|
عمدا قررت اشعال حريق فى منزلنا !!
|
عمدا قررت اشعال حريق فى منزلنا !!
عندما كنت صغيرا فى السادسة من عمرى بمدينة كسلا التى تمتاز معظم منازلها فى الضفة الغربية ابان تلك الفترة , مصنوعة من ( القش ) و ( الحطب ) وجذوع الأشجار وفروعها , وكان منزلنا الكائن فى حى العرب ببانت جنوب مربع 11 محطة البلابل كبقية المنازل فى تلك الناحية مشيدة من الطوب ( الأحمر والأخضر ) وفى طرفه البعيد فى الركن الجنوبى الشرقى أقيمت ( راكوبة ) من ( القش ) وفروع الأشجار وبعض الحصير , وقد اتخذتها أمى مطبخا ومكانا ( لعواسة الكسرة ) وصنع ( العصيدة ) وطهى الأكل وأحيانا شرب ( الجبنة ) مع جارتها الثرثارة ( أم نوره ) التى لا أطيقها أبدا وذلك لضحكتها العالية التى تستفزنى وتظل ترن فى أذنى لسبعة أيام متتالية , وقد حلمت مرة بأننى صفعتها عندما ضحكت بتلكم الضحكة الرديئة وكم كنت مسرورا عندما صحوت من نومى , وكانت قد أمسكت بثيابى لتمنعنى من الفرار لأنال جزاء ما فعلت . كنت فى تلك الفترة كثير الحركة والجرى واللعب والبحث عن الجديد دائما , وكثير الاطلاع , ولدي حب استطلاع لكل شىء أجده مكتوبا أو مخبأ فى أى مكان . وفى فترة الاجازة الصيفية حيث تكون الشمس حارة جدا وحارقة فى تلك المدينة الخضراء , تكثر الحرائق وخاصة فى تلك المنازل المشيدة من ( القش ) والأعشاب والأخشاب , وعندما تشب الحرائق فيها ترى الجميع رجالا ونساءا وأطفال , فى ذعر شديد وصياح مرعب ويجرى الجميع أما هروبا من مكان الحريق أو جريا لأطفاءه , لأنه سيمتد بسرعة رهيبة الى المنازل المجاورة نسبة لالتصاقها الشديد مع بعضها البعض وتساعد تلك المواد التى بنيت منها أيضا على الانتشار السريع للنيران , وفى بعض الأحيان يكون هناك ضحايا قد احترقوا حتى الموت سواءا من العجزة أو الأطفال أو المرضى الذين لم يستطيعوا المغادرة لحظة نشوب النيران الشرهة , وكان يشدنى ذعر الناس وصياحهم وهرولتهم وتضحيتهم وشجاعتهم لأطفاء ألسنة النيران قبل مجىء سيارة الاطفاء ( اللاندروفر الصغيرة ) التى تأتى غالبا بعد أن يسيطر الأهالى على النيران وهى تحمل ( جردلا ) من الماء تفرغه على النيران التى تضحك عندما ترى ما يقومون به وصوت انذارها المزعج يصم الآذان لتعود وتأتى بجردل آخر بعد ساعه . لقد شاهدت عدة حرائق وفى أماكن كثيرة من المدينة , وسألت نفسى يوما سؤالا رهيبا لا يمكن أن يخطر على بال طفل فى مثل سنى , لماذا لا يحترق منزلنا كبقية المنازل حتى أرى أبى يهرول وأمى تولول وأختى تصيح والجيران يتهافتون لأطفاء النيران , انه منظر مدهش ومثير !! لكن منزلنا لحسن الحظ مشيد من الطوب الأحمر والأخضر , فكيف تشتعل النار فيه ؟ فقلت فى نفسى لماذا لا تكون ( الراكوبة ) هى الضحية لهذه الفكرة الشيطانية أعنى الصبيانية ؟! فلتكن ( الراكوبة ) اذن !! ( الراكوبة الراكوبة خلاص ) ( نحرق الراكوبة ... ما تفرق ) وقررت أن أشعل النار فى تلك ( الراكوبة ) المسكينة ! ولكن كيف أنفذ هذه الفكرة المجنونة وأمى حريصة على كل شىء فان لم تسمع ( حسى ) أو صوتى لفترة طويلة تنادى على وان لم أرد عليها تأتى وتتفقدنى واخوتى ان كان كل شىء على ما يرام , فقد كانت لا تدع شيئا للظروف وانتظرت عدة أيام أتحين الفرصة المناسبة لأنفذ هذا المخطط الخطير فقط لأرى ذاك المنظر المثير والمدهش , ولم يطل انتظارى فقد حانت اللحظة المرجوة حيث خلى البيت من الجميع فأبى قد ذهب الى العمل منذ الصباح الباكر وهاهى أمى فى منزل جارتها المفضلة ومعها أخى وأختى , ودخلت الى المنزل خلسة وبحثت عن علبة الكبريت فى ( الراكوبة ) التى أود حرقها بعد قليل ولم أجدها , وقد أوصدت أمى بقية الغرف , ألم أقل لكم انها حريصة على كل شىء , ولكنها أخطأت هذه المرة عندما وجدت تلك الجمرات المشتعلة فى ( الكانون ) الصغير وأخذت أكبرها ( بالماشة ) وألقيتها فوق الضحية ووضعت أداة الجريمة فى مكانها بهدوء وغادرت مسرعا الى الخارج دون أن يرانى أو يشعر بى أحد , وفى اللحظة التى اختفيت فيها فى الشارع الآخر بعد أن ( عملت عملتى السوده ) خرجت أمى وتوقفت مع جارتها كالعادة أمام الباب يتبادلن ليس ما تبقى من حديث داخل المنزل بل للبدأ فى حديث آخر طويل ربما يمتد لساعة أخرى , فى تلك اللحظة دخلت أختى التى تكبرنى بعامين الى المنزل وشاهدت الدخان وهو يتصاعد من فوق ( الراكوبة ) فهرولت الى الخارج وهى تنادى على أمى التى قطعت ( ونستها ) مع الجارة الثرثارة وهرولن جميعهن الى مكان الحدث , وبعد أن تمكن من صب الماء على الحريق الصغير وأخمد فى مهده , صعدت أختى بمساعدة أمى فوق ( الضحية ) لترى أسباب الحريق فوجدت بعينيها , الفاحصتين كعينى خبراء التحرى , وجدت تلك الجمرة الخبيثة التى ألقيتها أنا , مطفأة فألقت بها لأمى لتراها واستغرب الجميع وتساءلن , ترى من فعل هذا الجرم ؟ ! وكعادتهن اتهمن شخوص أخرى ربما تكون حاقدة , مرت بقرب المنزل وألقوا تلك الجمرة اللعينة عبر الحائط الخارجى للمنزل على ( راكوبتنا ) مع استبعادى طبعا من تلك الفعلة الشنيعة .
|
|
|
|
|
|