|
كنت شاباً... وفيما بعد... كنت أنتظر !
|
الخيبة... كلمة أصبحت تحتل مكانها بين سطور التشخيص الطبي لكثير من الأمراض العضوية التي تفت في الجسد خلسة حيناً وفي كثير من الأحايين إفتراساً.. كيفما جاءت تلقائياً أم تمكنت من تضاءل القدرة على تحقيق الهدف الذي امتد الصبر عليه سنوات ( أو كما تغنى ذلك ود البادية ممجداً الصبر على الهدف سنوات). في دنيا المغتربين الذين ضيعوا الأمر من بين أيديهم - ما منهم، من القيمة الفاقد والعملة بدل فاقد - ضاع العدد وكثر الفقد وهلكت ظروف المال، وتسربت الأماني العذبة، ومع طول الغياب تغيرت قوانين من الطبيعة ومن جنس الطبيعة كثرت الظواهر غير الطبيعية، وتشابك الطبع والتطبع ( أصبح الموت والعرس مناسبة يختلف في تفسيرها الناس وسط الجماعة) والماضي والمستقبل لا تعريف لهم والعمر يحتاج لدالة حسابية لا نهائية..
في عام 1993 كنت انتظر تحويل مصرفي من الخارج تفنن موظفي المصرف في تأخيري، لأني عرضت عليهم صورة التحويل بالتلكس الذي تم في يومه من حسابي ، ولكنهم أخذوا خمسة عشرة يوماً حتى انزلوه في حسابي، ورب من جرب القطعة هذه..
خلال مراجعتي للمصرف صادفت للمرة الثانية رجل عجوز لفت حواسي في ظرف انشغال عقلي بخلو ذات اليد وتأخر التحويل، فكنت أظن ربما هذا الرجل كذلك ينتظر تحويلاً من إبنه الذي يعمل في الخارج، لماذا تأخر عليه، يا ترى كم من الدائنين ينتظرون هذا التحويل، وكم من المتطاولين تهادموا هذا الجسم النحيل بنظراتهم المتفرسة طالبين دفع ما عليه من ديون..
تكرار المصادفة للمرة الثالثة جلعني انشغل بأمر الرجل كأمري، وحين كنت قريباً من الطاولة الأمامية للمصرف سمعت الرجل يخاطب موظفة المصرف، كان يقول لها يا بنتي أنا هذه المرة الثالثة أحضر ولا أجد شي، يا بنتي الحكاية شنو؟؟ أنا بجي بالمواصلات يا بنتي ؟؟
فتحت البنت محفظتها وناولته ورقة خمسين دينارا ( خمسمائة جنيه)، فقالت له أسوي شنو أنا يا عمي؟ ما بيدي حيلة.. عندما أخذ المبلغ كنت أحسب أن كل عضو منه يأخذ أمراً مختلفاً من عقل وعى السنين فأعيته، وكنت أظنه ينظر إلى أخمص قدميه وهو يغادر في تلقائية العودة بلا شيء.. غاب من الباب.. الباب الفاتح في الشارع.
أحتاج لزمن بلا حراك.. وبينما أنا على دفة من ذلك الزمن ..تواصل الحديث حولي.. التفتت الموظفة إلى زميلتها التي تجلس بجانبها تتأمل في مرقاب الحاسوب .. "" تفتكري معاشوا الجاي يسأل عنه ثلاثة مرات كام؟؟ تصدقي كلو خمسة ألف جنيه!!!""
جزء مني آثر اللاحراك في زمان يبحر، وجزء آخر انتشر سرابا.. في أي عمر كنت انا؟؟ وما فرق العدم بين عمر وعمر؟ إن كنت شاب لا قيمة لما بين أيديك.. وإن كنت كهلاً فأي قيمة تنتظر؟
*********
|
|
|
|
|
|