|
لمن نكتب تاريخنا..؟!
|
عكس الريح
د. معز عمر بخيت [email protected]
لمن نكتب تاريخنا..؟!
كنا على وشك تحديد موعد لنشاط جامعي وهو احتفاء ببعض المبرزين. قررنا أن يكون الميعاد هو يوم الخميس 21 أكتوبر.. قلت لزميلتي البحرينية هل اليوم مناسب بالنسبة لك؟ رددت بهمس برئ: واااحد وعشرييين أكتوووبر.. ثم رفعت رأسها والدهشة بعينيها تلوح في الأفق وهي ترفع حاجبها الأيسر قليلاً وتهز رأسها وتومئ بعض الشئ ثم تفاجؤني بقولها: هل تعلم أن واحد وعشرين أكتوبر هذا كان يدرسونه لنا في المدارس هنا في البحرين؟ ألم تقم في هذا اليوم لديكم في السودان ثورة؟!.. ثم ابتسمت وواصلت قائلة: لقد كنا ندرس تاريخ السودان ومصر ثم صارت تستعيد من ذاكرتها ما علق من معرفة بتاريخ السودان الذي بالتأكيد تم حذفه الآن من مناهجهم - ومعهم ألف حق - فالتاريخ الذي لا يصنع الحاضر ويؤسس لمستقبل لا يستحق أن يقرأ أو يدرّس، بالإضافة لأنه تاريخ أمة نزعت مجدها من وجدان أبنائها وليس من كُتب تاريخها فقط.. تفخر الأمم بتاريخها وتعتز بحاضرها وبما أنجزته من رفاهية، وتنظر برويّة وتفاؤل وبِشر معنوي وحسي لمستقبلها.. أما نحن فنطمس تاريخنا ونبكي عليه في ذات الوقت، لأن حاضرنا عذاب وضياع وفرقة ودمار.. ومستقبلنا لا يشكل هاجساً لأحد فهو لا يوجد في مفكرة الساسة والمخططين الإستراتيجيين. أطفالنا وأحفادنا لهم الله، فالشئ الأهم هو كيف يتقلد هؤلاء الساسة مناصب الحكم وكيف يحافظون عليها، أما فيما عدا ذلك فهو ليس من ضمن هواجسهم ولا في دفاتر أحلامهم.. في الممر إلتقيت بطبيب سوري وهو صديق عزيز ويحب السودان وأهله فرويت له تلك القصة فابتسم قائلاً: هل تعلم أننا في سوريا كنا نستورد الملابس من السودان؟ وأن من يلبس قميصاً سودانياً ماركة «أسندكو» كان يعتبر أرستقراطياً!!.. نظرت إليه بعجب وحسرة فقال: صدقني والله!! عندها تذكرت صديقتي العزيزة الأستاذة الدكتورة «عائشة موتالا» من جنوب أفريقيا ورئيسة قسم الطب الباطني حين روت لي الكثير عن عظمة السودان وكيف كان يأتون بالخبرات السودانية لإرساء قواعد الخدمة المدنية هناك في تلك الدولة الحضارية. أنظروا أين نحن الآن؟ سحقنا تاريخنا لأن الساسة يشطبون التاريخ ويعيدون صياغته بما يمجدهم ويهزمنا ويهزم الوطن بداخلنا. فلمن يدّرس مثل هذا التاريخ المحوّر؟ ولمن يصبح عبرة وقدوة حسنة؟! إنه تاريخ دامي وملئ بالحقد والكراهية والكذب والمؤمرات والتشهير وقتل الإبداع والمبدعين. فالثورات العملاقة مثل ثورة أكتوبر التي كانت تزين كتب التاريخ حتى لساكني الخليج فقد شطبت من ذاكرة كل التواريخ وتحولت لحائط مبكى لمن يهمه الأمر..! ودولة مثل سوريا كانت تتباهي بصناعتنا، ها نحن نتباهى الآن بحلوياتها ويعيش أبناؤنا مشردين على أرصفتها. أما خدمتنا المدنية التي كانت مثالاً يحتذى به على الأقل في مصاف الدول الأفريقية فأين هي الآن؟ أقول لكم أين.. انظروا إليها عند الساعة العاشرة صباحاً – في غير رمضان – ستجدون صحن الفول والزيت والبصل في طاولة «الباشكاتب» والجميع ينتظر «الفسيخ» الذي أتت به الموظفة الفلانية كتحلية بعد الفول!!. هذه خواطر عابرة فالكثير من أمثلة التدهور في كل المرافق لا تنتهي لأن وطننا نحرناه بأيدينا وأيدي ساستنا وبمنافعنا الشخصية الضيقة. وطني الآن أصبح مرتعاً للصوص «الشرفاء» ممن نمجدهم حين يأكلون مال اليتيم وينهبون الناس ويجلسون في «سجن الشيكات» ينهمون أعمدة الطعام الدسم ويلعبون «الكونكان» والأموال التي سرقوها تدار بالخارج. وطني لم يعد جميلاً ولا مشرّفاً لأحد فالدولة لا ترسم مستقبل الطفل فيه حين تتجاوز رعايته وعلاجه وحقه في التعليم واللعب والبراءة، وحين عطارة الغبش لعلاج الإيدز والسرطان والسكري والرطوبة والضغط تكون تجارةً رابحة! وفي هذا الشأن كتب لي الصديق «بلدي يا حبوب» رسالة طريفة قال فيها: وهذا غير العيادات المتحركة والتى قد تكون الكشّات قد منعتها من الوقوف بالقرب من ميدان الامم المتحدة وشوارع أخرى. وطبعا العيادات عبارة عن عربة بوكس محملة بأكياس الدواء لكل داء والأغرب استخدام المايكرفون للدعاية. أما على مستوى سوق «ليبيا» وسوق «أم دفسو» وسوق «أبوزيد» وسوق «سته» وسوق «أطلع بره» وسوق «لو انت راجل أدخل» وسوق «انجولا» وسوق «نحن كده» فالأمر هنالك مختلف، حيث تجد العجب.. بروفات عديل فى الشعوذه. قبل الكشف لازم تصل بتاع (الرمل) علشان يحدد ليك مرضك ويحولك الى (الوداعية) علشان تعمل ليك تحليل شامل ولو كنت سعيد الحظ ما تقوم الوداعية تظهّر ليك مرض جديد وفى هذه الحالة ما عليك الا الرجوع إلى (رمالى)، بس الدور ده (رملته بيضاء ما حمراء) وبعد ما تتأكد من التحاليل تتوجه لمقابلة (كبيرهم) وهنا مربط الفرس. يا كتب ليك علاج بروشته عبارة عن حبة بخرات وموية محاية، لكن المشكلة تكون فى جلسات.. والفيلم ما فى الجلسة لأن الهم الأكبر هو مطالب الجماعه: ديك أسود بأحمر، تيس قرونه دفنانه جو جسمه، دجاجة قاطعه أو غراب أعور.. وما خفى كان أعظم. فلمن أعزائي نكتب مثل هذا التاريخ.. لمن؟؟!!
مدخل للخروج: قتلوك وا أسفى عليك ولهفتي.. حرقوا صفاءك والعيون ورونق البيت الجديد وفرحتى.. نهبوك فلتبقى لهم داراً يداخلها الضحى شوقاً وتهجرها الرياح.. وتحد أحزان القبيلة لو تغيب ولو يدور الفجر يسقطها الجراح..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-27-04, 02:50 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-27-04, 03:15 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-27-04, 03:20 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | تاج السر حسن | 10-27-04, 03:55 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-28-04, 07:14 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | saadeldin abdelrahman | 10-27-04, 09:51 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-28-04, 05:18 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | omar_ragab | 10-28-04, 08:47 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | خضر عطا المنان | 10-28-04, 09:06 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | soma | 10-28-04, 12:21 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-29-04, 02:28 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-29-04, 11:25 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-29-04, 07:11 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | تاج السر حسن | 10-29-04, 08:53 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-30-04, 02:50 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Shams eldin Alsanosi | 10-29-04, 09:03 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Sidig Rahama Elnour | 10-30-04, 02:28 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-30-04, 02:38 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-30-04, 05:00 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | samwal ebrahiem | 10-30-04, 03:59 AM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-30-04, 05:16 PM |
Re: لمن نكتب تاريخنا..؟! | Dr. Moiz Bakhiet | 10-31-04, 04:18 AM |
|
|
|