حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 12:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-13-2005, 08:37 AM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) (Re: فتحي البحيري)

    افتتاحية

    ما الذي تقوم حكومة السودان بإبلاغه للجنة الخاصة بحقوق الطفل؟

    محجوب التجاني، رئيس المنظمة السودانية لحقوق الإنسان، القاهرة


    خُلق الناس "شعوباً وقبائل لتعارفوا" (و) "لا إكراه في الدين" يجعل من القرآن الكريم في إنسجام
    موضوعي مع المجتمع السوداني المتنوّع، ميثاق الأمم المتحدة، ومواثيق حقوق الإنسان الدولية.

    وقّعت حكومة السودان على اتفاقية حقوق الطفل منذ عام 1990. بالنظر إلى إلتزام الدول الأطراف بعرض تقارير "إلى اللجنة (حول حقوق الطفل)، عبر الأمين العام للأمم المتحدة، حول الإجراءات التي قامت بتبنّيها لتنفيذ الحقوق المعترف بها وفي شأن التقدم الذي تمّ إحرازه في ما يختص بالتمتّع بهذه الحقوق" وفقاً للمادة 44 من الاتفاقية، فانه يثير بالفعل قلق المنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة أن تلاحظ على ضوء التقارير والتحليلات الواقعية المضمّنة في هذا العدد من الدورية الخاص بالحق في التعليم في السودان، الانتهاكات الشنيعة من قبل حكومة السودان للاتفاقية، وأيضاً للمعايير الدواية الأخرى. وبنفس القدر من الأهمية، فان التعليم السياسي المتحيّز للإسلام، العقيدة والفقه - بدلاً عن تقديم عرض أكاديمي متوازن للإسلام والأديان الأخرى أو نظم الإيمان بالنسبة للطفل من أجل معرفة مدرسية في مجال التعليم الابتدائي، الثانوي والمراحل العليا - سوف تتم مناقشته بجدّية في هذه الدورية من خلال دراسة شاملة أعدّها الأمين العام للمنظمة، محمد حسن داوود، وكتّاب آخرون حول اللاهوت، المنهج الدراسي، وإدارة تعليم السودان.
    إن الإسلام هو أحد أعظم الديانات في العالم. يشير مصطلح "الشريعة" إلى المصادر الأصلية للإسلام المقيّدة تماماً بالقرآن الكريم والسنّة النبوية الموثوقة (القولية والفعلية). إلى جانب أصول الإسلام، هناك موروث هائل من الشريعة تراكم طوال 16 قرناً من التديّن المتواصل، المستوعب لتفسيرات عديدة من قبل أصحاب النبي، بما فيهم أفراد أسرته، وأيضاً الفقهاء والعلماء الآخرين الذين طوّروا أفكار وإتجاهات ومدارس مختلفة للفقه (قانون الشريعة). بجانب نظام الإيمان هذا، فان عدة مفاهيم للشريعة قد نشأت كنتيجة للظروف الفكرية والمادية المتغيّرة للمناخ الاجتماعي عبر المساحة الشاسعة للمجتمعات المسلمة في كافة أنحاء العالم. بالتالي، فان الشريعة الإسلامية لا يمكن إطلاقاً النظر إليها كمبدأ أو نظرية مركزية يمكن لدولة واحدة أو مجموعة -أنّى كانت- أن تقوم باحتكارها، ناهيك عن فرضها على مجتمع مسلم أو أمة إسلامية بأسرها.
    تراثاً فكرياً بشرياً وتقليداً معاصراً، تواصل الشريعة مراكمة المعرفة والمنهج التطبيقي الذي يمثّل بالضرورة وظيفة للتغيير الاجتماعي والتحوّلات المجتمعية. إن ما هو بشري من تعاليم وأوامر وفروض الشريعة هو بالطبع محل خلاف بين المسلمين، وأيضاً المهتمين من غير المسلمين لأسباب عديدة: أكاديمية، سياسية أو مجرّد فكرية. إن تقاليد صوفية عديدة، على سبيل المثال، تشير إلى الشريعة باعتبارها "تأويل الأولياء" أي التفسيرات الشخصية للأصول بواسطة الزعماء المسلمين الذين يجلّون "الجهاد الأكبر" (التجويد السلمي للروح والعقل، كما حضّ عليه بشدة النبي) في حين يعتبرون جهاد قتال الآخرين مسموحاً به فقط في حالة الدفاع عن النفس، والذي يتعيّن أن يكون في جوهره جنوحاً متواصلاً نحو صنع السلام.
    آمن ملايين من المسلمين باحترام عظيم بإسلام السلام، العدل، والتعايش السلمي مع غير المسلمين، على نحو ما تمّ الحث عليه باستمرار بواسطة المئات من الزعماء المسلمين، وبصفة خاصة أولياء الصوفة (عباد الله المخلصين) الذين يعتقد أتباعهم بفضلهم أنهم خير من يقومون بتفسير وتطبيق الشريعة (أنظر للمناقشات الدقيقة والمستفيضة حول مفاهيم الشريعة، التطبيق، الإبدال، التأويل والتفسير، والموضوعات الأخرى والمؤلفات التعليمية لمحمود شلتوت، سيد قطب، عبد الخالق محجوب، نصر حامد أبوزيد، العشماوي، محمود محمد طه، كارولين فلوهر - لبنان، وعبد الله النعيم، بين عديدين آخرين).
    على نقيض الإسلام الشعبي الصوفي، فان مجموعات إسلامية متشدّدة بعينها، لاسيما الأخوان المسلمين (بشقّهم المحلي أو الدولي)، تتمسك بأن عقيدة الإسلام هي في الأساس حرب جهاد مقدّسة من قبل المجتمع يتعيّن شنّها باستمرار ضد غير المسلمين جميعاً، وأيضاً ضد المسلمين الذين يرفضون تعاليمهم المتشدّدة القائمة على تفسيرات أصولية ضيّقة الأفق للشريعة بأسلوب فاشي لترويع خصومهم، مسلمين وغير مسلمين، بالتخويف، الذي يُفضّل إنفاذه من خلال استغلال سلطة الدولة، حتّى يصبحوا أتباع بالقسر والقوّة. لتطبيق هذا الفهم البائس للإسلام، خطّط الإخوان المسلمين بصبر للسيطرة على الدولة في السودان ، الأمر الذي تحقّق في النهاية بحكومة الانقاذ العسكرية في يونيو 1989.
    وفّر الحكم العسكري المتسلّط لانقلاب يونيو فرصة ذهبية لجماعة الإخوان المسلمين لتجريب كل مذاهبها في ظل الغياب الكامل لنظام كفء للمراقبة والموازنة، على نحو ما حظيت به البلاد باستمرار في ظل حكومات ديمقراطية وحكم انتقالي. ومع ذلك، فان الدولة البوليسية لاستبداد الإخوان المسلمين (الجبهة القومية الإسلامية) لن تكون أبداً قادرة على أن تسكت قرون الاختلاف حول الشريعة، كجزء هام من التنوع الديني والسياسي للسودان. كمساهمة في حق السودانيين في التعبير الحر وتقرير مصير الكيفية التي ينبغي أن يتعلّموا بها، فان دورية حقوق الإنسان السوداني تسهم في النزاع المستمر حول النظم المناسبة للمجتمع والدولة السودانية بنقد خاص للتعليم في السودان الذي حوّله حكم الجبهة القومية الإسلامية لشكل شائه من التجنيد "التعليمي" لصالح النخبة الحاكمة عن طريق تزييف الروح الدينية والأهداف الاجتماعية للشريعة.
    إن المنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة لشديدة القلق من الإتجاه الواضح لحكومة السودان لتسييس الإسلام في التعليم لتعزيز النظام الإرهابي الديكتاتوري للجبهة القومية الإسلامية، والتي تعتبر في الواقع حزباً سياسياً صغيراً مقارنة مع الأحزاب الأخرى الكبيرة التي يعتبر بعضها أعرق وأوسع جماهيرية منها وأكثر إهتماماً بالإسلام والمجتمع المسلم في ما يتعلّق بالإيمان والتوجيه مقارنة مع مجموعات الإخوان المسلمين في الجبهة القومية الإسلامية. بجانب ذلك، توجد المئات من منظمات المجتمع المدني في البلاد التي تؤمن بأيديولوجيات سياسية متنوعة - ومع ذلك فهي تحمل ذات الأجندة الوطنية المشتركة الخاصة بالبلاد كمجتمع ذي تعدّدية دينية، عرقية وسياسية. في هذا المقام، فان المنظمة تذكّر القرّاء بالنظام التعليمي في السودان -السابق للجبهة القومية الإسلامية- والذي كان مزيجاً متفردّاً من تراكم خبرات تجارب التعليم السودانية والدولية لآلاف المعلّمين، الأكاديميين، والخبراء التعليميين من مختلف مشارب المعرفة في كافة أنحاء العالم.
    تخريب التراث التعليمي السوداني
    إن غنى التراث الوطني التعليمي للسودان، ، الذي راكم نصوص دينية -إسلامية ومسيحية- منتقاة بحرص، بجانب محاولات عديدة لإدراج القيم والديانات الروحية الإفريقية في المنهج بشكل مناسب - قد اجتذب بشدّة الطلاب من كل أنحاء العالم، وبخاصة من إفريقيا والمنطقة العربية، للدراسة في مدارس السودان، جامعاتها، وغيرها من مؤسسات التعليم الأخرى التي تضم الأكاديميات والكلّيات المهنية، المدنية والنظاميّة.
    إن أجيال من الخريجين قد تخصّصت في العلوم، الدراسات الإنسانية، والدراسات الدينية المقارنة، كمجالات معرفة مختلفة يتم،من خلال الحريات الأكاديمية، الحصول عليها عبر أفضل البرامج التعليمية ومناهج التدريس السودانية. إن جامعة الخرطوم التي أُعتبرت، ضمن مؤسسات تعليم عالي أخرى، بحق فخراً للتعليم الافريقي والعربي، بخت الرضا، المعلمات، التمريض، الزراعة، الصحة، وكليّات أخرى عديدة متخصّصة بجانب الكلية الحربية، كلية الشرطة كلية السجون والأكاديمية العسكرية الوطنية قد استفادت بشكل كبير من التراكم المتميّز السوداني لتجارب التعليم كما ينعكس في الكفاءة القوّية للخريجين الذين طوّروا بحق الجودة النوعية للتعليم بالشهادات المميّزة للمؤسسات التعليمية السودانية، عالمياً، من خلال البروتوكولات المتبادلة مع أنظمة التعليم الأمريكية والأوروبية والافريقية والعربية.
    إن ما أحدثته الجبهة القومية الإسلامية في التعليم السوداني عن طريق الإستبدال المباشر، الإلغاء، التدمير، والتشويه لهذا الإرث اللامع كانت نتيجته فادحة وعظيمة: بدلاً من الحفاظ على هذا التراث القيّم والإضافة إليه وترقيته بمزيد من الإحترام لحق المعلّم، المتعلّم، والمجتمع بكل تنوّعه، قرّر حكّام الجبهة القومية الإسلامية أن يجعلوا من التجربة والحرفية السودانية المتراكمة أثراً من الماضي. خطّط حكّام الجبهة القومية الإسلامية لتنمية شخصية الطفل السوداني كمحارب انتحاري، فدائي (شهيد) يقتل نفسه / نفسها والوطنيين السودانيين الآخرين لقضية دينية (من أجل الله) هي، في الواقع، دافع إسلامي حقيقي في ظاهره، تم تزييفه على امتداد المنهج لمناصرة الرغبة السياسية لإرهاببي الجبهة القومية الإسلامية في حكم السودان بالحرب الأهلية وإراقة الدماء بأي ثمن.
    إن المنهج الدراسي للجبهة القومية الإسلامية يهدف باستهتار إلى تنشئة الطفل على التضحية بروحه/ روحها من أجل حكم الجبهة القومية الإسلامية الرجعي والمتخلف من خلال الإستهزاء بالملكةالفكرية وحقوق وحرياتات الفكر والتعبير، وتعطيل التوجّه البشري للبحث عن واستكشاف المعرفة ومن ثم الإضافة إليها بالإبداع والفردية. إن المنهج التعليمي للجبهة القومية الإسلامية يحوّل بالتالي إمكانيات الطفل السوداني وطاقاته نحو مادة جوفاء يتم تجنيدها لخدمة إرهابيي السودان، جماعة الإخوان المسلمين المراوغة.
    إن المذبحة الفكرية للتعليم السوداني ليست منفصلة عن الإرهاب الديكتاتوري للديكتاتورية العسكرية للجبهة القومية الإسلامية، التي مضت دون تردّد إلى فصل اآلاف من خيرة المعلّمين وغيرهم من المهنيين والعمال المهرة في تطهير قومي غير مسبوق ضد الأعراف السودانية والدولية. إن هذا القضاء المبرم على للتعليم كان قد تمّ التخطيط له وتنفيذه بواسطة ديماجوجيي الجبهة القومية الإسلامية، حسن الترابي وعلى عثمان محمد طه وشركائهم، في غيبة الإهتمام الحازم والمتابعة اليقظة من قبل الحكومة الانتقالية (1985)، وأيضاً الحكومة الديمقراطية (1986 - 1989)، لتقويض خطط سياسيي الجبهة القومية الإسلامية وأنصارها في المجال التعليمي، بما فيهم الاستراتيجيين، الوزراء، المعلّمين، وروابط الطلاب بهدف تخريب النظام التعليمي بكل السبل.
    مع ذلك، فان اللوم يقع كاملاً على قيادة الجبهة القومية الإسلامية وعضويتها في الحط من قيمة التراث التعليمي السوداني بهذه الطريقة البشعة، بجانب الإساءة للإسلام بالتوجه الانتقائي لجهاد العنف، خيانة الوطن بتفخيم الانقلاب وزعماء الحزب كأئمة "مسلّم بهم" للإسلام، وحرمان الملايين من الأطفال السودانيين من أفضل محتوى وشكل تعليمي تمتّعت به الأجيال السابقة منذ الطفولة، ومن بينهم قادة الجبهة القومية الإسلامية أنفسهم.
    في الدراسة التي أعدّها داوود، والتي لا تقصد على الإطلاق تبنّي موقف سلبي من الإسلام، كدين أو إيمان، أو أي نظام اعتقادي آخر بعينه، هناك تساؤلات رئيسية مشروعة حول صحة وإستقامة إعطاء وجهة دينية لمجمل المنهج الدراسي الابتدائي والثانوي في التعليم العام السوداني مع حاجات وحقوق الطفل في ضوء الاستبدال الكامل للمنهج الدراسي السابق في العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية بفقه الإخوان المسلمين.
    هنا، يتعيّن علينا التأكيد على أسئلة حرجة تتعلّق بالالتزامات الواقعة على حكومة السودان تجاه الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بخصوص: (1) مدى اتفاق تديين كافة مراحل التعليم السوداني مع الإتفاقية، (2) مدى اتفاق عملية التديين مع تنوّع وتعدّد القيم الروحية، المجتمعية والثقافية السودانية، والحقوق والاهتمامات، (3) مدى قيام حكّام الدولة والحزب (الأحزاب) السياسي بما يتعيّن عليهم في إنصاف قضايا التعليم التي يشارك فيها بقدر متساوي المعلّمون، الأسر، المجتمعات و، قبل هذا وذاك، الأطفال. سوف نقوم من جانبنا بمحاولة مخاطبة هذه الأسئلة استناداً إلى العرض المفصّل للحال الراهن للتعليم السوداني في ظل الديكتاتورية العسكرية للجبهة الإسلامية.
    لقد أولى الأمين العام للمنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة اهتماماً كبيراً لمحنة التعليم الإبتدائي والثانوي، في ما يختص بالمنهج الدراسي. في وقت سابق، طال تربيون ونشطاء حقوق إنسان آخرون بانتقادهم مرحلة التعليم العالي، بجانب وضع التعليم في الجنوب كمثال محدّد للمخاوف الاقليمية السودانية. جرى نشر أثنتين من هذه الدراسات في إعداد سابقة من الدورية. تعلّقت هاتان الدراستان ب "محنة التعليم العالي" لوزير التعليم العالي الأسبق، عبد الوهاب عبد الرحيم، و "انتهاك حقوق الجنوب في الابداع والتعليم" لأكول ميان كوال. نعيد في هذه الدورية نشر أجزاء هامة من هاتين المادتين المهنيتين عوناً في تقييم وضع التعليم بشكل كلّي. تمّت مناقشة الإهتمام بالتعليم كقضية تنمية إجتماعية في منتدى عام من قبل الأكاديمية سعاد إبراهيم أحمد التي تحدثت في المنتدي عن حزبها المعارض بتركيز خاص على الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، والايديولوجية للحق في التعليم.
    من وجهة نظرها، توضح سعاد إبراهيم أحمد تدهور الحالة التعليمية في البلاد بهذه الكلمات "إن الديكتاتورية التي تفرض القرارات الفوقية لتحقيق أهدافها التحكمية وبالتالي هي تذبح المناخ الملائم للتعليم العالي الذي يفترض فيه أن يفتح آفاق المعرفة لا أن يكبل مؤسساتها بالقيود المتسلطة فيجعل مناخها خانقاً للفكر المتسائل والناقد، وقاتلاً للابداع الحر السامق نحو النجوم في علاها بدلاً عن الترديد الأجوف والحفظ الأعمى والقبول الخانع. إن الديكتاتورية هي أساس البلاء ليس للتعليم العالي وحده وإنما لمستقبل الوطن بكامله: تمزيقاً لوحدته الوطنية، واضطهاداً لقومياته بثقافاتها المتنوعة وأديانه المتعددة، وتبديداً لموارده لصالح الموالين لها، وتخلياً عن توفير التعليم والرعاية الصحية للمواطنين، واحتكاراً للنشاط الاقتصادي والاجتماعي والنقابي وكل أشكال وتنظيمات المجتمع المدني الزاخر إمعاناً في الانفراد بحق اتخاذ القرار في كل أوجه الحياة."
    لقد جرى إخضاع التعليم في السودان تماماً للرؤية المتحيّزة والمتصلبة للتفسير والإستغلال السياسي للدين من قبل الإخوان المسلمين، والذي ظلت الجبهة القومية الإسلامية تنفّذه بشكل كامل منذ 30 يونيو 1989، وإلى الوقت الراهن بسلطان الدولة دون إية مراجعة سياسية أو موازنة مهنية من قبل أي كيان شعبي أو رسمي. إن النتيجة الفورية لهذا التديين المفروض على النظام التعليمي السوداني ليحتاج في الواقع إلى نقاش مسهب وتفصيلي. سوف نحاول في افتتاحية هذه الدورية التعليق على الموضوعات الهامة بمرجعية خاصة للإتفاقية التي تلتزم بها بإخلاص المنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة، تماماً كالتزامها بغيرها من مواثيق حقوق الإنسان الدولية.
    محتوى الاتفاقية يعزّز السلام والتقدّم الاجتماعي:
    حكومة السودان تدعو للموت وأعمال العنف
    في هذه الدورية، ندعو بود قارئنا إلى قراءة مواد منتقاة من الاتفاقية يتعارض معها بشدة -روحاً ومحتوى- تديين التعليم في السودان. يمثّل هذا بالتأكيد إنتهاكاً جسيماً للمعايير الدولية من قبل حكومة السودان.
    إشارة لبعض الأمثلة القليلة، فان ديباجة الاتفاقية تقر بأن "الطفل، بغية النمو المتوافق والكامل لشخصيته/ شخصيتها، يتعيّن أن ينشأ في بيئة عائلية، في جو من السعادة، الحب والتفهّم." وتعتبر الديباجة "أن الطفل يتعيّن إعداده بشكل كامل ليحيا كفرد في مجتمع وأن تتم تنشئته وفق روح المثل المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة وبشكل خاص في روح السلام، الكرامة، التسامح، الحريّة، المساواة والتضامن." والديباجة أيضاً "تولي عناية خاصة لأهمية التقاليد والقيم الثقافية لأي شعب بغرض حماية النمو المتوافق للطفل"، وأكثر من ذلك تعترف ب "أهمية التعاون الدولي في تطوير الظروف المعيشية للأطفال في كل بلد، وبشكل خاص في البلدان النامية."
    بإلقاء نطرة متأنية على المنهج العتليمي لمرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي، يتّضح تناقض جلي بين توجيه المنهج لكافة الصفوف الدراسية في كافة المواد، سواء أكانت لغة عربية، فقه إسلامي، أو علوم تطبيقية (التي أصبحت بديلاً للكتب الدراسية المنفصلة سابقاً في التاريخ، الجغرافيا، العلوم الطبيعية وعلم الاجتماع) من ناحية، وبين التأكيد السابق ذكره للديباجة على الشروط الواجبة لبلوغ شخصية معافاة لدى الطفل عن طريق "جو من السعادة، الحب، والتفهّم"، "الحياة كفرد في مجتمع"، في روح "السلام، الكرامة، التسامح، الحرية، المساواة، والتضامن"، و "أهمية التعاون الدولي بغية تطوير الظروف المعيشية للأطفال في كل بلد، وبوجه خاص في البلدان النامية."
    بالمثابرة والمواصلة في إعداد الأطفال للتبنّي النظري والعملي لحرب الجهاد (التي لم تكن أبداً الهدف الأوحد للديانة الإسلامية) والقتال العبثي المتواصل (المنهي عنه تماماً من قبل القرآن الكريم، من حيث المبدأ) باستخدام مرجعية خادعة (لقضية الله والدفاع عن الوطن)، في الوقت الذي يتم فيه غض الطرف تماماً عن الأسباب الحقيقية للحرب الأهلية في السودان والموقف المخزي للحكومات المركزية في السودان، وبصفة خاصة حكومة الجبهة القومية الإسلامية القائمة، تجاه الجنوب، جبال النوبة، دارفور، والمناطق الأخرى المهمّشة في البلاد، في الواقع لا مكان للإشارة إلى أن التوجيه الرئيسي للإسلام، وفقاً للمصادر الأصلية المتمثّلة في القرآن الكريم والسنّة الموثّقة، يحثّ البشرية بقوة على إحترام السلام، تجنّب الصراع المسلّح، كرامة كافة البشر، مسلمين وغير مسلمين، وحق الناس في اختيار ما يريدون من دين لأنفسهم ولأطفالهم. "لا إكراه في الدين" كما تنص سورة البقرة في القرآن الكريم.
    إن إصرار المنهج الدراسي للجبهة القومية الإسلامية فقط على تأكيد ضرورة، أولوية، وفضل الشهادة (الموت أثناء مقاتلة العدو) للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر لهو انتهاك جسيم لمواد الاتفاقية التي تؤكد "لكل طفل الحق المكفول في الحياة - المادة 6، الفقرة 1-"، "المصلحة المُثلى للطفل ينبغي أن تكون محل الاهتمام الرئيسي - المادة 3، الفقرة 1-"، "حق الطفل في الاحتفاظ بهويته/ هويتها - المادة 8-"، "حماية الطفل من كافة أشكال العنف الجسدي أو العقلي - المادة 19-"، "إتخاذ جميع الإجراءات العمليّة لضمان أن أي أشخاص لم يبلغوا من العمر 15 عاماً لا يتعيّن مشاركتهم في القتال - المادة 2/38 -"الطفل المعاق جسدياً أو عقلياً يتعيّن أن يتمتّع بحياة كريمة - المادة 23-"، "التمتّع بأرفع مستوى متاح من الرعاية الصحية وتيسير العلاج من المرض وإعادة التأهيل الصحي . . . (أ) لخفض معدلات الوفاة بين الرضّع والأطفال . . . (ج) لمحاربة المرض وسوء التغذية، ومن ذلك داخل إطار الرعاية الصحيّة الأولية، ضمن أشياء أخرى، إستخدام التكنلوجيا المتوفرة ومن خلال توفير المواد الغذائية الكافية ومياه الشرب الصحيّة، أخذاً في الاعتبار أخطار التلوّث البيئي - المادة 24-" ضمن مواد هامة عديدة أخرى.
    إن النظرة الأحادية الجانب في المنهج التعليمي التي تحول دون تنظيم الأسرة يتعارض بشكل مباشر مع المادة 24 من الاتفاقية التي تدعو "(ف) لتطوير الرعاية الصحيّة الوقائية، توفير الإرشادات للآباء والأمهات والتعليم الخاص بتنظيم الأسرة والخدمات - المادة 24-". وكحقيقة مسلّمة، فان علماء مسلمين متميّزين من صنو البروفسيور عمران، من دراسات السكّان التابعة للأمم المتحدة، يدعون المجتمعات المسلمة لتوسيع برامج تنظيم الأسرة كوسيلة ناجحة لتعزيز المساواة بين الجنسين، حقوق المرأة، وعديد غيرها من الفوائد الروحية، الاجتماعية والاقتصادية. لقد عرف المجتمع السوداني البرامج المفيدة لتنظيم الأسرة قبل وقت طويل من إستيلاء الجبهة الإسلامية للسلطة السياسية. يعتبر د. عبد السلام المغربي، وهو مؤسس بارز وقائد لبرامج تنظيم الأسرة في السودان، أحد الأمثلة المتميّزة لعالم نجح لعقود طويلة في إدراج المفاهيم الثقافية والدينية في الدعوة النشطة لتنظيم الأسرة.
    بمصادقتها على نظام جنسي متعصّب بسفور، التمييز على أساس النوع، وإزدراء حقوق المرأة، فان حكومة السودان يتعيّن اعتبارها أسوأ منتهك للاتفاقية التي تُلزم بقوة "وجوب احترام وكفالة الدول الأطراف للحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية القائمة لكل طفل داخل سلطاتها دون تمييز من أي شكل، غض النظر عن عرق، لون، جنس، لغة، دين الطفل أو أبويه، الرأي السياسي أو خلافه أصل جهوي، عرقي أو ثقافي، الملكية، الإعاقة، المولد أو أية حالة أخرى - المادة 2 (1)-". إن انتهاكات حكومة السودان لحقوق الطفل تسوء أكثر بإهمال حق الفتيات في التمتّع بوضع مساوي في النشاط المدرسي والحياة المجتمعية وفقاً لمنصوص "المادة 31 (2): "يتعيّن على الدول الأطراف إحترام وترقية حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والأدبية، ويتعيّن عليها تشجيع اعتماد فرص مناسبة ومتساوية للأنشطة الثقافية، الأدبية والأنشطة الاستجمامية وأنشطة أوقات الفراغ."
    بالاطلاع على دراسة داوود حول الطريقة التي تتم بها تنشئة الفتيات من خلال المنهج التعليمي الابتدائي والثانوي، فمن الواضح أن الفتاة السودانية لن يتسنى النهوض بها في المدارس كشريك متساوي للفتى السوداني حتّى في المراحل المبكّرة من الاختلاط الاجتماعي. إن هذا التمييز القبيح القائم على أساس الجنس لهو أمر لا يمكن قبوله من أولئك الذين يؤمنون في المساواة بين الجنسين، بما فيهم المسلمين الذين يؤمنون بالحديث النبوي القائل بأن "النساء شقائق الرجال"، "خذوا نصف دينكم من عائشة (زوجة النبي)،" والعديد غيرهما من الأحاديث الموثّقة حول حقوق المرأة، بجانب الآيات القرآنية الواضحة في شأن الحقوق المتساوية للنساء والرجال في "التفكير، العمل، واكتساب المصالح (الدنيوية والدينية)."
    إن التناقضات الأخرى بين تحريض التعليم على شن الحرب الجهادية الدينية كما يتم إنتقاؤه وفرضه بواسطة حزب الجبهة القومية الإسلامية الحاكم والأشكال السلمية للتعاون الاجتماعي والثقافي التي يتم التشجيع عليها بواسطة كل من المعايير الدولية والتفسيرات الصحيحة للدين (على سبيل المثال، تأكيد التعاليم السلمية، الإنسانية والبنّاءة للقرآن الكريم والحديث مجتمعين مع الإنجيل والمعتقدات الروحية الافريقية) لأمر مفيد تجاه تشديد المنهج التعليمي في السودان بشكله الراهن على "الطاعة الكاملة للجماعة المسلمة للإمام الديني، المسجد باعتباره المكان اللائق الوحيد للاجتماع الشرعي والتعبير الحر مع الخضوع الكامل أيضاً للإمام،" إضافة إلى "تمثيل القادة السياسيين الأحاديين للأمة باعتبارهم أئمة دينيين للأمة الإسلامية" بشكل مغلوط، بهدف ماكر يتمثل في "ضمان الخضوع المطلق للنظام السياسي الراهن (الخاص بالجبهة القومية الإسلامية)"، والمزيد من الحرمان لحق الفرد في تنمية الفردية للحصول على التفكير والعمل الخلاّق من أجل الحياة الطيبة.
    إن النظام التعليمي للجبهة القومية الإسلامية لا يعلّم التلاميذ فقط "التدخّل في خصوصية الآخر وتقويمه" متى انتهك الشريعة. إن هذا المنهج التجسّسي، الذي ينظر للناس كأرواح مذنبة أو أجساد ظالمة إستناداً على الشكّ والتخمين، لمنهي عنه بالقرآن الكريم والحديث. مع ذلك، فإن استراتيجيي حكومة السودان في مجال التعليم يخطّطون بشكل إجرامي لتوظيف الأطفال في العمليات الأمنية ضد زملائهم في الدراسة وضد أفراد عائلاتهم. إن أعمال التعذيب والقتل الفعلي ضد الخصوم السياسيين كانت مراراً وتكراً ذات صلة بمجندي أمن الجبهة القومية الإسلامية تحت القيادة العليا للمسئولين العسكريين والمدنيين للجبهة القومية الإسلامية. إن هذا الأسلوب الإجرامي لتدمير أخلاقيات الأطفال بتوظيف السلطة من خلال الحياة المدرسية لهو مرفوض بقوة بنص المادة 16: "1- لا يتعيّن إخضاع أي طفل للتدخّل الاعتباطي وغير القانوني في خصوصيته، أسرته، منزله، أو مراسلاته، أو أية اعتداءات غير مشروعة على شرفه أو سمعته. 2- للطفل الحق في الحماية بالقانون ضد مثل هذا التدخّل أو الاعتداءات."
    إن النظام التعليمي للجبهة القومية الإسلامية لم يراعي مسائل التعاون الدولي التي تُلزم بها المعاهدة حكومة السودان. فبينما يدعو المنهج الدراسي لمرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي بقسوة "بالإبتلاء للدول الأوروبية والولايات المتحدة،" بشكل خاص، فان حكومة السودان، في الماضي والحاضر، لم تتوقف في الواقع عن السعي الدبلوماسي لترقية التعاون مع الدول غير المسلمة في أوروبا، آسيا، و، بصفة أخص، من البلاد الأخرى، الولايات المتحدة! إن هذا التوجّه المنافق لهو مربك ولا قيمة عملية له إستناداً على التحليل الأكاديمي، ولا يأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للبلاد.
    إن التأكيد من جانب آخر على "حضارة الإسلام" السودانية والإفريقية دون ذكر لحضارات السودان وإفريقيا السابقة للإسلام، غير الإسلامية، واللاحقة للإسلام، وأيضاً تلك الخاصة بالقارات الأخرى للعالم، لهو شديد الضرر لعقلية الطفل الذي ربما يكتشف بسهولة - في بعض الحالات في ثقافة العائلة أو الانترنت العالمي ووسائل الاتصالات الحديثة الأخرى - أن الإسلام والموروث الإسلامي يمثّل فقط جزءاً مميّزاً من التراث والتراكم الهائل للمعرفة البشرية التي جاءت من مختلف أنحاء العالم عبر مسيرة طويلة للإنسانية.
    السطو على دولة المدينة والحط من إنسانية غير المسلمين
    من المعروف جيداً أن نبي الإسلام كانت له دائرة واسعة من العلاقات الاقليمية والدولية، كما دعا القرآن الكريم أيضاً إلى الإقرار ب "إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". إن الموقف الأصيل للنبي في دولة المدينة تجاه غير المسلمين، أفراداً، مجموعات، أو دولاً تضمّن على الاعتراف بالتعاون الاقليمي والدولي ضمن الإطار التاريخي لذلك العصر.
    إن سياسات وممارسات المدينة لجدير بالتأكيد بالدراسة الأكاديمية. غير أنها لا تتكرّر بشكل تلقائي في مجتمع اليوم: "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، كما يعلّم النبي. مع ذلك، يركّز الاستراتيجيون التعليميون للجبهة القومية الإسلامية فقط على الوقت الذي كانت ترسي فيه المدينة سلطتها السياسية في خضم عدائيات غير مسلمة. لم تكن هذه الفترة على الإطلاق وضعاً دائماً ونهائياً للدولة. كان هناك وقت للسلام والعلاقات الأخوية، وفي الأزمنة التالية أصبحت المجتمعات المسلمة وثيقة المشاركة في تعاون مشترك للمصالح، التجارة، والتعاون العلمي والأدبي والتكنلوجي مع المجتمعات غير المسلمة في كافة أنحاء العالم. كبلد نامي، فالسودان ليس في حاجة إلى عدائيات، ناهيك عن حروب الجهاد داخل البلاد وخارجها.
    إن تصوير دولة المدينة كنظام معاصر "مسلّم به" للحكم بتركيز خاص على الحكّام الحاليين للسودان "كأئمة" لهم ولاء مقدّس ومباركة من عند الله "لقضية الله" لهو تحريف للعلوم السياسية وتزييف بشع لحقائق الحياة المعاصرة بالنسبة للأطفال. كان من الأحرى على الأقل توضيح الطبيعة غير الجازمة لهذه القضايا حتّى في أوساط العلماء المسلمين، ومن ثم، ربما طرح النظريات الدنيوية والدينية والتجارب الأخرى وإخضاعها للاستفسارات والتساؤلات الفكرية الفردية للأطفال بمرجعية كاملة للاتفاقية التي تقول، "يتعيّن على الدول الأطراف ترقية وتشجيع التعاون الدولي في المسائل المتعلقة بالتعليم، وبشكل خاص بقصد المساهمة في إستئصال الجهل والأميّة على امتداد العالم وتيسير سبل الوصول للمعرفة العلمية والتقنية والسبل الأخرى الحديثة للوصول إلى الآخرين." في هذا الصدد، يتعيّن إعطاء اعتبار خاص لحاجات الدول النامية - المادة 28 (3)."
    إن المواد الملزمة للاتفاقية فيما يختص بحريات الطفل في التعبير، التجمع، الحصول على الإعلام، وغيرها من الحقوق أو الأنشطة الأساسية الأخرى جرى تقييدها بشدة أو إهمالها بواسطة النظام التعليمي للجبهة القومية الإسلامية. لإيراد أمثلة قليلة، "يتعيّن حماية الطفل ضد جميع أشكال التمييز أو العقاب على أساس الوضع، الأنشطة، الآراء المعبّر عنها، أو معتقدات أبوي الطفل، الأوصياء الشرعيين، أو أفراد الأسرة - المادة 3 (1)." إن المرء ليتعجّب كيف يمكن الاعتراف بهذه المادة أو الوفاء بها بأي شكل بينما تقوم الكتب المدرسية للجبهة القومية الإسلامية بالتمييز الحاد بين الأطفال المسلمين وغير المسلمين في الدولة بأكثر الطرق سفوراً وشمولاً.
    إن هذا النظام التمييزي الكريه يقوم على مرجعية مذهب الإخوان المسلمين للمنهج الدراسي - إتجاه متخلّف لقانون الشريعة يميّز بشكل أساسي بين مسلم يخضع لمذهبه (مثال الرئيس الحالي والمسئولين الكبار في حكومة السودان) وجميع المسلمين الآخرين من جانب، وأيضاً يميّز بين المسلمين (عموماً) والسكّان غير المسلمين جميعاً. الأكثر سوءاً، أن نفس المذهب يدعو بوضوح الطفل في مجمل المقرر الدراسي والتدريبات إلى الكراهية والحط من الإنسانية، وشن الجهاد ضد غير المسلمين.
    إن العملية التعليمية للملايين من أطفال السودان من غير المسلمين يتم زعزعته وترويعه بشكل خطير، وإهداره في الأساس إذ يتم تعليمهم لينظروا إلى أنفسهم "كأقلية غير مرغوب فيها وعديمة القيمة" في مقابل الأغلبية المستحسنة للأطفال المسلمين، إن حقوقهم في التعليم والاعتقاد الديني منتهكة بشكل جسيم، ويجري تقييد نمو شخصيتهم وقدرتهم العقلية بشكل كامل. حيث أن "أفضل مصالح الطفل يتعيّن إيلاؤها الاهتمام الرئيسي - المادة 3-1"، فان الإسلوب التعليمي لكافة مراحل التعليم يتناقض مع حث الاتفاقية للدول الأطراف على "احترام مسئوليات، حقوق وواجبات الأبوين أو، أينما كان وارداً، أفراد الأسرة الممتدة أو المجتمع، وتوفير - بشكل يتوافق مع قدرات الطفل المتطوّرة- التوجيه والإرشاد المناسب لممارسة الحقوق المعترف بها في الاتفاقية الحالية، بواسطة الطفل - المادة 5".
    إن الدولة مسئولة وفقاً للدستورعن إحترام التنوّع الثقافي والاجتماعي للبلاد. مع ذلك، فان المنهج التعليمي يحقّق فقط حقوق المسلمين. بهذا، فهناك مخاوف عظيمة حول مصير الأطفال غير المسلمين وأيضاً أطفال المسلمين الذين لم يكون آباؤهم، أوصياؤهم الشرعيون، أو أسرهم الممتدة جزءاً من شريعة الجبهة القومية الإسلامية. يتناقض هذا الوضع بشكل مباشر مع مع المادة 12 (1): "يتعيّن على الدول الأطراف التأكيد للأطفال القادرين على تشكيل الآراء الخاصة بهم على حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في كافة المسائل التي تؤثر على الطفل، إعطاء آراء الطفل ما تستحقه من قيمة حسب عمر ونضوج الطفل."
    إن قانون الطواريء الدائمة للجبهة القومية الإسلامية، المراسيم الجمهورية القمعية، فرض قبضة حديدية على المجتمع المدني بواسطة الأجهزة الأمنية للنظام غير المساءلة تجاه أية جهة باستثناء كبار قادة الجبهة القومية الإسلامية، والرقابة المنتظمة على حق التعبير الحر، الصحافة، والأنشطة الفكرية يجعل من الحياة تحت حكم الجبهة القومية الإسلامية جحيماً لا يطاق، ما يعتبر أبعد شيء عن ضمان أدنى مناخ تعليمي سليم. في ظل هذه الظروف، فمن المستحيل على حكومة السودان تحقيق المادة 13: "1- يتعيّن على الطفل الحصول على حق حرية التعبير، هذا الحق ينبغي أن يتضمن حرية البحث، تلقّي ونقل المعلومات والأفكار من كل نوع، غض النظر عن الحدود، سواء شفاهة، مكتوبة أو مطبوعة، بكافة الأشكال، أو من خلال أية وسيلة أخرى من اختيار الطفل. 2- قد يمكن تقييد هذا الحق بضوابط معيّنة، لكن يتعيّن أن تكون هذه الضوابط مستندة للقانون وضرورية: (أ) لإحترام حقوق السكّان الآخرين، أو (ب) لحماية الأمن الوطني أو النظام العام، أو الصحة والأخلاق العامة."
    بنفس القدر، من المستحيل على حكومة السودان الاعتراف بالمادة 14: "1- يتعيّن على الدول الأطراف احترام حق الطفل في حرية الفكر، الضمير والدين. 2- يتعيّن على الدول الأطراف احترام حقوق وواجبات الآباء والأمهات و، أينما كان وارداً، الأوصياء الشرعيين، لتوفير التوجيه للطفل لممارسة حقه / حقها. 3- حرية الممارسة العلنية للدين أو المعتقدات يمكن تقييدها فقط إلى الحدود المنصوص عليها قانوناً والضرورية لحماية السلامة، النظام، الصحة والأخلاق العامة، أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين" أو المادة 15: "تعترف الدول الأعضاء بحقوق الطفل في حرية تكوين الروابط والاتحادات وحرية التجمع السلمي."
    مع إستمرار التقييد الأمني للحق في حرية التعبير، فان حكومة السودان لن تستطيع أن تقول كلمة واحدة في ما يتعلّق بتطبيق المادة 17: "تعترف الدول الأعضاء بالدور الهام الذي تؤديه وسائل الإعلام وتضمن أن تتوفر للطفل السبل للحصول على المعلومات والمواد من مصادر متنوّعة وطنية ودولية، لاسيما تلك الهادفة إلى ترقية السلامة الاجتماعية، الروحية، والأخلاقية والصحة الجسدية والعقلية . . . (د) تشجيع وسائل الإعلام لإيلاء اعتبار خاص للحاجات اللغوية للطفل الذي ينتمي لمجموعة أقلية أو هو/ هي من المواطنين الأصليين."
    بالتحريض المستهتر للتعليم في كافة مراحل التعليم على رؤية جهادية متعطشة للدماء بدلاً عن الجهاد الأكبر الذي يعتبر الكمال الأعظم للروح والعقل الإنساني المسالم، على نحو ما حثّ بشدّة نبي الإسلام المسلمين الأوائل عليه، فان حكومة السودان تنتهك دون خجل المادة 19 في الوقت الذي تتفاوض فيه بمكر من أجل السلام: "يتعيّن على الدول الأطراف إتخاذ كافة التدابير القانونية، الإدارية، الاجتماعية والتعليمية المناسبة لحماية الطفل من جميع أشكال العنف الجسدي والعقلي، الإصابة أو الإساءة، الإهمال أو المعاملة اللامسئولة، سوء المعاملة أو الاستغلال، بما يتضمّن الاعتداء الجنسي، أثناء وجوده تحت رعاية والده (والديه)، الوصي الشرعي (الأوصياء)، أو أي شخص آخر له حق رعاية الطفل." تأكيد احترام أحكام القانون الإنساني الدولي التي تتعلّق بهم في النزاعات المسلحة ذات الصلة بالطفل، المادة 38 (2) تُلزم بأنه "يتعيّن على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير العملية لضمان عدم مشاركة الأشخاص الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشر بدور مباشر في الأعمال العدائية . . . (4) وفقاً لألتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي بحماية السكّان المدنيين في النزاعات المسلّحة، يتعيّن على الدول الأطراف اتخاذ تدابير عملية لضمان حماية ورعاية الأطفال الذين يتأثرون بالنزاع المسلّح."
    إن انتهاكات أخرى للمعايير الدولية من جراء المنهج الضار لحكومة السودان بالسلامة والنمو الصحي للأطفال ترتبط بالمادة 23: "تعترف الدول الأطراف بأن يتمتّع الطفل المعاق عقلياً أو جسدياً بحياة كريمة وكاملة، في الظروف التي تضمن الكرامة، تعزّز الاعتماد على النفس وتيسّر مشاركة الطفل النشطة في المجتمع". وكذا، المادة 24، التي تقول "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الاستمتاع بأعلى قدر ممكن إحرازه من الصحة وتيسير العلاج من المرض وإعادة تأهيل الصحة . . . (أ) لخفض معدّل الوفاة بين الرضّع والأطفال، . . . (ج) لمحاربة المرض وسوء التغذية، بما في ذلك ضمن إطار الرعاية الصحية الأولية، ضمن أمور أخرى، إستخدام التكنلوجيا المتاحة ومن خلال توفير مواد تغذية كافية ومياة شرب نقية، مع الأخذ في الاعتبار أخطار التلوّث البيئي . . . (ف) تطوير رعاية صحية وقائية، الإرشاد للآباء والأمهات والخدمات والتعليم المتعلّق بتنظيم الأسرة . . . 4- تتعهد الدول الأطراف بترقية وتشجيع التعاون الدولي بقصد الوصول تدريجياً للإحراز الكامل للحق المعترف به في هذه المادة."
    إن إهمال المنهج التعليمي للجبهة القومية الإسلامية لهذه الشروط الجوهرية التي تتطلب تعليماً يستند تماماً على العلم في المقام الأول، بالإضافة إلى فرض نصوص دينية لم يُقصد بها في الأصل أغراض طبيّة أو صحيّة في مكانها، لهو تفسير خاطيء آخر من قبل الاستراتيجيين التعليميين للجبهة القومية الإسلامية.

    حاجة ملحّة لإصلاح التعليم في السودان
    من التزييف الديني إلى الديمقراطية الحقيقية
    ليس هناك شك في أن النظام التعليمي القائم للجبهة القومية الإسلامية يعني فقط بتوظيف أطفال السودان في سلك حزب الجبهة القومية الإسلامية الفاشي. هذه العملية التجنيدية كما يتم ممارستها في مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي يجرى اعتماده أيضاً في المرحلة العليا من التعليم. في كل الأحوال، إن أحد أكبر عمليات التلقين في البرامج التعليمية تمّ فرضه بوحشية في المدارس على حساب المصالح الوطنية للسودان والاتفاقية، وأيضاً الدين، بشكل عام، والمعرفة الإسلامية، بشكل خاص.
    لقد خلصت سعاد إبراهيم أحمد إلى إن "حصادنا كان الحرب المدمرة والتبشير الكاذب بأن قتل المواطنين السودانيين هو جهاد ديني من أجل العقيدة!! حصادنا كان الافقار المطرد للشعب بكل فئاته والإذلال المتزايد لسودان العزة والكرامة. حصادنا كان العزلة الاقليمية والدوليةالتي ما شهد الوطن شبيهاً لها عبر تاريخه الطويل . . . غير مجدٍ الحديث عن اصلاح التعليم بكل مراحله ومستوياته بمعزل عن كل ذلك."
    بالنسبة للمنظمة السودانية لحقوق الإنسان - القاهرة، فان الطريق لتقويم خداع الدولة هذا يستلزم عملية طويلة مستنفذة للوقت باستراتيجية بعيدة النظر. على كل حال، يتعيّن الشروع في الاصلاح والتطوير بعناية لتجهيز البديل الصحيح لنظام التعليم الراهن الذي يتم صبغه بخبث سياسياً. بإحداث الديمقراطية في المجتمع والدولة، وتوفير الحريات الأكاديمية، فان التخصّص الواضح في العملية التعليمية يوفر الضمانة المثلى لأعلى قدر ممكن من الحيادية العلمية والنشاط المدرسي عبر روح التساؤل والإبتكار، والإبداع الفكري.
    أولاً: إعاد هيكلة وتشكيل المنهج التعليمي بمجموعة جديدة منتقاة من النصوص التي تهدف بوضوح إلى تشجيع وتحقيق تعايش سلمي لهجين علمي لتنوّع المجتمع السوداني كمجتمع متعدّد دينياً، عرقياً ولغوياً.
    ثانياً: إعادة توجيه المنهج الدراسي بطريقة تفصل أكاديمياً العقائدية، الروحانية، والعلوم الدينية المقارنة من العلوم الإنسانية، العلوم الاجتماعية، والفنون والآداب، والعلوم الطبيعية والتكنلوجيا كمجالات محدّدة للمعرفة الإنسانية.
    ثالثاً: التكامل مع النصوص المتوفرة لمعايير حقوق الإنسان الدولية، التراث البشري (التاريخ، الفنون والآداب، اللغات، الجغرافيا، العلوم السياسية، علم الاجتماع والأنثربولوجيا)، والمواد الأخرى الأكاديمية والعلمية في مراحل التعليم الابتدائي، الثانوي والعالي بالتركيز المتساوي على مغزي، عمق، واتساع كل مادة بأقصى قدر.
                  

العنوان الكاتب Date
حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) فتحي البحيري07-13-05, 08:10 AM
  Re: حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) فتحي البحيري07-13-05, 08:32 AM
    Re: حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) فتحي البحيري07-13-05, 08:36 AM
    Re: حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) فتحي البحيري07-13-05, 08:37 AM
      Re: حقوق الإنسان السودانية : دراسة عن (ثيولوجيا التعليم في السودان ) فتحي البحيري07-13-05, 08:41 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de