|
"آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم" (Re: mazin mustafa)
|
أفق : السبت 23 يوليو 2005 "آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم "
لن تبقى في الليل نجمة لن يبقى الليل سأموت ومعي حاصل العالم الذي لا يطاق
قبل سنوات من الآن رحل عنا من هذا العالم المتآكل المهزوز أديب مرموق جدا, ففي الرابع عشر من شهر يونيو 1986 توفي الكاتب والشاعر الشهير خورخه لويس بورخيس (jorge luis burgos) عن سن تناهز السابعة والثمانين تاركا للإنسانية جمعاء تراثا خالدا لا يسع المرء إلا أن يقف أمامه معترفا بالعبقرية الفذة والروح الشاعرية الحية.
ولعل من بين الأسباب الرئيسية التي جعلته يحلق في سماء الأدب، أسلوبه السلس الذي يحطم كل الحدود والحواجز التي قد تنتصب بين المبدع والقارئ، وبهذا الصدد فإنه يقول: "حين شرعت في الكتابة فعلت ذلك بتأثير سحر (كيفيدو) و (لوغونيس Lugones) بأسلوب مزخرف (="باروكي") بينما أنا الآن على العكس أحاول الكتابة بأسلوب سهل بسيط, بأسلوب يطمح أن يكون واضحا لا يحد بشيء بين النص وبين القارئ, الشعر هو خير وسيلة لدي للتعبير، والسبب هو أن قصصي هي مصطنعة بلا مواربة، وعلى العكس أظن بأن أشعاري هي تعبير مباشر عن شعوري وعن وجودي الذاتي, لا أنكر حق النقاد في أن يروا قصصي أفضل من أشعاري, إذ إنني في هذه القصص موجود بشكل ضحل, أقل مما أنا في شعري لكوني إنسانا يحس ويتلاشى إذ يتعذب"
وبالفعل فقد جاء شعره متدفقا بعاصفة جياشة، ثريا بصور وأخيلة أبدع حقا في التعبير عنها, فقد كان شعرا صادقا ينتشل القارئ من عالمه الخاص إلى عوالم رحبة تتراقص فيها الرؤى والدلالات العميقة, ذلك أن الشعر لديه يعد التزاما واحدا مع الجمال وهذا ما جعله موسوما بمسحة جمالية غاية في الروعة، إلا أن بورخيس يرى بأنه بالرغم من ذلك فهذا لا يعني أن المواضيع السياسية لا يمكن لها أن توحي، فهو لا يمكن أن يدرك "وايتمان" دون الديمقراطية ولا "نيرودا" من غير الشيوعية, ولكن هذا ليس معناه أن على كل شعر أن يتضمن بالضرورة فكرة سياسية "فالشعر يحظى بكل الحرية مع أنه يرفض الحرية. الشعر الملتزم ليس له من معنى، الشعر ملتزم بالشعر, ولكن ليس بأمور جد سريعة الزوال, وجد متغيرة كما هي ظروف مجتمع ما, مع أن هذه الظروف قد تكون موحية كذلك ولكنها ليست الوحيدة".
والمتأمل في أعمال بورخيس يقف في بعض الأحايين مثل الحيارى ليس بسبب تعقيد أو ضبابية في الرؤية ولكن بسبب بساطة واضحة وقدرة إبداعية خارقة على البوح الشاعري، ففي قصيدته "بأننا لا نعرف شيئا" نجده يقول: أنا, أتراني في السهم! والقوس هل هو ممكن؟ وهذا القوس، أية قمة يمكن أن تكون له, هدفا؟ ولتبديد هذه الحيرة كما تبدد فقاقيع الصابون نستنجد بقوله "الفعل الجمالي لا يمكن تغييره، فهو أحد الأعاجيب والمعجزات, إذ إن كل شيء هو أعجوبة في حد ذاته إنني أحس بهوى الشعر, بحثت عنه في لغات شتى, في أزمنة مختلفة, أعتقد بأنه إن لم توجد العاطفة فليس هناك من شعر البته" وليس غريبا أن نجد هذا التلازم والترابط الأزلي بين الشعر الحقيقي والعاطفة عند الشاعر الكبير بورخيس وهو الذي أحب ماريا كوداما (maria kodama) وتزوجها قبل شهرين من وفاته موصيا بكل ما يملك، وهي من أصل ياباني وتصغره بأربعين سنة وقد أهداها إحدى قصائده الرائعة التي يقول فيها:
Quote: كم عزلة في هذا الذهب قمر لياليك ليس القمر الذي رآه آدم الأول سهرات الناس القرنية أتخمته بدموع قديمة، انظر إليه، هو مرآتك |
وقد كان بورخيس كوني الثقافة والفكر "فهو كوني وطني" كما قال عنه فيرناندو ارابال فقد كان يردد دائما بأنه لا يعترف بالحدود الضيقة التي تخندق المرء في وضعيات معينة تحد من حريته وتقنن سلوكه وشاعريته فهو يقول "لا أنتمي إلى أي حزب سياسي, ولم تتدخل السياسة في أعمالي الأدبية قط, لعلني فوضوي هادئ وصامت, يحلم في منزله بأن تختفي الحكومات، أنا لا أؤمن بالحدود ولا بالأقطار, هذه الأسطورة الخطيرة تطيب لي, أعرف بأنها توجد الحدود والأقطار ولكن آمل أن تختفي الاختلافات الهائلة في توزيع الثروات, وآمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم".
ورجل كهذا يحمل هذا الفكر الوحدوي الكوني يستحق منا الكثير في ذكرى رحيله المنسية, يستحق منا أن نقف أمام أعماله - على الأقل - وقفة استبصار وتأمل نقدي لاستيعاب دروس في الإنسانية الخالدة, خصوصا وأننا في عهد تفشت فيه أمراض كثيرة توحي بالاهتراء والتعفن. فمنظوره العالمي الكوني يظهر بشكل واضح من خلال قاموسه الشعري الذي يستمد مفرداته من معطيات كونية لا ترتبط فقط بنزعة إقليمية أو عصبية قبلية، فمثلا في قصيدة "الأسباب" نجده يتحدث عن بابل وبلاد الكلدان والغانج.. دون أن يتقوقع في منطقة معينة مادام العالم كله يشكل دنياه التي يستقي منه شعره حيث يقول:
Quote: برج بابل الذي كانت تنظر إليه بلاد الكلدان حيات الرمل بلا عدد في الغانج شوانغ - شو الفراسة التي تحمله التفاحات الذهبية في جزر المغيب خطى المتاهة المشردة وشاح بنلوب الذي لا ينتهي زمن الرواقيين المستدير. |
وهذه السعة في التخيل والتصوير إما تنبع من اعتقاده الدائم بأن "كل أدب هو تخيل أو أنه مع الزمن يصبح تخيلا, لست أدري إذا كان الأدب الواقع ممكنا في الواقع" وعلى كل فقد أهدى هذا الأديب الفذ الكثير لحركية الأدب العالمي حيث أضاف روائع جمة مازالت تبرهن على عبقريته وشاعريته الفريدة التي جعلت العالم كله يهتز في الرابع عشر من شهر يونيو 1986 لوفاته، وجعلت الحكومة الأرجنتينية حينئذ تعلن حدادا رسميا, فهذا النبوغ إنما يعود في عمقه إلى قدرته على تقديم المتعة للقارئ ويولد لديه عواطف في نفسه تسمو به نحو آفاق تنتفي فيها المفاهيم القديمة التي تستحق معاول الهدم والتقويض.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الشاعر بورخيس قد كتب قبل وفاته رباعية عن منيته جعل فيها من نفسه أحد رعايا السلطان يعقوب المنصور:
Quote: لقد مات غير أن هذا جرى في القديم فما الفصل حين يحل لنا الموت؟ كل عليم أنا من رعية يعقوب سلطان تلك التخوم لسوف أموت كما الورد، أو كأرسطو العظيم". |
إذن ألا يستحق منا هذا الشاعر العظيم أن نحتفي بذكرى رحيله؟ المراجع: 1- مختارات من الشعر العالمي ترجمة بول شاوول, دار الحداثة, الطبعة الأولى 1990 ص101 فما بعدها.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-08-05, 08:49 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-08-05, 08:51 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-08-05, 09:05 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-08-05, 09:08 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-08-05, 09:11 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | عبد الحميد البرنس | 10-08-05, 07:40 PM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-13-05, 09:05 AM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | عبد الحميد البرنس | 10-13-05, 01:50 PM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | ودرملية | 10-13-05, 04:07 PM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | osama elkhawad | 10-13-05, 05:06 PM |
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة | mazin mustafa | 10-18-05, 10:24 AM |
"آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم" | osama elkhawad | 10-20-05, 01:22 PM |
|
|
|