الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 02:20 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بدرالدين محمد الأمير بلول (بدر الدين الأمير)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-04-2007, 05:00 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22972

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. (Re: بدر الدين الأمير)

    تتمّت ورقة الروائي الجزائري واسيني الأعرج

    (5). مصيري بين قطعة قماش وقصاصة جريدة
    أرضي الثانية لم تسلم من الفقدان. مدينة تلمسان الأندلسية الجميلة . كنت صغيرا عندما دخلتها للمرة الأولى وانا خائف من منها ومن جبروت المدن الكبيرة. لم ابن معها في البداية علاقة ود كتلك التي في القرية . سبع سنوات قضيتها في النظام الداخلي تشبه الانضباط العسكري في كل شيء في الدراسة. و الأكل والشرب والملبس وأحيانا حتى في التفكير وردود الفعل . يصير الإنسان مؤقتا كالساعة.
    كل شيء بدأ بصدفة جميلة ليست بعيدة عن صدفة كتاب ألف ليلة وليلة. عندما خرجت الجريدة في ذلك الصباح من صيف 1976 ، كنت حزينا. بحثت عن اسمي ضمن قائمة الناجحين، لم أعثر عليه، مع اني ظللت أكرر كالمجنون أمام عمر الزابا، ومحمد مالكي ، ومحمد شعيبي، أصدقائي الذين نجحوا: كنت الوحيد من أبناء القرية الذ فك العملية الحسابية بشكل صحيح ووجد النتيجة النهائية :4 ،0 التي أعلن عنها مركز الامتحانات . عبثا بكيت إذ لم يسمعني أحد ما عدا امي وجدتي. وبدأت أهيئ نفسي للفلاحة والتهريب. لم يكن امتحان السيزيام (8) الذي بنيت عليه أحلاما كثيرة ، هذه المرة من حظي. بكيت وحزنت ليس فقط لأني رسبت في أول وأهم امتحان ولكن لأني شعرت أني خذلت أبي في قبره وأبكيت أمي.
    كان زوج خالتي أحمد ،في زيارة للحاج سليمان ، أحد أقاربه الذي كان يسكن في مدينة الحناية، وهي ضاحية من ضواحي تلمسان. أثناء الحديث بينهما ،قال الحاج سليمان لزوج خالتي: مبروك على ميزار (اسم أمي) نجاح ابنها في السيزيام ، وجدت ذلك بالصدفة في صحيفة (9) لف لي البائع فيها قطعة كتان اشتريتها من عنده . وأنا أتسلى بقراءة قوائم الناجحين في تلمسان ، وجدت اسم ابنها واسيني. بحث عن الجريدة ، وكان يمكن أن لا يجدها ويتبخر كل شيء في الهواء ، وأعطاها لزوج خالتي. أمي لم تنتظر طولا عندما عرفت أن اسمي موجود ضمن قوائم الناجحين في تلمسان ،لأن أبناء الشهداء وضعوا في هذه القائمة حتى يستفيدوا من النظام الداخلي، وهو ما لم نكن نعرفه. أخذتني أمي من يدي وركبنا أول حافلة متجهة إلى تلمسان . عندما فتحت أبواب فتحت ثانوية ابن زرجب كنا أول من يستقبلهم المدير . عندما بدأ يقلب بسرعة البطاقات ليتأكد من نجاحي ووجودي في هذه الثانوية ،قفز على اسمي، فصرخت : اسمي ... يا سيدي ، لقد تجاوزته . أول شيء تأكدت منه هو تاريخ الميلاد إذ حتى تلك اللحظة لم أكن متأكد من أي شيء . قلت وأنا لا استطيع كتم سعادتي : واسيني ... واسيني ... أنا يا سيدي المدير 8-8-1954 ، لا يمكن أن يكون شخص غيري . ضحك وسحب البطاقة وسجلت في الثانوية . عند الباب انفجرت بكاء و إلى اليوم ، كلما تذكرت الحادثة انفتحت شهيتي للبكاء عندما عدت إلى الدار ، بكيت أيضا لمدة يومين وبعدها نسيت كل شيء. عدت إلى تلمسان للدراسة في مدينة لم تعد تخيفني . أتساءل أحيانا عن غرابة هذه الصدفة التي أخرجتني من دفء القرية ولكن كذلك من بؤسها وفقرها ، ماذا كان سيحدث لي لولاها؟ لم أفرح في حياتي بشهادة مثل فرحي في امتحان السيزيام ،السنة اولى متوسط حتي شهادات : السرتافيكا (10) والبروفي (11) (شهادة التعليم العام) والياكالوريا ،والليسانس ، والماجستير ، والدكتوراه المزدوجة بين دمشق وباريس ، لم تحسسني بأي شيء سوى أنها منحت لي بعض الأمان في حياتي لا أكثر لا تساوي شيئا امام السيزيام.

    اليوم، مات معظم أبطالي وهو لا يعلمون بالخير الذي قدموه لي :جدتي التي منحتني سحر الحكاية بخرافاتها وقصص أجدادها الندلسيين ، سيدي الفقيه الذي لم يكن يغفل أبدا عن السؤال عن الربيعية وهي ربع دينار يوضع في كفه كل يوم أربعاء ، زوج خالتي أحمد الذي أصر على البحث عن القصاصة الصحفية التي لفت فيها قطعة الكتان ، الحاج سليمان وهو لا يدري أبدا أن فضله علي لا يقاس بثمن، المدير الذي سجلني وهو لا يدري وهو يتخطى اسمي سهوا في البطاقات التي كان يتفحصها ، انه كان يرميني في قبر بارد لو قال لي : نعتذر ، اسمك غير موجود . حتي القرية لم تعد القرية ولم أعد أعرف ناسها إلا القلة ، ومحت كتل البيطون كل ضياعها وحدائقها ومائها الذي كانت تنز به الأرض . مات الكثير من أبطالي وسقطت حجارة الولي الصالح سيدي بوجنان ، الذي ظل يحمي القرية من كوارث الطبيعية ،ولم يبق إلا قرآني ، كتاب ألف ليلة وليلة ، في طبعته البولاقية الحجرية ، برائحته التي حافظت عليها بين اوراقه وهو كل زادي في سنوات الترحال الأخيرة.

    6- النمفى كلعبة مسلية
    كنت أظن ان المنفى مجرد كذبة نجمل بها النصوص. لم أكن أعرف أن لعبة الكتابة ستصبح فعلا جديا . وأن النص الاول الذي نشرته في حياتي الأدبية: ألم الكتابة عن أحزان المنفى (12) ،سيضعني أما اختبار صعب كنت أظنه مجرد لغة لفظية حاسبني عليها الأصدقاء وقتها بأني أتحدث عن شيء لا أعرفه . لم يكن المنفى كذبة ، كان جرحا بليغا.
    قرأت عن حياة كبار الكتاب والفنانين في الحرب الأهلية الإنسانية والحرب العالمية الثانية وغيرهم من الذين طحنتهم الماكنة الفرانكاوية (13) أو الذين اضطرتهم الطاحونة النارية إلى الخروج ، وعن الخراب الذي أحدثته الماكاثية في الفنانين والمثقفين الأمريكيين وغيرهم ، وظننت في اعماقي الطيبة أن ذلك لا يحدث إلا للآخرين واني لست معنيا بهذه التفاصيل التي تسرق من تحت رجلي إنسان أرضه وحنينه واشواقه وحتى مواطنته إذا توفرت . كنت أظنني بعيدا عن رياح هؤلاء الناس العظام الذين، بسبب فكرة صغيرة اسمها الحرية ، تركوا كل شيء وظلموا أوفياء لكتابهم وفنهم . لم أكن أعلم أني ساجد نفسي ذات شتاء بارد أبحث عن مسلك المنفى القاسي بعد أن تركت كل شيء ورائي ولم ألتفت لكي لا أصاب برغبة العودة والتراجع . لم أكن أحمل سوى ابني ، باسم وريما ، وحقيبة صغيرة فيها كتاب ألف ليلة وليلة وبعض دمى ريم التي تركت الباقي في البيت لأني كذبت عليهما وقلت بأنها مجرد عطلة شهر ونعود . ريما وباسم ظلا صامتين . كان يمارسون ما كنت أفعله وأنا صغير . يعرفان الحقيقة ويخبئانها لكي لا أحزن . ماذا بقي اليوم من تلك اللحظة؟ لا شيء، سوى روايات وحياة موازية تشهد أن الألم يومها كان كبيرا . ولكني كنت أخففه بالقول :مؤقت. متى كان المنفى فعلا مؤقتا . جدي الموريسكي لم يكن مخطئا ،فقد عرف ذلك في وقت مبكر . غياب السنة صار فجأة خمس سنوات ، ثم عشر سنوات إمحت بسرعة عجيبة ، ثم خمس عشرة سنة مرت كالريح تاركة أثرها على القلب والجسد . ثم ... لا سنة تشبه اختها أبدا . فجاة تكشف ، وأنت أمام المرآة الطويلة التي تحتل وسط الخزانة ، تصفف ما تبقى من شعرك أو تحلق وجهك المتعب ، ان كل شيء تغير: أنت لم تعد أنت.
    حتي عندما تعود إلى أرضك من حين لآخر ، تشعر بها وبناسها بعيدين . وأن ما كنت تقبل به ، لم تعد قادرا على تحمله. وفجأة تكتشف في المرآة ، ان شعرك صار أبيض بسرعة، ثم بشعرك يسقط كأوراق خريفية ماتت بفعل الغربة . تقترب من المرآة أكثر ، يغطيها بخار تنفسك، ترى وراءك ابنتك ريما التي جاءت صغيرة ولا تعرف سوى اللغة العربية ، قد تعطلت لغتها قليلا وتعرفت على لغات عدة ، وأن الطفلة التي كانت نعشق الدمى والتي ما تزال في رأسك ، تركتها وراءك يوم خرجت من أرضك . ترى ملامحها الطيبة وهي ترسم آخروجه أو وهي ترتب الكاميرا لتنهي من تركيب شريطها عن أطفال الضواحي الباريسية. تفرح ولكنك تقول في اعماقك : هل هذه هي ريما التي اشتهت ان تكون ممرضة لتساعد المتعبين ؟ تتعمق رؤاك في المرآة فتري من وراء الضباب الهارب ، باسم ابنك البكر الذي دخل باريس وهو يحسب الأيام التي تمضي لكي يعود بسرعة إلى مدرسته وأصدقائه ، وقد أصبح اليوم خبيرا في القانون الدولي يحادث صديقته الحميمة فاليريان Valeriane التي تنتظر بفارغ الصبر متى يتزوجان. لقد نجحا في حياتهما ولكنك تتساءل وأنت تعرف سلفا بأنك لن تحصل على أية إجابة مقنعة: ماذا كان يمكن أن يحصل لو بقيا هناك؟ ما ثمن تلك الكذبة المهدئة التي طمأنتهما بها : سنعود بعد العطلة ، وأنت تعرف أنه لا وجود لأي منفى مؤقت في الدنيا ، عطلة بدأت اليوم تزحف نحو العقدين؟ ألم تكسر حياتهما العميقة بعد أن فرضت عليهما منفى لم يكونا مهيئين له؟

    7- منفى الخسارات الجميلة
    من جديد ، تحاول أن تمحو الضباب الذي على المرآة فترى وجهك المتعب ويبدو لك المنفى مجموعة لا تحصى من الخسارات المتتالية، فتبدأ في عملية العد مثلما كان كان يفعل تشيخوف Tchekov وهو يعدد ميراث الكتابة في قصته القصيرة جدا. أستطيع اليوم وبعد خمسين سنة من العمر وربع قرن من الكتابة ان أقول إن رهان المنفى مثل رهان الكتابة خاسر في كل شيء إلا في جوهرة الأبدي : الحرية.
    خاسر لأنه سرق مني ما تبقى من عفويتي واغتصب طفولتي في وقت مبكر . خاسر لأنه وضع حائلا بيني وبين أهلي . عندما أكتب في الظروف الحالكة التي مرت بها البلاد ، كان علي أن أحذر وأحافظ على اسم العائلة ، لأنه ليس ملكي لوحدي. ولاني لم أكن قادرا على فعل ذلك، فكرت منذ البداية ان اتخلى عن اسم العائلة ولا احتفظ الإباسمي الشخصي لنه ملكي. لم تكن العائلة مضطرة ان تتحمل حماقاتي وجنوني ككاتب . خصوصا في الفترة التي أصبح فيها القتل الأعمى عملا يوميا . عندما لا يصل القتلة للمعني ، يمسون عائلته العزلاء . ومازلت إلى اليوم أفكر في التخلص منه لأمنح نفسي حريتها القصوى ، ليس خوفا على مصير العائلة، فالأمور من هذه الناحية تحسنت كثيرا، ولكن رغبة في الانتساب إلى الكتابة بشكل نهائي و أبدي.
    خاسر لأن الكتابة وضعت حاجزا بيني وبين النفاق الاجتماعي المعمم وحسن السلوك الوهمي. كذبت في الحياة وانا صغير للدفاع عن حقي في الحب والحقد. كذبت بلا هوادة على البشر الذين لم أكن أجبهم وأنا في بداية العمر ،لأن الكذب كان وسيلتي للانتقام منهم جميعا وأقسمت كما يقسم الكبار ، أن لا أكون صادقا مع أى واحد منهم. ولكني لم أكن قادرا على الكذب على الكلمات ولهذا اخترت الخروج في ذلك الشتا القاسي وبدات أبحث عن أرض أخرى ، واسميها اليوم وطن الكتابة الحقيقي(14) .
    خاسر لأني عندما اكتشفت لول مرة نص ألف ليلة وليلة في الجامع ، ورحت أنتقل قصصه المثيرة وأدعي امام أصدقائي أنها قصصي ولم أكن أعلم أن لعنة هذا النص المسروق ستتبعني إلى آخر عمري. أستطيع اليوم أقول لصاحبه الذي خبأه بين المصاحف ووضع له غلافا قرآنيا وهميا: هنيئا لك يا سيدي ، إن دعوتك قد أصابتني في الصميم ، عندما نقلتني من الانتظام والاستجابة للشرطية الاجتماعية إلى سؤال الفوضى وجنون المتخيل . وبسبب عدوى الأدب التي أورثنيها كتابك المسحور ،دخلت في عمق الحياة الموازية ، الكثر عنفا، التي لا نصير فيها الإ اللغة التي تتأسس عليها.فوراء كل نص يتخفى شيء عميق ، الكاتب وحده يعرف أسراره و مفاتنه.
    خاسر لأن الذي فكر في قتلي ذات خريف من سنة 1985 وأنا خارج من مقر جريدة المساء التي كانت واقتنع ان البطل لن يكون إلا أنا ، ولكي تغيضه صديقته أكثر (عرفت هذه التفاصيل فيما بعد)، و لولا مدير الجريدة وإقناعه لهذا الرجل الذي لا أعرفه أبدا ، بأني طوال العشر سنوات الماضية كنت في دمشق وانه لا علاقة لي بما كان يحدث له ،وقرأ على مسامعه نهاية الرواية لأن الرجل اشترط ان تقرا عليه النهاية . الخسارة أنه في بلادنا يمكنك ان تُقتل وانت لا تعرف بالضبط لماذا؟ هذه المرة كذلك لم تتخل الكتابة عني ولكنها أظهرت لي أي مجتمع كنت فيه؟ وأي منفى كنت أعيشه وأنا لا أعلم؟ ما تزال أمامنا سنوات طويلة لندرك أن الكتأبة هي نفس إلهي
    Un soufflé divin، محركة ومقدسة إلى أقصى الحدود حتى في أكثر صورها جرأة وتماديا.

    خاسر،عندما اضطررت لترك بيتي الذي شيدته بحب على مدار عشر سنوات ، بشوق كبير وحنين لا يضاهى ورتبت حياتي لكي أسافر مع أبنائي في كل سنة داخل الوطن ، وفي كل مرة نكتشف مدينة حتي نعرف الوطن كاملا . كان حلما طوباويا مستهتا لا يعرف الحقائق المخفية . بلادنا كانت جميلة كعباد الشمس ، تقتني خطوات النور كلما مال نحو الانطفاء لا ستعادته من جديد ، فاحترقت بنفطها وزيتها وخيرها وجهل ساستها . وإلى اليوم لا أرض لي مثلما اشتهي بسبب الكتابة سوى وطن اللغة الذي شيدته حجرة ، حجرة ونفسا، نفسا، وجرحا ، جرحا لن الذين وضعوا اسمي في قائمة المطلوبين للقتل في سنوات الظلام ،لم يسالوني يوما عن نواياي الطيبة تجاه الناس والبلاد ، ولا عن طفولاتي التي احرقتها الشمس الجافة وسلخها برد الشتاء.فانا بالنسبة لطاحونتهم مجرد اسم يجب أن ينتفي أو يشطب إذا أصر على البقاء في دائرتهم.

    خاسر لأني اضطررت ذات ليلة أن أخرج من البيت حاملا ابني وبعض ألبستي و أوراقي وأوراق ابني ومحفظتيها ورحنا نتشرد في فنادق العاصمة أو بيوتات الأصدقاء لكي لا يعرفنا أحد ، متنكرا في وجوه وألبسة لا تشبهني، ينظر إليك بعطف الذي يحبك ، ويتشفى فيك الذي يكرهك.

    خاسر لأني في لحظة واحدة تدحرجت من قمة الاعتراف بوجودي ككائن بشري على الأقل، إلى مهاوي التنكر واللاشيء . فجأة تمحى وتطوى ورقتك . الخوف يوقظ الجبن والشجاعة معا. ويتحول بعض الأصدقاء إلى أشكال رجراجة هلامية بينما يضع آخرون رؤوسهم في المقصلة مقابل نجاتك. و تنزل عليك غشاوة تشبه البياض ، بياض غير الذي تعودت عليه .وتنتشر في أعماق العواطف والرياح الساخنة.تتأكد ان لا أحد تقريبا يعرفك عندما يدخل الموت في كأس القهوة الصباحية التي تتناولها بخوف ، في زاوية مظلمة في المدينة .وهل يختار الانسان منفاه ؟ المنفى ليس إلانتيجة لمجموعة من الانكسارات والخيبات التي تأكل الأقراد والوطان . ثم فجأة يخونك جسدك ،وبصرك ، وذاكراتك؟ هل هو قانون العمر أم الحزن المبكر والمنى؟

    8- موت وحياة بالصدفة
    تعود نحو المرآة المضببة بانفاسك ،حيث يتحول وجهك إلى غيمة هاربة قبل أن تتضح ملامحه . تدرك فجأة أن المنفى لم يكن فقط خسارات متتالية . تشعر به عمرا مضافا إذ كان يفترض أن تموت قبل ذلك بكثير. وأنت تعرف جيدا أن أكثر الأصدقاء تفاؤلا لم يكن يعطيك أكثر من عمر حشرة ، ناموسة أو فراشة، من شهر إلى سنة في سنوات الظلام الأولى . الصدفة هذه المرة كذلك أنقذتني.
    غريب أن يقرأ الإنسان خبر موته في إحدى الجرائد الوطنية ويسمعه في إذاعة ميدي الدولية المغربية الفرنسية وفرانس – أنفو الفرنسية .تذكرت صديقي الكتاب الفلسطيني فوده عليه رحمة الله ، الذي كتب الفلسطيني الطيب وقرأ خبر وفاته أحد مستشفيات بيروت في اجتياح 1982. قاوم باستماتة الاحتلال الإسرائيلي ووزع جريدة المعركة التي كان يصدرها محمود درويش كأي مناضل ملتزم بخياراته. أسترجع مانشيت خبر اغتيالي كما قرأته في جريدة النصر اليومية التي تصدر بقسنطينة: اغتيال الروائي الجزائري واسيني الأعرج . أشعر في البداية بشيء من الزهو ثم ينتابني خوف عميق . أول شيء قمت به هو إخبار أهلي ، أمي خصوصا وتكذيب الخبر وطمأنة كل الأصدقاء الذين كانوا يعرفون مكان إقامتي . أشعر دائما بأن هناك رجلا حماني بصدره ليمنحني كل هذا الزمن وأنا مدين له بالرغم من أنه لا يدري لماذا قتل بالضبط؟ الرجل الذي قتل ، أعتقد خطأ ،كان موظفا بسيطا في الأمم المتحدة ، يمر كل صباح بالقرب من الجامعة قبل أن يذهب نحو عمله. كان اسمه : واسيني الأحرش .لم يكن يعرف وهو يخرج في ذلك الصباح ، أنه سيقتل في مكان رجل آخر .كم اشتهي أن يمنحني الله بعض العمر لاقف فقط على قبره قليلا وأعتذر منه لأن الأقدار التي وضعته أمامي ليبقيصدري من الرصاص القاتل ،لم تسأله في ذلك الصباح الباكر عن رأيه. لهذا فالمنفى في النهاية ليس إلا عمرا مضافا سمح لي بفتح أكثر من باب ظلت موصدة وكتابة أحب رواياتي لدي لأنها نابعة من سحر العماق ، والتعرف على آلاف القراء في وطني، والبلاد العربية والعالم والمرور عبر الترجمة بدون أي جواز ولا فيزا، والدخول إلى أجمل عواصم الدنيا. سمح لي المنفى أن أرى مدنا صنعتها الحياة والكتابة وأن أحلم مئات الأحلام التي لم تكن بها الكوابيس إلا أفعالا زائلة.المنفى علمني أن لا شيء يضاهي الجلوس في أية مدينة في الدنيا ، وشرب كأس بدون أدنى تفكير فيما يحيط بنا، وتأمل غروب شمس او التمادي في بحر نيلي يذكرك بعالمك اللغوي الذي لا يموت. السعادة لا تتطلب الكثير ، سوى بعض الحب والسخاء وقليل من الحرية.

    صحيح أني خسرت أرضا جرحت ذاكراتي ، ولكني ربحت وطنا عظيما ، هو وطن الكتابة. أرض الوحيدة والنهاية. وحدها الصدق. وحدها البقى عندما ينكرك الآخرون .صحيح أن أقسى ما في المنافي هو أن تعرف بأنك ستموت وحيدا في العزلة،خارج أرضك ولكن ،صحيح كذلك أن المنفى يمنحك حياة لم تتخيلها ووطنا تنشئه بسهرك وأظافرك وخوفك ، لن تتخلى عنه مهما كان الثمن غاليا وعسيرا.
    أتساءل اليوم وأنا في قمة صفائي الذهني الذي لا أضمنه بعد سنوات ،وبعد كل هذا الشطط والحزن والعمر الذي لا يقاس بآلام من سبقوني،هل خسرت وطنا حقا عندما خرجت في ذلك اليوم الشتوي القاسي ولم ألتفت ورائي لكي لا أتراجع؟ لا أدري؟بالضبط لا أدري . ولكن أدرك جيدا وبلا أدنى شك :أن نخسر وطنا يفترض سلفا أن نحس أولا بالمواطنة؟ وما أدراك ما المواطنة؟تلك مسألة أخرى ، أكثر تعقيدا وأكثر التباسا.
                  

العنوان الكاتب Date
الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين.... بدر الدين الأمير03-31-07, 04:24 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير03-31-07, 05:35 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef03-31-07, 09:01 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير03-31-07, 11:11 PM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عبدالمنعم خيرالله04-01-07, 00:03 AM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 05:49 AM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 06:53 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. ايزابيل حلبي04-01-07, 08:38 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عشة بت فاطنة04-01-07, 08:44 AM
                Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 10:00 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 09:47 AM
                Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. اساسي04-01-07, 10:24 AM
                  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 10:44 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 11:36 AM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-01-07, 03:14 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-01-07, 03:25 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-01-07, 09:12 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. محمود الدقم04-01-07, 10:34 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. عبدالمنعم خيرالله04-01-07, 11:18 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 07:31 AM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Amira Ahmed04-02-07, 08:10 AM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 08:57 AM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Sabri Elshareef04-02-07, 12:26 PM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 04:28 PM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-02-07, 05:48 PM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Aymen Tabir04-03-07, 01:49 AM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-03-07, 08:41 AM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-03-07, 05:38 PM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. Aymen Tabir04-03-07, 09:49 PM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-04-07, 05:00 PM
  Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. osama elkhawad04-05-07, 05:25 AM
    Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-05-07, 08:25 AM
      Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-08-07, 05:05 PM
        Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-09-07, 05:14 PM
          Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-09-07, 05:27 PM
            Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-10-07, 10:41 AM
              Re: الأدب والمنفى ... ندوة شاركفيها كل من - ادونيس _ إبراهيم الكونى - واسينى الاعراج - وآخرين. بدر الدين الأمير04-11-07, 06:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de