الرقص أقدم الفنون وأذكى العلوم وأعمق تفاعلات الجسد الحى مع الطبيعة

Quote: وهكذا، تخلل البخور سماء الغرفة، يدفره النسيم أمامه، خراف من وهم، ترعى جزلى في سماء الغرفة، خراف طائعة لإرادة النسيم النرجسية، يرسم بها تشكيلات غريبة، دائرة، كائنات هلامية، حروف، حلزون، أشجار غريبة، كرنفال من جنون التثني، وكأنه يجرب ريشته لرسم الليونة الكاملة، أنكمش على ذاته، هل أحس بالبرد لتوه، أكان مشغولاً عنه بالإتقان المطلق للرقص، الصباح يغني عن المصباح، وحين استسلم البخور كلياً، أطلق النسيم عنان جنونه المكبوت، عنان خيلائه بذاته، تلاعب بجسد البخور مظهرا قدرته المذهلة في الرسم والنحت والتصميم البكر، ممسكاً عصاه في قيادة أوكسترا الليونة المطلقة، جوقة من السحر والمجون والدهش، نول من حرير، طرز من خيوط دخان، ثم فرشت السجاد على أديم السماء، كي يمر موكب النسيم بخيلائه وخيوله، راكباً سطوة البخور، انبعج بطن البخور، أهو يرسم سهم ؟، أم حرف نون والقلم؟، أم جناح حمامه محلق؟، أم يرسم شاعرية اللطف؟، أم ينشط دورته الدموية من نومه الطويل داخل قبر العود، كيف تعلمت أجنحته الطيران بهذه السهولة واليسر؟ وهي تحلق لأول مرة في حياتها..!! رسوماته كالأطفال، يركز على الإلتواء والتجريد، واللامبالاة، ثم ينهي خطوطة بشكل طفولي ملول، أكاد اقسم بأنها طرحة تنزلق من رأس حسناء وقد تلاعبت بها الرياح، من الذي أوحى لمخيلته الحديثة الولادة برسم هذا المشهد الحي، المؤثر، وكأن أنامله أدمنت تأمل لوحات "جوجان في جزيرة هاييتي"، بل لو تمرنت أناملك عمر نوح لما قويت على استخدام الريشة بهذه الرشاقة المستحيلة، كل هذه اللطافة كانت كامنة في العود، فاستدرجتها النار لأظهار مفاتنها على مسرح هواء الغرفة، تخرج الحي من الميت، إنه يطيع حتى الأوامر والإشارات المستحيلة، التي يومئ بها النسيم، من أين تولد هذه الرقصات المجنونة، الطريفة، الأصيلة، أهو دوريش مأخوذ بخمر الوارد الإلهي، فأرتعد الجسم من سطوة النور الفريد.