|
الحياد الاعلامى بين الحقيقه و الخيال
|
طبعا من الواضح أننا أصبحنا فى هذا العصر الاعلامى والمعلوماتى المكتظ بالفضائيّات و مواقع الانترنت..الخ الخ ننظر الى علاقتنا مع العالم الخارجى عبر وسائل الاعلام ونقل المعلومات
ولكن...
لحظة من فضلك...
فعلاقتنا هذه مع العالم الخارجى لاتقوم على ذلك فقط...بل أيضا على منظوماتنا الفكريّة ومعتقداتنا وأيديولوجيّاتنا التى تتلقّى ماتحمله الينا وسائل الاعلام ثم تقوم بتصفيتها وغربلتها حسبما يروق لنا
نعم....نحن قد نكون منفتحون الى أقصى الحدود على الأخبار مثلا (حيث لايكون لنا رأى أو مستبق) بحيث يصبح الخبر ليس الاّ صدى حينما لاتكون لدينا بنية تحتيّة عقليّة أو أيديولوجيّة قادرة على (بل و أحيانا ساعية الى ) تفنيد الخبر و التعامل معه بصورة انتقائية تطوّع الخبر بالكيفيّة التى تروق لنا.... ولهذا فانه بالمقابل حينما نمتلك أفكارا ومعتقدات أو أيديولوجيّات صلبة وراسخة فاننا نجد أنفسنا نتقبّل جدّا كل الأخبار التى تؤكّد وتصب بالايجاب فى خانة هذه المعتقدات والأفكار والأيديولوجيّات بينما نكون متشكّكين جدّا بالأخبار التى تعاكسها (بل ومكذّبين لها تارة أو متجاهلين لها تماما تارة أخرى)
الغريب هنا أننا (كبشر) أصبحنا قادرين على مقاومة الأخبار غير المطابقة لأيديولوجيّاتنا عن طريق اجبار عقولنا لاشعوريّا على ادراك هذه الأخبار بوصفها أكاذيب مضلّلة أو مدسوسة لا بوصفها أخبارا
الشيئ المؤسف هو أن منظوماتنا العقليّة تنتقى الأخبار وتصفّيها وتفلترها حسبما تريد وليس حسبما يجب أن تكون عليه الأمور لأننا نريد أن نجهل ونجهّل ونرفض ونفسّخ و نهمّش كل ما لانريده أن يخدش مانعتقد فيه ونؤمن به فمثلا :
الألمان الّذين أرادوا أن يجهّلوا معسكرات الاعتقال النازيّة جهّلوها.. واستقبل السكّان الألمان فى عام 1945 صور معسكرات الموت ورواياتها على أنها أكاذيب دعائية
الشيوعيّون الذى أرادوا أن يجهّلوا معسكرات الموت والتعذيب المشهورة باسم معسكرات "الجولاج" جهّلوها وظل الشيوعيّون ينظرون الى تقرير "أرخبيل الجولاج" على أنه مكيدة و فريّة دعائية
والفرنسيّون الذين أرادوا تجهيل التعذيب والقمع فى الجزائر جهّلوه
والأمريكان الذين أرادوا تجهيل فظائعهم فى فيتنام وملابسات القائهم للقنبلة الذرّية على اليابان و تخطيطاتهم المسبقة لتحقيق أهدافهم (الأصليّة) فى أفغانستان و الخليج العربى والشرق الأوسط بكامله جهّلوا كل ذلك
والاسرائيليّون الذين أرادوا تجهيل مذابحهم المستمرّة ضد الفلسطينيين جهّلوها ووصموا الأخبار الواردة عنها بأنها أكاذيب دعائية معادية للسامية
والعرب الذين أرادوا أن يجهّلوا تحجّرهم الفكرى وتخلّفهم العلمى وهلاوسهم السياسيّة جهّلوها واصفين الأخبار المبرزة لها بأنها ألاعيب دعائية لكسر شوكة العرب ملقين باللائمة على الخونة والمرتزقة من أعداء الأمّة
والليبراليين الّذين أرادوا أن يجهّلوا اللاانسانية واللاعدالة التى يتعامل بها الغرب مع الأمّة العربيّة جهّلوها ملقين بكامل اللائمة على ضعف العرب الداخلى
والاسلاميّون الّذين أرادوا أن يجهّلوا اغراق الاسلاميّون للجزائر فى حمّامات الدم واغراقه الاسلاميّون لأفغانستان فى مستنقع الجهل والفقر والمرض قد جهّلوها معتبرين أن تلك الأخبار لاتعدو كونها تربّصا لمد حركات الاسلام السياسى و تشويها دعائيّا لها
وهكذا...يرتّب المرء ذهنه ويبرمجه من أجل عدم رؤية ما لايريد أن يراه ويكف عن رؤيته بالنظر الى شيئ آخر مستخدما بذلك التكتيك الادراكى اللاشعورى المعروف باسم "تحويل الانتباه الذاتى المستمر"
وللحديث بقيّة
|
|
|
|
|
|