|
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) (Re: Mohammed Elhaj)
|
(4)
في الفكر الفلسفي الكلاسيكي والحديث عُرّف الجدل على أنه حرف للحوار عن مساره من خلال تحويل آلياته وأساليبه من دائرة التراكم التكاملي إلى دائرة الصراع بين الأضداد. فحين يتحوّل الحوار إلى علاقة تفاعل بين الأضداد: المجرّد والمشخص، المعقول والمحسوس، الجزئي والكلي، الطبيعي وما فوق الطبيعي (الميتافيزيقي) يغدو هذا الحوار جدلاً. وفي هذا لا يصح التعريف الاصطلاحي الذي يقول إن الجدل هو فن الحوار في سبيل الوصول إلى الحقيقة. وعلى ما نعرف فإنَّ الجدل الدقيق عند المنطقيين هو: قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلّمة. و"الجدل اللفظي" عند اللغويين يعني السفسطة والمماحكة. و"فن الجدل" يعني فن المناقشة بطريقة الحوار. و"الجدليون" هم أولئك الذين اشتهروا في الجدل كالسفسطائيين بين اليونان والمعتزلة بين المسلمين. وأما الجدل فهو فعلية الجدل، أي الطريقة الشائعة التي مورس فيها الجدل، ويعني: محاجّة ومناقشة بين أشخاص لهم آراء مختلفة في المجال العقلي، وكل من هؤلاء الأشخاص يريد أن يُسقط حجة الخصم عبر استخدام كل أدواته المنطقية واللغوية واللفظية، بينما يسعى إلى إقامة الحجة على صحة وصواب رأيه واعتقاده. وبحسب الفلسفة الأولى إن الجدل في الأصل كان يعني فن الحوار والمناقشة. والجدلي بنظر أفلاطون هو الذي يحسن السؤال والجواب، والغرض منه الارتقاء من تصوّر إلى آخر ومن قول إلى قول للوصول إلى أعمّ التصورات وأعلى المبادئ. وبنظر سقراط أن العلم لا يعلّم، ولا يدوَّن في الكتب، بل يُكشف بطريقة الحوار. إذ لا يمكنك أن تُلزم بنتيجة القياس، إذ استخرجتها من مبدأ مسلّم به عنده. ولا يمكنك أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام من دون أن تتيقَّن أن الخصم يتبعك. كان سقراط يدَّعي باستمرار أنه لا يعرف شيئاً. وهذا هو السبب في أن كاهنة دلفي قالت عنه أنه "أحكم الناس في بلاد اليونان" وكان يشجع تلاميذه على مناقشة الأفكار ليريهم عادة، كيف يصعب العثور على إجابات مقنعة عن الأسئلة الفلسفية. وهذه الريبة التي كان يثيرها "الحوار السقراطي" في عقول الناس ربَّما تفسر اللقب الذي أطلق عليه وهو "ذبابة الخيل"(4). فالسؤال عند سقراط هو "ذبابة الخيل" التي ينبغي أن تقض منطقة السكون والحجب في العقل اليوناني في زمانه. لكن أرسطو وهو الوارث الأبرز للفلسفة الأولى سيميّز بين الجدل والتحليل المنطقي. لأنَّ موضوع التحليل المنطقي عنده هو البرهان، أي الاستنتاج المبيَّن على المقدمات الصحيحة، في حين أن موضوع الجدل هو الاستدلال المبيَّن على الآراء الراجحة أو المحتملة(5). في الفلسفة الحديثة سوف يُنظر إلى مفهوم الجدل نظرة جديدة، فقد لاحظ هيغل مثلاً، أن الجدل هو التطور المنطقي الذي يوجب ائتلاف القضيتين المتناقضتين واجتماعهما في قضية ثالثة. وأحد أركانه التأليف بين الرأيين المتناقضين والجمع بينهما في رأي أعلى منهما. فالأفكار عند هيغل تنمو وتتحرك تدريجياً نحو إدراك أفضل للواقع في مسار يسميه هيغل بالجدل. وهذا تفسير تطوري وديني للحضارة وللروح البشرية، فهما معاً يسيران في مراحل حتّى يتحقق "الوعي المطلق" والانسجام الاجتماعي. ويعتقد هيغل أن دراسة التاريخ سوف تكشف في نهاية المطاف شيئاً شبيهاً بروح الله (...) كذلك فإن الوعي البشري نفسه لا يبقى ثابتاً أبداً ـ بحسب هيغل ـ بل هو يطوّر ويغيّر مقولات ومفاهيم جديدة. وهذه المقولات هي التي تحدّد كيف نخبر العالم، وهكذا نجد أن المعرفة دائماً من حيث نسيجها والنتيجة باستمرار هي مواقف متصارعة(6). على هذا النحو من الفهم الهيغلي للجدل، سيظهر لنا كيف أن جدل السيد والعبد هو التطور الذي يجعل السيد عبداً والعبد سيداً، لأنَّ فراغ السيد وسعيه في سبيل الملذات يجعلانه عبداً لحاجاته وشهواته ويهبطان به إلى مستوى الحيوان. في حين أن عمل العبد يكسبه سيطرة على نفسه وعلى الطبيعة ويجعله في النهاية سيداً. وفي هذا المعنى يتضح لنا تهافت أطروحة الحوار عند هيغل لصالح أطروحة الجدل القائمة على التناقض والتضاد والغلبة. هذه الصفات السالبة التي أنشأها الفكر اليوناني ومَن ورثه فيما بعد سوف يطرأ عليها تغيّرات جمّة. ففي مراحل متأخرة، من تطور المفاهيم ولاسيما مع ثورة الحداثة، أخذ مفهوم الجدل بعض الصفات الإيجابية ليقترب من مفهوم الحوار. إلاَّ أنه بقي في جوهره محتفظاً بمعناه الأصلي القائم على التضاد والتناقض. فثمة من ذهب إلى إطلاق صفة الجدل والجدال على الحالات التالية: أ-طريقة الفكر الذي يعرف ذاته، ويعبِّر عن موقفه بتأليف حكم مركب جامع بين الأحكام المتناقضة. ب-طريقة الفكر الذي تحركه جهات متعارضة، تؤثر فيه تأثيراً متقابلاً يفضي في النهاية إلى تقدمه. ج-موقف الفكر الذي يقرر أن حكمه على الأشياء لا يمكن أن يكون نهائياً وأن هناك باباً مفتوحاً لإعادة النظر فيه بصورة دائمة. د-إنصاف الفكر بالحركة، وميله إلى تجاوز ذاته. على أن تكون طريقته في تفهُّم كل شيء تكمن في إرجاعه إلى المحل الذي يشغله في تيار الوجود المتحرك، فالجدلي –بحسب هذا الفهم- هو الحركي أو التقدمي أو التطوري.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
(سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-13-05, 09:28 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Elnasri Amin | 07-13-05, 09:42 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-14-05, 02:38 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | luai | 07-14-05, 02:56 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-14-05, 04:51 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | قرشـــو | 07-14-05, 04:38 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-14-05, 06:28 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | مريم بنت الحسين | 07-14-05, 11:01 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-20-05, 08:07 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-23-05, 05:32 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-23-05, 05:45 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-23-05, 06:02 AM |
Re: (سودانيز اونلاين الفترة من 1/1/05الى 13/7/05، صراعات الصفوة السودانية المثقفة) | Mohammed Elhaj | 07-23-05, 06:04 AM |
|
|
|