، وقبل أن أنام وفي الرابعة صباحاً.. كنت أدندن باللحن لبيته الرائع:
    أنا إن قدر الإله مماتي
    لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
    وعندما وقفت والكلام لا يزال لأم كلثوم أغني القصيدة أحسست أنني وفيت ديناً في عنقي لشاعر لم أره ولكن من حقه عليّ أن أحمل روائعه إلى الجماهير العربية”.
    وبالفعل وفي عام 1951 غنت سيدة القصيدة العربية: قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” أمام الإذاعة ولم تسجلها على اسطوانات كالمعتاد، بل ظل التسجيل الوحيد لهذه القصيدة موجوداً بمحطة الإذاعة المصرية، حبيس الأشرطة حيث لم تذع إلا مرات بعينها. حتى قيام الثورة في عام 1952. إذ ظلت الإذاعة تبثها على كل موجاتها بين الحين والحين. وعندما رجعنا إلى ديوان حافظ إبراهيم والذي صدر في جزءين في عام 1927 وجدنا أن شاعرنا الراحل قد نشر هذه القصيدة تحت عنوان “مصر”، وقد ألقاها من قبل أن ينشرها في هذا الديوان في حفل عام أقيم تكريماً للمرحوم عدلي باشا يكن بعد عودته من أوروبا مقاطعا المفاوضات مع الإنجليز. ومستقيلاً من رئاسة الوزارة، كما نشرت هذه القصيدة ولأول مرة في الصحف في عام 1921.
    كما اتضح لنا كذلك من الاطلاع على الديوان نفسه أن عدد أبيات قصيدة “مصر” لحافظ إبراهيم والتي تغنت بها أم كلثوم تحت عنوان: “مصر تتحدث عن نفسها” 57 بيتاً.. في حين غنت منها كوكب الشرق 17 بيتا فقط. وقد اختارت أم كلثوم من هذه القصيدة وفق ترتيب حافظ إبراهيم أول ثلاثة أبيات، ثم أهملت بعد ذلك 22 بيتاً !، ثم اختارت بعد ذلك البيت الرابع في ترتيب ما تغنت به والذي يقول مطلعه:
    إن مجدي في الأوليات عريق
    ثم عادت كوكب الشرق واختارت الأبيات أرقام 11 و12 و13 و14 من القصيدة وفق ترتيب الشاعر. كما اختارت كذلك البيت رقم 30 والذي يقول مطلعه: “أتراني وقد طويت حياتي”.
    ولم تختر البيت الواحد والثلاثين وفق ترتيب القصيدة الأصلية والذي قال فيه حافظ إبراهيم:
    أي شعب أحق مني بعيش
    وارف الظل أخضر اللون رغد
    ثم عادت واختارت من القصيدة البيت الثاني والثلاثين والذي تقول في مطلعه:
    أمن العدل أنهم يريدون المال
    وكذلك اختارت البيت الثالث والثلاثين الذي يقول مطلعه:
    أمن الحق أنهم يطلقون الأسد
    كما أهملت البيت الرابع والثلاثين الذي قال فيه الشاعر:
    نصف قرن إلا قليلاً أعاني
    ما يعاني هوانه كل عبد
    واختارت بعد ذلك البيت الخامس والثلاثين والذي يقول مطلعه:
    نظر الله لي فأرشد أبنائي..
    وكذلك البيت السادس والثلاثين والذي يقول:
    “إنما الحق قوة من قوى الديان”.
    وأيضا البيت السابع والثلاثين الذي يقول مطلعه:
    قد وعدت العلا بكل أبي
    أما البيت الثامن والثلاثين الذي يقول فيه حافظ ابراهيم
    أمهروها بالروح فهي عروس
    تسنا المجد من عروض ونقد
    فلم تختره أم كلثوم وكذلك البيت التاسع والثلاثين الذي قال فيه الشاعر:
    وردوا بي مناهل العز حتى
    يخطب النجم في المجرة ودي
    إلا أنها اختارت البيت رقم 40 والذي يقول مطلعه:
    “وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق”
    ثم أهملت الأبيات من 41 إلى 48.. واختارت البيت التاسع والأربعين الذي يقول مطلعه:
    نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء
    كما اختارت البيت رقم 53 من القصيدة والذي جعلته ختاماً لما تغنت به:
    فقفوا فيه وقفة حزم
    وارموا جانبيه بعزمة المستعد
    وبذلك فقد أهملت الأبيات من 50 وحتى 52.
    أما فيما يخص بعض ما قيل بشأن حياة هذا الشاعر الكبير فيؤكد أنور الجندي في كتابه عن أعلام الفكر والأدب أن حافظ إبراهيم عاش حياته أعزب منطويا على نفسه منذ عودته من السودان، كما ظل على هذه الحالة النفسية الصعبة قرابة عشرين عاماً في دار الكتب. وقد نشأ في بيئة شعبية كما مات أبوه صغيراً.. كما اتصل هذا الشاعر الوطني الكبير برجلين كانا من كبار رجال عصره وهما محمد عبده وسعد زغلول. واستمرت صلته بالشيخ محمد عبده طويلاً.. وقد أثر عن الشيخ محمد عبده قوله: “إنني صحبت “حافظ” أربعين عاماً فلم أستطع أن أهديه ولم يستطع أن يضلني”. مات حافظ إبراهيم يوم 21 يوليو / تموز عام 1932. وله مكانة كبيرة في حياتنا الأدبية.. إذا اتصل آنذاك بأعلام الشعر في عصره من أمثال شوقي ومطران وآخرين.

    علي الجارم
    لا أعرف بالضبط من صاحب هذا الاختيار الموفق، لكلمات شاعرنا الكبير علي الجارم، لكي تشدو بها أم كلثوم. فهل يا ترى يرجع الفضل في ذلك الاختيار إلى الملحن المغمور آنذاك الدكتور أحمد صبري النجريدي الذي لعب دوراً رئيسياً في إتقان أم كلثوم غناء القصائد منذ بداية رحلتها الفنية مع مطلع العشرينات، أم يعود الفضل لأم كلثوم نفسها التي كانت قد أقبلت في تلك الفترة على غناء هذه النوعية المتميزة من كلمات شعراء مصر في العصر الحديث. وذلك تقليداً لأستاذها في الغناء الشيخ أبوالعلا محمد.
    ومهما كان المتسبب في هذا الاختيار، فإن انضمام الشاعر المصري الكبير علي الجارم إلى كوكبة الشعراء الذين تغنت بكلماتهم سيدة القصيدة العربية أم كلثوم، قد زان الاثنين. الشاعر والمطربة.
    ويبدو أن جرأة أم كلثوم في اختيارها لهذه الكلمات التي سطرها الشاعر علي الجارم ضمن إحدى قصائده، وفي هذا الوقت المبكر من مشوار حياتها قد ساهم كثيراً في استمرارها بقوة فوق هذا الطريق الصعب الذي لا يرتاده غيرها من المطربين إلا لفترات محددة فقط. ذلك لأن علي الجارم كان من أوائل الشعراء المصريين المعاصرين الذين تعاملت مع كلماتهم بذكاء شديد أم كلثوم، وقد غنت لعدة أبيات فقط من قصيدة طويلة في عام 1926.. وبألحان الملحن الطنطاوي الهاوي آنذاك الدكتور صبري النجريدي. ولقد سجلت هذه القصيدة في نفس العام على اسطوانة جرامفون.
    ويقول مطلع القصيدة التي اختارت عنوانها من كلمات البيت الأول: “مالي فتنت”:
    مالي فتنت بلحظك الفتاك
    وسلوت كل مليحة إلاك
    يسراك قد ملكت زمام صبابتي
    ومضلتي وهدا في يمناك
    وقد نشرها علي الجارم ضمن قصيدته الموجودة بديوانه المنشور في عام 1938.. والذي صدر عن مطبعة دار المعارف ومكتبها في مصر ومن قبل أن ينشرها في هذا الديوان ألقاها في حفل أدبي أقيم في عام 1916.

    عزيز أباظة
    بالرجوع إلى الإنتاج الأدبي الغزير الذي خلفه وراءه شاعرنا الكبير عزيز بك أباظه، اتضح لنا أنه يعتبر من كبار شعراء العربية في عصرنا الحديث. فهو لا يقل مكانة أو قيمة عن كل من شوقي وحافظ أو غيرهما من شعراء العربية العظام. وهذا يوضح بجلاء مدى ما اتصفت به أم كلثوم سيدة القصيدة العربية في حسن اختيارها لكلمات هؤلاء الشعراء. ولقد أجمع النقاد ومعظم المؤرخين على أن الشاعر الكبير عزيز أباظة، برع براعة غير مسبوقة إلا من أحمد شوقي أمير الشعراء في مجال الشعر التمثيلي.
    ونراه في هذا السياق قد كتب عدة مسرحيات شعرية تاريخية، هذه المسرحيات ذاتها هي التي غطت على شهرته فيما سواها من فنون الشعر الأخرى مثل كتابه القصيدة.
    وعلى الرغم من أن عزيز أباظة لم يكتب في حياته الكثير من الشعر الوطني أو القومي مثل بقية أقرانه ممن لحقوه أو سبقوه، إلا أنه قد انشغل بالوطنية في مجال المسرح الشعري، إذ استلهم معظم موضوعات هذه المسرحيات من التاريخ العربي الإسلامي.
    ثم جاءت أم كلثوم لكي تضيف لهذا الشاعر الأرستقراطي الكبير جانباً آخر في حياته.. ذلك حين وقع اختيارها على بعض أشعاره الوطنية التي قالها بمناسبة البدء في بناء السد العالي وهي قصيدة السد العالي التي فجرت في حينها قضية أدبية شغلت الرأي العام حين كتب الشاعر كامل الشناوي من تأليفه هو وليس من تأليف عزيز أباظة.
    ولنا أن نتصور كيف يكون الجو العام الأدبي في مثل هذه الحالات التي ثارت فيها الشكوك حول إنتاج لأحد الشعراء المصريين الكبار، هذه الشكوك وجهها إليه شاعر مصري كبير آخر.
    ففي أواخر عام 1959 وبداية عام 1960 اختارت سيدة القصيدة العربية أم كلثوم هذه الكلمات من قصيدة غنتها تحت عنوان “قصيدة السد”، وجاء توقيت إذاعة هذه القصيدة متزامنا مع احتفالات البدء في تنفيذ مشروع السد العالي.
    وللشاعر عزيز أباظة تاريخ طويل ولمحات مضيئة في حياتنا العامة وحياتنا الأدبية، وقد عاش بيننا خمسة وسبعين عاماً، فهو من مواليد عام 1898 ومات في عام 1973.

    إبراهيم ناجي
    فضلنا أن نبدأ الحديث عن شاعرنا الكبير إبراهيم ناجي صاحب “الأطلال”، وعلاقته وأشعاره بسيدة القصيدة العربية، مما كتبته أم كلثوم نفسها وذلك في أوراقها الخاصة.
    ومما قالته أم كلثوم عن شاعرنا صاحب الأطلال قولها: “ولا أنسى الشاعر إبراهيم ناجي، وقد رأيته حين كان يزور نقابة الموسيقيين، وكان يبدو بائساً محطماً يجلس إلى الموسيقيين، فتحس أنه يطوي صدره على قصة حب بلا أمل، ولم يتحدث في الشعر مرة واحدة، ولكني كنت أحس فيه رقة المشاعر التي لا بد أن تؤتي ثماراً فنية طيبة سواء شعرية أو موسيقية، وقرأت له ديوانه بعد أن مات ووقفت عند الأطلال: “وهل رأى الحب سكارى مثلنا”. ودفعت بالقصيدة إلى رياض السنباطي الذي قال: ستكون الأطلال حدثا فنياً لا نظير له ولعل الذي يميز ناجي صدق إحساسه فإن صدق الإحساس هو شرط النجاح في أي عمل فني..”.
    وبخلاف ما ذكرته أم كلثوم عن أول لقاء لها مع ناجي. ترددت أقاويل كثيرة حول هذا التعارف وبالذات عن ارتباط أم كلثوم بقصيدته الأطلال.
    ومما روته أم كلثوم عن هذه العلاقة نفهم أنها لم تتغن بأشعاره إلا من بعد رحيله وهو يتساوى في هذه الخصوصية مع أمير الشعراء شوقي الذي تقابلت معه أم كلثوم كثيراً من قبل رحيله.. ومع ذلك لم تغن أشعاره إلا بعد الرحيل، إذ من المعروف أن الدكتور إبراهيم ناجي قد توفي في عام ،1953 أما أم كلثوم فقد غنت قصيدة الأطلال عام 1966.
    وقد تصادف أن تذيعها كوكب الشرق في حفل عام أقامته بعد رحيل الموسيقار محمد القصبجي، وبالتالي لم يستخدم في لحنها العود وهي من ألحان الموسيقار رياض السنباطي ويقول مطلعها:

    يا فؤادي لا تسل أين الهوى
    كان صرحاً من خيال فهوى
    إسقني واشرب على أطلاله
    وارو عني طالما الدمع روى
    والأبيات التي تغنت بها أم كلثوم نشرها الدكتور إبراهيم ناجي ضمن قصيدة طويلة بديوانه الذي صدر تحت عنوان “ليالي القاهرة”.. هذا الديوان نشرت به كذلك مقدمة أوضحت لنا قصة هذه القصيدة.. ومما جاء بها قول الشاعر: ان هذه قصة حب عاثر.. التقيا وتحابا.. ثم انتهت القصة بأنها قد صارت أطلال جسد، وصار الشاعر أطلال روح وهذه الملحمة تسجل كل وقائعها كما حدثت تماماً. وإذا ما تركنا الأطلال.. ونظرنا إلى القصيدة الثانية التي تغنت بها سيدة القصيدة العربية للشاعر ناجي، وهي قصيدة “مصر” التي لحنها الفنان رياض السنباطي.. نجد أن أم كلثوم قد اختارت منها سبعة أبيات فقط من أصل سبعة عشر بيتاً.
    ورغم ذلك جاء التعديل بها طفيفاً إذا ما قيس بما وقع للأطلال. ويقول في مطلعها:
    أجل، إن ذا يوم لمن يفتدي مصر
    فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
    خلقنا نولي وجهنا شطر حبها
    ونبذل فيه الصبر والجهد والعمرا
    وقد نشر الدكتور إبراهيم ناجي هذه القصيدة بنفس العنوان في ديوانه “ليالي القاهرة” الذي ضم أيضا قصيدة الأطلال.. ومن أهم التعديلات التي أجرتها أم كلثوم على هذه القصيدة اختيارها البيتين الأول والثاني والتي تقول فيهما كمطلع “أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا”. وقد أهملت بعد ذلك سبعة أبيات.
    ثم عادت لتختار من هذه القصيدة بقية ما غنته بدءاً من البيت التاسع وفق ترتيب إبراهيم ناجي في ديوانه.. وقد أهملت ثلاثة أبيات وموقعها في القصيدة الأصلية أرقام ،10 ،11 12.. والتي قال الشاعر في مطلعها:
    تعالوا نشيد مصنعاً ربّ مصنع
    يدر على صناعنا المغنم الوفرا
    ولشاعرنا الكبير، شاعر الأطلال الدكتور إبراهيم ناجي حق كبير علينا.. هذا الحق يقتضي منا وفق ما سرنا فيه في ضوء المنهج السابق، ضرورة أن نسوق قبساً من نور ما قيل في سيرة حياته الذاتية. وقد حفلت بها عشرات الكتب. وقد تناولت هذه السيرة قصة حياته منذ مولده وحتى رحيله ومما قيل في هذا السياق إن إبراهيم ناجي ولد في حي شبرا بالقاهرة في عام ،1898 وتخرج في مدرسة الطب عام 1922 فعين طبيباً بالسكة الحديد ثم في وزارة الصحة فوزارة الأوقاف.

    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة




                  

07-09-2004, 09:23 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    Al Khaleej arabic newspaper

    شعراء أم كلثوم ... ( 6 )


    القصائد الوطنية تلهب حماسة كوكب الشرق





    * ثلاثة أبيات عاطفية لاسماعيل صبري تكفي

    * صالح جودت “أستاذ” بفضل “الست”



    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    سبق وذكرنا أن عدد الشعراء المعاصرين الذين تعاملت مع كلماتهم وقصائدهم كوكب الشرق أم كلثوم قد تعدو العشرة شعراء، وقد تحدثنا بالتفصيل عن علاقة أم كلثوم بخمسة من هؤلاء وكيف كانت تختار كلماتهم، ثم كيف كانت تتعامل مع هذه الكلمات رغم صعوبتها؟! والنجاح الكبير الذي أحرزته سيدة القصيدة العربية في شأن تطويع كلمات هذه القصائد.
    وهنا نستكمل مسيرة هذه الفنانة العظيمة مع بقية الشعراء المعاصرين من أمثال اسماعيل باشا صبري ومحمود حسن اسماعيل وصالح جودت وطاهر أبو فاشا.
    اسماعيل صبري
    يعتبر شاعر الوطنية الكبير اسماعيل باشا صبري من أوائل الشعراء المصريين الذين ارتبطت بكلماتهم أم كلثوم في بداية مسيرتها الفنية. وقد اختارت من كلمات هذا الشاعر ثلاثة أبيات فقط.. اتسمت كلماتها بالصعوبة رغم ما بها من معانٍ في غاية السمو والرقة، ثم دفعت بها إلى الملحن الكبير آنذاك الشيخ أبو العلا محمد لكي يضع لها الألحان.
    ووفق إجماع المؤرخين والنقاد فقد تربع هذا الشاعر على عرش القصيدة الوطنية جنباً إلى جنب مع أحمد شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي وعبدالله النديم وآخرين، وقد ذكر لنا ذلك بالتفصيل مؤرخنا العظيم عبدالرحمن الرافعي، بل إن هذا المؤرخ قد وضع اسماعيل صبري في مرتبة متقدمة عن كل من شوقي وحافظ إبراهيم.
    وفي عام 1926 غنت أم كلثوم ثلاثة أبيات من تأليف الشاعر اسماعيل باشا صبري واختارت لها عنواناً يقول: “يا آس الحي”. ثم سجلتها على اسطوانة جرامفون في العام نفسه.
    وتقول كلمات الأبيات:
    يا آس الحي هل فتشت في كبري
    وهل تبنيت داء في زواياها
    أواه من حرق أودت بمعظمها
    ولم تزل تتمشى في بقاياما
    يا شوق رفقاً بأضلاع عصفت بها
    فالقلب يخفق ذعراً في خباياها
    وبالرجوع إلى ديوان هذا الشاعر الكبير والذي نشرت به هذه القصيدة وجدنا أن عنوانها الذي اختاره المؤلف هي: “كبد مقروصة”.. وليس “يا آس الحي” كما ذكر ذلك كتاب النصوص الكاملة لما تغنت به كوكب الشرق، كما أن اسماعيل صبري نشرها عام 1913 من قبل أن يضعها في ديوانه المشار إليه، وهي قصيدة مكونة بالفعل من ثلاثة أبيات، وقد غيرت بعض كلماتها خاصة كلمات البيت الثاني الذي تقول فيه:
    أواه من حرق أودت بمعظمها
    ولم تزل تتمشى في بقاياها
    إذ غيرت كلمة “بمعظمها”.. بدلاً من كلمة “بأكثرها” التي كتبها الشاعر في ديوانه.
    وحول الشاعر الكبير من حيث النشأة والميلاد وملامح عصره الأدبي. فقد أجمعت معظم المصادر أن اسماعيل باشا صبري ولد في 16 فبراير/ شباط عام 1854 بمدينة القاهرة، والتحق بمدرستي التجهيزية والإدارة “الحقوق”، وأتم دراسته بمصر في عام 1874 ثم التحق بالبعثة المصرية في فرنسا ونال هناك شهادة الليسانس في الحقوق كلية “اكس” عام ،1878 وتوفي في 21 مارس/ آذار عام 1923.
    محمود حسن اسماعيل
    يبدو أن تعامل أم كلثوم، مع الشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل قد جاء في فترة إقبال أم كلثوم على التغني بالقصائد الوطنية والتي ارتبطت في حياتنا بالمناسبات.
    ودليلنا إلى ذلك أنها غنت لهذا الشاعر ثلاث قصائد عبرت من خلالها بالفعل عن ثلاث مناسبات وطنية وقومية، الأولى غنتها في عام 1956 في مناسبة إعلان دستور جديد لمصر بعد ثورة يوليو، والثانية شدت بها كوكب الشرق بعد هذا التاريخ بعامين، أما الثالثة فقد غنتها بعد هذا التاريخ بعشر سنوات.
    وليس لدينا أية مؤشرات سواء مسموعة أو مكتوبة عن كيفية اللقاء الذي تم بين أم كلثوم والشاعر محمود حسن اسماعيل، وهو من شعراء مصر المعاصرين الذين كتبوا كل قصائدهم تمجيداً في الوطنية المصرية وفي عروبتها.
    وقد يكون للمنصب الذي تولاه محمود حسن اسماعيل في هذه الفترة من حياته كمراقب ومستشار للإذاعة المصرية دخل كبير في إتمام هذا اللقاء.
    وقد غنت أم كلثوم أولى قصائد شاعرنا محمود حسن اسماعيل في شهر يناير عام 1956.. بمناسبة إعلان الدستور الجديد، ولم تسجلها على اسطوانات، وهي من تلحين الملحن الكبير رياض السنباطي.
    ويقول مطلعها:
    رأيت خطاها على الشاطئين
    صباحاً ينور في المشرقين
    يبث الخلود ويحيي الوجود
    ويبني الحياة على الضفتين
    وبالرجوع إلى الديوان الذي نشر به الشاعر قصيدته تبين ان اسمه ديوان “أغاني الحرية”، ونشر في الجزء الثاني من كتاب الأعمال الكاملة للشاعر.
    وفي مقدمة في أسطر قليلة كتبها الشاعر تحت عنوان قصيدة “الصباح الجديد” والتي نشرت بالديوان المشار إليه قال: “في 16 يناير/كانون الثاني عام 1956 غنتها أم كلثوم ومصر الثائرة المتحررة تعلن دستورها ودستور ثورتها وهي ماضية إلى الأمام بعد أن تخلصت من نير الاستبداد والإقطاع والاحتلال، راحت ترسي قواعد البناء لمجتمعها
    الجديد. وترجمت هذه القصيدة إلى اللغة الصينية.
    ولقد لاحظنا في السياق نفسه أن أم كلثوم اختارت من أبيات قصيدة” الصباح الجديد “12 بيتاً فقط من أصل 81 بيتاً كتبها الشاعر محمود حسن اسماعيل، وقد التزمت في اختيارها للأبيات التي تغنت بها، بالترتيب الذي وضعه الشاعر بدون تقديم أو تأخير أو تعديل!. رغم أنها قد أهملت ستة أبيات. ونحن نعيد نشرها هنا حتى تكتمل الفائدة وهي الأبيات التي قال فيها شاعرنا محمود حسن اسماعيل:
    وسارت موحدة في الجهود
    بعزم قوي وبأس شديد
    ومجد على الدهر ماض تليد
    سنحييه بالروح والساعدين
    * * *
    له الله.. صبح قوي الضياء
    جرت نار ثورته في الدماء
    وطارت به مصر نحو السماء
    ومدت ضحاها على الخافقين
    * * *
    وأعطت جناها عميم الثمار
    بشورى من الرأي فيها منار
    بلادي تألق ضوء النهار
    وعمت بشائره الشاطئين
    وفي عام 1958 كررت أم كلثوم تجربة أن تغني إحدى قصائد محمود حسن اسماعيل، وهذه المرة اختارت قصيدة عن بغداد سجلتا على اسطوانة صوت القاهرة ولحنها كذلك رياض السنباطي.
    وهي التي قالت في مطلعها:
    بغداد يا قلعة الأسود
    يا كعبة المجد والخلود
    يا جبهة الشمس للوجود
    وبالرجوع لكل دواوين الشاعر لم يتم العثور على أصل لهذه القصيدة، ولكن تبين ان الشاعر نشر في ديوانين قصيدتين عن بغداد، الأول بعنوان “بغداد” في ديوانه “لابد”، والثانية بعنوان “غضبة الثأر”.
    ورغم ان شاعرنا طبع أحد دواوينه في مدينة بغداد عام ،1972 إلا أنه لم ينشر فيه القصيدة، وربما يرجع السبب في ذلك إلى جامعي أعمال الشاعر محمود حسن اسماعيل حيث لم يلتفتوا إليها.
    وفي عام 1966 اكتملت رحلة أم كلثوم مع قصائد محمود حسن اسماعيل حيث غنت لقصيدة “يارُبى الفيحاء”.. في فبراير/شباط من العام نفسه وأيضاً من تلحين رياض السنباطي.
    وهي التي يقول مطلعها:
    وفق الله على النور خطانا
    والتقت في موكب النصر يدانا
    وحدت شمس الضحى أعلامنا
    وانبرت في الشرق تحيي المهرجانا
    وقد أجرت أم كلثوم على القصيدة بعض التعديلات وظهر ذلك بالعودة إلى الديوان الذي نشرت به، واسمه “أغاني الحرية”.. فمنها على سبيل المثال عنوان القصيدة ذاته حيث حذفت ياء النداء واكتفت أم كلثوم بكلمة “ربُى” فقط.
    ومع ذلك فقد التزمت بعدد أبيات هذه القصيدة كما هي موجودة في الديوان المشار إليه.. والتي بلغت أحد عشر بيتاً، قد كتبها الشاعر متأثراً بحدث اتمام أول وحدة عربية في العصر الحديث بين مصر وسوريا، ودليل ذلك قوله في سطور كتبها كمقدمة لهذه الأبيات: “في 11 فبراير عام ،1958 وفجر الوحدة العربية يشرق من جديد يدوي نفيره في سماء العالم كله، معلنا وحدة مصر وسوريا ومولد الجمهورية العربية المتحدة”.
    وتلاحظ أن أم كلثوم قد تغنت بهذه الكلمات بعد ضياع الوحدة بأكثر من سبع سنوات، معنى ذلك أن الشاعر كتب قصيدته “ياربى الفيحاء” في مناسبة وطنية، ثم غنتها سيدة القصيدة العربية في مناسبة قومية أخرى، وربما أرادت أم كلثوم بذلك أن تذكر الناس بهذا الحدث الفريد.
    ومع ذلك لم يتذكروه.
    وشاعرنا محمود حسن اسماعيل، ولد في الثاني من شهر يوليو/تموز عام 1910 بقرية “النخيلة” مركز أبو تيج بمديرية أسيوط، ومنها حصل على شهادة البكالوريا ثم التحق بكلية دار العلوم والتي تخرج منها في عام 1936.. ثم عمل محرراً بمجمع اللغة العربية. ثم التحق الشاعر محمود حسن اسماعيل بعد ذلك بالإذاعة المصرية في عام 1944 وتدرج في العمل الثقافي بالإذاعة وبرامجها، وعين بعد ذلك مستشاراً للإذاعة ثم نال جائزة الدولة في الشعر في عام 1964 عن ديوانه “قاب قوسين”.
    بعد ذلك سافر إلى الكويت ليعمل هناك خبيراً في مراكز بحوث المناهج محافظاً على شاعريته حتى توفاه الله في 27 ابريل/نيسان عام 1977.
    صالح جودت
    هذا الشاعر الذي ترجع جذوره إلى الأصول التركية، رغم أنه من مواليد مدينة الزقازيق، وعاش أحلى أيام حياته الدراسية الأولى في مدينة المنصورة. له حكاية عجيبة مع أم كلثوم.. وقد بدأت بينهما من قبل أن تلتقي بكلمات أشعاره.
    هذه الفنانة العظيمة كانت إلى جانب ذلك، سببا مباشراً في تقلد صالح جودت لقب “الأستاذ الكبير”. وهو لا يزال طالباً في سن الخامسة عشرة من عمره.. في مدرسة المنصورة الثانوية.
    ولكن كيف حدث ذلك، صالح جودت نفسه يروي الحكاية في حوار أجري معه في عام 1973.
    قال فيه: “حينما كنت طالباً في مدرسة المنصورة الثانوية، قرأت مقالاً في مجلة الصباح بإمضاء “محمدين”. وهو الكاتب المعروف المرحوم محمد بن عبدالرازق.. وكان من كبار الصحافيين في ذلك العهد يهاجم فيه أم كلثوم هجوماً قاسياً، ولما كنت وما زلت متعلقاً بصوت أم كلثوم، شحذت قلمي الصغير وكتبت مقالاً أدافع فيه عن أم كلثوم وبعثت به إلى المجلة وكنت قليل الأمل في أن ينشر، ولكن دهشتي كانت بالغة عندما وجدت المقال منشوراً بعنوان ضخم تحته بقلم الأستاذ الكبير صالح جودت.
    ومن المؤكد أن أم كلثوم قد قرأت هذا المقال، خاصة أنه نشر في مجلة ثقافية وفنية كانت مشهورة إلى وقت قريب.
    وكان لعذوبة ورقة وتفرد وتميز كلمات صالح جودت أكبر الاثر في تأهله ليكون في عداد الشعراء العرب المعاصرين الذين تركوا بصمات واضحة في عالم الشعر.
    هذه المكانة كانت في الأصل هي الدافع الحقيقي نحو اختيار أم كلثوم لكلمات من أشعاره لكي تشدو بها. سواء في مجال القصيدة الوطنية أو الدينية. وقد غنت له قصيدتين الأولى بعنوان: “حبيب الشعب”.. في عام ،1967 والثانية بعنوان: “الثلاثية المقدسة” في عام 1972. ويقول مطلع القصيدة الأولى:
    قم واسمعها من أعماقي فأنا الشعب
    ابقى فأنت السد الواقي كمنى الشعب
    ابقى فأنت الأمل الباقي لكل الشعب
    أنت الخير وأنت النور أنت الصبر على القدور
    وقد شدت أم كلثوم بهذه القصيدة في شهر يونيو/حزيران عام ،1967 بعد أيام من وقوع النكسة، وبالضبط حين أعلن جمال عبدالناصر اعتزامه الاستقالة، مما يدل على حضور الشاعر وتعبيره الصادق عن أهم ما كان يمر به وطنه الجريح من أحداث جسام.
    كما تدل القصيدة على اتجاه أم كلثوم القوي نحو التغني بالأغنيات الوطنية التي زادت جرعتها بعد وقوع هذه المصيبة.
    وعلى أية حال، وبالعودة إلى ما دونه صالح جودت في ديوانه الذي شمل هذه القصيدة، تبين ان كوكب الشرق أجرت عدة تغييرات أدخلها الشاعر بنفسه بناء على طلب أم كلثوم وملحنها رياض السنباطي. وكان من أهمها ما وقع للشطر الأول من البيت الثاني الذي قالت فيه أم كلثوم:
    “ابق فأنت الأمل الباقي لكل شعب”..
    وقد كتبه الشاعر بقوله:
    ابق فأنت الأمل الباقي لغد الشعب.
    وكذلك في البيت الذي تقول فيه أم كلثوم:
    قم لله وقل للعاصي
    رغم الجرح ومر الكأس
    هذا البيت غيرت فيه أم كلثوم لفظين الأول استبدلت كلمة الله بدلاً من كلمة “الشعب” وكذلك كلمة “العاصي” بدلاً من كلمة العصر.
    أما في البيت الذي تقول فيه أم كلثوم:
    وغداً ستأذن في الناس طلع الفجر
    وغدا ستحمي الأجراس يوم النصر
    فكان في الأصل الذي كتبه صالح جودت:
    وغداً ستحي الأجراس يوم النصر
    أما الملحوظة الأخيرة والمهمة ان أم كلثوم غيرت كذلك في عنوان القصيدة الذي أصبح يقول: حبيب الشعب بدلاً مما كتبه المؤلف وكان “دُم للشعب”.
    وفي عام ،1972 وبالتحديد في يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1972.. شدت أم كلثوم بقصيدة “الثلاثية المقدسة” التي تأتي ضمن برنامج كوكب الشرق الذي اتبعته بعد هزيمة يونيو/ حزيران باللجوء إلى الأغنيات والقصائد الدينية إلى جانب القصائد الوطنية، وذلك للتخفيف من وقع صدمة الهزيمة، وقصيدة الثلاثية المقدسة قال الشاعر صالح جودت في مطلعها:
    رحاب الهدى يا منار الضياء
    سمعتك في ساحة من صفاء
    وتقول لنا المؤشرات الأولى عن الفروق التي وضحت حين رجعنا إلى الديوان المنشور به قصيدة “الثلاثية المقدسة” إن عدد التعديلات اللغوية أو الكلمات التي غيرتها أم كلثوم بلغت ثلاث عشرة كلمة.
    وصالح جودت من مواليد 7 ديسمبر/كانون الأول عام 2191.. بمدينة الزقازيق، وكان والده المهندس الزراعي كمال الدين جودت يمارس عمله في تلك الفترة بحكم ظروف اختصاصه ووظيفته في الحكومة المصرية.
    ويقول الدكتور فوزي عطوي في كتابه عن “صالح جودت الإنسان والشاعر”: إن والدته المنتمية إلى أب تركي وأم مغربية رغبت في أن تدعوه “عبدالرحمن” تيمنا باسم أبيها، فسُمي الولد بهذا الاسم.. ولم تجد الأم ممانعة من أحد، لا سيما وأن زوجها كمال الدين كان لحظة ميلاد ولده يعاني سكرات الموت في مستشفى الزقازيق.
    وما هي إلا سبعة أيام من ولادة الطفل صالح حتى تجاوز أبوه مرحلة الخطر في المستشفى بعد أن بذل الأطباء في علاجه جهوداً كبيرة.. ويغادر الأب مستشفاه إلى المنزل، حتى إذا تنامى إليه أن الطفل الصغير يدعى “عبدالرحمن”.. ثارت ثائرته، وقد أصر على أن يدعى ولده “صالح” ذلك تيمنا باسم إنسان عزيز عليه، وهو شقيقه المستشار صالح بك جودت.
    وفي تعليق لطيف للدكتور فوزي قال: ويبدو أن صالح جودت الذي سيصبح في مقبلات الأيام اسماً يملأ الدنيا ويشغل الناس، قد ورث طبع العراك وإثارة العواصف من أبيه كمال الدين.
    ولقد سجل لنا الشاعر الراحل صالح جودت.. وكذلك للتاريخ بعض أسطر عن حياته في إحدى استمارات الاستبيان التي يعدها مركز المعلومات بأخبار اليوم، ومما كتب في هذه الاستمارة: أنه حصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة بتقدير جيد جداً في عام 1949.. كما حصل على درجة الزمالة في دراسات الأمم المتحدة في نيويورك، وقد بدأ حياته العملية في بنك مصر مديراً للدعاية، ثم محرراً فنياً ودبلوماسياً لجريدة الأهرام، ثم رئيساً لتحرير مجلة الإذاعة المصرية وأخيراً استقر في دار الهلال في عام 1945 وعمل مديراً لتحرير مجلة المصور ثم رئيساً لتحرير مجلة الاثنين، ثم نائباً لرئيس مجلس إدارة دار الهلال، وله عدة دواوين من أهمها ديوانه الأول: ليالي الهرم في عام 1932 والذي أصدرته جماعة أبوللو.
    طاهر أبو فاشا
    هذا الشاعر شدت له سيدة القصيدة العربية وخلال عام واحد فقط، بست قصائد من ابداعاته، هي من أروع ما كتب.
    وطاهر أبو فاشا سجل بداية علاقته بأم كلثوم حين أشار ان هذه العلاقة بدأت من خلال قصائد “أوبريت رابعة العدوية”.. والتي لحنها كل من رياض السنباطي ومحمد الموجي في عام 1955.
    وعلى إثر نجاح قصائد هذا الأوبريت حاول طاهر أبو فاشا إعادة التجربة مع أم كلثوم من خلال كلمات قصائده في أوبريت جديد كتبه خصيصا لها تحت عنوان “سميراميس”.
    وبتدخل شخصي على حد قوله من الرئيس جمال عبدالناصر.
    ولقد دفعت أم كلثوم بقصائد هذا الشاعر الجديدة فعلاً للملحن رياض السنباطي، إلا أن الظروف تدخلت وأوقفت هذا العمل من أصله، وبالتالي أصبح رصيد طاهر أبو فاشا الشعري لدى أم كلثوم قاصراً على هذه القصائد الست التي تغنت بها من خلال أوبريت “رابعة العدوية”.. وقصيدته الوطنية “مشى المجد”. ويبدو ان أم كلثوم قد غنت هذه القصائد الست في توقيت واحد.. كما سجلتها أيضا في التوقيت ذاته وبالتالي أصبح من الصعوبة بمكان تحديد القصيدة الأولى التي غنتها أم كلثوم لطاهر أبو فاشا... وان كان سجل اغنيات أم كلثوم الذي وضعته اللجنة الموسيقية العليا في عام ،1975 أشار إلى أن أولى هذه القصائد هي “عرفت الهوى”. وفقاً لترتيبها في صفحات هذا السجل.
    ومما لاحظناه كذلك فيما يخص ما تغنت به أم كلثوم بالنسبة لطاهر أبو فاشا.. أن معظم هذه القصائد،،، كانت قصيرة إذا ما قيست بقصائد غيره من الشعراء سواء من المصريين أو غيرهم.
    في قصيدة “عرفت الهوى”.. شدت أم كلثوم بالكلمات يقول مطلعها:
    عرفت الهوى منذ عرفت هواكا
    وأغلقت قلبي عمن عداكا
    وقمت أناجيك يا من ترى
    خفايا القلوب ولسنا نراكا
    وفي ديوان طاهر أبو فاشا.. نشرت هذه القصيدة مع ملاحظة بعض التعديلات.. من أهمها اسم القصيدة وهي بعنوان: “أحبك حبين”.. في حين غنتها أم كلثوم تحت اسم “عرفت الهوى”. كما أشار الشاعر في هامش هذه القصيدة أن.الأبيات من الثالث حتى السادس ليس من تأليفه.. وإنما هي أبيات نقلها من أشعار رابعة العدوية.
    ولأول مرة نلاحظ أن أم كلثوم تزيد عدد أبيات إحدى القصائد عما نشره الشاعر في ديوانه، وكانت من قبل تنقص من عدد هذه الأبيات. إذ كررت أم كلثوم حين شدة بهذه القصيدة البيت الذي تقول فيه:
    أحبك حبين.. حب الهوى
    وحباً لأنك أهل لذاكا
    وقد لاحظنا أن الشاعر لم يكرره فيما نشره بديوانه، ولذلك جاء عدد أبيات ما غنته أم كلثوم أحد عشر بيتاً مع أن عددها في الديوان عشرة فقط.
    ثم شدت أم كلثوم بالقصيدة الثانية للشاعر طاهر أبو فاشا.. وهي التي يقول مطلعها:
    على عيني بكت عيني
    على روحي جنت روحي
    هواك وبعد ما بيني
    وبينك سر بريحي
    وأيضاً التزمت سيدة القصيدة العربية، بعدد أبيات هذه القصيدة كما كتبها طاهر أبو فاشا، ونشرها في ديوانه، وقد غيرت أم كلثوم فقط من عنوان القصيدة.. إذ اختارت الكلمة الأولى من البيت الأول كعادتها دائماً.. مع أن اسم القصيدة في الديوان: “في بحار الندم”، وكذلك غيرت أم كلثوم في لفظ واحد فقط هو كلمة “يدعوني”.. بدلاً من كلمة “يدينني”.. وذلك في البيت الذي تقول في مطلعه:
    “حيائي منك يعبدني”
    ومن أوبريت رابعة العدوية الذي أذيع في عام 1955.. غنت أم كلثوم القصيدة الثالثة لطاهر أبو فاشا.. “يا صحبة الراح”.. وهي من ألحان رياض السنباطي.
    ومن نفس الأوبريت وفي العام نفسه غنت أم كلثوم القصيدة الرابعة لطاهر أبو فاشا، ويقول مطلعها:
    لغيرك ما مددت يدا
    وغيرك لا يفيض ندمى
    وليس يضيق بابك بي
    فكيف ترد من قصدا
    وفي خطوة ذكية من سيدة القصيدة العربية فيما يخص شاعرنا طاهر أبو فاشا فقد أشركت أكثر من ملحن، لوضع الموسيقا لكلمات هذا الشاعر الكبير وهذه المرة اختارت الموسيقار محمد الموجي لوضع ألحان قصيدتين من قصائد أوبريت “رابعة العدوية” هما قصيدة “أوقدوا الشموس”.
    التي نشرت تحت عنوان: “عروس السماء”.
    أما القصيدة الثانية التي لحنها محمد الموجي في أوبريت رابعة العدوية فهي التي قالت في مطلعها:
    سألت عن الحب أهل الهوى
    سقاه الدموع ندا من الجوى
    فقالوا حنانك من شجوه
    ومن جده بك آو لهوه
    وبالعودة الى الديوان المنشور فيه هذه القصيدة تبين ان أم كلثوم ادخلت تغييرات كبيرة منها انها أهملت أربعة أبيات كتبها طاهر أبو فاشا في بداية القصيدة يقول فيها:
    حانة الأقدار عربدت فيها لياليها
    ودار النور والهوى صاحي
    هذه الأزهار كيف نسقيها وساقيها
    بها مخمور كيف يا صاح
    ويبدو أن وجود الشاعر طاهر أبو فاشا في الجيش في فترة 1959 كان دافعاً جديداً لتعامل أم كلثوم مع كلمات جديدة من أشعاره.. إذ اختارت سيدة القصيدة العربية قصيدة سادسة من قصائده. ولكنها هذه المرة كانت قصيدة وطنية. وكان عنوانها: “الجيش”. حيث قالت أم كلثوم في مطلعها:
    مشى المجد في يومه المرتقب
    وأشرق في عيده ما غرب
    فقم حي جيشك جيش العرب
    حمى الزمام وجيش السلام
    وشاعرنا طاهر أبو فاشا، ولد في مدينة دمياط عام 1908 وتخرج في كلية دار العلوم عام ،1940 وتوفي في 12 مايو/ايار عام ،1989 تاركاً ستة دواوين من الشعر هي: (صورة الشباب الأشواك القيثارة السارية راهب الليل الليالي دموع لا تجف).


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-10-2004, 08:21 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    From: Al Khaleej Arabic newspaper

    شعراء أم كلثوم ... ( 7 )
    تعديلات أم كلثوم على القصائد جعلتها تحفة فنية


    * صاحب “الكرنك” يهدي ثومة "قصة الأمس"

    * "الست" ترفض رومانسية كامل الشناوي لتتغنى بكلماته الوطنية






    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    هناك حكايات وقصص وروايات ترتبط باختيار أم كلثوم لكلمات شاعر بعينه، من أمثال كامل الشناوي ومحمد الأسمر وأحمد فتحي والشيخ عبدالله الشبراوي، شيخ الأزهر الذي اختارت له قصيدة عاطفية وما يزال صداها بيننا إلى اليوم، هذه الحكايات تتجلى بوضوح من خلال تتبع واع لما دوّن في هذا الشأن، وما قيل عن أسباب اختيار أم كلثوم لكلمات قصائد هذا الشاعر أو ذاك، أو عند اختيار هذه الكلمات بالفعل.
    كامل الشناوي
    حرصت أم كلثوم على أن تتعامل مع كلمات الشاعر الراحل كامل الشناوي، خاصة الوطنية منها، من خلال مصدرين، الأول أخوه الصغير مأمون الشناوي الذي أبدع لأم كلثوم عشرات الأغنيات العاطفية صاحبة الصيت العالي، والثاني مصطفى أمين، صديق كامل الشناوي وأحد الذين عاشوا تجربته مع الشعر والألحان والحب والرحيل.
    وكانت أم كلثوم لا تؤخر كلمة
    واحدة أو طلبا لمصطفى أمين، أحد أزواجها المقربين.
    ففي عام 1964 غنت سيدة القصيدة العربية رائعة كامل الشناوي “على باب مصر”، والتي تعد من القصائد الوطنية الجميلة، التي تحمل في كلماتها معاني عظيمة وسامية، تستحق التأمل والدراسة، ويقول مطلعها:
    على باب مصر تدق الأكف ويعلو الضجيج
    رياح تثور جبال تدور بحار تهيج
    وقد كتبها كامل الشناوي في ظروف سياسية معينة، ارتبطت إلى حد بعيد بالخط الاشتراكي الذي كان قد اتخذه جمال عبدالناصر منذ أوائل الستينات.
    والغريب فيما لاحظناه أن كامل الشناوي، طعّم هذه القصيدة بكلمات صريحة عن جمال عبدالناصر، وعن جهوده عربيا ومحلياً. وقد تغنت بها أم كلثوم قبل رحيل شاعرنا بأقل من عام واحد.
    وبالرجوع إلى الديوان الوحيد الذي نشر به كامل الشناوي كل قصائده العاطفية وغير العاطفية والذي صدر تحت عنوان “لا تكذبي”، عثرنا على هذه القصيدة بعنوان “أنا الشعب”، وليس بالعنوان الذي اختارته أم كلثوم وهو “على باب مصر”، وقد طالتها تغييرات جوهرية كثيرة أدخلتها أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب، سواء من حيث الحذف أو التعديل والتبديل فقد بدلت على سبيل المثال مكان كلمتي “جبال تدور” حيث وضعتهما في مكان كلمتي “رياح تثور”. إذ اختار الشاعر الكلمتين الأوليين حيث افتتح بهما شطر بيته الأول، بينما عكستهما أم كلثوم حين غنت القصيدة. بل استغنت كوكب الشرق عن بعض الأبيات التي قال فيها كامل الشناوي بعد البيتين الأول والثاني:
    وتصغي وتصغي
    فتسمع بين الضجيج سؤالاً وأي سؤال
    وتسمع همهمة كالجواب وتسمع همهمة كالسؤال
    كذلك غيرت في البيت الذي قالت فيه:
    وكل تساؤل في دهشة وكل تساؤل في لهفة
    أين ومن وكيف إذن.
    كما حذفت أم كلثوم أبياتا أخرى من القصيدة، وهي التي قال فيها الشاعر:
    نعم، كيف أصبح هذا الجلال
    بأقصى مداه
    حقيقة شعب
    غزاة الطغاة وأي طغا.
    هذا عن المقطع الأول مما غنته أم كلثوم، سواء بعد الحذف أو قبله.
    أما بالنسبة للمقطع الثاني، فقد استغنت فيه أم كلثوم كذلك عن أبيات بعينها، كتبها كامل الشناوي وهي التي يقول فيها:
    وجاء الغزاة - جميع الغزاة
    فأبدوا خشوعاً وأحنوا الجباه
    وتلمع بين الجموع وجوه
    يرف عليها حنان الإله
    ففيها المفكر والعبقري
    وفيها التقاة وفيها الهداه
    فموسى تشق عصاه الزحام
    وذلك عيسى عليه السلام
    وهذا محمد خير الأنام
    أمعجزة مالها أنبياء
    أدورة أرض بغير فضاء
    والملاحظة المهمة أن أم كلثوم وموسيقارنا الكبير محمد عبدالوهاب قد نجحا نجاحاً باهراً فيما أجرياه من اختصارات في أبيات هذه القصيدة. إذ اختارا أهم ما فيها، سواء من حيث المعنى أو الأداء.
    وكامل الشناوي صاحب هذه القصيدة، “حدوتة” مصرية بانت ملامحها واضحة في عدة مجالات سواء أدبية أو صحافية أو فكرية وكانت نشأته الدينية الأولى لا شك وراء كل ذلك. حيث أراد والده بعدما ألحقه بالأزهر أن يسير على دربه حتى يصبح مثله قاضياً شرعياً، ولكن خاب ظن الوالد، فقد تحول كامل الشناوي من الزي الأزهري إلى زي آخر تماماً، قدف به في قلب شارع عماد الدين ومن بعده إلى شارع الصحافة.
    وهو مصطفى كامل الشناوي بن سيد سيد أحمد الشناوي. ولد في يوم الاثنين 7 ديسمبر عام 1908 في قرية “نوسة البحر” مركز آجا بالدقهلية، جاء مولده عقب رحيل الزعيم مصطفى كامل فأسماه والده مصطفى كامل. كان بدينا ولم تكن بدانته مصدر تعاسة له وإنما استطاع أن يجعلها مصدراً للمرح. ولما كان والده قاضياً شرعياً لمحكمة مركز “آجا” أدخل ابنه كامل الأزهر، لكنه لم يستمر فيه سوى خمس سنوات، اتجه بعدها إلى دار الكتب يجعل منها جامعة له يطالع فيها مختلف فروع المعرفة. ولما كان يجيد اللغة العربية عمل مصححاً في عدة جرائد بدءاً من عام 1930.
    ثم عمل محرراً بجريدة الأهرام في عام ،1935 وكان آنذاك يكتب في صحف الاثنين والمصدر وآخر ساعة إلى أن رأس تحريرها في عام 1943.
    كذلك انتخب عضواً في مجلس النواب عام ،1945 وانتقل إلى أخبار اليوم عام 1945 ومنها إلى الجريدة المسائية عام ،1949 ثم عاد إلى جريدة “الأهرام” رئيسا لقسم الأخبار عام 1950. كما تولى رئاسة تحرير جريدتي “الجمهورية” و”الأخبار”.
    وتوفي في يوم الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1965. اشتهر بين زملائه بأنه كان آخر ظرفاء عصره لتميزه بالنكتة الضاحكة والقفشات والمقالب الصحافية.
    محمد الأسمر
    تعتبر قصيدة “زهر الربيع” لشاعرنا الكبير محمد الأسمر والتي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم، من القصائد التاريخية، أو بمعنى آخر من قصائد الشعر العربي التي ارتبطت بحدث مهم من أحداث العرب التاريخية.
    إذ شدت بها أم كلثوم أمام أول تجمع عربي للزعماء سواء من الملوك أو من غيرهم من الذين حضروا توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في عام 1945. وقد أرادت سيدة القصيدة العربية بهذا الاختيار الذكي أن تبرهن لكل الأمة العربية أنها أصبحت مثل جامعتهم العربية السياسية، جامعة أخرى فنية.
    وكانت أم كلثوم أول فنانة في تاريخنا الحديث، تشارك في صنع حدث سياسي معهم، وهو إنشاء جامعة الدول العربية وكذلك أصبح شاعرنا محمد الأسمر من الشعراء الذين لعبت كلمات قصائدهم الدور الرائد في لم شمل الأمة العربية، منذ أكثر من خمسين عاماً. ليس على مستوى المناسبات القوية فقط، بل وفي التغني بأمجاد هذه الأمة وبيان أصول حضارتها عبر التاريخ.
    وقصيدة “زهر الربيع” التي تغنت بها أم كلثوم يقول مطلعها:
    زهر الربيع يُرى أم سادة نُجب
    وروضة أينعت أم حفلة عجبُ؟
    تجمع الشرق فيها فهو مؤتلف
    كالعقد يلمع فيه الدر والذهب
    وعلى الرغم من حساسية المناسبة القومية التي شدت من أجلها أم كلثوم هذه القصيدة إلا أنها والملحن الكبير زكريا أحمد، لم يخشيا أي تغيير أو تعديل على القصيدة.
    ولسوف نتعجب حين نعرف أن هذا التعبير قد شمل كلمات تخص إلى حد بعيد الملك فاروق - الذي كان حاضراً هذا الحفل الذي أقيم داخل قصر عابدين.
    فقد استبدلت أم كلثوم كلمة “الفاروق” في البيت الثالث، واختارت بدلاً منها كلمة “الله”، حيث كتب الشاعر محمد الأسمر الشطر الأول من هذا البيت هكذا: “كفاه أن يد الفاروق تنظمه”.
    ليس هذا فقط بل إن أم كلثوم حذفت بيتاً بكامل كلماته من هذه القصيدة وفيه حديث صريح عن الملك فاروق إذ قال فيه الشاعر:
    هو السماء وفاروق به قمر
    وأنتم في السماء السبعة الشُهب
    معنى ذلك أن كوكب الشرق قد شدت فقط بسبعة أبيات من هذه القصيدة، مع أن تعداد أبياتها في الديوان المشار اليه ثمانية.
    ولم تكتف أم كلثوم بهذه التغييرات، بل أضافت إلى ذلك، تغيير عنوان القصيدة، من “فرحة الشرق” إلى “زهر الربيع”. وتلك سمة دائمة في كل ما تغنت به أم كلثوم من قصائد سواء من الشعر القديم أو الحديث.
    وذكر الشاعر المناسبة التي ألف فيها هذه الأبيات في مقدمة صغيرة كتبها أعلى القصيدة قال فيها: “حينما وقع مندوبو الأمم العربية الميثاق العربي وكان ذلك سنة 1945 أقيمت لهذه المناسبة حفلة كبرى بسراي عابدين، وقد شرف هذه الحفلة جلالة الملك فاروق، والقطعة الآتية المعروفة باسم “فرحة الشرق” نظمت لتحية ممثلة العروبة وقد غنتها في هذه الحفلة الآنسة أم كلثوم ولحنها الأستاذ زكريا أحمد، والذي اقترح على الشاعر نظمها هو المغفور له صاحب المقام الرفيع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي، وهو الذي اقترح أن يكون آخرها بيت حافظ بك إبراهيم المذكور في آخر القطعة”.
    والشاعر محمد الأسمر ولد في مدينة دمياط في يوم الثلاثاء 6 نوفمبر عام 1900. والتحق في طفولته بمكتب لتحفيظ القرآن الكريم بدمياط لكنه لم يلبث به إلا قليلاً، ثم التحق في الثامنة من عمره بإحدى المدارس الأهلية بالمدينة، وكان من العلوم التي يتلقاها في المدرسة القرآن الكريم حيث حفظ نصفه، وكذلك بعض المحفوظات الأدبية شعراً ونثراً والنحو والإملاء والحساب. وتخرج الأسمر فيها عام 1914 وزاول التدريس بها شهوراً ثم قام بعمل كتابي في إحدى المحلات التجارية برأس البر مدة الصيف”.
    ثم عاود بعد ذلك ممارسة مهنة التدريس بالمدارس الأهلية إلى جانب مزاولة الكتابة الحسابية بالشركات التجارية بعد ذلك التحق بمعهد دمياط الديني طالباً في عام ،1915 ثم التحق بمدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة عام ،1920 وظل بها ثلاث سنوات، بعدها التحق بالأزهر الشريف الذي تخرج فيه عام ،1930 وظل يعمل حتى عين به أميناً للمحفوظات بالمعاهد الدينية، كما وكلت إليه مشيخة الأزهر لتنظيمها، ثم عين معاوناً بمكتبة الأزهر ثم أميناً لهذه المكتبة. وقد انتدب وهو أمين مكتبة الأزهر للعمل بوزارة الداخلية في قسم مراجعة الكتب، كما اختير مرتين عضواً في لجنة النصوص بالإذاعة، كما اختير عام 1956 عضواً بلجنة الشعر الخاصة بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
    ونشرت الصحف المصرية ابداعات محمد الأسمر في الشعر وهو لا يزال طالباً بالسنة الثانية بمعهد دمياط الديني، ثم تتابعت بعد ذلك إشراقاته في الشعر فألف العديد من القصائد سواء الدينية أو الوطنية، وقد خلف عدة أعمال من أهمها ديوانان، الأول “تغريدات الصباح” وهي أول مجموعة شعرية، وكتب مقدمتها أنطون باشا الجميل رئيس تحرير جريدة الأهرام في ذلك الوقت، ثم “ديوان الأسمر” الذي صدر عام 095_. وله كتاب أيضاً في النثر بعنوان “مع المجتمع”.
    الشيخ عبدالله الشبراوي
    في السيرة الذاتية للشيخ الإمام عبدالله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر لاحظنا اهتمام المؤرخين بحياته كشاعر أكثر منه كشيخ للجامع الأزهر، الأمر الذي يجعلك تشعر بأن هذا الشيخ الإمام كان يولي الشعر والأدب اهتماماً كبيراً، أكثر من اهتمامه بالعمل في مشيخة الأزهر.
    بل أكثر من ذلك فكان يكتب أشعاراً عاطفية في غاية الرقة. مما جعل الكثيرين من مطربي أهل زمانه يقبلون على التغني بكلماته.
    وشهدت السنوات الأولى للقرن العشرين حضوراً كبيراً للشيخ الشبراوي داخل مقاهي ومسارح الأزبكية، من خلال ما كان يكتبه من أشعار يتغنى بها كبار المطربين آنذاك.
    وقد اختارت أم كلثوم قصيدة من أروع ما كتب الشيخ الإمام وأروع ما غنت في بداية مشوار حياته الفني بدءاً من عام ،1925 وهي قصيدة “وحقك أنت المنى والطلب”. التي اختارها أيضا الشيخ أبو العلا محمد من قبل كي يلحنها ويغنيها بصوته.
    ومما قيل في شأن الشيخ عبدالله الشبراوي الإمام رقم سبعة للجامع الأزهر، بخصوص حبه للأدب وكتابة أشعار لكبار المطربين في عصره، ما كتبه الأديب المؤرخ محمد سيد كيلاني حين قال: لقد شب على حب الموسيقا والغناء فكان ينظم المقطوعات الغنائية الرقيقة ويتغنى بها، وأقبل المغنون عليه يلتمسون منه الأغاني العاطفية فأجاب رغبتهم، فانتشرت أغانيه بين العامة والخاصة وأرباب الفن وأولاد البلد.
    وقد بدأت علاقته بأم كلثوم، عام ،1926 حين شدت بكلمات قصيدته الرائعة “وحقك أنت المنى والطلب”.
    وبالعودة الى الديوان الذي نشرت به هذه القصيدة، والموجودة بدار الكتب المصرية والذي طبع في عام 1922 تبين أن أم كلثوم قد التزمت إلى حد بعيد بكل كلمات هذه القصيدة بلا أدنى تغيير، وإن كانت قد استغنت عن بيت واحد فقط، وهو الذي قال فيه الشاعر:
    أشاع العزول بأني سلوت
    وحقك يا سيدي قد كذب
    وقد غنت أم كلثوم ستة عشر بيتاً من أصل سبعة عشر. ولا يعرف سبب واضح لإهمال أم كلثوم للبيت السابق، وكذلك لا يعرف سبب لعدم لجوئها لتغيير بعض كلمات هذه القصيدة، مع أن بها كلمات صعبة، وغير مفهومة، وربما يكون إقبال الشيخ أبو العلا محمد أستاذها الأول آنذاك على التغني بهذه الكلمات بدون تحريف، هو السبب الأول والرئيسي وراء عدم إجرائها أية تعديلات.
    وشاعرنا اسمه الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي وهو يعد أحد الثلاثة الكبار الذين تولوا مشيخة الأزهر من مواليد مدينة القاهرة حيث ولد بها في عام 1901 ه - 1680م وتلقى تعليمه بالأزهر، حيث جلس إلى كبار علمائه وأخذ عنهم، وتتلمذ بصفه خاصة على يد الشيخين الجليلين، القليني والفيومي، وكان مولعاً باقتناء الكتب النفيسة. وخلف وراءه كثيرا من الأثار في مختلف العلوم من أهمها: كتابه مفاتح الألطاف في مدائح الأشراف وهو ديوان شعر، وشرح الصدور في غزوة بدر، وعنوان البيان ونسيان الأذهان في البلاغة.
    محمد مصطفى الماحي
    في حوار طال وتشعب في أكثر من اتجاه عن هؤلاء الشعراء الذين يضطرون لكتابة إحدى قصائدهم لأجل مناسبة بعينها، أكد الشاعر أحمد سويلم أن هناك العشرات من الشعراء سواء من مصر أو غيرها من الذين ينفعلون ببعض الأحدث الوطنية أو القومية فيكتبون معبرين عنها، وقد تكون هذه القصائد في تصورهم لا ترقى لمستوى النشر في الدواوين. لإحساسهم بأن كلمات هذه القصائد تحمل بين طياتها معاني وقتية وانفعالات تزول بزوال الحدث نفسه.
    وكذلك اكتشفنا هذا الأمر بوضوح أكثر في مجال القصائد المغناة، حيث خصص صنف من الشعراء من الذين يكتبون بعض قصائدهم لكي يتغنى بها المطربون في مناسبات بعينها بدون نشرها في ديوان.
    والشاعر الكبير محمد مصطفى الماحي من هؤلاء، حيث لم ينشر القصيدة التي غنتها أم كلثوم من كلماته في عام 1956 تحت عنوان: “الفجر الجديد”، في ديوانه المنشور بعنوان “ديوان الماحي” والمطبوع في عام 1957.
    ويبدو أن أم كلثوم أيضاً لم تسجل هذه القصيدة على أسطوانة كما لم تتغن بها في حفل عام وإنما وكما واضح من مدلول كلماتها قد تغنت بها بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر في عام ،1956 وفيها ألفاظ عديدة ذكرها الشاعر متغنياً بالزعيم جمال عبدالناصر. ويقول مطلعها:
    من أطلع الفجر الجديد
    على ربي تلك الربوع الناضرة
    وبطبيعة الحال، ورغم فحولة محمد مصطفى الماحي في مجال شعر الفصحى، إلا إنه لم يكن ليوجد بيننا لولا كتابته هذه القصيدة لأم كلثوم.
    وقد ولد شاعرنا في مدينة دمياط في عام ،1895 وتلقى تعليمه في مدارسها، ثم عين رغم حداثة سنه بعد اجتياز إحدى المسابقات بوظيفة في ديوان الأوقاف، وظل يرقى بهذه الوظيفة حتى نال من خلالها العديد من المهام. عين بعدها مراقباً عاماً بوزارة الأوقاف كما اختارته حكومة العراق في عام 1937 لتنظيم الأوقاف بها، بناء على ترشيح من الحكومة المصرية.
    وفي ميدان الأدب اختير الماحي وكيلاً لرابطة الأدب العربي في عام ،1933 بعدها أصدر ديوانه الأول في عام 1934. وهناك من المؤرخين والنقاد الذين يرون أن الماحي تأثر كثيراً في أشعاره بالمتنبي وأبي العلاء وابن ييرون والبهاء زهير، وطبع ديوانه العام الذي شمل كل إنتاجه في عام 1957 من دار الفكر العربي.
    أحمد فتحي
    عندما بدأت أولى محاولات البحث عن معلومات عن الشاعر الكبير أحمد فتحي، كانت أولى الخيوط قصيدته “الكرنك” التي شدى بها الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب حتى اقترن اسمه بها فصار من يومها “شاعر الكرنك”.
    وقد شدت أم كلثوم لشاعر الكرنك قصيدة قصة الأمس عام 1958 من تلحين الموسيقار الكبير رياض السنباطي ويقول مطلعها:
    أنا لن أعود إليك
    مهما استرحمت دقات قلبي
    أنت الذي بدأ الملامة
    والصدود وخان حبي
    فإذا دعوت اليوم
    قلبي للتصافي لن يلبي
    وبالرجوع إلى كتاب “اعترافات شاعر الكرنك”، وجدنا نوعاً من التطابق فيما تغنت به أم كلثوم وكلمات القصيدة التي كتبها الشاعر الراحل أحمد فتحي إلا في بعض الألفاظ التي غيرتها أم كلثوم والملحن رياض السنباطي، وعلى سبيل المثال، في البيت الذي تقول فيه أم كلثوم:
    فغرامي راح يا طول ضراعاتي إليه
    كان في أصل ما كتب أحمد فتحي:
    فغرامي راح يا طول غرامي إليه
    وقد وضعت أم كلثوم بذلك كلمة “ضراعاتي” بدلاً من كلمة “غرامي”.
    وفي البيت الذي تقول فيه أم كلثوم:
    وليالي ضياعاً وجحوداً
    ولقاء ووداعاً يترك القلب وحيداً
    كان في الأصل:
    وليالي ضياعاً، وجحوداً
    وعناء يترك القلب وحيداً
    حيث استبدلت أم كلثوم كلمة “غناء” التي كتبها الشاعر إلى كلمتي “ولقاء ووداعاً”.
    وبخلاف ذلك لاحظنا أن أم كلثوم قد كررت الأبيات الأولى التي قال فيها الشاعر:
    أنا لن أعود إليك مهما
    استرحمت دقات قلبي
    أنت الذي بدأ الملالة
    والصدود وخان حبي
    فإذا دعوت اليوم قلبي
    للتصافي لن يلبي
    وهذه الأبيات لم يكررها الشاعر في نهاية قصيدته كما فعلت أم كلثوم حين تغنت بها.
    وعن قصة تعاون أم كلثوم والشاعر أحمد فتحي فقد بدأت بعدما أخذ أحمد فتحي يراسل أم كلثوم بقصائده الجديدة منذ أن تغنى بقصائده الموسيقار محمد عبدالوهاب، ويقال إن أم كلثوم اختارت قصة الأمس بعدما نشرها أحمد فتحي في جريدة “الأهرام”، وهذا القول يؤكده. صالح جودت في كتابه عن “شاعر الكرنك”. حيث حكى لنا تفاصيل لقائه مع أم كلثوم بعدما خذله عبدالوهاب بعد انشودة الكرنك، عندما رفض أن يغني له قصيدة “البحيرة”، فاتجه يومئذ إلى أم كلثوم لينتقم بها من عبدالوهاب، وبعث إليها بأكثر من قصيدة.
    ويضيف صالح جودت: ولكن أم كلثوم خذلته هي الأخرى في ذلك العهد، عهد الشباب الأول، ثم ها هي ذي تعود في أيامه الأخيرة فتغني له هذه القصيدة العذبة ويسترد شاعرنا كل ما فقد من أمل ويحسب أن القدر قد ابتسم له بعد طول عبوس، ويبعث إلى أم كلثوم بقصيدة أخرى فلا تستجيب له هذه المرة، فيعاود الكرة مع عبدالوهاب، ولكن أبواب عبدالوهاب تقف صماء أمام طلبه.
    أما نصيبه المادي من هذه الأغنية فلا يزيد على خمسين جنيهاً، ينفقها في غمضة عين.
    ويؤكد صالح جودت أن أم كلثوم قد شدت بقصيدة “قصة الأمس”. قبل رحيل صاحبها بسنتين فقط، إذ توفاه الله في عام 1960 وكان آنذاك يقيم في غرفه بأحد فنادق القاهرة، عندما أحس أنه متعب مكدود، ويحاول أن يظفر بأحد من أصدقائه الأطباء فلا يجد منهم أحداً.
    ولقصيدة “قصة الأمس” في حياة صاحبها قصة، عاشها من قبل أن تفصح عنها أم كلثوم، وقد دون طرفاً من هذه القصة الأديب محمد محمود رضوان في كتابه “اعترافات شاعر الكرنك”، حيث قال: “كان في حياة أحمد فتحي قصة حب كبير، وقد ألهمه هذا الحب أجمل قصائد الحب وأرقها في سنواته العشر الأخيرة. وعندما حان الفراق ألهمته وحدته وحنينه ووجده قصيدته الوجدانية الرائعة “قصة الأمس” التي تنبض بالحرارة والصدق وحرقة الوجد التي قبسها من روح قلبه ونور وجدانه، فمن هذه التجربة العنيفة التي صهرته بالعذاب، خرجت قصة الأمس”.
    وكما حفل النقاد والمؤرخون بالحديث عن أشعار أحمد فتحي حفلوا كذلك بالحديث عن حياته وسيرته الذاتية.
    وقد ولد الشاعر أحمد فتحي إبراهيم سليمان بقرية كفر الحمام بمحافظة الشرقية في الثاني من أغسطس/آب عام ،1913 وكان طفلاً وسيماً متوسط القامة أزرق العينين يشبه والده.
    وبعد مولد أحمد فتحي بفترة وجيزة انتقلت أسرته إلى مدينة الإسكندرية بحي الجمرك حيث كان والده يعمل مدرساً بالمعهد الديني بالإسكندرية.
    وعمل أحمد فتحي بهيئة الإذاعة البريطانية ثم بإذاعة المملكة العربية السعودية. وبعد عودته من الرياض عمل صحافياً بجريدة الشعب، وأصدر خلال حياته ديواناً واحداً بعنوان: “قال الشاعر” في عام ،1949 كما انضم إلى جماعة أبو للو في عام ،1934 وكانت أولى قصائده التي بعث بها إلى هذه الجماعة بعنوان “الوجدان المضطرب”.


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-11-2004, 07:53 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    From: Al Khaleej arabic newspaper

    شعراء أم كلثوم ... ( 8 )
    روائع الشعراء الهواة تجذب سيدة الغناء العربي



    * بينهم بديع خيري والخلعي ووالد سليمان نجيب

    * المانسترلي صاحب ألف أغنية ولا يعرفه أحد





    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    هناك صنف آخر من الشعراء الذين كتبوا لأم كلثوم، خاصة من شعراء العامية، وهم الشعراء الهواة. ذلك لأن فيهم بالفعل شعراء غير محترفين، بل وفيهم كذلك ملحنون وموظفون أمثال بديع خيري وكامل الخلعي ومصطفى نجيب والد المثل الشهير سليمان نجيب وعلي شكري وحسين والي ويحيى محمد وعبد الرحمن فياض وحسين حلمي المانسترلي وحسن صبحي.
    بديع خيري
    يحتل الشاعر والمؤلف المسرحي الشهير بديع خيري قائمة الشعراء الهواة من الذين ارتبطوا بأشعارهم بسيدة القصيدة العربية أم كلثوم، ومع ذلك لا يعرف بالضبط كيف تم التعارف بينها وبينهم، ولا أسباب ذلك التعارف، وحتى بديع خيري نفسه لم يذكر ذلك، ولا تصدى لبيان هذا الأمر غيره من الذين انشغلوا بسيرة حياته وفنه وانتاجه المسرحي والشعري.
    ورغم ذلك فهناك العديد من الشواهد و الأسباب التي دفعت أم كلثوم لاختيار إحدى أغنيات أو أدوار بديع خيري لكي تغنيها في عام 1931 ومن تلحين الشيخ زكريا أحمد، وأول هذه الشواهد والدوافع تعامل كبار المطربين آنذاك مع بديع خيري مثل منيرة المهدية وصالح عبد الحي وعبد اللطيف البنا وآخرين.
    أضف إلى ذلك انتشار أزجاله وأشعاره على المستوى الشعبي، خاصة أثناء اندلاع ثورة ،1919 عندما أخذ الناس في الشوارع يرددون كلمات أغنياته التي كان يلحنها له الشيخ سيد درويش.
    وقد يكون السبب الرئيسي وراء هذا الاختيار خاصة بالنسبة لأم كلثوم هو الملحن الشيخ زكريا أحمد الذي أراد أن يتعامل مع الشاعر الذي لحن أغنياته ومسرحياته الغنائية قبل ذلك، فنان الشعب سيد درويش.
    وقد جاء هذا الاختيار مرتبطا ارتباطا وثيقا بنوعية الكلمات التي أتقنها بديع خيري من قبل وأقبل عليها الملحنون من غير زكريا أحمد.
    وفي عام 1931 ومن تلحين الشيخ زكريا أحمد غنت كوكب الشرق أغنية بعنوان: “هو ده يخلص من الله”.. من كلمات بديع خيري، وسجلتها على أسطوانة أو ديوان في العام نفسه..
    ويقول مطلع كلمات الأغنية التي انقسمت إلى مذهب ودور:
    هو ده يخلص من الله
    القوي يذل الضعيف
    حتى يبخل بالمطلة
    شيء ولو دون الطفيف
    ومما يثير الانتباه.. أن هذه الأغنية أو هذا الدور الذي ألفه بديع خيري لأم كلثوم ولحنه زكريا أحمد حفل باهتمام بالغ من جانب النقاد والمؤرخين واعتبروه من أعظم الأدوار التي غنتها أم كلثوم، وكذلك من أعظم ما لحنه زكريا أحمد، وقد كتب عنه بالتفصيل المؤرخ الفني الراحل كمال النجمي في كتابه “تراث الغناء العربي” وذلك عند حديثه عن زكريا أحمد وأدواره التسعة.. ومما قاله في هذا السياق: كان أول دور لحنه زكريا أحمد لأم كلثوم هو “هو دا يخلص من الله” مقام زنجران، تأليف بديع خيري، وجاء بعد طقطوقة “إللي حبك يا هناه” عام 1931.. وأحدث صدى واسعا عند المستمعين، وهو أعظم دور لحنه زكريا أحمد ويتفوق فيه من ناحية الصناعة اللحنية على دور الزانجران الذي اشتهر به سيد درويش “في شرع مين”.
    وكذلك كتبت المؤرخة الموسيقية رتيبة الحفني عن هذه الأغنية الكثير في كتابها “أم كلثوم”.. ومما قالته في هذا الشأن: “كان فن الدور يوشك أن يطوي أوراقه ويودع الدنيا عندما بدأ زكريا أحمد في تلحين الأدوار لأم كلثوم، وذلك بداية من عام 1931 وهو دور “هو دا يخلص من الله” من تأليف بديع خيري، وكان زكريا أحمد يحاول تطوير فن الدور، بينما فن الدور يغادر ساحة الغناء المعاصر.. ويبدو أن زكريا أحمد لحن هذا الدور بناء على رغبة أم كلثوم لتعلقها بهذا اللون من الغناء.. لأنه لم يلحن أدواراً لغيرها من المطربين والمطربات باستثناء دور غنته ليلى مراد، ودور آخر غناه عزيز عثمان وثمة دور ثالث غناه هو بصوته. وهذه الأدوار الثلاثة جاءت في
    نفس الحقبة التي لحن فيها زكريا أدواره لأم كلثوم”.
    ووثقت العشرات من الكتب حياة الأديب المتعدد المواهب بديع خيري وعلى رأسها مذكرات بديع خيري نفسه والتي نقل عنها العديد من المؤرخين لقطات متعددة خاصة بحياته ومشواره الأدبي منذ مولده وحتى يوم رحيله..
    ويقول بديع خيري عن تاريخ حياته: “أنا ابن شارع المغربلين في صميم حي الدرب الأحمر وهو واحد من أعرق أحياء عاصمتنا الشعبية.. ولدت في 18 أغسطس 1893 لأب كان يشتغل مدير الحسابات في دائرة الوالدة باشا أم الخديوي إسماعيل. بدأت الدراسة في الكتاب ثم في مدرسة أم عباس الابتدائية ثم مدرسة الحلمية الثانوية وأخيرا المعلمين العليا”.
    وبعد رحيل بديع خيري في عام 1966.. حفل كثير من الصحف والمجلات بلقطات حيوية عن قصة حياته.. وقد اقتطفوها من أحاديثه الصحافية ومما خلفه وراءه من أوراق سجلها في كتابه عن ذكريات طفولته.
    كامل الخلعي
    إذا كانت م كلثوم نجحت في اتقان ألوان بعينها نجاحا باهرا.. مثل القصائد والأغنيات والمونولوج والأوبرا. فإنها حققت شهرة واسعة في غناء فن الدور وقد ذاع صيتها في هذا النوع من الغناء خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي، حتى أصبحت تنافس زعماء هذا اللون الذين طوروه على مدى أعوام طويلة.
    والملاحظ ان معظم الذين كتبوا الأدوار الغنائية لأم كلثوم كانوا من الشعراء الهواة وعلى رأسهم الموسيقي المشهور كامل الخلعي الذي كان في هذه الفترة أحد أعمدة هذا الفن تأليفا وتلحينا والذي كتب لأم كلثوم 3 أدوار.. هي من أشهر أدوارها على الإطلاق.
    وفي عام 1931 غنت أم كلثوم أولى أغنياتها للشاعر الموسيقار كامل الخلعي وهي التي تقول في مطلعها:
    حسن طبع اللي فتني
    علم القلب الغرام
    والجمال اللي أسرني
    لو تشوفه يا سلام
    وهذا الدور من ألحان داود حسني، وسجلته أم كلثوم على اسطوانة جرامفون في عام 1931.. ثم توالت بعد ذلك أغنياتها لكامل الخلعي وقد غنت له في العام نفسه أغنيتين أخريين: قالت في مطلع الأولى وكانت بعنوان “كنت خالي”:
    كنت خالي لا حبيب يهجر ولا في الحب لايم
    إيه جرالي في الغرام قلبي صبح من العشق هايم
    والأغنية أو الدور الثاني الذي غنته أم كلثوم لكامل الخلعي كان من ألحان داود حسني وعنوانه “قلبي عرف” ويقول مطلعه:
    قلبي عرف معنى الأشواق
    لما الحبيب لاف بالعزول
    والوجد حرمني المنام
    والليل مع العاشق يطول
    ويحتل الموسيقار كامل الخلعي مساحة كبيرة من كتابات المؤرخين الذين يضعونه في مقام متقدم داخل صفوف ملحني أوائل القرن العشرين، إضافة إلى كونه شاعرا ومؤلفا موسيقيا كبيرا، كما حفلت هذه الكتابات بالعديد من اللقطات الحيوية في حياته العملية، وكذلك حياته الشخصية.. كما ضم كتابه المهم “الموسيقا الشرقية” ملخصاً لترجمة حياته.. وقد كتبها صديقه وتلميذه عبدالله أفندي كامل.
    مصطفى نجيب
    ويدخل الشاعر مصطفى نجيب، والد كل من الفنان سليمان نجيب والإذاعي المشهور حسن نجيب دائرة الضوء مرة أخرى عندما اختارت له أم كلثوم دورا غنائيا أو موالا من تأليفه لكي يلحنه الملحن الكبير محمد القصبجي وتغنيه بصوتها.
    هذا الموال نشر تحت عنوان:
    “الليل أهو طال”.. وذكره كتاب جامع ما غنته أم كلثوم.
    وهذا الشاعر قد دخل دائرة الضوء من جديد بعد أن تغنت أم كلثوم بكلمات مواله ومصطفى بك نجيب كان موظفا كبيرا بوزارة الداخلية.. وظل بهذا المنصب حتى رحيله.. أضف إلى ذلك أنه كان شاعرا كبيرا، وله عدة قصائد وأغنيات كثيرة، ولكن للأسف لم تنشر في دواوين، وبالتالي ضاعت داخل حناجر من تغنوا بها من غير المطربين المشاهير.
    ويقول مطلع الموال الذي تغنت به أم كثلوم من ألحان القصبجي في عام 1931 وسجلته على أسطوانة أوديون.
    الليل أهو طال وعرف الجرح ميعاده
    وجف دمعي وجفني من دمي عاده
    وكلمات هذا الموال موجود في كتاب صدر بعنوان “الموسيقا الشرقية والغناء العربي” من تأليف قسطندي رزق. وصدر عام 1930 وبالرجوع الى أصله تبين ان أم كلثوم قد غيرت في بعض الكلمات.. منها كلمات البيت الثاني.. إذ اختارت أم كلثوم كلمة “لهفي” بدلا من كلمة “عجبي” التي اختارها المؤلف، وكذلك في الشطر نفسه غيرت كلمة “في حبه” إلى كلمة “لي ذلة”. وأما في الشطر الثاني من هذا البيت فقد غيرت أم كلثوم كلمات أدت إلى تغيير معنى هذا الشطر من البيت الذي كتبه المؤلف كالتالي:
    لا نار أقول نار وهيا في الفؤاد تبرح
    بينما غنته أم كلثوم كالتالي:
    لا نار أقول نار ولا هي من الفؤاد تبرح
    ويقول صاحب كتاب الموسيقا الشرقية في سطور قليلة عن مصطفى نجيب و”لمصطفى بك نجيب موال ودور ومقال في الفونوغراف وقصيدة عامرة في هبوط النيل، ومما يؤسف له أنه لو احتفظ بما كتبه ونظمه لأمكنه أن يجمعه في ديوان قائم بذاته، وهو من امراء الشعر ومن أكابر الكتاب. توفي بالإسكندرية في 8 أكتوبر عام 1902”.
    حسين حلمي المانسترلي
    ذكر كتاب “أغنيات أم كلثوم” أن الشاعر حسين حلمي المانسترلي كتب لسيدة القصيدة العربية أغنيتين أو طقطوقتين لحنهما كل من محمد القصبجي وزكريا أحمد خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي.
    وهذا الشاعر الكبير يحسب من أول وهلة انه في عداد الشعراء الهواة من الذين كتبوا لأم كلثوم، وذلك وفقا لما كتبه من أغنيات قليلة إلا انه بمراجعة تاريخية مع الكلمة يتبين انه قيمة فنية.
    وقد بلغ عدد ما كتبه حسين حلمي المانسترلي لكل المطربين في زمانه وحتى قبيل وفاته في عام ،1965 إلى ما يقرب من ألف أغنية، وجميعها مسجلة على أسطوانات بأصوات عشرات المطربين المصريين وعلى رأسهم طبعا أم كلثوم.
    كما أن لهذه الأغنيات أصولا مكتوبة بخط يده وتحتفظ بها السيدة حورية ابنته في أرشيفها.
    ففي عام 1931 ومن ألحان الموسيقار محمد القصبجي غنت أم كلثوم أولى أغنياتها للشاعر حسين حلمي المانسترلي بعنوان: “تبيعيني ليه كان ذنبي إيه”.. وأطلق عليها النقاد اسم “طقطوقة”..
    وهي التي يقول مطلعها:
    تبيعيني ليه كان ذنبي إيه
    مين للفؤاد يبقى يواسيه
    وفي العام نفسه كررت سيدة القصيدة العربية التجربة مرة أخرى مع كلمات جديدة للشاعر حسين حلمي المانسترلي، وهي طقطوقة من ألحان الموسيقار زكريا أحمد بعنوان: “غصبن عني” وهي مسجلة كذلك في العام نفسه على أسطوانة أوديون.
    وحول هذا الشاعر العملاق تقول ابنته حورية المانسترلي ان والدها الشاعر والأديب حسين حلمي المانسترلي من مواليد مدينة القاهرة في 27 فبراير عام ،1898 وقد تعلم في مدارسها.. كما تقلب في العديد من الوظائف حيث كان يعمل رئيسا للحسابات بوزارة المعارف ثم انتقل مشرفا أو مراقبا للتربية الدينية والأدبية بالوزارة ذاتها.
    وقد ظل بهذا العمل حتى تفرغ لكتابة الشعر والأدب، وفي الفترة ذاتها عين المدير الفني لشركة أوديون للأسطوانات.. وكان هذا المنصب حلقة الاتصال بينه وبين العديد من مطربي عصره من الذين تعرفوا اليه شاعراً، وبالتالي فقد أخذوا يتغنون بكلماته، وكان على رأس هؤلاء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وليلى مراد وآخرون.
    حسن صبحي
    رغم ان الشاعر والزجال الكبير حسن صبحي يأتي في طليعة من كتبوا أعذب الكلمات التي شدت بها أم كلثوم في فترة الثلاثينات من القرن العشرين، فإن المعلومات المتوافرة عنه قليلة للغاية. وقال عنه المؤرخ الفني كمال النجمي في أحد كتبه انه زجال عاش في أوائل الثلاثينات، وكان من أقرب أصدقاء الملحن زكريا أحمد اليه.
    ومن أجمل ما غنت أم كلثوم من طقاطيق.. أغنية “جمالك ربنا يزيده” والتي لا يزال لها صدى واسع لدى آذان المستمعين، هذه الأغنية لحنها الشيخ زكريا أحمد في عام 1931 وسجلتها أم كلثوم على أسطوانة أوديون.
    ويقول مطلعها:
    جمالك ربنا يزيده
    ده ملك منظمه سيده
    هواك يا حلو نساني
    وداد أهلي وخلاني
    وفي العام نفسه كتب الشاعر حسن صبحي الطقطوقة الثانية لأم كلثوم ولحنها كذلك الموسيقار زكريا أحمد.. ويقول مطلعها:
    ليه عزيز دمعي تذله
    كل ساعة بين يديك
    بعد صبر العمر كله
    وانشغال قلبي عليك
    وفي عام 1932 لحن زكريا أحمد للشاعر حسن صبحي طقطوقة جديدة بعنوان “العزول فايق ورايق” وغنتها أم كلثوم، كما سجلتها في العام نفسه على أسطوانة أوديون.. ويقول مطلعها:
    العزول فايق ورايق
    عمره ما داق الغرام
    قلبه ما بيرحمش عاشق
    بس شاطر في الملام
    ويبدو أن أعمال الزجال حسن صبحي قد لاقت اقبالا لدى جماهير أم كلثوم.. بدليل إصرار زكريا أحمد صديق الشاعر على التعامل مع كلمات جديدة يكتبها.. فلحن له أغنية جديدة في عام 1932 تحت عنوان: “أكون سعيد لو شفتك”.
    وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على تعامل كل من أم كلثوم وزكريا أحمد مع كلمات الزجال حسن صبحي.. عاودا التعامل معه حين اختارت سيدة القصيدة آخر ما غنته للشاعر حسن صبحي في عام 1937 لكي يلحنها أيضا زكريا أحمد وهي أغنية أو دور “آه يا سلام” والتي تقول كلماتها:
    آه يا سلام زاد وجدي آه
    والصبر طال من غير أمل
    كوى الهيام قلبي وضناه
    واللي كواه عنه انشغل
    إمتى الجميل يصنع جميل
    وافرح وأقول حبي عدل
    يحيى محمد
    أصبح لدى قناعة خاصة أن الشاعر الزجال يحيى محمد كان بالفعل من أصدقاء الشيخ زكريا أحمد وفق ما قاله لنا المؤرخ الموسيقي محمود كامل.. والدليل أنه اختار له ثلاثة أدوار لحنها لكي تغنيها أم كلثوم، مع وجود خلاف في الأزمنة التي شهدت غناء أم كلثوم لهذه الأدوار.
    ولقد راوحت سنوات هذه الأغنيات ما بين عام 1931 وعام 1939 وعلى الرغم من ذلك فقد عجزت حيلتنا عن العثور على معلومات شافية وكافية عن هذا الشاعر الزجال إلا بعض أسطر قليلة ذكرها المؤرخ الفني كمال النجمي في أحد كتبه..
    ففي عام 1931 تغنت أم كلثوم بكلمات أول أدوار هذا الشاعر المجهول وهي بعنوان: “يا قلبي كان مالك”.. ومن ألحان الشيخ زكريا أحمد، وقد سجلتها على أسطوانة أوديون في عام 1931.
    وبعد هذا التاريخ بخمس سنوات غنت أم كلثوم للشاعر يحيى محمد الدور الثاني وهو بعنوان “إمتى الهوى”.. ذلك الدور الذي ذكره الأديب الروائي نجيب محفوظ في إحدى رواياته المشهورة نظرا لتأثير هذا الدور في المستمعين ونجاح الملحن زكريا أحمد في وضع ألحان جديدة..
    ومما يقال في هذا السياق هو أن الشاعر يحيى محمد كان قد نشر هذا الزجل في إحدى الصحف وقرأته أم كلثوم فطلبت الى الملحن زكريا أحمد أن يضع له لحنا مناسبا، لكي تغنيه، وبالفعل تم ذلك في عام 1936.
    ويشير المؤرخ كمال النجمي إلى ان دور “إمتى الهوى” دخل التاريخ عبر مقالات بعض الأدباء، ومنهم نجيب محفوظ الذي أشار إليه في رواية “خان الخليلي” ويقول مطلعه:
    إمتى الهوى يجي سوا
    وأرتاح ولو في العمر يوم
    يا ناس أنا قلبي انكوى
    وعينيّ ما بيهواها نوم
    وفي أواخر عام 1938 كتب الشاعر يحيى محمد زجلا مطلعه “ماكانش ظني في الغرام”.. ونشره أيضا في احدى المجلات، وقرأ زكريا أحمد هذا الزجل فأعجب به وعرضه على أم كلثوم وقال لها إنه يصلح دورا غنائيا وهكذا شرع زكريا أحمد في تلحينه ليكون آخر دور تغنيه أم كلثوم في عام 1939 ويقول مطلعه:
    ماكانش ظني في الغرام إنه هوان
    وإن الجمال يضحك ويلعب بالعقول
    وقد سجلت أم كلثوم هذا الدور على أسطوانات شركة أوديون في العام نفسه.
    حسين وعبدالرحمن وعلي
    وكان علينا استكمالا لهذه الرحلة الشاقة سواء داخل حنجرة أم كلثوم أو وسط الأوراق الصفر ان نتوقف عند ثلاثة من الشعراء الهواة هم حسين والي وعبد الرحمن فياض وعلي شكري.
    ومما هو واضح من قراءة تواريخ غناء أم كلثوم لقصائد هؤلاء الزجالين الثلاثة.. أنها تعرفت أولا الى كلمات الشاعر الزجال حسين والي، حيث غنت له دوراً بعنوان: روحي وروحك في عام 1931 من ألحان داود حسني، وقد سجلته في العام نفسه على أسطوانة جرامفون..
    ويقول مطلعه:
    كل ما يزداد رضا قلبك علي
    كل ما يخاف قلبي من نار الاسية
    وحسين والي كان من خريجي مدرسة دار العلوم العليا.
    وفي عام 1936 غنت أم كلثوم دور “مين اللي قال إن القمر” للشاعر الزجال عبد الرحمن فياض ومن تلحين الشيخ زكريا أحمد.
    ويقول مطلعه:
    مين اللي قال إن القمر
    يشبه لمحبوب الفؤاد
    حسن القمر يوم والحبيب
    حسنه دواما في ازدياد
    وتختتم أم كلثوم سنوات غنائها للأدوار والطقاطيق بدءا من أواخر عام 1938 ومطلع 1939.. وذلك وفق تأكيد العديد من مؤرخي الفن الذين رصدوا النشاط الفني لكوكب الشرق خلال هذه الفترة، وكان من نصيب هذا المقام الزجال يحيى محمد الذي كتب لها دورا بعنوان: “ما كانش ظني في الغرام”.. وكذلك الزجال علي شكري الذي كتب لها طقطوقة بعنوان: “ينوبك إيه من تعذيبي”.. وكانت من ألحان الموسيقار الكبير محمد القصبجي.
    ويقول مطلعها:
    ينوبك إيه من تعذيبي ودمع عيني
    حرام عليك ليه يا حبيبي حن علي
    ومما ذكره كتاب أغنيات أم كلثوم في الهامش أن هذه الطقطوقة غنتها أم كلثوم يوم 5 يناير عام 1938.. ولم تسجلها على أسطوانات.


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-12-2004, 08:23 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    شعراء أم كلثوم ... ( 9 )
    الشعراء المحترفون رفقاء درب أم كلثوم وسبيلها إلى المجد






    * اقنعت رامي بالتحول إلى العامية وترك الفصحى

    * كوكب الشرق تسعى للقاء بيرم لتشدو بكلماته



    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.


    ونأتي معاً إلى الحديث عن المحطة التي توقفت عندها أم كلثوم، حيث التقت بأعظم شعراء الأغنية المحترفين في مصر، وكانوا هم بالفعل سبيلها نحو المجد.. إذ ارتبط أغلبهم برحلتها الفنية منذ بدايتها، وعلى وجه الخصوص شاعر الشباب أحمد رامي، وعدد هؤلاء الشعراء ووفقاً للإحصاء الرسمي الصادر من دار الإذاعة المصرية تسعة شعراء هم بالترتيب أحمد رامي، وبيرم التونسي، صلاح جاهين، أحمد شفيق كامل، مأمون الشناوي، وعبدالفتاح مصطفى، عبدالوهاب محمد، مرسي جميل عزيز، وعبدالمنعم السباعي.
    أحمد رامي
    على الرغم من أن شاعر الحب والشباب أحمد رامي كما أطلق عليه النقاد والمؤرخون يعتبر في قائمة الشعراء المحترفين من الذين كتبوا اغاني لأم كلثوم بالعامية المصرية. إلا أن بداية تعامله مع سيدة القصيدة العربية في عام 1924.. بدأ مع شعر الفصحى، وهذه ملاحظة على جانب كبير من الأهمية ومع ذلك لم يلتفت اليها أحد غيرنا.
    وغنت أم كلثوم أولى قصائد أحمد رامي عمدة شعراء العامية وهو متغيب عن مصر حين كان في بعثة في فرنسا، وهي بعنوان: “الصبي تفضحه عيونه” من تلحين الشيخ أبو العلا محمد، وقد امتلأت الكتب والدراسات التي تناولت علاقة أم كلثوم بأحمد رامي بالحديث عن هذه القصيدة وعن بداية التعارف بين هذين العملاقين.
    وتشير الدكتورة نعمات فؤاد إلى أن سبب تحول أحمد رامي بعد كتابة هذه القصائد لأم كلثوم من الشعر الفصيح إلى الاغاني العامية، هي أم كلثوم نفسها والتي أقنعته بالانتقال من الشعر إلى الزجل.
    وفي تعليق لطيف للكاتبة فيما يخص ما ذكره رامي نفسه عن هذا التحول قالت الدكتورة: “ولا أحسب أن أم كلثوم في ذلك الوقت كانت قادرة على إقناع شاعر بتحول فني، ولكن المسألة في تقديرى أن رامي وجد فيها صوتاً واعداً وتذكر أن شوقي أمير الشعراء ألف الاغاني بالعامية وقبله إسماعيل صبري.
    والأغنية جناح يطير بشهرة أصحابها فاندفع بوحي من تفكيره وعاطفته الوليدة معها في طريق الزجل ولعل نفسه حدثته أن عبدالوهاب مغني شوقي فلتكن هذه الفتاة ذات الصوت الجميل مغنية كلماته”. وقد نظن أن الشاعر أحمد رامي قد قبل بسهولة التحول من شعر الفصحى إلى العامية وفق ما طلبت منه ذلك أم كلثوم.. بل بالعكس حيث أخذ سلطان القصيدة يسيطر عليه فترة من الزمن وربما وصلت إلى عامين، بدليل أنه قدم لأم كلثوم وحتى من بعد أن طلبت منه التحول في عام 1924 من القصائد العظيمة إلى العامية قصيدتين بالفصحى.. الأولى غنتها في عام 1925 بعنوان: “إن حالي في هواها عجب”.. من ألحان محمد القصبجي، وسجلتها على اسطوانة جرامفون في العام نفسه..
    وقد أشارت إلى ذلك أم كلثوم في أوراقها الخاصة حين ذكرت،.. “فلما عدت من مصيف رأس البر اتصلت به - أي بأحمد رامي - وقلت له إن الجمهور يجب أن ينتقل من الاغاني المسفة التي يسمعها إلى القصائد والشعر العظيم على مراحل.
    فقال رامي: ولكن أعددت لك قصيدة “إن حالي في هواها عجب”.. قلت بعد أن قرأت كلماتها: تبدو في كلماتها سهلة.. سوف أغنيها، ولكن أفضل أن تستعمل في كلمات الاغاني ما هو سهل ومتداول.. ما يمكن أن يفهمه الناس دون عناء.. فقال باحتجاج: هو الذي يسمعه الناس الآن.. فقلت، أنا أريد خطوة أبعد، خطوة أوسع، أريد لغة مثل لغة الصحف يفهمها الناس، فلا هي إسفاف.. ولا ألغاز”.
    ولقد تصورت سيدة القصيدة العربية أنها حققت بهذا القول أغراضها بشأن تحول رامي من الشعر الفصيح إلى العامية.. ولكن سرعان ما خاب هذا التصور إذ كان شيطان الشعر الفصيح لا يزال راكباً فوق قلب وعقل أحمد رامي.. فقدم لها قصيدة ثالثة لكي تغنيها.. وقبلتها رغماً عنها، وهي القصيدة التي لحنها الشيخ أبو العلا محمد في عام 1926 بعنوان “أقصر فؤادي”.. كما قدم لها قصيدة رابعة بعنوان: يقظة القلب، من تلحين الموسيقار محمد القصبجي وفي العام نفسه.
    ونظراً لحالة الإعجاب المبكرة التي استولت على شاعرية “أحمد رامي” تجاه أم كلثوم التي لم ترفض له كلمات قصائده.. رغم أنها كانت عكس رغبتها.. فقد استجاب لتلك الرغبة أخيراً وتحول كلية إلى كاتب اغنية باللهجة العامية.. فقدم لها أول ما قدم مونولوجاً بعنوان “خايف يكون حبك”.. من تلحين الدكتور أحمد صبري النجريدي.
    ومنذ أن كتب رامي هذا المنولوج الذي ربما أراد به أن يفتح طريقاً يعبر منه قلبه إلى قلب أم كلثوم، ظل شيطان الشعر العامي مسيطراً عليه حتى كتب لأم كلثوم أكثر من مائة أغنية ما بين عاطفية ووطنية، وكان بين حين وآخر يكتب بعض القصائد بالفصحى.. خاصة في المناسبات الوطنية، واغنيات بعض الأفلام وفق ما يقتضيه السيناريو وشخصية الممثل وقد بلغ عدد هذه القصائد جميعها حوالي ستة عشر قصيدة ما بين نشيد ومناسبة وطنية ورثاء.
    ولو جمعنا ما كتبه أحمد رامي لأم كلثوم على مدى رحلة حياته الطويلة والتي استغرقت أكثر من خمسين عاماً.. سواء بالفصحى أو بالعامية سوف نجد 135 أغنية ما بين مونولوج ودور وقصيدة واغنية وتصدى لوضع الألحان لهذا الكم الكبير من الأغنيات تقريباً كل ملحني أم كلثوم بدءاً من الشيخ أبو العلا محمد وحتى محمد الموجي وسيد مكاوي مروراً بالشيخ محمد القصبجي، وزكريا أحمد، وداود حسني، ورياض السنباطي، ومحمد عبدالوهاب.
    وإذا كنا قد ذكرنا من قبل كلمات أولى القصائد التي تغنت بها سيدة القصيدة العربية من تأليف أحمد رامي.. وكذلك كلمات أولى اغنياته بالعامية.. فقد رأينا من الضرورة الإشارة إلى آخر ما غنت أم كلثوم لأحمد رامي.
    ففي عام 1972 وبالضبط في الحفل الذي أذيع في أوائل شهر أبريل من العام نفسه.. غنت أم كلثوم لأحمد رامي أغنية “يا مسهرني” من تلحين الموسيقار الراحل سيد مكاوي.. وكانت تلك أول وآخر أغنية يلحنها سيد مكاوي لكوكب الشرق، كما كانت هذه الأغنية ذاتها من بين آخر ما غنت أم كلثوم قبيل رحيلها. حيث دخلت قبل هذه الفترة بأيام قليلة في غيبوبة دائمة انتهت برحيلها.
    وشاعرنا اسمه أحمد رامي حسن عثمان الكرتيلي ولد في شهر أغسطس/آب من عام ،1892 في مدينة القاهرة.
    وعاش رامي فترة طفولته وصباه بحي الناصرية بالسيدة زينب، وترجع أصوله إلى إحدى مدن اليونان حيث أن جده لأبيه هو الأميرلاي حسن عثمان الكريتلي نسبة إلى جزيرة كريت اليونانية، وكان يعمل ضابطاً بالجيش العثماني، وجاء إلى مصر مع عائلته في عهد الخديوي إسماعيل، أما جده لأمه السيدة فاطمة فهو الشيخ محمد الغزولي الذي كان يشغل منصب رئيس السجلات بالمحكمة الشريفة.
    اما والد الشاعر أحمد رامي، الذي كان يعمل ضابطاً طبيباً فهو الدكتور محمد رامي الذي تخرج من كلية الطب بعد ميلاد ابنه بعامين واسم أحمد رامي اسم مركب كما أنه اسم ابيه أيضاً مركب.
    ارتبط الشاعر أحمد رامي منذ شبابه بالشعر الذي أجاد تأليفه من الصغر وأخذ ينشر هذه القصائد في الصحف والمجلات.. مما لفت إليه أنظار المغنين في عصره فكانوا يقبلون على الشدو به.. حتى أن إحدى قصائده المنشورة بالصحف آنذاك كانت بداية تعارفه مع أم كلثوم. وظل أحمد رامي يكتب الشعر بالفصحى والعامية حتى وفاته.
    محمود بيرم التونسي
    كانت أم كلثوم.. تعيش دائماً في قلب الأحداث.. رغم انشغالها بأمور الفن والألحان.. لم تنفصل في يوم من الأيام عن هذه الأحداث أو متابعة تفاصيلها والوقوف على نتائجها.
    ليس هذا فقط.. بل وكانت سيدة القصيدة العربية تتابع نشاط بعض السياسيين والأدباء من الذين أوقفوا كلماتهم لأجل الكفاح ضد الملك وضد الإنجليز.
    وكان محمود بيرم التونسي على رأس هؤلاء الأدباء من الذين أشعلوا نار الوطنية وحماس الشعب من خلال ما كان ينشره من أزجال في الصحف والمجلات. الأمر الذي أدى به في النهاية إلى مصير النفي والخروج من مصر مغضوباً عليه.
    ولم تكن أم كلثوم ببعيدة عن ذلك الحماس المنقطع النظير الذي زرعه بيرم التونسي داخل الصدور بما كان يكتبه وينشره من حين إلى حين.. وقد أخذت تعد نفسها لاستقبال كلمات هذا الثائر لكي تغنيها. وتخرج من صوتها بالألحان.
    ومما يمكن قوله في هذا السياق أن سيدة القصيدة العربية هي التي سعت للقاء بيرم التونسي والتعامل مع كلماته. فقد طلبت في يوم من الأيام من ملحنها المفضل آنذاك الشيخ زكريا أحمد أن يعرفها على ذلك الشاعر الذي يكتب في السياسة.
    وبالفعل التقت أم كلثوم مع بيرم في عام 1941.. حيث أخذ يكتب لها الأغنيات العاطفية والوطنية بل وشارك كذلك في كتابة كل ما غنته في فيلمها “سلامة” في عام 1944 و”فاطمة” في عام ،1947 ولقد وصل عدد ما كتبه بيرم التونسي لأم كلثوم طوال فترة تعاملها حوالي 32 اغنية.
    وفي تصور الدكتورة رتيبة الحفني أن سبب لجوء أم كلثوم لبيرم التونسي خاصة خلال فترة الحرب العالمية الثانية ليكتب لها أغنياتها.. هو أن أم كلثوم أدركت أن نهوض رامي بالعبء وحده مهمة صعبة.. وأنها لابد من أن تواكب التطور، وتتجه بأغانيها إلى كلمات شعبية إلى حد ما.. تساير الزمن وتعجب الجمهور.
    ولم يكن أمامها إلا الزجل. وفي الحرب العالمية الثانية حينما أثرت الطبقة الشعبية من التجارة والتوريد، تطلعت هذه الطبقة بحكم الثراء إلى حضور حفلات أم كلثوم، فوجدت أم كلثوم أن هذه العقلية لا يناسبها إلا كلمات الزجل.. وشخصية بيرم التونسي، فأقبلت على فارس هذا الميدان وغنت له العديد من الاغاني في الفترة ما بين عامي 1942 و 1950 أي سنوات الحرب وما تلاها.
    ومن المصادفات العجيبة أن بيرم التونسي بدأ حياته الأدبية شاعراً للفصحى تماماً مثله في ذلك مثل أحمد رامي، وإن لم تغن له أم كلثوم هذه القصائد.
    وكتب بيرم لأم كلثوم عام 1941 اغنيتين الاولى بعنوان: أنا وأنت والثانية بعنوان “إيه أسمى الحب”.
    وكانت هاتان الأغنيتان بداية تعامل طويل دام حتى بعد رحيل بيرم التونسي نفسه وامتد إلى عام 1972.
    وبعد هاتين الأغنيتين التي قدمهما بيرم التونسي لأم كلثوم.. ولحنهما زكريا أحمد تواصل اللقاء والتعاون بين الثلاثة.. فأخرجوا لنا روائع الكلمات وأعزب الألحان ؛ ومما هو ملاحظ في سياق الحديث عن هذا التعاون الفني.. أن محمود بيرم التونسي كان دائماً ما يحرص على تقديم أكثر من عمل فني لأم كلثوم في العام الواحد..
    وكذلك كان يجتهد في إخراج هذه الأعمال في أحسن صورها اللحنية الموسيقار الراحل زكريا أحمد الذي رجع إليه الفضل الأكبر في تهذيب النفوس والأذواق كلمات هذا الزجال والشاعر العبقري.
    فقد كتب بيرم التونسي لأم كلثوم اغنيات الأمل في عام 1946 ولحنها الشيخ زكريا أحمد.. والأولة في الغرام في عام 1944 والحب كده من تلحين رياض السنباطي والورد جميل في عام 1946 وأنا في انتظارك في عام 1943 وأهل الهوى من تلحين زكريا أحمد أيضاً في عام 1944 وأغنية آه من لقاك في عام 1943.
    وشهدت الفترة من عام 1950 - 1960 قمة التألق الفني سواء لأم كلثوم أو لبيرم أو لزكريا أحمد وأحرز بيرم التونسي موقعاً متقدماً من الاهتمام خاصة في مجال الأغنية الوطنية.. وبشكل خاص في فترة ما بعد ثورة يوليو.. ويكفيه شرفاً أنه يرجع اليه الفضل في الترويج لأسماء الرؤساء في أغاني المطربين والمطربات، بعدما استطاع أن يجعل من اسم جمال عبدالناصر أغنية فوق الشفاه يرددها الناس في كل مكان، ولقد اعتمدت عليه أم كلثوم وبشكل خاص في التقرب لزعماء ما بعد الثورة من خلال ما كان يكتبه عنهم وعن إنجازاتهم سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر.
    واغنية القلب يعشق كل جميل التي كتبها بيرم التونسي في عام 1946 ظلت في مخيلة أم كلثوم لأكثر من عشرين عاماً.. خاصة بعدما سمعت ذلك اللحن الشجي الذي كان قد وضعه لها الموسيقار زكريا أحمد.. وغناها بصوته في عام 1946.
    كما يبدو من توقيت الشدو بها أن أم كلثوم سيدة القصيدة العربية أرادت أن تختتم بها حياتها الفنية وهي مناجاة لله سبحانه وتعالى، وهذه الأغنية مسجلة على اسطوانة صوت القاهرة في عام ،1972 وهي من ألحان الموسيقار رياض السنباطي.
    ومما قيل عن سيرة بيرم التونسي الذي غادر دنيانا في 5 يناير/كانون الثاني من عام 1961 وذكره هو، قوله: “انا من مواليد عام ،1893 ومسقط رأسي مدينة الاسكندرية.. اما المنزل الذي ولدت فيه فيقع في الميناء الشرقي خلف مسجد البوصيري”.
    صلاح جاهين
    أثبتت الوقائع والأحداث.. أن شاعرنا صلاح جاهين والذي اشتهر بكونه رسام كاريكاتير وممثلاً أكثر من كونه شاعراً، يعتبر من شعراء المناسبات الوطنية.. سواء بالنسبة لأم كلثوم أو بالنسبة لزميلها عبدالحليم حافظ..
    ولقد تأثر صلاح جاهين كثيراً بفترة يوليو عام 1952 وما تلتها من أحداث سياسية وعسكرية ساخنة امتدت حتى عام 1956.
    ونستطيع أن نؤكد أن صلاح جاهين وكلماته الوطنية الحماسية، قد صادفت هوى في نفس سيدة القصيدة العربية.
    وإذا كان بيرم التونسي قد اخترع فكرة الاحتفال بأسماء الرؤساء والزعماء في اغنيات المطربين.. وأولهم أم كلثوم، فإن الفضل في استمرارية هذا الاختراع يرجع أساساً إلى عبقرية صلاح جاهين، وامتلاكه ناصية الكلمات الوطنية والحماسية شديدة التأثير في الجماهير!
    وكما هو واضح من خلال كلمات صلاح جاهين.. فإنه كان يتقن دغدغة المشاعر والأحاسيس.. خاصة في المناسبات الوطنية والحاسمة.. وقد برز دوره فنياً وأدبياً في مرحلة من أخطر مراحل ثورة يوليو.. بل ومصر كلها عندما تعرضت البلاد لغزو عسكري ثلاثي في عام 1956..
    ولم يتوقف كفاحه بالكلمات عند حدود حنجرة أم كلثوم.. بل شارك هو وزميله الملحن كمال الطويل في بعث صوت وطني جديد هو المطرب عبدالحليم حافظ الذي كان هو الآخر وفي الفترة نفسها يبحث عن مكان أو مكانة فنية تساهم في تثبيت وجوده داخل دائرة الفن.
    وجاء موعد أول تعامل فني مع صلاح جاهين.. حين طلبت أم كلثوم أن تغني له نشيد “والله زمان يا سلاحي” والذي وضع ألحانه كمال الطويل، وهو النشيد الذي غنته سيدة القصيدة العربية في يوليو/تموز عام 1956.. ثم سجلته على اسطوانة صوت القاهرة كما اتخذت منه الثورة نشيداً وطنيآً لمصر خلال الفترة نفسها، ولقد ظل هذا النشيد قابعاً فوق شفاه كل المصريين سواء في المناسبات أو في غير المناسبات حتى مشارف عام 1971.. حين تم تغييره بنشيد وطني آخر هو “بلادي.. بلادي”.
    ولقد اتضح لنا من خلال الاطلاع على أوراق ديوان صلاح جاهين أن هذا النشيد أجريت عليه بعض التعديلات.. كما حذفت منه بعض الأبيات..
    وفي نفس توقيت اختيار أم كلثوم لكلمات النشيد الأول لصلاح جاهين كلفت الموسيقار رياض السنباطي لكي يلحن لها نشيد “الله معك” من تأليف صلاح جاهين أيضا، وكان مواكبا تقريبا لنفس أحداث عام 1956 وصاحبها من اعتداءات بربرية على مصر في ذلك الوقت، هذا النشيد غنته أم كلثوم في عام 1956 وكذلك سجلته
    على اسطوانة صوت القاهرة في التوقيت نفسه.
    وتأثيراً بأحداث تأميم قناة السويس ونجاح المصريين في إدارة القناة بعد انسحاب الموظفين الأجانب.. انفعل صلاح جاهين بهذا الحدث الهام فكتب أغنية اسمها “زفة” وغنتها أم كلثوم في عام 1957 تحت عنوان “محلاك يا مصري”.
    وعن انفعال صلاح جاهين بهذا الحدث الوطني كتب الأديب أحمد زيادة يقول: “وبعد هذا التغني بعظمة المصريين، ومباهاة الأجانب بهم، يتحول الغناء للرجال السمر الشاربين من النيل الذين جاهدوا حتى ظفروا بالنصر، وفرضوا صورة مصر على أحداث الدنيا وأجبروا كل البشر على تحيتهم في أي ميناء، وتستلهم الفرحة أحداث الماضي وما يحمله من جراح لم يمسحها إلا النصر، ويمكن المصريين من حقهم في إدارة شريان الحياة بين السويس وبور سعيد، واستقبالهم لكل العابرين من شرق الدنيا وغربها.، هذه الزفة وهذه الفرحة صاغها صلاح جاهين في كلمات بسيطة سهلة تشربتها روح كل مصري وتغنت بها”.
    وعندما عزمت سيدة القصيدة العربية على التغني بهذه الأغنية كلفت الموسيقار محمد الموجي لكي يضع لحنا مناسباً لها.. وخرجت الأغنية معبرة في وقتها، عن فرحة شعبية غامرة.. بسبب رحيل الأجانب ونجاح المصريين في إدارة قناة السويس.
    ويقول جانب من كلمات الأغنية:
    محلاك يا مصري وأنت ع الدفة
    والنصرة عاملة لى القنال زفة
    يا أهل مصر تعالوا ع الضفة
    شاورولهم وغنولهم وقولولهم
    ريسنا قال ما فيش محال
    راح الدخيل وابن البلد كفي
    حيوا الرجال السمر فوق السفينة
    حيوا اللي جاهدوا عشان يفرح وادينا
    يا أهل مصر تعالوا ع الضفة
    شاورولهم وغنولهم وقولولهم
    ريسنا قال ما فيش محال
    راح الدخيل وابن البلد كفي
    وبالرجوع إلى ديوان صلاح جاهين الذي نشر به هذه الأغنية اكتشفنا وجود عدة تغيرات أدخلتها أم كلثوم والملحن محمد الموجي على كلمات هذه الأغنية ومن أهم التغيرات.. أن أم كلثوم اختارت كلمة يا “أهل مصر” - في البيت الذي قالت فيه:
    يا أهل مصر تعالوا على الضفة
    شاورولهم وغنولهم وقولولهم
    وذلك بدلاً من كلمتي “يا ولاد بلدنا”.. التي كان قد كتبها صلاح جاهين في الأغنية نفسها. كما أسقطت أم كلثوم من هذه الأغنية بيتا قال فيه صلاح جاهين:
    نظرت لنا الدنيا وشافت عملهم
    مدحت بكل لسان على كل مينا
    وفي البيت الذي قالت فيه أم كلثوم:
    حبايبنا شرق وغرب جايين بلادنا
    والورد والياسمين هدية ولادنا
    غيرت فيه كلمة “هدية ولادنا” بدلاً من كلمة “هدية بلادنا”.
    والشاعر صلاح جاهين وكما سبق القول.. هو مجموعة مواهب كانت تتحرك فوق الأرض.. وتسير حيث كان يمشي.. ويكفينا هنا أن نسوق للتدليل على ذلك ما قاله الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب حين عرف برحيل صلاح جاهين - حيث قال: “لم نفقد صلاح جاهين، بل فقدنا بموته.، مجموعة فنانين، ومنهم الرسام والشاعر والساخر والزجال والقصص والممثل والسينارست”.
    ولد صلاح جاهين في 25 ديسمبر/كانون الاول من عام 1930 في محافظة سوهاج، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة أسيوط ثم درس في قنا، قبل أن يتوجه بشكل نهائي إلى الرسم والشعر، وصلاح جاهين اسمه وفق الإجماع محمد صلاح الدين حلمي الشهير بصلاح جاهين، وقد اختار اسم جاهين لأنه اسم جد من أجداده، وهو حفيد الصحافي الثائر أحمد حلمي.
    وعندما انتهى صلاح جاهين من دراسته الثانوية ألحقه والده بكلية الحقوق لكي يتخرج ليعمل في سلك القضاء مثل والده المستشار بمحكمة الاستئناف، إلا أن صلاح جاهين لم يطق دراسة القانون فالتحق بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة، ومع ضغط الأسرة عاد صلاح من جديد إلى كلية الحقوق ليرضي رغبة والده، وفيها وصل إلى السنة الثالثة، ومع ذلك تركها ليعود من جديد إلى كلية الفنون الجميلة.
    واشتغل بالرسم في الصحف والمجلات ثم سافر إلى السعودية وعمل هناك في جريدة الرياض ثم عاد إلى القاهرة ليعمل رساماً للكاريكاتير في مجلة القاهرة، وكانت هذه الخطوة بداية تعامله مع الصحافة سواء على مستوى فن الكاريكاتير أو فن الشعر والزجل.
    بدأ مشوار صلاح جاهين مع الشعر في عام 1955 بقصيدة نشرها بعنوان “الشاي واللبن”. ثم واصل رحلته الشعرية التي أثمرت عن ستة دواوين، كان آخرها الرباعيات، وشارك صلاح جاهين إلى جانب ذلك في كتابة عشرات الأغنيات خاصة الوطنية لكبار المطربين المصريين بخلاف أم كلثوم.
    كما ساهم في كتابة سيناريوهات التمثيل في أربعة أفلام سينمائية وكذلك عدة مسرحيات وأوبريتات غنائية من أشهرها أوبريت “الليلة الكبيرة”.
    وهو أول رسام يحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام ،1965 قد ارتبط صلاح جاهين سواء في مجال الرسوم أو الأشعار بأحداث ثورة يوليو عام ،1952 وظل مرتبطاً بها وبزعيمها في وقوع نكسة عام ،1967 هذه النكسة التي أثرت في حياته وأصابته بنوع من الاكتئاب الذي جر عليه هموم الأمراض والتي كان آخرها مرض انسداد في شرايين القلب والذي مات بسببه في عام 1986.. وعن عمر يناهز السادسة والخمسين.


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



                  

07-13-2004, 08:17 PM

Omar
<aOmar
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شعراء أم كلثوم ... (Re: Omar)

    From: Al Khaleej arabic newspaper


    شعراء أم كلثوم ... ( 10 )
    غرور مأمون الشناوي يبعده عن كوكب الشرق 20 عاماً





    * رائعة أحمد شفيق كامل تجمع العملاقين في لقاء السحاب

    * جمال عبد الناصر حرص على حضور حفل “أنت عمري”



    حنفي المحلاوي



    لعبت سيدة الغناء العربي أم كلثوم دوراً ريادياً وغير مسبوق في خدمة الأدب العربي، خاصة في مجال الشعر، إذ تبين لنا وللآخرين ومن بعد طول صحبة لهذه الفنانة المعجزة، أنها قد أخذت خلال رحلتها الفنية الطويلة التي امتدت لأكثر من نصف قرن بيد أكثر من أربعين شاعراً مصرياً وعربياً ومن الدول الإسلامية، نحو الشهرة والمجد.

    ونقول ذلك على الرغم من وجود العشرات من هؤلاء الشعراء من المشاهير في حياتنا الأدبية، من الذين كتبوا قصائد وأشعار لأم كلثوم لأجل أن تشدو بها وبصوتها الجميل، أو من الذين اختارت لهم أم كلثوم كلمات وقصائد بعينها لنفس الغرض، هؤلاء الشعراء ازدادت شهرتهم حين تغنت بكلماتهم سيدة الغناء العربي. ذلك من منطلق أن الشعر إذا ما خرج من الأوراق إلى الحناجر والأفواه يدوم أكثر، ويستمر في الوجدان والأفئدة، حتى لو كان مكتوباً بماء الذهب ومصحوباً بالرسوم الملونة، فما بالنا لو انطلق هذا الشعر المكتوب من حنجرة وفم معجزة الغناء خلال القرن العشرين، ومصحوباً بأرق وأروع الألحان التي وضعها كبار الملحنين، خلال فترات متباعدة من رحلة أم كلثوم الفنية.

    والحديث عن الشعر وعن الشعراء له مذاق وطعم خاص، باعتباره كان ولايزال المصدر الرئيسي للمتعة الفكرية والذهنية والروحية والعاطفية، ليس في أدبنا العربي فقط بل وفي كل آداب لعالم، والحديث عن الشعر بنوعيه الفصيح والعامي، يزداد مذاقه حلاوة حين نربطه بصوت أم كلثوم وبرحلتها الفنية الطويلة التي اقتربت من نصف قرن من الزمان والتي يرجع إليها الفضل في ترديد الناس لأشعار كبار الشعراء سواء من القدامى أو من المحدثين، مما ساهم في إنعاش حركة الشعر العربي، وجعل العامة حتى في الشوارع والطرقات وعلى المقاهي يحبونه ويحبون سماعه وترديده، بل وجعل فريق آخر من هؤلاء يقبل على اقتناء دواوين هؤلاء الشعراء وقراءة أشعارهم سواء العاطفية أو الوطنية، والشاعر الكبير إبراهيم ناجي وأمير الشعراء شوقي وعلي الجارم ليسوا ببعيدين عن هذا المثال. بل أكثر من ذلك فقد ساهمت أم كلثوم في إنعاش ذاكرة الناس فيما يتعلق بهؤلاء الشعراء وسير حياتهم.. حتى من الشعراء القدامى من الذين تزخر بهم وبكلماتهم كتب التراث، ودواوين الشعر القديمة.

    هناك حكايات كثيرا ما نرددها ولا نعرف أصلها، إلا حين يرحل أصحابها. ومأمون الشناوي وأحمد شفيق كامل وعبد الفتاح مصطفى لهم ذكريات وحكايات جميلة مع كوكب الشرق أم كلثوم لم يعلن عنها إلا بعد رحيلهم.
    مأمون الشناوي
    ربما يكون الشاعر الغنائي الراحل مأمون الشناوي، أول من يعترض من شعراء أم كلثوم على إجراء أية تعديلات على كلمات قصائده، وفق ما كانت تطالب به أم كلثوم.
    ولقد مر بنا من قبل حكاية عشرات الشعراء سواء من المصريين أو العرب القدامى أو المحدثين.. من الذين استسلموا لإرادة أم كلثوم الحديدية، ووافقوا فورا على إجراء ما رأته من تعديلات، لم تتوقف عند حد إضافة كلمة بدلا من أخرى، بل تعدى ذلك إلى تغيير في بعض الأبيات سواء من حيث الاضافة أو الحذف.
    وصلابة موقف الشاعر مأمون الشناوي وتمسكه بعدم إجراء أية تغييرات لفظية أو عبارية على كلمات قصائده تسبب في تأخير تعامله مع صوت سيدة القصيدة العربية ما يقرب من عشرين عاما.
    وبصرف النظر عن صواب أو خطأ هذا الرأي سواء من جانب أم كلثوم أو من جانب مأمون الشناوي، فقد نجح الأخير في إقناع مطربين آخرين بالتغني بكلماته بدون تعديل وفق ما أعلنه هو في العديد من أحاديثه الصحافية.
    ولقد ظل النجاح يلاحقه من خلال الروائع الغنائية التي قدمها لهؤلاء المطربين خاصة فريد الأطرش، كما ظل حلم صوت أم كلثوم ممزوجا بالألحان، يلاحقه أيضا في السر وفي العلن حتى استسلم بعد أربعة وعشرين عاما لرأي أم كلثوم ووافق على إجراء ما طلبته من تعديلات على أغنيته الأولى “أنساك”، وهي الأغنية الرائعة التي غنتها أم كلثوم في عام 1960.
    وأشار إلى عناد الشاعر مأمون الشناوي خاصة مع أم كلثوم الناقد الفني الكبير الراحل جليل البنداري الذي قال في إحدى مقالاته: “.. والشاعر الذي يرفض الاستجابة لرأي شاعرة الحب والجمال، إما أن يكون مجنونا وإما أن يكون مغرورا” وأكد جليل البنداري في المقالة ذاتها أن مأمون الشناوي قد اعترف له بأنه كان برفضه هذا يعد بالفعل مجنونا.. ولقد عبر عن ذلك بقوله: وقال لي واحد من شعرائها وهو مأمون الشناوي: “لو لم أكن مجنونا ومغرورا لتغنت أم كلثوم بشعري منذ عشرين عاما”.
    ورغم هذا الجنون والغرور الذي اتصف به شاعرنا مأمون الشناوي فيما يخص علاقته والشعر مع سيدة القصيدة العربية.. فقد تغنت بكلمات أربع أغنيات على جانب كبير من الأهمية من حيث المعنى والأسلوب والإبداع، وذلك خلال أقل من عشر سنوات ولولا تلك الصفات التي اطلقها البنداري على مأمون الشناوي وقبول الأخير لتلك الصفات. لتغنت أم كلثوم بكلماته أكثر من ضعف هذا العدد خاصة إذا ما عرفنا أن شاعرنا الراحل الكبير مأمون الشناوي كان قد عرض على أم كلثوم في عام 1944 أول قصائده الغنائية وهي كلمات أغنية: “حبيب العمر”.. وقد أرادت إجراء بعض التعديلات على بعض كلماتها، فرفض مأمون الشناوي وتمسكت أم كلثوم بوجهة نظرها، وعلى الفور أعطاها إلى الملحن والمطرب فريد الأطرش الذي تغنى بها كأروع أعماله غناء ولحنا.
    وتكرر نفس السيناريو مرة ثانية مع أغنيته الشهيرة “الربيع”.. التي أعطاها أيضا للفنان فريد الأطرش !.
    وفي عام 1955.. أي بعد تسع سنوات قدم مأمون الشناوي لأم كلثوم أغنية ثالثة وهي أغنية “كلمني عن بكره”، وكانت أم كلثوم خلال هذه الفترة قد انشغلت بالعدوان الثلاثي على مصر.. فلحنها كمال الطويل للمطربة نجاة الصغيرة.
    وفي عام 1957.. تقدم مأمون الشناوي بتجربته الأخيرة لأم كلثوم عساها أن تقتنع بوجهة نظره.. فكتب لها أغنية “أنساك”، وبعد عدة مداولات ولقاءات اقتنع مأمون الشناوي بوجهة نظر أم كلثوم خاصة عندما طلبت منه إدخال تعديلات على هذه الأغنية، وظلت هذه المداولات قائمة على قدم وساق بين الشاعر وبين أم كلثوم طوال ثلاث سنوات.. حتى استقر الأمر فيما بعد وخرجت أغنية “أنساك يا سلام”.. من تلحين الموسيقار بليغ حمدي في ثالث لقاء من ألحانه مع سيدة القصيدة العربية.
    أما عن كلمات هذه الأغنية فهي كما غنتها أم كلثوم:
    أنساك.. ده كلام.. أنساك.. يا سلام
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا ولا فكر فيه أبدا
    ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم.. غيرك أبدا
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا
    ولا ليلة ولا يوم.. أنا دقت النوم.. أيام حبك
    كان قلبك فين وحنانك فين كان فين قلبك
    أنا أنسى جفاك وعذابي معاك ما نساش حبك
    أنساك.. ده كلام أنساك يا سلام
    وأحب تانى ليه وأعمل في حبك إيه
    ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدا
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا
    ذكريات حبي وحبك مانساهاش هي أيامي اللي قلبي فيها عاش
    فيها أحلامي قلتها وحققتها لي فيها أحلامي لسه أنا ما قلتهاش
    اللي فات من عمري كان لك من زمان
    واللي باقي منه جاي لك له أوان
    وأحب تاني ليه وأعمل في حبك إيه
    ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدا
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا
    كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله
    سنين بحالها ما فات جمالها على حب قبله
    سنين ومرت زي الثواني في حبك أنت
    كل العواطف الحلوة بينا كانت معانا حتى في خصامنا
    وإزاي تقول أنساك وأتحول وأنا حبي لك أكثر من الأول
    وأحب تاني ليه.. وأعمل في حبك إيه
    ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبدا
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا
    ويحدثنا المؤرخ والكاتب الصحافي الراحل جليل البنداري عن أهم التعديلات التي طلبتها أم كلثوم من مأمون الشناوي خاصة بالنسبة لهذه الأغنية فيقول:
    “في عام 1957 كتب مأمون الشناوي أغنية ثالثة لأم كلثوم وقال لها: هذه ثالث أغنية أكتبها لك والثالثة تابتة!.
    وكانت كلمات هذه الأغنية تبدأ هكذا:
    إياك فاكرني أحب تاني
    وأحب إمتى وأنت اللي عارف
    أول وآخر الحب أنت
    دمعي وابتسامي.. شوقي وحناني
    كل العواطف وهبتها لك
    لك وحدك أنت
    وأحب تاني ليه وأقول لقلبي إيه
    هو اللي حبك يحب تاني!
    وقرأت أم كلثوم الأغنية وقالت: “هذا دخول في الموضوع بلا مقدمة، يعني الرواية بتبتدي من الفصل الثاني” وعندما دخلت هذه الأغنية في مرحلة التنفيذ أمسكت أم كلثوم بالمشرط وأخذت تستأصل بأصابع الجراحة الماهرة على حد قول جليل البنداري.. الكلمات الزائدة، فأستأصلت من الأغنية مثلا هذه الكلمات:
    إن كان ده خصام على العين والراس
    الصلح جميل والناس للناس
    وفي هذه الأثناء والكلام أيضا لا يزال على لسان جليل البنداري كتب مأمون الشناوي الفصل الاول أو مقدمة الأغنية هكذا:
    أنساك يا سلام أنساك ده كلام
    أهو ده اللي مش ممكن أبدا ولا أفكر فيه أبدا
    ونحن نضيف إلى ما سبق ذكره أستاذنا جليل البنداري.. بخصوص هذه الأغنية.. أن الشاعر الكبير مأمون الشناوي، قد أجرى تعديلات أخرى كثيرة على هذه الأغنية.. وربما كان قد أعاد صياغتها مرة أخرى حتى خرجت بالشكل الذي ارتضته أم كلثوم.. وعانقت كل الآذان بهذه الروعة التي أبدع من خلالها موسيقاها بليغ حمدي.
    وبعد نجاح “أنساك يا سلام” كتب مأمون الشناوي رائعته الثانية لأم كلثوم وهي أغنية “كل ليلة وكل يوم” من ألحان بليغ حمدي أيضا الذي وجد نفسه وموسيقاه مع كلمات مأمون الشناوي.
    ونكاد نجزم أن هذه الأغنية أيضا قد خضعت لمشرط أم كلثوم.. من حيث الشطب والتعديل والتبديل.
    وفي عام 1965.. تغنت أم كلثوم بثالث أعمال مأمون الشناوي وهي أغنية “بعيد عنك حياتي عذاب”، وهي من تلحين بليغ حمدي.
    وبعد هذا التاريخ بخمس سنوات غنت أم كلثوم آخر روائع مأمون الشناوي.. ففي عام 1970 وبالضبط في الحفل الذي أقامته يوم الخميس 5 مارس/آذار في عام 1970 غنت كوكب الشرق أغنية “ودارت الأيام” من تلحين الموسيقار محمد عبد الوهاب.
    وشاعرنا مأمون الشناوي بدأ حياته الفنية شاعرا وزجالا.. وكتب أيضا الأغنية الفصيحة. وولد في 28 يناير/كانون الثاني عام 1914.. واسمه بالكامل محمد مأمون الشناوي وكان الميلاد في حي السيالة بالإسكندرية وهو نفس الحي الذي ولد فيه من قبل الزجال العظيم بيرم التونسي.
    وبدأ مأمون الشناوي حياته العملية صحافيا في مجلة روز اليوسف في عام 1936 وظل بها حتى عام 1938. بعدها انتقل للعمل صحافيا بمجلة آخر ساعة عام 1945 وحتى عام 1960 عندما انتقل إلى جريدة أخبار اليوم، ثم إلى جريدة الجمهورية التي ظل يعمل بها حتى تفرغ لتأليف الأغاني في عام 1962.
    كتب مأمون الشناوي كلمات أكثر من ألف أغنية للعديد من المطربين المصريين من أمثال محمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وعبد الحليم حافظ وآخرين، وكان قد بدأ تعامله مع شعر الأغاني منذ شبابه الأول حين غنى له المطرب محمد صادق.. بعدها كتب 5 أغانٍ في فيلم “عصافير الجنة”.. وكلمات أغاني فيلم “يوم سعيد”، وغيره من الأفلام الغنائية والاستعراضية، وقد رحل عن عالمنا في عام 1994 بعد رحلة قصيرة مع المرض ! وكان عمره يناهز الثمانين عاما.
    أحمد شفيق كامل

    يكفي هذا الشاعر فخرا أن كتب للأغنية العربية والوطنية أشهر ما تغنى به كبار المطربين المصريين والعرب، وعلى رأسهم محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وآخرون.
    وكلنا بطبيعة الحال لا يزال يتذكر تلك الأغنية الوطنية أو تلك الأنشودة الرائعة التي تغنت بها كل الشعوب العربية في حينها، وهي “وطني الأكبر”.
    وكذلك مازلنا نتذكر لهذا الشاعر الكبير أغنية “خلي السلاح صاحي”، وأغنية “مطالب شعب” والتي عبر من خلالها عن آمال وطموحات شعب تمسك بأعمال قائده حين وقف وراءه بعدما أعلن عن تأميم قناة السويس في عام 1956.
    كذلك يكفي الشاعر الكبير أحمد شفيق فخرا.. أنه صاحب إحدى العلامات المضيئة في حياة سيدة القصيدة العربية أم كلثوم.. حيث تحقق على يديه ومن خلال كلماته ذلك اللقاء التاريخي الذي انتظرناه عشرات السنين بين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وسيدة الغناء العربي أم كلثوم.. وقد جمع بينهما في لقاء السحاب في عام 1964 عندما تغنت أم كلثوم بكلمات أغنية “أنت عمري”.
    وبصرف النظر عما قيل بشأن تحقيق هذه الخطوة.. سواء تدخل لاتمامها الرئيس جمال عبدالناصر كما أشيع أو لم يتدخل، فقد تم فعلا ذلك التعاون الفني بين عملاقين أحدهما في الموسيقا والآخر في الغناء، وكان مسرح العمليات على حد تعبير رجال القوات المسلحة.. هو حنجرة أم كلثوم التي أبدعت أغنية أنت عمري، وفتحت الباب على مصراعيه لمزيد من التعاون بين عبدالوهاب وأم كلثوم.. سواء في مجال الأغنية العاطفية أو الوطنية.
    ويعتبر الشاعر الغنائي أحمد شفيق كامل من الشعراء القلائل الذين لا يفرطون بسهولة في كلمات أغنياتهم.. وبالتالي فقد ارتطم بعدة مواجهات مع أم كلثوم عندما كانت تريد تغيير بعض الكلمات: وقد تغنت له بكلمات أربع أغنيات خلال أقل من عشر سنوات الأغنية الأولى هي “أنت عمري” في عام ،1964 والثانية في عام 1965 “أمل حياتي”، وبعد هذا التاريخ بست سنوات عادت أم كلثوم لتغني لأحمد شفيق كامل أغنية ثالثة “الحب كله” من تلحين بليغ حمدي الذي خالف بذلك ما كانت تنوي عليه أم كلثوم من تخصيص موسيقا محمد عبدالوهاب لكلمات أحمد شفيق كامل. ولكنها سرعان ما عادت إلى ما عزمت عليه من قبل فتم اللقاء الثالث بين عبدالوهاب وأحمد شفيق كامل واللقاء الرابع لأم كلثوم مع كلمات أغنية “ليلة حب”.
    ولقد شدت أم كلثوم برائعة أحمد شفيق كامل “أنت عمري” يوم الخميس 5 فبراير/شباط عام 1964.. وحضر الحفل جميع قيادات الحكم وعلى رأسهم جمال عبد الناصر.
    قال أحمد شفيق كامل عن ذكرياته مع هذه الأغنية: “في بداية علاقتي بأم كلثوم سمعت عن تغييرها في كلام الشعراء الذي تغنيه، وكنت متأكدا من هذه المشكلة وأنها سوف تواجهني، فاستعنت بالله على مواجهتها رغم علمي بقدر نفسي جيدا، وكانت أغنية “أنت عمري” التي اشتهرت بلقاء السحاب لأنها أول عمل يجمع بين كوكب الشرق ومحمد عبد الوهاب، وأذكر أن مطلع الأغنية كان:
    شوقوني عينيك لأيامي اللي راحوا، فطلبت أم كلثوم تغييرها إلى: “رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا”.
    فكان هناك مقطع آخر يقول: “من حنان قلبي اللي بيشابي حنانك” فغيرته إلى: “من حنان قلبي اللي طال شوقه لحنانك”.
    والشاعر أحمد شفيق كامل ولد في 4 نوفمبر من عام 1923 وتخرج في كلية التجارة جامعة القاهرة في عام 1948.. ثم حصل على دبلوم معهد الضرائب عام ،1951 لذلك كان أول عمل له في مصلحة الضرائب، واستمر به ثماني سنوات، ثم التحق بالعمل في مكتب الدكتور عبد المنعم القيسوني في أيام الوحدة حتى عام 1966.
    كما التحق بعد ذلك بسلك التمثيل التجاري، فعمل مستشارا تجاريا للسفارة المصرية بالسعودية من عام 1968 حتى عام ،1972 ثم من عام 1975 حتى سنة ،1978 وانتقل إلى أنقرة واسطنبول رئيسا للمكتبين التجاريين هناك إلى أن عاد نهائيا في أوائل عام ،1984 ثم إحيل إلى المعاش، واستقر بمنزله جاردن سيتي ليكتب فيه أشعاره وأغانيه.
    وأخذ أحمد شفيق كامل يبرز كشاعر للوطنيات، فكتب أول ما كتب نشيد “قولوا لمصر تغني معايا في عيد تحريرها” ثم كتب “الوطن الأكبر” كما كتب أغنية حكاية شعب لكي تغني في عيد وضع حجر الأساس للسد العالي عام 1960.
    عبدالفتاح مصطفى

    ارتبطت بداية الشاعر الراحل الكبير عبد الفتاح مصطفى بالفصحى، وقد كتب بها العشرات من القصائد خاصة في بداية مشواره الأدبي وكانت إحدى هذه القصائد التي نشرها في الصحف في عام ،1947 وهو لا يزال طالبا بالمرحلة الثانوية، سبيله للتعامل مع الإذاعة من خلال المطربين والملحنين.
    ومما يحكيه هو في هذا السياق.. أن قصيدته الطويلة التي نشرها آنذاك، كان قد قرأها أحد المسؤولين بالإذاعة، فاقترح عليه أن يبعثها إلى المسؤولين بهذا الجهاز الإعلامي الكبير فاستدعوه وطلبوا منه كتابة مجموعة من القصائد، تم اختيار إحداها ليلحنها له الموسيقار محمد عبدالوهاب وكانت بعنوان: “عروس النيل”.
    ولم يكتف عبد الفتاح مصطفى آنذاك بكتابة هذه النوعية من القصائد، بل كتب للإذاعة العديد من الصور الغنائية المشهورة مثل أوبريت “عوف الأصيل” و”عذراء الربيع”.
    ولاشك أن كل هذه التجارب الإبداعية لم تكن ببعيدة عن فكر فنانة عظيمة مثل أم كلثوم التي بدأت تتجه أنظارها إلى كلمات أغنياته وبالتالي بحثت جديا في التعامل معه، ولقد أثمر هذا التعامل عن خروج أجمل اثنتي عشرة أغنية وطنية وعاطفية ألفها عبد الفتاح مصطفى لأم كلثوم في الفترة من يوليو عام 1957 وحتى عام 1967.
    والملاحظ أن تعامل أم كلثوم مع كلمات هذا الشاعر الكبير قد بدأت مع الأغنية الوطنية عندما غنت له أغنية أو نشيد “إنا فدائيون” والتي كتبها عبد الفتاح مصطفى باللغة العربية الفصحى.. كما انتهت كذلك بالأغنية الوطنية عندما غنت له أغنية “طوف وشوف” في عام 1967.
    إنها قصة شاعر مصري حديث جرب ألوانا شتى من الأدب، مع أنه قد اشتهر في مجال الأغنية، سواء بالنسبة لما كتبه لأم كلثوم أو لغيرها من الفنانين، رغم أن هذه الشهرة قد ازدادت مساحتها عندما عرفت كلمات أغانيه طريقها نحو حنجرة سيدة القصيدة العربية.
    ففي شهر يوليو/تموز من عام 1957 غنت أم كلثوم نشيد “إنا فدائيون” من ألحان الموسيقار بليغ حمدي والذي كان في هذه الفترة يتحسس هو الآخر طريقه الفني، بعد ما لحن لغير أم كلثوم لقد “أراد بذلك أن يدخل بنفسه في دائرة الشهرة وتصادف أن يدخل معه في نفس التوقيت الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وكانت قصيدة أو نشيد “إنا فدائيون” هي الأرض الخصبة التي التقيا فوقها.. محرزين بذلك صك الشهرة من خلال صوت أم كلثوم.
    وبعد أن شدت أم كلثوم بهذا النشيد اختارت مرة أخرى أغنية وطنية بعنوان: “منصورة يا ثورة أحرار”.. من تلحين رياض السنباطي.
    ويبدو أن هذه الأغنية قد جاءت في سياق اهتمام أم كلثوم بالجانب الوطني الذي قررت سلوكه بعد ثورة يوليو، وفي ضوء المحن العديدة التي مرت بها مصر بعد قيام هذه الثورة.
    ويتوالى فيض هذا الشاعر الذي أراد بكلماته أن يعبر عما كانت تمر به مصر خلال فترة الخمسينات، ولقد وجد في حنجرة أم كلثوم خير موصل لهذه المعاني التي فرضت نفسها على الجميع، وبات الناس يرددونها في الشوارع بمناسبة وبغير مناسبة، فقدم لأم كلثوم أغنيته الوطنية الثالثة “ثوار” من تلحين رياض السنباطي، وكانت من أشهر ما غنته أم كلثوم في سلسلة أغنياتها الوطنية على الاطلاق، حتى اعتقد الناس وبعض المؤرخين والنقاد انها من تأليف الشاعر صلاح جاهين.
    وبعد “ثوار”، واصلت أم كلثوم مشوارها الفني معه، على نفس درب الأغنية الوطنية، فغنت له بعد ذلك خمس أغنيات على قدر عال من الأهمية فنيا ووطنيا، وهذه الأغنيات بالترتيب الزمني: “الزعيم والثورة” في عام 1963 من تلحين رياض السنباطي، يا صوت بلد، في عام 1964 من تلحين محمد الموجي، يا حبنا الكبير في عام 1965 من ألحان رياض السنباطي، وكذلك أغنية يا سلام على الأمة في العام نفسه.
    ويختتم عبد الفتاح مصطفى إنتاجه المتميز في مجال الأغنية الوطنية، بالأغنية المتميزة “طوف بجنة ربنا” عام ،1967 وهي من تلحين رياض السنباطي، ويكون بذلك العدد الإجمالي لكل ما غنته أم كلثوم من أشعار عبد الفتاح مصطفى.. خاصة في مجال الأغنية الوطنية ثماني أغنيات من أصل 12 أغنية هي كل ما غنته أم كلثوم لعبد الفتاح مصطفى على مدى عشر سنوات.
    وعلى الرغم من أن سيدة القصيدة العربية قد تغنت بكلمات هذا الشاعر في مجال الأغنية الوطنية خلال سنوات 1957 و1958 و1961 و1963 و1964 و1965.. إلا أنها لم تنس أبدا أنه كان من الشعراء المصريين المعاصرين الذين كان لهم باع طويل ودراية واسعة بالأحاسيس الإنسانية والمشاعر العاطفية الفياضة.
    ولقد تجلى ذلك بوضوح في كلمات الأغنيات العاطفية الثلاث التي كتبها عبد الفتاح مصطفى لأم كلثوم.. وهي أغنية “لسه فاكر قلبي يديلك أمان” في عام 1963 من ألحان رياض السنباطي والأغنية الشهيرة: “ليلي ونهاري” التي تغنت بها أم كلثوم في عام ،1965 ورائعته الأخيرة لأم كلثوم “أقول لك إيه عن الشوق يا حبيبي”.. في العام نفسه ومن تلحين رياض السنباطي أيضا.
    الشاعر عبد الفتاح مصطفى ولد بحي الجمالية بالقاهرة مع مطلع عام ،1924 ووالده هو الشيخ مصطفى الغمراوي العالم الأزهري المرموق.. الذي رحل وهو في سن مبكرة، حيث تولت والدته تربية ابنها الوليد تربية دينية وثقافية.
    والتحق الطفل عبد الفتاح مصطفى في المدارس الحكومية مثل بقية أقرانه، وبعد المرحلة الثانوية التحق بكلية الحقوق التي تخرج منها في عام ،1952 ثم حصل على دبلوم في الشريعة في عام ،1954 ومع حصوله على هذا الدبلوم العالي بدأ يتجه إلى الكتابة الدينية، فكتب مجموعة من القصائد والأغاني الدينية.
    وقد بدأ مرحلة جديدة في حياته الأدبية عندما أقنعته سيدة القصيدة العربية أم كلثوم لكي يكتب الأغنية العاطفية.
    التحق عبد الفتاح مصطفى للعمل في بداية حياته رئيسا لمأمورية الشهر العقاري بالقاهرة والجيزة، ثم انتقل بعد ذلك للعمل في المؤسسة المصرية العامة للإسكان مستشارا قانونيا في بداية الستينات.
    كما شغل كذلك مهنة التدريس بالجامعة، عندما عين أستاذا زائرا في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وكتب عبد الفتاح مصطفى أولى أعماله الإبداعية وهو في سن الخامسة عشرة..وظل عطاؤه الأدبي مستمرا في العديد من الألوان الأدبية والإذاعية، حتى رحل عن عالمنا في فجر يوم الجمعة الموافق 13 يوليو من عام 1984 بمستشفى القلب بإمبابة.


    ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة



    (عدل بواسطة Omar on 07-16-2004, 08:03 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de